×

  رؤا

سوران الداوودي ...رؤى ومواقف

14/07/2025

سوران الداودي

كاتب واعلامي كردي

سوران الداودي، الكاتب والمحلل السياسي الكردي، يتناول في مقالاته العديد من القضايا الحيوية التي تتعلق بالشأن الكردي والإقليمي، وخاصة فيما يخص الاتحاد الوطني الكردستاني ودوره في السياسة الكردية، إضافة إلى التعاطي مع موضوع التعايش في كركوك وتحدياته.

في تحليلاته، يسعى الداودي إلى تسليط الضوء على تاريخ الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أسسه الراحل جلال طالباني، موضحًا كيف أن الحزب شكل عنصرًا أساسيًا في معادلة السياسة الكردية في العراق. إلا أن الداودي لا يتردد في تقديم نقد بناء للأداء السياسي للحزب، لا سيما في ظل رئاسة بافل طالباني، حيث يطرح أسئلة حول قدرة الحزب على التأقلم مع المتغيرات السياسية، الداخلية والخارجية.

بخصوص كركوك، يركز الداودي في مقالاته على حالة التعايش بين المكونات العرقية والدينية المختلفة في المدينة. يبرز التحديات التي يواجهها الكرد في الحفاظ على حقوقهم في كركوك، التي تُعتبر قلبًا ثقافيًا وسياسيًا لكردستان، في الوقت الذي يسعى فيه كل طرف، سواء كان العرب أو التركمان، لتحقيق مكاسب سياسية في هذه المنطقة المتنازع عليها. من خلال هذا السياق، يناقش الداودي الآفاق المستقبلية للتعايش المشترك في كركوك، ويطرح حلولًا لإدارة المدينة بشكل يتسم بالعدالة والمساواة بين جميع سكانها.

بذلك، يقدم سوران الداودي في مقالاته رؤية نقدية وعملية لمستقبل الاتحاد الوطني الكردستاني ورئاسة بافل طالباني، مع التركيز على القضايا الساخنة في كركوك، مما يعكس التحديات التي تواجهها كردستان في مسيرتها السياسية والاجتماعية.

من اجل التوثيق و اطلاع القاريء على مواقفه فيما ياتي باقة من مقالاته مع تواريخ كتابته :

 

من يقرر متى واين يكون التركماني مهمًا؟

2025-07-09

بدايةً، أتمنى من الإخوة السياسيين من أبناء المكون التركماني، والذين يعرفون جيدا مواقفي السابقة والحالية من مسالة كركوك والتركمان ألّا يسارعوا إلى اتهامي بالنَفَس القومي أو القصد المبيت فموقفي هذا لا يعكس بالضرورة وجه نظر حزبية ، فالذي انا بصدد طرحه ليس سوى محاولة من مواطن كركوكي لتأطير أزمات  تهدد التوازن والتعايش الذي نحرص عليه جميعًا، كردًا، وعربًا، وتركمانًا.

إن الحديث عن حقوق التركمان لا يمكن أن يكون انتقائيًا، ولا يجوز أن يُختزل في محافظة دون أخرى. فإذا كان الحديث في كركوك يتمحور حول “الاستحقاق القومي” للتركمان، فما الذي يمكن أن نقوله عن تلعفر، أكبر أقضية العراق، ذات الأغلبية التركمانية في محافظة نينوى؟ أليس من المفارقة أن التركمان هناك   لا يحصلون على أي تمثيل إداري يوازي ثقلهم السكاني والتاريخي؟ ولا نكاد  نسمع صوتًا يطالب بذلك، سواء من داخل المكون التركماني أو خارجه.

فإذا كان عدد التركمان في نينوى يساوي – أو ربما يفوق – عددهم في كركوك، فلماذا لا نرى نفس الحِميّة في المطالبة بالمناصب أو المشاركة السياسية؟ هل العدالة القومية تُقاس بالجغرافيا؟ أم أن الأمر سياسي بحت و يتم توظيفه حين يخدم مصلحة ما، ويُترك جانبًا حين لا يكون أداة ضغط مفيدة؟.

 أربيل التي هي عاصمة إقليم كردستان، حيث يعيش فيها عشرات الآلاف من التركمان، ممن كانوا مشاركين في بناء المدينة ومؤسساتها. فأين الحقوق القومية هناك؟ لماذا لا تُرفع الشعارات ذاتها التي تُرفع في كركوك؟ هل يُفترض أن تُمنح الحقوق حسب المزاج السياسي؟ أم أن التركماني في كركوك أكثر  استحقاقا من التركماني في أربيل أو الموصل؟.

وكذلك في محافظة صلاح الدين، نجد حضورًا تركمانيًا في مدن مثل آمرلي وطوزخورماتو، حيث لعب التركمان دورًا وطنيًا وأمنيًا كبيرًا وتعرضوا الى اضطهاد قومي ومذبي على يد الأنظمة السابقة ، لكن دون أن يوازي ذلك تمثيل إداري حقيقي أو إنصاف سياسي. وكذلك في كفري، حيث للتركمان وجود راسخ وتاريخي رغم  ان أعدادهم  باتت قليلة بسبب الهجرة ، فإن غياب أي حديث عن حقوقهم هناك يعيدنا إلى ذات السؤال: من يقرر متى وأين  يكون التركماني مهمًا؟ ومتى تُستحضر قضيته؟ والى متى يُترك بلا صوت ولا حماية؟.

التركماني هو تركماني… سواء كان في كركوك أو تلعفر أو أربيل أو كفري أو طوزخورماتو. ومَن يؤمن بحقوقه القومية حقًا عليه أن يطالب بها أينما وُجد لا أن يحصرها في موقع واحد يُراد استخدامه كورقة ضغط أو موقع نفوذ

إن الاستحقاق القومي لا يكون انتقائيًا وانما شاملاً, وحين تُرفع المطالبات في كركوك بمنح منصب للتركمان فلا بد من رفع الصوت نفسه في تلعفر وأربيل وصلاح الدين وكفري وسائر المدن. أما أن تُنتقى كركوك وحدها فذاك ليس موقفًا قوميًا بل موقف سياسي تُديره الحسابات وتُوجهه المصالح.

المشكلة إذن ليست في شكل المطالبة، بل في ازدواجية المعيار، وفي التعامل مع “الهوية” كمجرد وسيلة لتحقيق مكاسب آنية.

ان المطالبة بالمناصب يستدعي أولا الإقرار بشرعية الإدارة القائمة لا مهاجمتها او نزع الالصفة القانةنية منها ,المدخل الطبيعي لأي استحقاق قومي يبدأمن المشاركة في الإدارة ثم المطالبة بالحقوق .

إن ما نحتاجه اليوم هو موقف وطني صريح، يتعامل مع التركمان كأحد الأعمدة الوطنية الراسخة، ويمنحهم ما يستحقونه من تمثيل واحترام، لا لأنهم ورقة ضغط، بل لأنهم أبناء هذا الوطن، في كل رقعة منه.

 

 

 

ليس المواطن هو من أخطأ… فلماذا يُعاقب؟

2025-07-08

بين أربيل وبغداد، لا تزال الخلافات السياسية والقانونية تشقّ طريقها على حساب أضعف حلقة في هذه المعادلة: المواطن.

ذلك المواطن الكردي الذي يستيقظ كل صباح ليذهب إلى وظيفته، ويؤدي واجبه على أتم وجه، كما يفعل زميله في البصرة والنجف والأنبار… لكنه، ولأسباب لا يد له فيها، يعود إلى بيته صفر اليدين، مثقلاً بالديون، مكسور الخاطر، حائر النظرة في عيون أطفاله.

فما ذنبه؟

أهو من كتب بنود الدستور المختلف عليه؟

أهو من أدار المفاوضات السياسية وفشل في الوصول إلى حل؟

أهو من قرر أن تبقى أبواب الحلول موصدة، والمواقف متصلّبة، والرواتب معلّقة فوق مشنقة الخلافات؟

لا، لم يفعل شيئًا من هذا كله.

هو فقط مواطن عراقي… شاءت الجغرافيا أن يكون في إقليم كردستان، لكنه يحمل ذات الهوية، ويدفع ذات الضرائب، ويؤمن بذات الوطن.

فلماذا يُحرم من راتبه؟

لماذا يُحرم المتقاعد الذي أفنى عمره في خدمة الدولة من حقّه في العيش بكرامة؟

لماذا يُعاقب الموظف لأنه يعيش في محافظة لديها نفط أو منافذ أو نزاع سياسي؟

نحن لا نطلب من الحكومة أن تتنازل عن مبادئها، ولا أن تتجاهل الخلافات الدستورية،

لكننا نطلب منها أن تتذكر الإنسان قبل النصوص،

أن ترى وجه الأب العاجز عن شراء حليب لطفله قبل أن ترى التقارير القانونية،

أن تُفرّق بين خلافها مع الإقليم… وبين واجبها تجاه المواطن.

إن ما يقع من مسؤولية على حكومة الإقليم، يقع بالقدر نفسه، وربما أكثر، على الحكومة الاتحادية.

فهي “الأم” الدستورية لهذا الشعب، كلّه،

وهي التي تملك مفاتيح الحل، ومقدرة العدل.

الراتب ليس منّة.

الراتب ليس ورقة ضغط.

الراتب حقّ.

ومَن يُحرم من حقّه، تُهدَر كرامته، وتُطعن مواطنته في الصميم.

أطلقوا رواتب الإقليم.

افصلوا قوت الناس عن صراعات السياسة.

فلا دولة تُبنى على حساب الجياع… ولا وطن يستقرّ إذا ما جاع جزء منه

 

 

 

عصر الذكاء الاصطناعي.. حين تغيب الجغرافيا وتشتعل الحرب دون جيوش

2025-07-06

لم تعد الحرب كما نعرفها. فزمن البطولات الكلاسيكية والاصطفافات العسكرية التقليدية قد طُوي، و سقطت معه مفاهيم النصر والهزيمة كما عرفتها البشرية في القرن العشرين. نحن الآن في عصر جديد… عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تُخاض المعارك بلا جيوش، وتُدار الحروب بلا حدود، ويغيب الجندي عن الميدان ليحل محلّه “الدرون” و”الخوارزمية” و”السايبر.”

في هذا العالم الجديد، لا يصطف الجنود في الخنادق، بل تُطلق الطائرات المسيّرة من آلاف الكيلومترات، وتُزرع فيروسات رقمية قادرة على تعطيل أنظمة الطاقة والبنى التحتية، وتُستخدم البيانات كسلاح استراتيجي بامتياز. لم يعد جسد الإنسان طرفًا في المواجهة، بل أصبح العقل – وتحديدًا العقل الاصطناعي – هو من يحرك خيوط اللعبة.

