×

  رؤا

جون بولتون:ترامب وإيران... لحظة الحسم أم التراجع؟

17/06/2025

 مستشار الأمن القومي الأميركي السابق / مجلة"فورين افيرز"

 

*كتب المقال قبل ثلاثة ايام من الهجوم الاسرائيلي على ايران 10-6-2025

لا شك أن العالم بات قريبا من لحظة معرفة ما إذا كانت إيران ستنجح مجددا في التفاوض بمهارة واستنفاد صبر السياسيين الغربيين محدودي الحيلة والإبقاء على برنامجها النووي. ففي الخامس من يونيو (حزيران) الجاري صرح دونالد ترامب بأن إيران "تتباطأ عمدا" في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. المهلة التي منحها للمرشد الأعلى علي خامنئي، المحددة بشهرين، انتهت أو على وشك الانتهاء.

 

القرار بات وشيكا، لكن لا مؤشرات واضحة بعد إلى الاتجاه الذي سيسلكه ترمب. هل سيوافق على أن تتدخل إسرائيل عسكريا ضد البرنامج النووي الإيراني، سواء منفردة أو بالتنسيق مع الولايات المتحدة؟ أم إن ما يعرف في "وول ستريت" بـ"صفقة تاكو" TACO اختصار عبارة Trump Always Chickens Out (ترامب يتراجع دائما) ستشهد فصلا جديدا؟ في الواقع، حتى ترامب نفسه قد لا يملك جوابا واضحا حتى الآن.

قد يراهن ترامب على الترويج لاتفاق نووي يقدمه على أنه أفضل من اتفاق باراك أوباما المعيب عام 2015، لكن في هذا مقامرة سياسية داخلية محفوفة بالأخطار. فقبوله باتفاق يشابه في جوهره اتفاق أوباما، ويبقي على أي قدرة لإيران في تخصيب اليورانيوم، ناهيك بالتطور الكبير الذي حققته طهران حتى الآن، سيجعله مكشوفا سياسيا أمام خصومه. وإذا سمح لطهران بمواصلة التخصيب بأي صيغة كانت، حتى عبر ترتيبات تحمل طابع "ائتلاف دولي"، فإن ادعاءاته بتفوقه على أوباما وكبحه فعليا طموحات إيران النووية، ستتلاشى على الفور وتثبت زيفها.

خطر أن يبدو ترامب وكأنه تراجع أمام إيران يظل قائما حتى لو جرى تغليف الاتفاق بمصطلحات مثل "موقت"، أو "محدود زمنيا"، أو تزيينه بأي صيغة تجميلية. فالاتفاق المموه بشكل ركيك يعد نوعا من التضليل الصريح، وسينكشف عاجلا أو آجلا، وعندها ستكون الكلفة السياسية على ترامب كبيرة وطويلة الأمد. اندفاعه المحموم لإبرام صفقة دفع حتى الجمهوريين في الكونغرس، على رغم ترددهم المعتاد في معظم القضايا، إلى التكتل خلف مطلب واضح: لا تخصيب لإيران تحت أي ظرف. وعلى رغم إصرار ترامب المتكرر على أنه لا يريد استخدام القوة، فإن الإطار الذي وضعه بنفسه لهذا الملف، إلى جانب المعطيات السياسية والعسكرية، قد يتركه بلا خيارات حقيقية قريبا.

في هذا السياق، تفيد تقارير بأن دول الشرق الأوسط المنتجة النفط تعمل بهدوء خلف الكواليس، لتسهيل التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. وبطبيعة الحال، سيكون رد دول الخليج العربية إيجابا إذا سئلت عما إذا كانت تفضل إنهاء برنامج إيران النووي بطريقة سلمية. لكن الواقع يفرض عليها سؤالا أكثر حساسية: إذا كان لا مفر من مواجهة خطر صدام مع إيران، فهل الأفضل أن يحدث ذلك قبل أن تمتلك طهران سلاحا نوويا قابلا للإطلاق أم بعده؟

عند النظر إلى الأمر بعمق، لا يبدو أن هناك سوى إجابة واحدة معقولة، إلا إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي مستعدة للعيش تحت مظلة التهديد النووي الإيراني، أو الدخول في سباق تسلح شامل نحو امتلاك أسلحة نووية، وهو سباق تبدأ فيه وهي متأخرة كثيرا عن طهران.

من غير المفاجئ أن يعبر قادة دول شبه الجزيرة العربية عن قلقهم من أنهم قد يتحولون إلى أهداف لهجمات إيرانية انتقامية إذا أقدمت إسرائيل أو الولايات المتحدة على ضرب البرنامج النووي. وبالنظر إلى الرؤية الغريبة والعدائية التي تحكم نظرة طهران إلى العالم، يخشى هؤلاء القادة أن يجدوا أنفسهم في مرمى نيرانها.

