الشرق الأوسط ما بين تصفية للحسابات وترسيخ للقوة
*المركز الكردي للدراسات
الصراع قائمٌ منذ بدء الخليقة ما بين الخير والشرّ، والقوة والضعف، فالصراع ما بين الحيوانات يكون غريزيًا ومتعلّقًا برغبة إحداها في البقاء حيًّا على من خلال إفناء الآخر، وقد يُعتبَر ذلك مفهومًا حيوانيًا صرفًا، ليكون بقاء فئة على حساب فئة أخرى رغم عدم وجود قانون أو ضرورة حتمية لذلك، أمّا البشر فيختلفون بطبيعتهم عن باقي المخلوقات الحيّة بالإدراك، ومع ذلك وكما هو معلوم في التاريخ المكتوب أو المتداوَل -على أقلّ تقدير- إنّ الصراع ما بين البشر قد بدأ مع بدء الخليقة، وذلك الصراع ليس على شيء سوى الغريزة واكتساب أكثر ما يمكن بالرغم من معرفتهم المسبقة أنّ هذه الاستفادة تكون لمدة زمنية معيّنة، ألا وهي الحياة الطبيعية المخصّصة لكلّ فرد ليعيشها لا أكثر، ومع ذلك فإنّ هذا الإنسان مازال متمسّكًا بنفس النزعة والرغبة في التسلّط وحبّ التملّك واستغلال بني جلدته، إمّا دون إدراك منه في بعض الأحيان، أوعن سبق إصرار في كثير من الأحيان الأخرى. إنّ أثر الإنسان هو الدليل الوحيد – لحدّ الآن – لتقييمه ومخطّطه الزماني والمكاني على وجه الأرض، وبالتالي؛ فإنّ علماء الآثار وكذلك الدراسات التاريخية لهذه الآثار وشرحها وفكّ رموزها وطلاسمها هو الإعراب الوحيد عن مدى تطوّر الإنسان في فكره وإدراكه وتعاملاته، وتُعتبَر اللغة أو فكّ عقدة اللسان وسيلة التفاهم والتواصل الرئيسية في تواصل البشر مع بعضهم بعضًا وخلق نوع من اللغة في كيفية التواصل والتفاهم حتى مع الحيوانات.
وليس بخافٍ على أحد مدى أهمية الشرق الأوسط في هذا المجال، خاصةً أنّ معظم الآثار التي تُستكشَف للعالم تؤكّد انبعاث الحياة من هذه الجغرافيا وما حولها، ومع تطوّر البشر تدريجيًّا برزت التطوّرات حتى في مجال الصراعات على السلطة والثروة والنفوذ بعدّة أشكال؛ مثل شكل هيئة خلق الإله والأديان والأيدولوجيات والأفكار الفلسفية…الخ.
في الشرق الأوسط والعالم، القوة هي الانتماء الوحيد:
مع وصول الغرب إلى مركز القوة ما بعد العصور الوسطى وتطوير نفسه في مجالات العلوم المختلفة، وفصل الدين عن الدولة وبدء مرحلة التنوير والفلسفة، حاولت بعض الدول الغربية -إن لم نقل معظمها- توسيع دائرتها؛ عن طريق الاحتلالات المباشرة جغرافياً خارج أراضيها وقارّتها، وبطبيعة الحال كانت منطقة الشرق الأوسط من ضمن تلك المستعمرات، عملت الدول الأوربية الغازية على تطبيق مشروعها التقسيمي على أساس القومية والعِرق، وتُعتبَر المملكة المتحدة عرّابة هذا المشروع أو التقسيم الجديد مع بداية القرن التاسع عشر،
وبطبيعة الحال كانت سياسة “فرّق تسدْ” من أبرز السياسات المتّبعة؛ وذلك لسهولة تطبيقها ونتائجها المحقّقة حتماً، أمّا ما ساعد على كل ما سبق فكانت السياسة الدكتاتورية والقمعية، والأمّية التي انتشرت وترسّخت في غضون أربعة قرون من الاحتلال العثماني الهمجي للمنطقة، وما رافقها وتلاها من قمع للحريات وترسيخ لثقافة الجهل والتبعية وتسليط للدكتاتورية على الحكم تحت عباءة الدين والخلافة الإسلامية،
أنّ اتفاقية وزراء كلّ من بريطانيا “مارك سايكس” وفرنسا “جورج بيكو” والتي أصبحت تُعرَف فيما بعد باتفاقية (سايكس – بيكو) تُعتبَر نفطة تحوّل في تاريخ الشرق الأوسط لتقسيم غير عادل بحقّ مكوّنات المنطقة، وربّما يُعتبَر الشعب الكردي والشعب الفلسطيني على رأس قائمة أكثر شعوب المنطقة تضرّراً، وبالتالي؛ فإنّهم ربما يكونون -خاصةً الكرد- أكثر المهيّئين لقيادة عملية التغيير مع وجود وامتلاك القوة، قد يكون لمفهوم القوة في وقتنا الحالي أكثر من منظور وتعريف، ولكن في المحصّلة النهائية؛ القوة هي التي تتحكّم في تصرّفات البشر.
الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو الطاغي على المشهد المحلّي والإقليمي والدولي:
الشرق الأوسط ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين أول) من عام 2023م -بكلّ تأكيد- لم ولن يكون كما قبله، قد تكون هذه حقيقة يعلمها الجميع، وربّما يكون انسداد أفق الحلّ هو من أبرز الأسباب التي أدّت إلى كل ما جرى ويجري إلى اليوم، كما أنّ مماطلة القوى العالمية والإقليمية في إيصال الأطراف إلى حلّ وسطي كانت أيضاً من أهمّ مسبّبات ما جرى ويجري، لكن ربّما يكون تحليل النتائج أهمّ من دراسة أسباب ما جرى، فيجب تحديد المستفيد والمتضرّر -خاصةً مع وجود محاور إقليمية- حيث تعتمد تلك القوى على تصدير مشاكلها الداخلية وخاصةً الأزمات الاقتصادية للخارج، وذلك تحت عباءات الثورة والمقاومة والشعارات الرنّانة، ونخصّ بالذكر هنا تركيا كمحرّك سياسيّ ومن خلفها قطر كمموّل اقتصادي، وربّما لم يعد خافياً على أحد أنّ هذه الخطوة المتهّورة التي قامت بها حركة حماس الفلسطينية إنّما هي بدعم ومباركة تركيّة مباشرة، خاصّةً مع تنصّل المحور الإيراني من كلّ ما يجري في السرّ والعلَن.
في المقابل؛ ربّما أصبح من الأهمية بمكان ضرورة التخلّص من التطرّف والتشدّد الفلسطيني المتمثّل في الحركات الإسلامية وعلى رأسها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وكذلك التخلّص من التطرّف الإسرائيلي المتمثّل في اليمين المتطرّف والأكثر تطرّفاً، وذلك بهدف تهيئة الظروف التي يمكن أن يساعد في إمكانية الوصول للحلّ، ذلك الحلّ الذي لا بدّ أن يكون مستداماً لا إسعافياً أو مؤقّتاً.
سياسات الدول العالمية الكبرى في الشرق الأوسط:
الولايات المتحدة الامريكية:
وبما أنّها تعتبر نفسها “الشرطي” المحافظ على الأمن والسلام العالمي، ومع وجود معظم المكاتب التابعة للأمم المتحدة وهيئاتها على أراضيها، فهي ملزَمة بمتابعة القضايا الرئيسية التي تشغل العالم، لكن مع عدم وجود الحيادية الكاملة في التعامل مع القضايا العالقة فإنّها تؤجّل أو تؤخّر أفق الحلّ، الولايات المتحدة مشغولة اليوم بالانتخابات الرئاسية القادمة، ورغم أنّها دولة مؤسّسات؛ .