لعلّ أفضل تمثيل لهذه التحوّلات هو الصراع القائم بين إيران وإسرائيل. صراع لم تشبه الحروب التقليدية، ولم تزحف فيه دبابات على الحدود، لكن نيرانه تشتعل يوميًا في سماء سوريا، ومياه الخليج، وساحات الإنترنت، ومختبرات الطاقة النووية.

إسرائيل، التي طالما اعتمدت على التفوق الجوي والتكنولوجي، باتت تخوض معركتها مع إيران عبر عمليات دقيقة تستهدف البرنامج النووي الإيراني عبر الاختراقات السيبرانية أو الطائرات المسيّرة، كما حدث في الهجوم على منشأة “نطنز” الشهيرة، الذي عطل أجهزة الطرد المركزي وأعاد البرنامج شهورًا إلى الوراء. في المقابل، ردّت طهران بأساليب مماثلة، شملت محاولات اختراق البنية التحتية الإسرائيلية، وهجمات عبر وكلاءها في المنطقة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.

هذه الحرب غير التقليدية باتت تعتمد على خنق الخصم وإرباكه، لا على احتلال أرضه. لم تعد الجغرافيا مهمة، فقد تجري الحرب من غرفة عمليات رقمية في تل أبيب ضد منشأة في أصفهان، أو من طائرة مسيّرة تطير فوق البحر الأحمر لتضرب هدفًا في قلب إسرائيل.

الردع، كما عرفناه، لم يعد قائما على حجم الجيوش أو عدد الرؤوس النووية، بل على مدى القدرة على “شل” قدرة الخصم دون إثارة حرب شاملة. إسرائيل تدير استراتيجيتها حاليًا على أساس “الردع الغامض”، إذ تضرب دون تبنٍ رسمي، وتترك للخصم عناء التقدير والرد. وإيران بدورها تلعب لعبة النفس الطويل، وتستثمر في شبكة إقليمية من الحلفاء والوكلاء، تجعل الحرب غير المباشرة أكثر تكلفة من أي معركة نظامية.

لقد أصبحت العمليات الخفية – السيبرانية، الجوية الدقيقة، أو الأمنية – أكثر تأثيرًا من أي اشتباك بري. كما أن تكلفة الحرب أصبحت موزعة، حيث تُخاض بالوكالة، وبأدوات غير مرئية، لكنها دقيقة ومميتة

إن أكثر ما يُقلق في هذا التحول الاستراتيجي هو أن ساحة الحرب باتت تشمل الجميع: المدنيون، المؤسسات، المدن الذكية، وحتى البيانات الشخصية. لم يعد هناك “خط مواجهة” واضح، بل أصبح العالم كله متصلًا بهذه المعركة الصامتة. ففي زمن الذكاء الاصطناعي، أي شبكة متصلة قد تصبح ساحة معركة، وأي طائرة بدون طيار قد تحمل “رمز البداية” لحرب أكبر.

نحن في زمن يكتب فيه العقل الاصطناعي سيناريوهات الحرب، ويضع الإنسان خارج مشهد المعركة دوره مهمش  إلا كضحية أو محلل متأخر.

 

 

كركوك أمانة… وسنكون على قدر الأمانة

2025-06-29

لم تكن كركوك يوماً هامشاً في أجندة الاتحاد الوطني الكردستاني، بل كانت دوماً في قلب المعادلة، وقبلة نضاله السياسي، ومصدر سياساته الوطنية. واليوم، ونحن بصدد مرحلة ديمقراطية جديدة، نعود إلى أبناء كركوك بثقة عالية، لأننا نحمل في يدنا رصيداً من الإنجاز، وفي الأخرى خطة طموحة لمستقبل أفضل.

نحن لا نبيع الوهم. نقول بوضوح: الأصوات لكم، والمسؤولية علينا. اتركوا الأعمال الصعبة لنا، فنحن مستعدون لتحملها. وعدناكم بإعادة المحافظ إلى أهله، ووعدناكم بخدمة عادلة، ووفينا. والآن نعدكم بأن ننقل معركة الحقوق إلى بغداد، حيث ستكون قضيتكم صوتنا، وهمومكم برنامجنا.

نجحنا في اختيار محافظ خدوم يملك إرادة العمل ويضع كركوك أولاً. واليوم نقدم لكم فريقاً كفوءاً وعملياً، يعرف الأرض ويفهم الناس، ويؤمن أن خدمة المواطن هي معيار النجاح الوحيد. سنكرر نجاح كركوك، لأننا نعرف الطريق وقد جرّبتمونا من قبل.

نعرف أن معركة كركوك ليست محلية فقط، لذلك سنجعل بغداد منبراً سياسياً للدفاع عن حقوق كركوك. من خلال تنسيق محكم بين الإدارة المحلية وممثلينا على المستوى الاتحادي، سنضمن أن صوت كركوك مسموع، وأن حقوقها مصانة، وأن خطط الإعمار والخدمة والتنمية مفعّلة.

قالها الرئيس مام جلال يوماً بصدق وإيمان: كركوك قدس كردستان. واليوم، الرئيس بافل طالباني يؤكد أننا لن نفرّط بهذه الأمانة. كركوك ليست ورقة سياسية، بل وعد تاريخي، ونحن على قدر هذا الوعد. سنحافظ على تنوعها، ونصون مكوناتها، ونضمن أن العيش المشترك هو طريق الأمن والاستقرار، لا عسكرة المدن ولا منطق المليشيات.

نحن نرى في شباب كركوك طاقة إعمار وقوة تغيير. لذلك نضع على رأس أولوياتنا توفير فرص العمل لهم، ورعاية طموحاتهم، ودعم الرياضة والرياضيين لأنهم حجر الأساس في بناء مجتمع شاب وصحي.

لا نعدكم إلا بما نستطيع تنفيذه. ومن يعرفنا، يعرف أننا نلتزم. وعدناكم بإعادة الاعتبار لكركوك، ونجحنا. وعدناكم بوجود كردي قوي في المحافظة، ووفينا. واليوم، نعدكم بأن نجعل كركوك مركزاً لصناعة القرار، لا ضحية له. ونعدكم بأن نعيد كل حقوق كركوك من بغداد، بشجاعة وصبر وذكاء سياسي.

نطلب ثقتكم، لا لنعود إلى الماضي، بل لنتقدم إلى الأمام. كركوك أمانة، وسنكون على قدر الأمانة.

 

 

الانتخابات في كركوك اختبار للخطاب

2025-06-25

كلما اقترب موعد الانتخابات، سواء كانت برلمانية أو لمجلس المحافظة، تشتد حرارة الخطاب السياسي في كركوك، ويعلو صوت الشعارات القومية، وتتغير نبرات الساسة تجاه “الآخر”، وكأنّ المدينة تعود إلى المربع الأول في كل موسم انتخابي. في هذا السياق، لا يبدو الخطاب السياسي في كركوك عابرًا أو عفويًا، بل هو انعكاس عميق لتموضعات القوى القومية ومحاولاتها لاستثمار التوترات وتجييش الجمهور.

لكن ما يميز الكرد، وتحديدًا الاتحاد الوطني الكردستاني، هو اختلافه الواضح في أسلوب التعاطي السياسي داخل كركوك، إذ يتبنى خطابًا عامًا يتوجه للعرب والتركمان إلى جانب الكرد، في إشارة إلى إيمانه بضرورة ربط الحلول السياسية ببعضها، وعدم فصلها بحسب المكونات. هذا الخط العام، الذي ينطلق من رؤية شاملة للتعايش والشراكة، لا يلقى له نظيرًا في الخطاب العربي أو التركماني، حيث تميل معظم الأطراف الأخرى إلى خطاب موجه لمكونها فقط، ما يعكس عقلية الانغلاق القومي وضعف الرؤية الجامعة.

ولعل المفارقة أن هذا الخطاب الأحادي للقوى غير الكردية يخدم – من حيث لا تحتسب – الجانب الكردي كثيرًا. فكلما ارتفعت نبرة التوتر القومي، وساد الخطاب الحاد، ازدادت سهولة تعبئة الشارع الكردي، وتشجيعه على المشاركة بكثافة في الانتخابات، كردّ فعل على حالة الإقصاء أو التهديد المتخيلة أو الواقعية.

وفي ضوء ذلك، يُفهم أن استراتيجية الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك لا تقتصر على العمل الجماهيري داخل مكونه فقط، بل تمتد إلى المكونات الأخرى، في محاولة لصياغة خطاب توافقي جامع، يعيد تعريف السياسة على أنها أداة للتقريب لا للتنافر، وللشراكة لا للإقصاء. ومع ذلك، فإن استمرار بعض الأطراف في رفع شعارات تقسم المجتمع وتهدد السلم الأهلي، يضع مستقبل كركوك السياسي أمام مفترق طرق حقيقي، ويزيد من الحاجة إلى خطاب مسؤول وحكيم يراعي توازنات المدينة وتعقيداتها.

إن كركوك، بكل مكوناتها وتاريخها، لا تحتمل صراعات مؤقتة من أجل مكاسب انتخابية، بل تحتاج إلى مشروع مستدام يتجاوز اللحظة الانتخابية نحو بناء مدينة تتسع للجميع، بخطاب عقلاني لا قومي ضيق.

 

 

“هيرو إبراهيم أحمد… المرأة التي صنعت التاريخ بصمت الجبل”

2025-06-13

 في التاريخ، ثمة شخصيات تصنعها اللحظة، تولد من رحم الظروف، فتسير على طريق ممهّد، مرصوف بأفعال السابقين. وهناك من يتجاوزون اللحظة، ويصنعون التاريخ نفسه، يرسمون المسار، ويغيّرون الموازين. لا ينتظرون الفرصة بل يخلقونها. وهيرو إبراهيم أحمد واحدة من هؤلاء.

لقد عرف الكرد عبر تاريخهم الطويل رجالاً ونساءً واجهوا الاستبداد، ودفعوا ثمناً باهظاً في سبيل الكرامة والهوية. لكن قلة هم من جمعوا بين الحنكة السياسية والاتزان الأخلاقي، بين العاطفة الصادقة تجاه شعبهم والقدرة على صناعة القرار في أوقات المحن. هيرو إبراهيم أحمد، ابنة المفكر والزعيم الكردي الكبير إبراهيم أحمد، لم تكن مجرد وريثة لاسم كبير، بل كانت امتدادًا واعيًا وفعّالًا لتاريخ طويل من النضال، بل وقوة دافعة في لحظات مفصلية من تاريخ كردستان والعراق.

هيرو لم تبدأ من القصور، بل من الجبال. لم تكن حياتها ترفًا سياسيًا بل مسيرة من التحدي، من صلب المعاناة. رافقت رفيق دربها،  فقيد الامة الرئيس  جلال طالباني، في أقسى اللحظات. لم تكن شريكة حياة فقط، بل شريكة مشروع ونضال وهوية. لم تكن الظل بل النور الآخر في المعركة.