وتشارك الولايات المتحدة هذا القلق، إذ تخشى أن تتعرض قواتها المنتشرة في الشرق الأوسط لهجمات مباشرة، أو أن توسع إيران من دعمها الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المأجورة العابرة للحدود. أما إسرائيل فلا تحتاج إلى تخمين: طهران ووكلاؤها، وعلى رأسهم "حزب الله"، سيسعون إلى الرد بأي وسيلة ممكنة.

لكن تقييم رد الفعل الإيراني يجب ألا يقتصر على سرد الإجراءات التي قد تتخذها طهران، فذلك يمنح مجموعة واسعة من التهديدات المحتملة وزنا وصدقية لا تستحقها، ويصب عمليا في مصلحة إيران. الواقع أن طهران اليوم في أضعف موقع استراتيجي لها منذ الثورة الإسلامية عام 1979: وكلاؤها من الجماعات المسلحة مثل "حماس" و"حزب الله" تعرضوا لضربات قاسية، وإن لم يقض عليهم بالكامل، نظام بشار الأسد في سوريا سقط، الحوثيون أضعفوا على نحو ملحوظ، وإيران نفسها تكبدت خسائر كارثية في منشآت إنتاج الصواريخ الباليستية، إلى جانب أضرار لحقت ببعض عناصر برنامجها النووي. فهل بإمكان نظام يعيش هذا الوضع الهش أن يتحمل الانتظام في مواجهة مع أربعة أو ستة أطراف جديدة؟ خصوصا في ظل ما يعانيه داخليا من تحديات تهدد بقاءه.

التهديدات الإيرانية تبدو، في ضوء هذا الواقع، جوفاء إلى حد كبير. ولهذا فإن المصلحة الأميركية والخليجية تتقاطع الآن أكثر من أي وقت مضى، مما يستدعي أن تدمج واشنطن استراتيجيتها الدفاعية والردعية تجاه إيران مع شركائها في الخليج، بما في ذلك توفير الحماية لقواتهم في إطار الاتفاقات الدفاعية القائمة.

يعتقد كثر أن إسرائيل لن تقدم على تحرك حاسم ضد البرنامج النووي الإيراني من دون موافقة أميركية صريحة، لكن هذا الاعتقاد خطأ. فإسرائيل، كدولة صغيرة جغرافيا، مثل سنغافورة ومعظم دول الخليج، تدرك ما يشكله السلاح النووي من تهديد وجودي. فبضع قنابل نووية فقط قد تكون كافية لإنهائها بالكامل. وكثيرا ما تصرفت إسرائيل بمفردها في مواقف مشابهة، فقد ضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981، واستهدفت منشأة نووية في سوريا عام 2007، وهاجمت أحد المواقع المرتبطة ببرنامج إيران النووي، الذي لم يخضع يوما لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قاعدة بارشين العسكرية عام 2024.

أمام التهديد الوجودي الذي تمثله إيران ستفعل إسرائيل ما تراه ضروريا، بغض النظر عن المواقف الدولية. فبنيامين نتنياهو، على وجه الخصوص، يدرك تماما المثل الأميركي القائل "من الأفضل أن تطلب الغفران على أن تطلب الإذن". وإذا امتنعت إسرائيل عن التحرك فلن يكون بإمكانها لوم أحد سوى نفسها.

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  كينيث م. بولاك:خيار طهران الأخطر للرد على إسرائيل
←  جون بولتون:ترامب وإيران... لحظة الحسم أم التراجع؟
←  توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط..أمريكا وإيران والمحور العربي
←  لاري دايموند: الديمقراطية بدون امريكا
←  كيف سيغير ترامب العالم؟
←  امرأة في البيت الأبيض
←  ستيفن هادلي:محور الخاسرين الذي يقوده شي جين بينغ
←  استراتيجية امريكا للتجديد.. إعادة بناء القيادة في عالم جديد
←  إسرائيل تسير نحو الهلاك
←  فورين افيرز:لا تتركـــوا العــــراق
←  جون ب. ألترمان:خيار الانفراج بالنسبة لإيران
←  حرب غزة تُغيّر الشرق الأوسط.. وتُشعل شرارة التطرف
←  كيفية إنقاذ الديمقراطية من براثن التكنولوجيا
←  ايان بريمر:​الحرب الباردة تشتعل مُجدداً
←  المزيد من حروب الطائرات من دون طيار على الأبواب
←  القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ..ترشيد لاانسحاب