إلّا أنّ تلك الانتخابات وبكل تأكيد تبقى الموضوع الرئيسي وتطغى على كل الأحداث التي تجري في العالم، ومع انسحاب الرئيس الديمقراطي الحالي (جو بايدن) بعد الضغوط عليه؛ بسبب التشكيك في وضعه الصحّي وفارق العمر المؤثّر في أداء مهامه خلال الفترة الماضية، أصبحت نائبته الحالية – وبعد تأييد حزبها- المرشّحة الأقوى والأكثر حظوظاً في الفوز بالمقارنة مع الطرف المقابل والمتمثّل بـ (دونالد ترامب) المرشّح عن الحزب الجمهوري والرئيس السابق. بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الانتخابات القادمة؛ يبدو أنّ معظم المشاكل العالقة في الشرق الأوسط ستظلّ حبيسة أدراج الخارجية الأمريكية حتى تتوضّح سياسة الرئيس القادم.
روسيا:
بعد الحرب الأخيرة مع أوكرانيا واستمراريتها ولغاية اليوم، بدأ الدور الروسي في السياسات الخارجية بالتراجع، وبدا ذلك واضحاً في الكثير من المناطق التي كانت تحظى فيها روسيا بنفوذ سياسي أو عسكري، فالحرب الأوكرانية وكيفية حشد الطاقات والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي من أجلها تُعتبَر من أهم أولويات الروس حالياً؛ ويتبيّن ذلك جلياً من خلال رأس الهرم الروسي المتمثّل بالرئيس “فلاديمير بوتين” وتحرّكاته باتجاه الصين الشعبية وكوريا الشمالية، أمّا في الشرق الأوسط، وبالتحديد في سوريا، فيبدو أنّ الدبّ الروسي يكتفي حالياً بالوصول للمياه الدافئة في شرق المتوسط، والسيطرة شبه التامّة على الساحل السوري.
الصين الشعبية:
ربّما تُعتبَر الوساطة الصينية بين السعودية وإيران من أولى وأهمّ الخطوات التي خطتها الصين في سياساتها الخارجية خارج الإطار الاقتصادي؛ وبذلك تكون قد دخلت المجال السياسي من أوسع الأبواب للعمل على تثبيت أقدامها، وتأكيدًا لما سبق؛ فقد دخلت الصين في وساطة بين الفصائل الفلسطينية – وعلى رأسها فتح وحماس – للاتفاق على توحيد الخطاب الفلسطيني، ومن ثم إمكانية التوجّه إلى رعاية وساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أيضاً؛ كلّ ما سبق يدلّ على أنّ النموّ الاقتصادي الصيني المتزايد والنشِط خلال العقدين الماضيين يجعلها تثبّت أقدامها بشكل قوي في رسم السياسات العالمية المستقبلية.
ألمانيا وفرنسا:
وبما أنّهما تقودان الاتحاد الأوربي كأقوى اقتصادَيين في أوروبا، وبما أنّ القارة الأوروبية هي أولى وأكثر مَن تضرّر من الحرب الروسية – الأوكرانية الأخيرة والمستمرّة، فإنّهما أيضاً ملزمتان بترسيخ السلام العالمي، ولكن ليس لهما دور مباشر ومؤثّر في الشرق الأوسط سوى تواجدهما في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب العالمي المتمثّل في الجماعات الإسلامية المتطرّفة وعلى رأسها ما يسمّى (بداعش)، إضافة إلى أنّهما – وخاصةً فرنسا- من أشد الرافضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد؛ بسبب سجلّها السيّء بالنسبة للحريات العامة والخاصة وما يتخلّلهما من قضايا وعلى رأسها القضية الكردية وحقوق الكرد.