في زمن القمع، حين كان الصوت الكردي يُخنق، كانت هيرو تكتب، تفكر، تنظم، وتحمي. أدارت مفاصل إعلامية وثقافية مهمة، وأشرفت على ملفات حساسة لم تكن تقل شأنًا عن وزارات أو مؤسسات. كانت القوة الناعمة التي تبني بينما تتقدم البنادق.

من الجبل إلى بغداد… مناضلة وسيدة أولى

حين أصبح جلال طالباني رئيسًا لجمهورية العراق، لم تغير هيرو جلدها. لم تنسَ الجبل، ولا النضال، ولا الأيام الصعبة. دخلت القصر الجمهوري لا كامرأة أولى تبحث عن الأضواء، بل كرمز وطني تمثل تاريخًا وموقفًا. كانت صوتًا داعمًا للمرأة، للأطفال، للثقافة، للعدالة. استخدمت منصبها لتقوية المجتمع المدني لا لترسيخ امتيازات شخصية.

وقد حافظت، في كل ذلك، على أسلوبها الخاص: الصمت المهيب. كانت لا تسعى إلى الواجهة، لكن حين تظهر، تصمت الصخب من حولها، لأن حضورها كان امتدادًا لتاريخ لا يُشترى ولا يُصنع في يوم.

اليوم، حين نقرأ تاريخ الحركة الكردية في العقود الأخيرة، نقرأ اسم هيرو لا كذكرى بل كمسار. هي ليست صفحة في كتاب بل عنوان في فصول متعددة. صممت، دعمت، ضحّت، وثبتت. وبين سطور السياسة والثقافة والإعلام، نجد بصمتها، واضحة لا تزاحم أحدًا لكنها تُلزم الجميع باحترامها.

هيرو إبراهيم أحمد لم تكن  سيدة العراق الأولى فقط ، بل سيدة جبل قنديل، وسيدة الكلمة الصادقة، وسيدة الرؤية الصامتة التي تفعل ولا تقول. لقد صنعت التاريخ بصبر الكرديات، وعزيمة المناضلات، وإيمان القادة الحقيقيين. وما زال حضورها اليوم، وإن بدا هادئًا، يحمل وقعًا لا يُنسى في ذاكرة أمة لا تزال تصعد جبل حريتها.

 

 

خمسون عامًا من النضال… نحو تجديد لا ينتهي

2025-05-24

في لحظة مفصلية من تاريخ العراق الحديث، وقبل خمسة عقود، وُلد مشروع سياسيّ مختلف، حمل على عاتقه تمثيل الصوت الحقيقي لشعب كردستان، وسعى لإرساء دعائم دولة عادلة لجميع مكوناتها. تأسس الاتحاد الوطني الكردستاني، ليس ليكون مجرد حزب سياسي، بل ليكون صوت كردستان الحقيقي، ونبض العراق الثابت.

ولد الاتحاد الوطني من رحم الانكسار، لكنه لم يكن استجابة انفعالية، بل انبثق من توجهات جديدة ومراجعات عميقة، اعتمد فيها على المزج بين الطروحات الفكرية المتعددة، وتكريسها في مشروع سياسي كردي جامع، يؤمن بالتنظيم، ويُراهن على وعي الجماهير. لقد فتح هذا المشروع مساحات جديدة في أساليب المواجهة، فكانت جبال كردستان منطلقًا لثورةٍ شاملة، لم تكن عسكرية فقط، بل فكرية وإعلامية وتنظيمية، نجحت في مقارعة أعتى الدكتاتوريات وأكسبت النضال الكردي أفقًا جديدًا.

منذ تأسيسه، اختار الاتحاد الوطني الكردستاني خط النضال والتضحية، في مسيرة امتدت خمسين عامًا من العمل الوطني والقومي، حيث حافظ على ثوابته السياسية والوطنية، دون أن يتردد في مراجعة مساراته وتحديث أدواته. تجديد في المسار، وثبات في المبادئ كان الشعار الذي رافق هذا الكيان في كل مراحله، من الجبال إلى قاعات البرلمان، ومن ساحات القتال إلى طاولات الحوار.

اليوم، وفي الذكرى الخمسين لانطلاقته، يؤكد الاتحاد الوطني أن المستقبل يُبنى على القيم والهوية، لا على الشعارات العابرة. نصف قرن… والمستقبل لنا، بقيمنا وهويتنا، فالاتحاد لم يكن يومًا حزبًا منغلقًا على ذاته، بل مشروعًا متجددًا ينفتح على كل الأطراف ويُصغي لصوت الشعب.

من كردستان إلى بغداد… ماضٍ نعتز به ومستقبل نبنيه. بهذا الإيمان، يواصل الاتحاد الوطني الكردستاني دوره البنّاء في العملية السياسية العراقية، ممثلًا صادقًا لطموحات الكورد، وشريكًا حقيقيًا في رسم ملامح عراق ديمقراطي فدرالي تعددي. فالشراكة القومية والوطنية لم تكن محطة مؤقتة، بل خيارًا استراتيجيًا أثبتته التجربة، وتعززه الذاكرة المشتركة.

وفي وقت تتبدل فيه التحالفات وتتغير فيه التوازنات، تبقى الثوابت لا تُساوَم… والتجديد خيارنا الدائم. فالاتحاد الوطني يدرك أن الحفاظ على الثوابت لا يعني الجمود، وأن التجديد لا يعني التخلي عن المبادئ.

الاتحاد الوطني الكردستاني: تمثيل شعب، وثبات وطن، وروح متجددة. بهذه الثلاثية، يدخل الاتحاد نصف قرنه الثاني، حاملًا راية النضال من أجل العدالة، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، مُصرًا على أن يبقى كما بدأ: حزبًا ينبض بقضايا الناس ويعمل من اجل تحقيق أمنياتهم الحياتية.

 

 

 

سقوط زمن الجنرالات

2025-05-14

في زمنٍ لم يعد للحدود الجغرافية معنى، ولم تعد البنادق وحدها تحسم المعارك، دخلنا عصراً جديداً، تتصدره الطائرات المسيّرة والصواريخ الذكية، وتغيب فيه مشاهد الالتحام المباشر بين الجيوش، وتُستبدل فيه أجساد الجنود ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، وصوت المعركة بصمت غرف التحكم.

لقد ولّى زمن البطولات التقليدية، التي كانت فيها الأسطورة تُصنع في ساحات القتال، ويُكتب النصر بالدم والتضحيات. لم تعد الفروسية ولا الشجاعة الشخصية تصنع الفرق، بل تحولت الحرب إلى معادلات رقمية، تُدار من بعيد، وتُحدد فيها النتائج قبل أن تنطلق الطائرات من مدارجها.

إننا نعيش اليوم عصر صراع العقول، حيث الكلمة الأولى لمن يملك التقنية، والمعلومة، والقدرة على قراءة المشهد وتوجيهه. لم تعد الحرب مجرد صدام إرادات، بل أصبحت هندسة معقدة للواقع، من يتحكم بها يُحرك الأحداث ويُرسم مساراتها وفق مصالحه.

المال لم يعد أداةً للتسلح فقط، بل صار وسيلةً للهيمنة وتوجيه السياسات وتفكيك الجبهات دون إطلاق رصاصة واحدة. أما الإرادة السياسية التي كانت تستند إلى الحشود والتضحيات، فقد أصبحت مكلفة وغير واقعية في عالم يحسب الخسائر بالدولار لا بالأرواح.

ولذلك، فإن الحاكم الذي يُضحّي بشعبه لأجل طموحات شخصية، ويُقحم بلاده في صراعات عقيمة، يبدو اليوم خارج السياق التاريخي. فالمجتمعات لم تعد تقبل أن تكون وقوداً لأوهام السلطة، بل تطمح لأن تكون جزءاً من مشروع حضاري يُقدّر الإنسان ويستثمر في العلم والمعرفة.

الزمن تغيّر. ولم يعد الانتصار يُقاس بحجم التضحيات، بل بمدى القدرة على تجنبها. أما من لا يزال يعيش في منطق الماضي، فمصيره أن يُهزم حتى قبل أن يخوض معركته.

 

 

 

من سيملأ فراغ قنديل؟ بين نهاية “العمال الكردستاني” وشبح التطرف

2025-05-12

تُعرف جبال قنديل بوعورتها الجغرافية وقساوتها المناخية، وقد تحولت خلال العقود الماضية إلى معقل حصين لحزب العمال الكردستاني، الذي اتخذ منها مركزًا عسكريًا وإعلاميًا وإداريًا. الجميع يدرك أن من يتمركز في قنديل من الصعب جدًا اقتلاعه، ليس فقط بسبب الجغرافيا، بل أيضًا بفعل الشبكات العسكرية والتنظيمية التي بنى عليها الحزب وجوده طوال سنوات الصراع. واليوم، ومع تصاعد الأنباء عن ترك الحزب السلاح وحل نفسه، يُطرح سؤال خطير ومشروع: من سيملأ الفراغ الذي سيتركه هذا الحزب في قنديل؟

ما لا يمكن تجاهله هو أن قنديل ليست مجرد جبال شاهقة، بل مساحة استراتيجية تمتد على المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا، وقد تكون مطمعًا لكل من يسعى إلى ملاذ آمن بعيدًا عن الرقابة التقليدية للدول. وغياب حزب العمال الكردستاني عن هذه المساحة سيُخلِّف فراغًا كبيرًا، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضًا من حيث السيطرة والردع والتوازن القائم حاليًا، على هشاشته.

الخشية الكبرى تكمن في أن تستغل التنظيمات الجهادية المتطرفة هذا الفراغ، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذي لطالما أثبت قدرته على استثمار الثغرات والفوضى لإعادة التمدد والانتشار. فالتضاريس الجبلية الوعرة توفر بيئة مثالية للاختباء، وإعادة بناء القدرات، والتخطيط لهجمات تمتد إلى الداخل العراقي وربما تتجاوز ذلك إلى الإقليم وتركيا وحتى العمق الإيراني. فتنظيم داعش، رغم الضربات التي تلقاها، لا يزال يمتلك خلايا نائمة وخبرات قتالية عالية، ويبحث عن موطئ قدم جديد يعيده إلى واجهة المشهد.

الفراغ في قنديل لن يكون شأنًا محليًا فحسب. العراق سيكون أمام تحدٍّ جديد يهدد أمن مناطقه الشمالية، لا سيما نينوى وكركوك، بينما تخشى إيران من تسلل الجماعات المسلحة إلى حدودها الغربية، وهي التي دفعت ثمنًا كبيرًا لمواجهات سابقة مع داعش. أما تركيا، التي طالما نظرت إلى قنديل كتهديد بسبب وجود العمال الكردستاني، فقد تجد نفسها أمام خطر أشد وأكثر تعقيدًا إذا ما تسلل داعش أو جماعات مماثلة إلى هذه المنطقة. وإقليم كردستان بدوره سيكون في مواجهة مباشرة مع تهديد جديد قادم من خاصرته الجبلية التي يصعب السيطرة عليها، وقد يتسبب ذلك بزعزعة استقرار الإقليم الهش أصلًا.

ما لم تُوضع خطة دقيقة وسريعة لتأمين قنديل، فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة. المطلوب هو تنسيق عالٍ بين بغداد وأربيل، بمشاركة فعلية من دول الجوار، لوضع ترتيبات أمنية تحول دون تسلل أي قوة متطرفة إلى المنطقة. كما أن إشراك قوات محلية أو بيشمركة تابعة للإقليم، بإشراف مباشر من الحكومة الاتحادية أو حتى بدعم دولي، قد يكون خطوة ضرورية لسد هذا الفراغ ومنع تحوله إلى مصدر تهديد عابر للحدود.

الانسحاب الفوضوي لحزب العمال دون خطة انتقالية سيكون بمثابة فتح الباب للفوضى والإرهاب. وإن لم تبادر الجهات المعنية إلى إدارة هذا الملف بحكمة ومسؤولية، فقد تتحول قنديل إلى “تورابورا” جديدة في قلب الشرق الأوسط، بجبالها التي تبتلع كل من يتجاهل تعقيداتها. فالفراغ في الجغرافيا السياسية لا يبقى طويلًا، وإن لم يُملأ بالنظام والقانون، سيملؤه السلاح والعنف والفوضى.

 

 

الاتحاد الوطني الكوردستاني.. توازن بين الإرث والطموح

2025-05-09

يشهد الاتحاد الوطني الكردستاني مرحلة مفصلية من تاريخه السياسي، تتجاوز حدود التغييرات الشكلية وتدوير المناصب داخل المؤسسة الحزبية، لتصل إلى عمق البنية التنظيمية والفكرية للحزب. هذه المرحلة لا تأتي كردّ فعلٍ على ضغوط ظرفية أو أزمات آنية، بل هي جزء من عملية تجديد مستمرة تهدف إلى تكييف الحزب مع متغيرات العصر دون التفريط بالثوابت التي تأسس عليها قبل نصف قرن.

ما يميّز هذه المرحلة أن التجديد فيها ليس قرارًا فوقيًا مؤقتًا، بل عملية واعية وشاملة تعيد صياغة دور الحزب في الحياة السياسية الكردستانية والعراقية بشكل عام. فالاتحاد الوطني الكردستاني لا يسعى فقط إلى إعادة ترتيب صفوفه، بل إلى خلق مزيج متوازن بين قيادات شبابية واعدة تملك رؤية معاصرة، وقيادات مخضرمة تمتلك التجربة والحنكة السياسية التي راكمتها على مدى عقود.

هذا التجانس بين الأجيال ليس مجرد خيار تنظيمي، بل ضرورة وجودية في لحظة تاريخية بالغة الحساسية. فعلى الصعيد الكردي الداخلي، تمر الساحة بحالة من الترقب والترنح بين رؤى مستقبلية متباينة واصطفافات غير مستقرة، بينما تبدو الأوضاع الإقليمية والدولية أكثر تعقيدًا، مع غموض في التوازنات وتحولات في المواقف.

ورغم الضغوط المتزايدة، يصرّ الاتحاد الوطني الكردستاني على المضي بخطى ثابتة ومدروسة نحو مرحلة سياسية جديدة، تكون أكثر انفتاحًا على المجتمع، وأقرب إلى هموم الشباب، وأكثر قدرة على التفاعل مع متطلبات الحاضر دون أن تقطع مع تاريخها النضالي العريق. فالحزب لا يتخلى عن هويته، بل يعمل على تطويرها بما يتلاءم مع روح الزمن.

إن هذا التحول، وإن كان يسير بحذر، إلا أنه يحمل في طياته مشروعًا وطنيًا طموحًا لإعادة تعريف دور الأحزاب الكردية في بناء نموذج حكم ديمقراطي واقعي ومستدام في الإقليم، بعيدًا عن الاستقطابات العقيمة والانقسامات التقليدية.

قد يكون الطريق طويلًا ومليئًا بالتحديات، لكن وضوح الرؤية وصدق الإرادة السياسية في الاتحاد الوطني الكردستاني يجعلان من مشروع التجديد هذا فرصة حقيقية لانبعاث حزب كان، ولا يزال العمود الأساسي في  الحركة الوطنية الكردية.

 

 

ملتقى الاتحاد الوطني الكردستاني: خطوة جريئة تعيد رسم العمل الحزبي

2025-04-27

في ظل أوضاع محلية وإقليمية معقدة وحساسة، جاء “ملتقى الاتحاد الوطني الكردستاني” خطوةً جريئة لا يقوى على اتخاذها سوى حزب واثق من قواعده، ومنفتح على تطوير ذاته بما يتلاءم مع متطلبات العصر. ففي بيئة سياسية لا تزال رهينة القرارات الفردية والتوجهات الفوقية، أثبت الاتحاد الوطني أنه حزب يمتلك شجاعة المراجعة الذاتية، والإيمان بالعمل الجماعي كرافعة أساسية للاستمرار والتجدد.

لقد بات هذا الملتقى تقليداً حزبياً راسخاً يُحسب للاتحاد الوطني، حيث انتقل الحزب من الاعتماد على التعليمات والأوامر الصادرة من أعلى الهرم إلى إشراك جميع منتسبيه ومؤيديه، بمختلف مستوياتهم التنظيمية والوظيفية، في رسم ملامح مستقبل الحزب، وتحديد مهامه الاستراتيجية والمرحلية.

ما يميز هذه المبادرة أنها تجاوزت النمط التقليدي للأحزاب الكلاسيكية، التي عادةً ما تتجنب تعريض نفسها للنقد الداخلي أو المساءلة الجماعية. الاتحاد الوطني الكردستاني، بهذه الخطوة، وجه رسالة واضحة: أن صلابة الحزب لا تأتي من الجمود، بل من القدرة على التجدد وإعادة بناء الذات بروح جماعية.

في هذا السياق، لم يعد القرار الحزبي مقتصراً على النخبة أو الدائرة الضيقة، بل أصبح نتاج نقاش موسع، يشارك فيه الجميع، من القيادات العليا إلى قواعد الحزب الفاعلة في المدن والبلدات والقرى. هكذا، يجري اليوم إعادة صياغة الهيكلية التنظيمية، وإعادة تحديد الأهداف، وتطوير السياسات بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.

إن هذه التجربة الفريدة تعزز ثقة الجماهير بالاتحاد الوطني الكردستاني، وتكرس صورته كحزب حيوي وقادر على تجديد أدواته السياسية والتنظيمية دون أن يفقد جوهره وهويته. وهي في الوقت ذاته تحدٍ كبير، لأن توسيع دائرة القرار يتطلب إدارة رشيدة وحواراً مسؤولاً، قادرين على بلورة رؤية موحدة رغم تعدد الآراء والمقاربات.

في النهاية، يبدو واضحاً أن الاتحاد الوطني الكردستاني، من خلال هذا الملتقى، لا يرسم فقط ملامح مستقبله كحزب، بل يقدم نموذجاً جديداً لكيفية ممارسة السياسة بطريقة أكثر ديمقراطية وعصرية في كردستان والعراق عموماً.

 

 

بافل جلال طالباني… قائد يضع خارطة الطريق ويمنحنا الثقة

2025-04-20

لم يكن اللقاء الأخير الذي أجراه الرئيس بافل جلال طالباني مجرد حديث عابر أو استعراض إعلامي تقليدي، بل كان بمثابة خارطة طريق جديدة للعمل السياسي والحزبي، لا داخل الاتحاد الوطني الكردستاني فحسب، بل على مستوى الحركة السياسية الكردية برمتها. لقد كسر الرئيس بافل القوالب القديمة، وتجاوز التقاليد البالية التي لطالما كبّلت تطور الحياة الحزبية، ليدعو إلى مرحلة جديدة أساسها الشفافية، المشاركة، وتجديد الفكر السياسي.

الرئيس بافل أظهر خلال اللقاء وعيًا عميقًا بالمرحلة التي تمر بها كردستان والمنطقة، وكان صريحًا، واضحًا، ودقيقًا في إجاباته. لم يتحدث بلهجة المتفرد أو الزعيم الذي يحتكر القرار، بل أكّد دومًا أنه فرد في منظومة حزبية متكاملة، يحترم مؤسسات الحزب ويثمّن دور رفاقه في القيادة. هذا التواضع السياسي لم يكن ضعفًا، بل مصدر قوة رسّخ ثقة المؤيدين بأنهم يسيرون خلف قائد حقيقي، يدرك إلى أين يمضي، وكيف، ومع من.

اللافت في حديث الرئيس لم يكن فقط محتواه السياسي، بل طريقته وأسلوبه. فقد بدا أقرب ما يكون إلى المواطن العادي، يتحدث بلغة الناس، بإيماءات صادقة وابتعاد عن التصنع، ومع ذلك حمل كلامه عمقًا وتحليلاً دقيقًا للأزمات المحلية والإقليمية والدولية، واضعًا إياها في إطارها الحقيقي، ومقدمًا حلولًا عملية غير معقدة، بعيدة عن الشعارات الرنانة والوعود المستهلكة.

من أبرز ما شدد عليه الرئيس بافل جلال طالباني هو أهمية توحيد المواقف بين الأحزاب الكردية، لا سيما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وهو إذ يعترف بوجود اختلافات في الرؤية الفكرية والسياسية بين الحزبين وهي حالة طبيعية ، إلا أنه دعا إلى العمل المشترك في القضايا المصيرية، واضعًا مصلحة الشعب فوق الحسابات الحزبية الضيقة. هذه الرسالة الواضحة حملت في طياتها نداءً للحكمة والتعقل، ومسؤولية سياسية كبيرة تتجاوز الخلافات.

ولم يغفل الرئيس بافل عن الجيل الشباب ، بل وضعه في صلب المشروع السياسي المقبل، مؤمنًا بدور الشباب وموقعهم في بناء الغد، وداعيًا إلى تمكينهم ومنحهم المساحة التي يستحقونها في صناعة القرار والمستقبل.

في زمن تزدحم فيه الساحة السياسية بالأصوات المتباينة والشعارات الفارغة، جاء لقاء الرئيس بافل جلال طالباني ليقدم نموذجًا مختلفًا للقائد السياسي؛ قائد يملك رؤية، يتحدث بصراحة، لا يستعرض قوته بل يوزّع الثقة، ولا يعد أنصاره إلا بما يمكن تحقيقه. لقد أرسل في لقائه الأخير رسالة طمأنينة إلى الجميع: الاتحاد الوطني الكردستاني لديه بوصلة واضحة، وقائد يعرف الطريق.