سياسات الدول الإقليمية في الشرق الأوسط:
إيران:
تُعتبَر إيران من الدول الكبرى في المنطقة من حيث تاريخها وحضارتها وجغرافيتها، وتلعب دوراً محورياً في العديد من الملفّات الساخنة على الأرض، ولها عدّة أذرع تدير الملفّات الرئيسية في بلدانها بشكل أو بآخر، أمّا في سوريا على وجه التحديد فقد أصبحت لاعبًا أساسيًا في هذا الملفّ، وتغلغلت إلى مفاصل الدولة ومؤسّساتها بشكل سرطاني مؤثّر ومهيمن بالمطلق، وبحسب التقارير والمعلومات الاستخبارية؛ فإنّ إيران تحاول سحب كامل الملفّ السوري من يد الروس، وتقوم بتصفية الأطراف المحسوبة على روسيا بشكل شخصي، وربّما يكون اغتيال المستشارة الإعلامية لرئاسة الجمهورية “لونا الشبل” جزءًا من هذه السلسلة، بطبيعة الحال تحاول إيران تجنّب أي صدام مباشر مع الغرب وحلفائه في المنطقة والمتمثّل بإسرائيل على أرض الواقع، وبدا ذلك جليّاً من خلال تصريحاتها الرسمية في عدم تبنّي أو دعم الهجوم الأخير لحركة حماس، كما أنّ مقتل رئيسها في ظروف غامضة، ووصول رئيس إصلاحي؛ يوحي بالمرونة والابتعاد قدر الإمكان عن المصادمات المباشرة في قادم الأيام.
قطر:
تُعتبَر قطر اللاعب الأسوأ في المنطقة، وهي تدير الملفّات السرية في الغرف السوداء بكلّ مهنية ودقّة متناهية لتنفيذ الخطط التي تُحاك وتدار في غرف الاستخبارات البريطانية، يمكننا القول تجاوزاً (إنّ قطر هي الخادم أو المستعمرة الأخطر) في المنطقة لتنفيذ أجندات الغرب، وتبيّن ذلك من خلال إدارة جولات التفاوض بين أمريكا وحركات التطرّف الأفغانية المتمثّلة بحركة طالبان، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى اتّفاق مبطّن كانت نتيجته الانسحاب المأساوي الأخير للولايات المتحدة من أفغانستان، أضف إلى ما سبق الدعم المالي للدول الداعمة للحركات المتطرّفة؛ وهنا بطبيعة الحال المقصود هي (تركيا) التي بدورها أصبحت الراعية الأم لحركات الارتزاق في شمال غرب سوريا وتصديرها للعالم.
تركيا:
مع ترك فراغ عربي في الساحة الإقليمية وخاصةً (السعودية ومصر) كقوى إقليمية مهمّة وقيادية للعالم الإسلامي السنّي على وجه التحديد، ومع وصول حزب العدالة والتنمية كواجهة للإسلام السياسي مع بداية الألفية الحالية، بدا الجوّ مهيّأً لتركيا لبسط نفوذها على أرجاء المنطقة، والعمل على إطلاق سياسة “صفر مشاكل” مع الجوار والعالم، كذلك الاهتمام بالاقتصاد الداخلي والخارجي، والانفتاح على المشاكل الداخلية وعلى رأسها القضية الكردية، لكن مع اندلاع شرارة “ربيع الشعوب” في الشمال الإفريقي والشرق الأوسط اختلطت الأوراق وتغيّرت الموازين والخطط، وبدأت تركيا – كعادتها- بالتمرّد على ما هو مرسوم لها، فساورت رأس الهرم في تركيا والمتمثّل بشخص رئيسها (رجب طيب أردوغان) الأوهام باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية وقيادة العالم الإسلامي، خاصّة في ظلّ ضعف وتكاسل وتقاعس القوى سابقة الذكر للعب دورها التاريخي، فكانت الانشقاقات التي طالت الحزب في شخص قياداته المقرّبة مثل (عبدالله غول وعلي باباجان وأحمد داوود أوغلو) من أولى نتائج هذا التوجّه والاستدارة، ومع ظهور التيّارات الإسلامية المتشدّدة في سوريا، وصمود الكرد في وجهها في كوباني وتوجيه بوصلة القوى الدولية نحو الكرد؛ كل ذلك أغضب السلطان العثماني وأدّى لتغيير سياساته الخارجية، والتي أثّرت – بالنتيجة -على الوضع الداخلي السياسي والاقتصادي في تركيا، ما أدّى إلى زيادة الاعتقالات السياسية وتدهور في الحالة الاقتصادية والعملة التركية نفسها، أمّا ما يتمّ تداوله حالياً من إمكانية عودة العلاقات ما بين النظامين التركي والسوري وإعادة التطبيع بينهما فقد تكون إشارات تدلّ على أنّ تركيا قد فقدت الأمل من إمكانية التوصّل مع الغرب والقوى الدولية لحلّ يرضي الجانب التركي، ذلك الحلّ المتمثّل بشكل رئيسي وأساسي في القضاء على إمكانية نشوء أيّ جسم أو شكل يخصّ القضية الكردية في غرب كردستان أو حتى القضاء على ما هو مكتسَب في جنوب كردستان، وما كثرة انتشار النقاط التركية وتمركزها في جنوب كردستان (والتي هي بموافقة كلّ من بغداد وهولير) إلّا دليل قاطع لإجهاض هذه التجربة هناك.