 

 

حين يُخطئ الأستاذ… لحظة ذهول ووداع

2025-04-13

لم أكن أتصور أن يأتي اليوم الذي أكتب فيه كلمات كهذه، مفعمة بالذهول أكثر من الغضب، وبالخذلان أكثر من النقد. فعندما يُخطئ الأستاذ الذي نهلتُ من مدرسته وتعلمت من حِكمته، لا يكون الأمر هيناً، بل موجعاً ومربكاً، كأن خريطةً داخلية فقدت بوصلتها. لقد كان أستاذي، كامران قرداغي، واحداً من أولئك الذين استندتُ إلى أفكارهم وخبرتهم الإعلامية، واتخذت من ملاحظاتهم دليلاً في سنوات التكوين والعمل، حتى بات اسمه مرادفاً للحكمة والتأني والتوازن في نظري.

لكنني وقفت مشدوهاً أمام مقاله الأخير عن السليمانية والسياسة التي تُدار فيها. كان ما كتبه انحرافاً حاداً عن المسار الذي طالما سار فيه، وصدمة فكرية وأخلاقية لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. لم تكن المشكلة في النقد، بل في التحوّل المفاجئ، في القفز السريع من ضفة إلى ضفة، من دون مقدمات منطقية، ومن دون الاعتراف بالمسافة التي تفصل بين ما كان يؤمن به وبين ما بات يروّج له.

لقد قال لي أستاذي ذات يوم إن التغيّرات المفاجئة في المواقف كثيراً ما تكون ناتجة عن نار هادئة، تطبخ بهدوء في الخفاء، حتى تنضج على حين غرة. لكنه اليوم، خالف قاعدته بنفسه. سقط فجأة في سردية لا تشبهه، وتحول من ناقد إلى مؤيد، من متوازن إلى منحاز، دون أن يمنحنا، نحن الذين مشينا على خطاه، فرصة لفهم دوافعه أو التفكير في تبريراته.

كامران قرداغي، الذي عرفناه يسارياً في شبابه، ثم شيوعياً، ثم قريباً من تركيا وأوزال، قبل أن ينتشله الراحل مام جلال ويضعه في موقع رفيع داخل رئاسة الجمهورية، لم يكن يوماً صوتاً عابراً في المشهد. بل كان ركناً معرفياً، ذا نبرة عقلانية. لهذا كان تحوّله الأخير مؤلماً. لم يعد الأمر اختلاف رأي، بل تخلياً عن إرث كامل من المواقف التي لطالما عُدّت مرجعاً.

اليوم، أكتب كلماتي هذه وفي داخلي مرارة. لم أعد أستطيع الصمت. ليس لأنني أرفض أن يغير الإنسان موقفه، ولكن لأنني أؤمن أن التغير الحقيقي يجب أن يكون نابعاً من مراجعة صادقة وشفافة، لا من انعطافة مباغتة لا تفسَّر ولا تبرَّر. لقد أرغمتني تلك اللحظة على التوقف، على إعادة النظر، وعلى قول كلمة وداع لرجل كنت أحسبه، وسيبقى بالنسبة لي، أستاذاً حتى وهو يُخطئ.

لكنها لحظة وداع فكري، لا لحظة خصومة. لحظة تأسف على مسار كان يمكن أن يبقى منسجماً مع تاريخه، لا مناقضاً له. وداعاً أستاذي، لا لأنني نسيت ما علّمتني، بل لأن ما كتبتَ اليوم يُجبرني أن أذكّرك بما كنت تؤمن به يوماً… قبل أن تنسى.

 

 

التغير المرحلي في السياسة الأمريكية: رؤية تحليلية

2025-04-12

تشهد السياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة تحوّلاً لافتاً نحو اعتماد نهج مرحلي في صناعة القرار وتنفيذ السياسات، قائم على التدرج وتقييم النتائج قبل الانتقال إلى خطوات جديدة. هذا النهج، الذي يمكن وصفه بـ”سياسة المراحل المتتابعة”، لا يعكس مجرد تغيير في الأسلوب، بل يستجيب لتعقيدات الواقع المحلي والدولي الذي لم تعد تنفع معه المقاربات الجذرية أو الشاملة التي كانت سائدة في فترات سابقة.

في السياسة الخارجية، لم تعد واشنطن تميل إلى فرض حلول كلية أو الانخراط المباشر في إدارة الأزمات كما كانت في العقود الماضية. بدلاً من ذلك، أصبحت تعتمد خطوات محسوبة، تسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف صغيرة ومحددة، تمهّد لتحقيق نتائج أكبر لاحقاً. في ملفات الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يمكن ملاحظة هذا التدرج في تعاملها مع مسار التطبيع، أو في المفاوضات غير المباشرة مع إيران، حيث باتت تبني استراتيجياتها على مبدأ “التقدم مقابل الالتزام”، ما يعني أن كل خطوة تُقيَّم على حدة، ويتم على أساسها تحديد الخطوة التالية.

النهج ذاته يظهر جلياً في إدارة العلاقات الاقتصادية، خصوصاً مع القوى الكبرى مثل الصين. إذ تخلّت أمريكا عن فكرة التفاهمات الشاملة طويلة الأمد، لصالح مفاوضات قطاعية تتناول قضايا محددة، كحقوق الملكية أو سلاسل التوريد، وتتم مراجعتها وتعديلها وفقاً لمحصلة كل مرحلة. هذا التوجه يوفّر هامشاً أوسع للتكيف مع الظروف، ويقلل من مخاطر الفشل الكلي في حال تعثرت إحدى الجولات.

أما على الصعيد الداخلي، فقد أصبح النهج المرحلي أسلوباً واضحاً في معالجة الملفات الكبرى مثل الهجرة، والرعاية الصحية، والتغير المناخي. حيث تقوم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتقسيم مشاريعها إلى حزم صغيرة، ترتبط كل واحدة منها بنتائج سابقتها، وهو ما يسمح بتجاوز عقبات التشريع والانقسام الحزبي، لكنه أيضاً يعكس نوعاً من الحذر السياسي المرتبط بعدم المجازفة بخطط شاملة قد تُجهض قبل أن تبدأ.

هذا التوجه الجديد يمنح السياسة الأمريكية مرونة أكبر في التعامل مع التغيرات المتسارعة، سواء في الداخل أو على الساحة الدولية. ومع ذلك، يثير هذا النهج تساؤلات حول مدى قدرة صناع القرار على الحفاظ على رؤية استراتيجية موحدة طويلة الأمد. إذ أن التركيز على المكاسب المرحلية قد يؤدي إلى تجزئة الأهداف، وفقدان الترابط بين السياسات، مما يجعل المسارات مفتوحة أمام تعديلات دائمة لا تُفضي بالضرورة إلى استقرار سياسي أو اقتصادي.

في المجمل، تعكس السياسة المرحلية واقعاً جديداً في الإدارة الأمريكية، يقوم على التعامل مع الوقائع بقدر عالٍ من الواقعية والحذر. وبينما تُتيح هذه المقاربة مرونة ضرورية في زمن التحديات المعقدة، فإنها تتطلب في الوقت ذاته قدرة مضاعفة على التنسيق، ورؤية شاملة تُبقي على وحدة الاتجاه، حتى وسط تعدد الخطوات وتدرجها.

 

 

امريكا وايران مفاوضات سياسية على حافة التصعيد

2025-04-10

تفيد الإشارات في الآونة الأخيرة الى اقتراب استئناف الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة سلطنة عُمان. وقد أكّد عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني أن لقاءً غير مباشر رفيع المستوى سيُعقد بين الجانبين في مسقط قريبًا، معتبرًا ذلك “فرصة واختبارًا” وأن الكرة الآن في ملعب واشنطن. وفي تصريح متزامن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء إسرائيل عن محادثات مباشرة عالية المستوى مع طهران بشأن ملفها النووي، بدون وسطاء، محذرًا من أنها «محاولة أخيرة» وأن فشلها سيعرّض إيران لـ«خطر كبير». هذه التطورات جاءت بعد تصعيد مستمر منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وإطلاقه حملة “الضغوط القصوى” على طهران.

كشفت مصادر إيرانية أن ثلاثة ملفات رئيسية ستكون مطروحة على طاولة التفاوض في عُمان

  1-الملف النووي الإيراني – إعادة ضبط أنشطة طهران النووية ضمن قيود مقبولة .

2-الملف الإقليمي – دور إيران وعلاقتها بما يسمى “محور المقاومة” وحلفائها الإقليميين (كالفصائل المسلحة في المنطقة).

3-ملف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة – برنامج التسليح الصاروخي الإيراني وقدراتها العسكرية المتطورة.

هذه الملفات ذات طابع سياسي وأمني بالدرجة الأولى وليست فنية أو اقتصادية صرفة، مما يعكس سعي واشنطن لبحث نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها الدفاعية ضمن أي اتفاق قادم، وليس مجرد جوانب البرنامج النووي التقنية أو العقوبات الاقتصادية. وبحسب تصريحات الأكاديمي الإيراني حسن أحمديان (المطلع على دوائر صنع القرار بطهران)، فإن الولايات المتحدة تريد طرح هذه المحاور الثلاثة في المفاوضات، لكن إيران أوضحت في ردها المكتوب إلى الرئيس ترامب أنها لن تتفاوض إلا حول الملف النووي حصراً , طهران ترفض فتح ملفات دورها الإقليمي أو حلفائها أو منظومتها الصاروخية على طاولة التفاوض، مع تأكيدها الاستعداد للمساهمة في استقرار المنطقة دون تقديم تنازلات في هذه القضايا  وقد شدّد مصدر مقرب من الحرس الثوري على أن القضية الصاروخية وقوة إيران الدفاعية وعلاقاتها الإقليمية ليست جزءًا من أجندة إيران التفاوضية بأي شكل  ما يؤكد أن الطرفين يدخلان المباحثات المرتقبة بأولويات متباينة.

يرى محللون أن تحريك ملف التفاوض مع إيران بهذا الشكل يعكس وضوحًا أكبر في بعض جوانب سياسة واشنطن الخارجية واهتمامًا بالشأن الإقليمي يفوق ما كان يُشاع سابقًا عن توجهات إدارة ترامب. فخلال حملة ترامب الانتخابية وبداية ولايته، ساد انطباع أنه سيتبنى نهجًا انعزاليًا أو يركز على الصفقات الاقتصادية دون التورط عميقًا في تعقيدات الشرق الأوسط. لكن الإجراءات الأخيرة تظهر عكس ذلك؛ إذ تضع الإدارة الأمريكية قضايا أمن المنطقة في صميم أجندتها إلى جانب منع انتشار السلاح النووي الإيراني. يكشف جدول الأعمال المقترح للمفاوضات عن استراتيجية أمريكية شاملة تطالب إيران بتغييرات جوهرية في سلوكها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي، وليس مجرد تعديلات تقنية على أنشطتها النووية. وبحسب الخبير الإيراني باقر صالحي، يسعى ترامب إلى تطبيق سياسة “الحد الأقصى من الحد الأقصى” في هذه المفاوضات، عبر تحقيق أقصى المكاسب في كل ملف المطالب الأمريكية الرئيسية تشمل تقليص البرنامج النووي الإيراني، وتقييد القدرات الصاروخية لطهران، والحصول على ضمانات لكبح دعم إيران لحلفائها الإقليميين– وجميعها مطالب ذات طبيعة سياسية وأمنية واضحة. هذا النهج يوضح أن الولايات المتحدة تضع استقرار الشرق الأوسط وأمن حلفائها في مرتبة متقدمة، خلافًا للانطباع السابق بأنها قد تتجاهل هذه الجوانب. وقد أشار صالحي أيضًا إلى بُعد إستراتيجي آخر للتحرك الأمريكي يتمثل في محاولة فصل إيران عن محورها الشرقي (روسيا والصين) عبر استقطابها سياسيًا ، مما يدل على أن واشنطن تنظر للصراع مع طهران ضمن إطار أوسع يتعلق بتوازنات القوى الدولية في المنطقة.

من الجانب الأمريكي، صدرت تلميحات رسمية تؤكد استمرار الالتزام الأمريكي تجاه قضايا الشرق الأوسط وعدم الانسحاب منها. على سبيل المثال، شدد وزير الخارجية مايك بومبيو في خطاب له بالقاهرة (يناير 2019) – عقب إعلان ترامب الأول عن انسحاب القوات من سوريا – على أن قرار الانسحاب ليس تغييرًا في المهمة الإستراتيجية للولايات المتحدة. وقال بومبيو بلهجة حازمة: “لن تتراجع أمريكا حتى ينتهي القتال ضد الإرهاب” في إشارة إلى أن واشنطن ستواصل العمل مع شركائها لهزيمة تنظيمي داعش والقاعدة وغيرهما. هذا التصريح جاء لطمأنة حلفاء واشنطن القلقين من تناقض المواقف، مؤكّدًا أن الإدارة الأمريكية لا تزال ملتزمة بدورها كضامن للأمن الإقليمي رغم رغبة ترامب المعلنة في تقليص الانخراط العسكري المباشر. وبذلك، يتضح أن التحرك نحو مفاوضات جديدة مع إيران ما هو إلا جزء من توجه أمريكي أوسع لحماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط عبر مزيج من الضغوط الدبلوماسية والأمنية – وليس انكفاءً أو عزلة عن قضايا المنطقة.

على النقيض من الوضوح النسبي الذي لمسناه في التعاطي الأمريكي مع ملف إيران، لا تزال سياسة إدارة ترامب تجاه ملفات إقليمية أخرى يكتنفها الغموض والتناقض. يتبدى هذا بوضوح في تعامل واشنطن مع الوضع في سوريا وعلاقاتها مع تركيا. فقد أطلق ترامب جملة من التصريحات المتضاربة حيال الوجود الأمريكي في سوريا خلال أواخر عام 2018 ومطلع 2019: إذ وعد في البداية بـانسحاب سريع وكامل للقوات الأمريكية من سوريا بالتنسيق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لملء الفراغ الناجم عن ذلك ، ما فُسّر على أنه منح ضوء أخضر لتركيا للتوغل وضرب المقاتلين الكورد حلفاء واشنطن. لكن سرعان ما تناقضت هذه الوعود مع تطمينات صدرت عن أركان إدارته؛ حيث خرج مستشار الأمن القومي جون بولتون من إسرائيل ووزير الخارجية مايك بومبيو من العراق بتصريحات مغايرة تفيد بأن الانسحاب سيكون مشروطًا بضمان أمن الحلفاء الكورد (قوات سوريا الديمقراطية) وعدم عودة تهديد تنظيم داعش. هذا التخبط أظهر غياب خطة واضحة، وأدى لاستقالة وزير الدفاع جيم ماتيس آنذاك احتجاجًا على القرار المتسرع. في النهاية، تراجع ترامب جزئيًا ووافق على إبقاء قوة أمريكية محدودة في شرق سوريا لـ“حماية حقول النفط” وملاحقة فلول داعش، وهو ما أكد أن الانسحاب لم يكن تامًا ولا استراتيجياً كما أُعلن في البداية.

الأمر لا يقل تعقيدًا في سياسة واشنطن تجاه تركيا. فرغم كون أنقرة حليفًا إستراتيجيًا في الناتو، شهدت الشهور ذاتها رسائل أمريكية متناقضة تجاه القيادة التركية. فعلى إثر تفاهم ترامب وأردوغان هاتفيًا أواخر 2018 حول تولي تركيا مهمة القضاء على داعش في سوريا عقب الانسحاب الأمريكي، عاد ترامب ووجّه تحذيرًا علنيًا حادًا لأنقرة. فقد هدّد بتدمير الاقتصاد التركي بالكامل إذا قامت تركيا بأي عمل يعتبره “متجاوزًا للحدود” في سوريا وجاء هذا التهديد عبر تغريدة في يناير 2019 بعد أن كان قد صرّح قبلها بأيام أنه “لن يقف في طريق التدخل التركي” في شمال سوريا. هذه المواقف المتقلبة أربكت المشهد: فكيف يمكن لواشنطن أن تعتمد على أنقرة في ملء فراغ انسحابها من سوريا ثم تعود لتهددها بعقوبات مدمّرة؟ لاحقًا، حين أطلقت تركيا عمليتها العسكرية ضد الفصائل الكردية في أكتوبر 2019، فرضت إدارة ترامب عقوبات مؤقتة على أنقرة ثم رفعتها سريعًا بموجب اتفاق وقف إطلاق نار، وامتدح ترامب تعاون أردوغان واصفًا إياه بالشريك الهام. هكذا بدت العلاقة بين ترامب وأردوغان محكومة بتصريحات متضاربة تتأرجح بين التقارب والثناء من جهة، والوعيد بالاقتصاد والقوة من جهة أخرى، مما كرّس حالة الضبابية في سياسة واشنطن تجاه حليفٍ إقليميٍ محوري.

برغم الحراك الدبلوماسي المستجد تجاه إيران والتصريحات الأمريكية الصارمة في هذا الإطار، لا يبدو أن هناك تغييرًا إستراتيجيًا جذريًا في توجهات واشنطن الإقليمية حتى الآن – بل يمكن اعتباره إعادة تموضع تكتيكية ضمن إطار السياسة القائمة. فالإدارة الأمريكية الحالية تواصل الأهداف التقليدية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: منع إيران من امتلاك سلاح نووي وتقويض نفوذها المزعزع لاستقرار جيرانها، وضمان أمن حلفاء الولايات المتحدة (خاصة إسرائيل ودول الخليج)، والاستمرار في محاربة الجماعات الإرهابية. الجديد هو الأسلوب الخطابي الحازم والنهج التفاوضي المختلف الذي تتبناه إدارة ترامب – جامعا بين الضغوط القصوى والعروض المفاجئة للحوار – دون أن يصاحب ذلك حتى الآن تحولٌ في التحالفات أو إستراتيجية خروج واضحة من المنطقة. فلا تزال القوات الأمريكية منتشرة في مناطق معينة من سوريا والعراق، وتواصل واشنطن عملياتها ضد الإرهاب، كما تستمر في احتواء خصومها الإقليميين عبر العقوبات والتهديدات. وفي الوقت نفسه، لم تقدم الإدارة رؤية بديلة لنظام أمني جديد في الشرق الأوسط؛ إذ لم تتبلور مثلاً مبادرة شاملة لحل النزاعات في سوريا أو مواجهة التحديات مع تركيا تتجاوز الأسلوب الآني في إدارة الأزمات.

التصريحات المتضاربة من جانب ترامب وكبار مسؤولي إدارته قد تكون جزءًا من تكتيك تفاوضي وضغوط نفسية أكثر من كونها تغييرات حقيقية في المواقف. وفي هذا السياق، وصف كمال خرازي (رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ومستشار المرشد الأعلى الإيراني) سلوك الإدارة الأمريكية بأنه “حرب نفسية وسياسة إملاء إما الحرب أو التفاوض” عبر الرسائل المتذبذبة التي يوجهها المسؤولون الأمريكيون. هذا التوصيف يُظهر أن طهران ترى التناقض في مواقف واشنطن أسلوبًا لزعزعة خصمها ودفعه لتقديم تنازلات، وليس بالضرورة تعبيرًا عن تخبط إستراتيجي حقيقي. كذلك، انتقاد بومبيو العلني لنهج الإدارة السابقة وتمسكه بمواصلة الدور الأمريكي التقليدي  يوحي بأن جوهر السياسة الأمريكية في المنطقة ثابت – سواء كان الأسلوب تصالحيًا كنهج أوباما أو تصادميًا كما في نهج ترامب.

  اخيرا يمكن القول إن التحرك الأمريكي نحو مفاوضات مع إيران، مع التركيز على الملفات الأمنية والسياسية، يدل على تصعيد مدروس لاستراتيجية قديمة أكثر مما يشير إلى تحول إستراتيجي غير مسبوق. فواشنطن تُكيّف أدواتها (بين الضغط والحوار) تبعًا للظروف، لكنها لم تغيّر غاياتها النهائية في الشرق الأوسط. الاهتمام الأمريكي بالشأن الإقليمي لم يتضاءل كما خشي البعض، بل أخذ أشكالًا جديدة أكثر حدّة ووضوحًا في بعض الساحات (مثل المواجهة مع إيران)، في حين بقي ملتبسًا ومتأرجحًا في ساحات أخرى كسوريا وتركيا. وهكذا، فإن السياسة الأمريكية الحالية تبدو أقرب إلى تغيرات تكتيكية منها إلى انقلاب إستراتيجي كامل على نهج الولايات المتحدة في المنطقة.

 

قلعة كركوك: كنزٌ حضاري متعدد الطبقات يستحق الحماية الحقيقية

2025-04-02

تُعد قلعة كركوك واحدة من أبرز المعالم الأثرية في العراق والمنطقة، وتمتاز بخصوصية فريدة تميزها عن معظم المواقع التاريخية الأخرى. فهذه القلعة ليست مجرد مبنى قديم أو حصن أثري، بل تمثل طبقات متراكمة من الحضارات والتاريخ، حيث أن كل طبقة من طبقاتها تعود إلى حقبة زمنية مختلفة، وتشهد على مرور شعوب وثقافات متعددة عبر آلاف السنين.