سوريا في ظلّ كلّ ما يجري حالياً:
تُعتبَر سوريا وأراضيها حالياً مسرحًا لكلّ ما يجري حالياً من أحداث، أمّا النظام القائم فلا يتعدّى شكل “الرجل الميّت سريرياً” مع وقف التنفيذ، وبالتالي؛ لا يتم تجاوزه لأنّه لم يفارق الحياة بعد، كما لا يمكن الأخذ بمشورته لأنّه لم يعد يمتلك كامل الأهلية، عملياً لم يكن هناك تصادم مباشر ما بين حزب البعث الحاكم والحركة الكردية منذ استقلال سوريا وحتى بدء الحراك السوري سنة 2011م، فقد كانت الحركة السياسية الكردية، ومنذ نشوئها مع أول حزب كردي سنة 1957م، دائماً ما تطالب بالحقوق السياسية في التمثيل والحقوق الثقافية واللغة الكردية، فلا يوجد في أدبيات أي حزب كردي أي نوع من المطالبة بالحكم الذاتي أو أي نوع من الإدارات المحلية، وكانت تعتبر نفسها دائماً جزءًا من سوريا، ومع بدء الحراك تنبّه قسم من الكرد إلى مدى جسامة اللعبة السياسية في الشرق الأوسط؛ فكان الشارع الكردي، كما الشارع العربي، يعيش حالة من الإرباك في ظلّ الأحداث المتسارعة؛ حيث انقسم الشارع الكردي، كما العربي، إلى قسم مع النظام، وقسم آخر مع الحراك أو الثورة، وقسم انتهج الخطّ الوسطي أو “الخطّ الثالث” لمراقبة ما ستؤول إليه الأحداث.
بعيداً عن تصفية الحسابات الدولية والإقليمية على هذه الأراضي؛ يجب على جميع مكوّنات المنطقة أن تعيَ أنّ الحياة المشتركة فيما بينها إنّما هي قدر لها، ويجب العمل على ذلك من قبل الجميع وبروح المسؤولية، وأن تعي كذلك أنّ مسألة قضاء طرف على آخر أو مكوّن على آخر أو ديانة على أخرى لم يعد مجديًا ولا ممكنًا، وأنّ سياسة الرجل الواحد والعَلَم الواحد والوطن الواحد في ظلّ كلّ هذه التطوّرات وتحوّل العالم بأسره إلى قرية صغيرة تُدار عبر شاشة صغيرة، لم تعد ممكنة، ولم تعد المركزية الخانقة أو البيروقراطية البطيئة تنفع معها.
الكرد :
الكرد اليوم هم الأكثر مرونة في إمكانية قيادة هكذا مشروع، ربّما ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة عموماً، كما أنّ مشروع “الأمّة الديمقراطية” مع حفاظ كلّ المكوّنات والديانات على خصوصيتها واحترام الطرف المقابل يمكن أن يكون النموذج الأمثل حالياً، مع ضرورة تطويره ليكون متماشياً مع التغيّرات والأحداث، فالجمود العقائدي أو الأيديولوجي والتزمّت والتعصّب الفكري لم يعد بوارد الديمومة حالياً، بل إنّ المرونة وإمكانية التغيير المستمرّ هي الحلّ الأمثل للمشهد الحالي في الشرق الأوسط.
|