تشير الدراسات الأثرية إلى أن قلعة كركوك بُنيت على مراحل، بدءًا من العصر الآشوري، مرورًا بالعهود الإخمينية والسلوقية والساسانية، ثم الإسلامية بمختلف دولها، لتصل إلى العصر العثماني. وقد ساهم هذا التراكم التاريخي في جعل القلعة موقعًا غنيًا بالأسرار الأثرية التي ما زال الكثير منها مدفونًا تحت الأرض، في انتظار التنقيب العلمي المنهجي.

ولهذا السبب تحديدًا، من الخطأ الكبير التعامل مع قلعة كركوك كمكان ترفيهي تقليدي عبر إنشاء حدائق أو متنزهات على سطحها، إذ إن أعمال الزراعة وسقي المزروعات بالماء تؤدي إلى تسرب الرطوبة إلى الطبقات السفلى، مما يُسرّع من تآكل الأساسات التاريخية وتلف الآثار المدفونة. إن الماء هو العدو الخفي للآثار المدفونة، وقد أثبتت التجارب السابقة في مواقع أثرية مشابهة أن الرطوبة تتسبب بانهيار الجدران القديمة وتشقق البُنى الداخلية، وخاصة إذا لم تكن هناك أنظمة تصريف دقيقة ومدروسة.

إن ترميم قلعة كركوك وتحويلها إلى مَعلم سياحي حقيقي لا يتطلب تزيينها بالعشب الأخضر أو الأشجار، بل يتطلب خطة علمية شاملة تستند إلى رؤية تراثية ومهنية تشرف عليها فرق من خبراء الآثار والهندسة المعمارية التاريخية. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

1.إجراء مسح أثري شامل لكل طبقات القلعة وتوثيقها قبل أي تدخل عمراني.

2.اعتماد تقنيات الترميم المعتمدة عالميًا، باستخدام المواد التقليدية المتوافقة مع طبيعة البناء الأصلي.

3.تطوير القلعة كفضاء ثقافي مفتوح يضم متحفًا داخليًا، ومركزًا لعرض التاريخ التفاعلي للمنطقة.

4.تخصيص ممرات ومواقع للمشاهدة دون التأثير على التربة أو طبقات الآثار.

5.منع البناء الحديث قرب القلعة، وإصدار قرار رسمي بمنع إنشاء أي عمارة تحجب القلعة من أي جهة من الجهات الأربع، حفاظًا على جمالية المشهد البصري والتاريخي لها.

6.وضع القلعة تحت الحماية القانونية باعتبارها إرثًا وطنيًا وإنسانيًا يجب ألا يخضع للاجتهادات غير العلمية.

كما أن من المهم إشراك المجتمع المحلي في عملية إحياء القلعة، من خلال الفعاليات الثقافية، والبرامج التوعوية التي تشرح أهمية الموقع وضرورة حمايته للأجيال القادمة. ومن المفيد أيضًا التعاون مع منظمات دولية مختصة كاليونسكو، لوضع القلعة على قائمة التراث العالمي إن أمكن، وهو ما يعزز فرص التمويل والدعم الفني الدولي.

في الختام، فإن قلعة كركوك ليست ملكًا لجيلٍ واحد، بل هي ملك لكل العراقيين ولكل البشرية، بوصفها شاهدًا حيًا على تعاقب الحضارات. لذا، فإن الحفاظ عليها لا يكون بالشكل الجمالي السطحي، بل بالعمق العلمي والتاريخي الذي يليق بمكانتها.

 

 

حين يصبح التأقلم خيانة

2025-03-23

في كثير من الأحيان، تُجبرنا الحياة على التكيف مع ظروف لا تشبهنا، ولا تعكس ما نحمله من أفكار ومبادئ. نتأقلم، نصمت، نتماهى أحيانًا، بحجة “الواقعية” أو “الضرورة” أو “العيش”، ولكن إلى أي حد يمكن لهذا التأقلم أن يمرّ دون أن يترك أثرًا في أرواحنا؟

التأقلم مهارة ضرورية، نعم، لكن ليس على حساب جوهر الإنسان. حين نضطر إلى مجاراة ما يتنافى مع قناعاتنا، ونتبنى سلوكيات لا تُمثلنا، أو نقبل ما نرفضه في دواخلنا، فإننا لا نتأقلم… بل نخون أنفسنا. هذه الخيانة لا تحدث فجأة، بل تبدأ على شكل تنازلات صغيرة، نقنع بها ضمائرنا بأنها مؤقتة، ضرورية، أو “من أجل المصلحة”. ومع مرور الوقت، يصبح هذا التأقلم قيدًا، ونفقد الإحساس بأن هناك ما يستحق الدفاع عنه.

أسوأ أنواع الخيانة ليست تلك التي نوجهها للآخرين، بل التي نوجهها لأنفسنا ونحن نخذلها بصمت. حين نصبح نسخة باهتة ممن كنا نؤمن أننا سنكونه، وننخرط في بيئات أو أعمال أو علاقات لا تشبهنا، نصبح غرباء داخل جلدنا.

الوفاء للنفس ليس أنانيّة، بل شجاعة. الشجاعة في أن نقول “لا” حين يكون الصمت خيانة، وفي أن نترك مكانًا لا يليق بنا، حتى لو كان آمنًا، لأن البقاء فيه يعني موتًا بطيئًا للروح.

التأقلم الحقيقي لا يكون على حساب المبدأ. يمكننا أن نتعامل مع الواقع بمرونة، لكن دون أن نسمح له بأن يمحو هويتنا. فالعالم لا يحتاج المزيد من المتشابهين، بل أولئك القادرين على الثبات وسط التغير، والمواجهة وسط القبول الأعمى.

حين تجد نفسك في موقف يتطلب منك أن تختار بين راحتك النفسية وبين مسايرة ما لا يشبهك، تذكّر أن تعيش منسجمًا مع ذاتك، خير من أن تعيش مقبولًا من الجميع.

 

 

تركيا على مفترق طرق: التظاهرات الشعبية تعبّر عن مخاض سياسي نحو إعادة تشكيل السلطة

2025-03-25

تشهد تركيا منذ أسابيع تظاهرات شعبية لافتة، تكشف عمق الأزمة السياسية المتصاعدة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وبين قوى المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري. هذه الاحتجاجات لا تُقرأ فقط بوصفها رد فعل على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بل باعتبارها إحدى حلقات الصراع الطويل حول مستقبل الحكم وهوية الدولة التركية.

لم تكن المعارضة في تركيا بهذه القوة منذ سنوات، فقد استطاعت في الشوطين الأهم من المواجهة السياسية أن تنتزع أكبر بلديتين في البلاد: إسطنبول وأنقرة، وهو ما مثّل نقطة تحول محورية، وأعاد رسم ملامح التوازن السياسي داخل البلاد. ومنذ ذلك الفوز الرمزي، تحولت المعارضة من لاعب ثانوي إلى قوة سياسية فاعلة، تتقدم بخطوات واثقة نحو مراكز القرار.

في المقابل، عمل أردوغان على تدعيم سلطته عبر الأدوات القانونية والمؤسساتية، حيث يرى كثيرون أن القضاء التركي بات أقرب إلى جناح سياسي موالٍ للحكومة، يُستخدم في محاصرة الخصوم والتضييق عليهم. ويأتي اعتقال إمام أوغلو، بتهم يعتبرها أنصاره ذات طابع سياسي، في هذا السياق الذي يكرّس ما يُوصف بـ”الانقلاب المدني” على المؤسسات الديمقراطية.

الرئيس أردوغان رد على الاحتجاجات قائلًا إن “تركيا لن ترضخ لإرهاب الشارع”، محملًا حزب الشعب الجمهوري مسؤولية الفوضى والتوتر، ومتهمًا إياه بمحاولة تقويض الاستقرار. من جهته، دعا زعيم المعارضة، أوزغور أوزيل، إلى استمرار المظاهرات حتى إطلاق سراح إمام أوغلو، مؤكداً أن الشارع سيكون أداة للضغط السلمي حتى تحقيق التغيير السياسي المنشود.

وقد تخللت الاحتجاجات مواجهات في بعض المدن، أسفرت عن اعتقال أكثر من 1100 شخص، بينهم نشطاء وصحفيون، ما أضفى على المشهد طابعاً أكثر توتراً، في وقتٍ تشهد فيه الليرة التركية تراجعًا وتذبذباً في الأسواق المالية.

المرحلة الحالية تمثل مفترق طرق حقيقي لطرفي الصراع: طرف يسعى للبروز والتحول من المعارضة إلى السلطة عبر الشارع والصناديق، وآخر يعمل على تقوية سلطاته وإدامتها، ولو عبر تضييق المساحات أمام خصومه. وفي هذا السياق، لا تبدو التظاهرات سوى بداية لمعركة طويلة تُخاض في البرلمان، وفي القضاء، وفي الساحات العامة.

تركيا، التي لطالما وُصفت بنموذج “الديمقراطية المنضبطة”، قد تكون أمام واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ عقود. فإما أن تنجح قوى التغيير في إعادة التوازن إلى الحياة السياسية، أو أن تشهد البلاد مزيداً من الانغلاق السياسي والاستقطاب، بما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

 

 

التقارب الكوردي: خطوة نحو حكومة موحدة بشراكة متوازنة

2025-03-17

يشهد إقليم كردستان تطورًا سياسيًا مهمًا مع التقارب المتزايد بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، في محاولة لتجاوز الخلافات وتعزيز الاستقرار السياسي. اللقاءات الأخيرة بين بافل جلال طالباني ومسرور بارزاني عكست رغبة الجانبين في العمل المشترك لتشكيل حكومة قوية وموحدة، قادرة على التصدي للتحديات الداخلية والخارجية. ومع ذلك، أكد الاتحاد الوطني على ضرورة الاتفاق على آلية الشراكة الحقيقية قبل الخوض في تفاصيل توزيع المناصب، ما يشير إلى حرصه على ضمان دور متوازن وعادل في إدارة الإقليم.

يرى الاتحاد الوطني أن أي اتفاق سياسي يجب أن يقوم على أساس شراكة فعلية في صنع القرار، وليس مجرد ترتيبات لتوزيع المناصب. هذا الموقف يعكس حرصه على ترسيخ التوازن السياسي داخل الحكومة المقبلة، لضمان عدم تكرار أزمات سابقة أدت إلى تعثر العملية السياسية. في المقابل، يسعى الحزب الديمقراطي إلى المضي قدمًا في تشكيل الحكومة بسرعة، مع التركيز على توزيع الحقائب الوزارية وفقًا للنتائج الانتخابية. هذا التباين في وجهات النظر قد يؤخر الإعلان الرسمي عن الحكومة، لكنه في الوقت ذاته يمكن أن يؤسس لمرحلة سياسية أكثر استقرارًا وثباتًا إذا تم التوصل إلى تفاهم شامل بين الطرفين.

تحسين العلاقات بين الحزبين لا يقتصر فقط على تجاوز الخلافات السياسية، بل ينعكس أيضًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم. إن التوافق السياسي يمكن أن يسهم في حل المشكلات العالقة، مثل ملف الرواتب، والخدمات العامة، والبنية التحتية، ويدفع نحو جذب الاستثمارات وتعزيز التنمية المستدامة، وهو أمر ضروري لاستقرار الإقليم على المدى البعيد.

كما أن هذا التقارب يسرّع من عملية تشكيل حكومة إقليم كردستان، التي تأخرت بسبب الخلافات السياسية. وجود توافق على آلية توزيع المناصب، إلى جانب تفاهم حول أولويات الحكومة المقبلة، سيمنحها فرصة للعمل بكفاءة والاستجابة للتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الإقليم. تعزيز مبدأ الشراكة في صنع القرار يضمن حكومة أكثر تماسكًا واستقلالية، بدلًا من أن تكون مجرد انعكاس لتوازنات حزبية مؤقتة.

على المستوى الوطني، فإن الوحدة السياسية بين الحزبين ستمنح الكورد موقفًا أقوى في الحوار مع بغداد، خصوصًا في الملفات العالقة مثل الموازنة، والموارد النفطية، والمناطق المتنازع عليها. التفاهم الداخلي سيُمكن القيادة الكوردية من التفاوض مع الحكومة الاتحادية من موقع أكثر قوة ومسؤولية، مما قد يسهم في تحقيق مكاسب استراتيجية للكورد ويقلل من التوترات التي شهدتها العلاقة بين الجانبين في السنوات الماضية.

 

إقليميًا، فإن هذا التقارب قد يعزز قدرة الكورد على التعامل مع التحديات الخارجية، ويسهم في تحسين علاقاتهم مع تركيا وإيران وسوريا، ويفتح المجال أمام تعاون اقتصادي وأمني يخدم مصالح الإقليم. تقديم إقليم كردستان ككيان سياسي موحد ومستقر من شأنه أن يعزز موقعه على الساحة الإقليمية، ويزيد من فرصه في تحقيق استقرار سياسي واقتصادي مستدام.

إذا استمر هذا التوجه الإيجابي، وتمكن الطرفان من تجاوز العقبات الحالية، فقد نشهد تشكيل حكومة أكثر كفاءة وقدرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، ما ينعكس إيجابيًا على جميع مكونات الإقليم. لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية من الطرفين، لضمان شراكة متوازنة تؤدي إلى استقرار طويل الأمد، بدلًا من حلول مؤقتة قد تعيد الخلافات إلى الواجهة مستقبلاً.

 

 

بين الانتماء والارتماء: صراع الهوية وانتظار كودو

2025-03-20

في مسرح الحياة، يتأرجح الإنسان بين الانتماء والارتماء، بين أن يكون جزءًا من كيان يؤمن به ويدافع عنه، أو أن يلقي بنفسه في أحضان واقع يفرضه عليه الزمن. وكما في مسرحية “في انتظار غودو” لصموئيل بيكيت، قد نجد أنفسنا عالقين في حالة انتظار عبثية، نبحث عن مخلص أو إجابة لا تأتي، بينما يمر بنا الفرسان، بعضهم يحمل سيوفًا صدئة يظنونها ما زالت قادرة على القطع، وآخرون يأتون بألوان الاغتراب، يفرضون علينا واقعًا لم نختره ولكننا نجد أنفسنا مجبرين على التكيف معه.

تمر في حياتنا شخصيات تدعي أنها تحمل الحقيقة المطلقة، وأنها وحدها القادرة على التغيير. لكن عندما تدقق النظر، تجد أن سيوفهم قد صدئت، فقد أكلها الزمن ولم تعد تصلح للقتال أو الدفاع عن القيم التي يدّعون تمثيلها. هؤلاء هم من يعيشون في الماضي، متمسكين بشعارات فقدت معناها، يكررونها دون أن يدركوا أنها لم تعد فعالة. هم الذين يعتقدون أن الانتماء مجرد ترديد لكلمات، دون أن يكون هناك فعل حقيقي يعبر عنه.

على الجهة الأخرى، هناك من يأتونك بألوان الاغتراب، يغرقونك في ثقافة ليست لك، ويحاولون إقناعك بأن هويتك الأصلية لم تعد صالحة. يجعلك هؤلاء تشعر بأن انتماءك عبء، وأن النجاة تكمن في الذوبان داخل تيارات لا تمت لك بصلة. وهكذا، تتشابك أصابع يديك وتكسر بعضها البعض، وكأنك تدخل في صراع داخلي بين من أنت، ومن يُراد لك أن تكون.

تمامًا كما في المسرحية العبثية الشهيرة، يظل البعض منا ينتظر كودو، ذلك الشخص أو الحدث أو الخلاص الذي نظن أنه سيأتي لينهي معاناتنا. لكن “كودو” لا يأتي، وربما لن يأتي أبدًا. فنحن في دوامة، ننتظر شيئًا لا نعرف طبيعته، ونؤجل قراراتنا بانتظار معجزة قد لا تتحقق..

الحل لا يكمن في التمسك الأعمى بالماضي، ولا في الارتماء الكامل في أحضان المجهول. بل في خلق انتماء واعٍ، متجدد، قائم على الفعل والتطور، لا على التقليد الأعمى أو الذوبان الكامل. علينا أن ندرك أن الانتماء ليس شعارًا، بل مسؤولية، وأن البحث عن الذات لا يجب أن يكون على حساب هويتنا.

في النهاية، من يظل ينتظر كودو، قد يبقى عالقًا في وهم الانتظار إلى الأبد، بينما العالم يمضي من حوله.

 

 

حلبجة تكتب “ممنوع دخول البعثيين”… لكنهم دخلوا وعاشوا برغد!

2025-03-16

عند بوابة حلبجة، المدينة التي دفعت أغلى الأثمان بسبب جرائم البعث، كُتب بخط واضح: “ممنوع دخول البعثيين”. لكن الواقع في كردستان اليوم يروي قصة مختلفة تمامًا. فبدلًا من أن يكون البعثيون خلف القضبان أو على الأقل مبعدين عن هذه الأرض، نجدهم يعيشون فيها برغد، يملكون العقارات، يرتادون الفنادق الفاخرة، والملاهي الليلية، حيث تلمع أنوار الحفلات وتدوي الموسيقى حتى الصباح.

لم يكن الأمر وليد الصدفة، بل نتيجة لتراكم سياسات التساهل والمصالح السياسية. فبعد سقوط نظام صدام حسين، لجأ كثير من البعثيين إلى كردستان، مستفيدين من حالة الفوضى السياسية وضعف تطبيق قوانين اجتثاث البعث. بعضهم جاء بثروات منهوبة، وآخرون وجدوا طرقًا جديدة للاستفادة من مناخ الفساد الذي لم يكن مقتصرًا على بغداد وحدها.

اليوم، لا يحتاج المرء إلى كثير من البحث ليجد البعثيين السابقين يديرون مشاريع تجارية، يملكون شركات وعقارات، ويعيشون حياة مترفة، بينما لا تزال عائلات الضحايا تتجرع مرارة الفقر والحرمان. فكيف لأشخاص تورطوا في جرائم ضد الإنسانية أن يصبحوا أصحاب ثروات؟ الإجابة تكمن في غياب المحاسبة وتحول بعض الجهات إلى ملاذ آمن لمن كان يفترض أن يحاكموا.

المفارقة المؤلمة أن هؤلاء الذين تورطوا في القتل والتهجير، باتوا الآن يرقصون في النوادي، يشربون حتى الثمالة، ويسهرون في ليالٍ حمراء، بينما قبور ضحاياهم ما زالت شاهدة على الجرائم التي ارتكبوها. كيف يمكن أن يكون هذا مقبولًا في أرض دفعت أثمانًا باهظة لمقاومة البعث؟

الأمر لا يتعلق فقط بالبعثيين كأفراد، بل بما تمثله هذه الظاهرة من استخفاف بمعاناة الضحايا. فحين يرى الناجون من حلبجة أو الأنفال أولئك الذين تسببوا في مآسيهم يعيشون برخاء، يديرون استثماراتهم بحرية، ويتنقلون بلا أدنى قيود، فإن ذلك يوجه رسالة خطيرة: العدالة لم تتحقق، والذاكرة الجماعية لا تعني شيئًا أمام المصالح السياسية.

إذا لم يكن هناك موقف حقيقي لمواجهة هذا الواقع، فسنجد أنفسنا بعد سنوات أمام مشهد أكثر إيلامًا، حيث يصبح البعثي السابق رجل أعمال محترمًا، ويُنسى كل ما فعله في الماضي. فهل هذا هو المصير الذي ارتضيناه لمن دفعوا دماءهم من أجل الحرية؟

إن بقاء هؤلاء بيننا، دون محاسبة، ليس مجرد إهانة للضحايا، بل تهديد مباشر لمستقبل كردستان نفسها. لأن من لم يتعلم من التاريخ، سيعيد أخطاءه لا محالة.

 

اتفاق مظلوم عبدي وأحمد الشرع.. خطوة اضطرارية أم تموضع استراتيجي؟

2025-03-11

جاء الاتفاق المبرم بين الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأحمد الشرع، الرئيس الحالي لسوريا، في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق. فبينما تواجه الحكومة السورية ضغوطًا متعددة داخليًا وخارجيًا، يقف الجانب الكردي أمام خيارات محدودة مع تصاعد التهديدات التركية والغموض الذي يحيط بالموقف الأمريكي.

دمشق المنهكة.. وأولويات البقاء

تمر الحكومة السورية بمرحلة من الإنهاك السياسي والعسكري، حيث تجد نفسها عالقة بين عدة ملفات شائكة:

التوتر في الساحل السوري، حيث تتزايد الضغوط الداخلية مع التحديات الأمنية والاقتصادية في تلك المنطقة.

الغارات الإسرائيلية المتواصلة، التي تستهدف مواقع عسكرية وأمنية حساسة، مما يضع دمشق أمام تحديات أمنية متزايدة.

محاولات كسر العزلة الدولية، حيث تعمل الحكومة السورية على استعادة الاعتراف الدبلوماسي والانفتاح على دول المنطقة، مقابل تقديم تنازلات يطالب بها المجتمع الدولي.

كل هذه العوامل جعلت دمشق تبحث عن استقرار نسبي في الشمال الشرقي، مما قد يفسر استعدادها للجلوس على طاولة التفاهم مع قسد، التي لطالما اعتبرتها قوة “متمردة” مدعومة خارجيًا.

اما على الجانب الكردي، جاء القرار نتيجة ضبابية الموقف الدولي، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة، التي لم تحسم رؤيتها تجاه مستقبل سوريا، خصوصًا في ظل

عدم وضوح الرؤية الأمريكية تجاه الإسلاميين، الذين أصبحوا جزءًا رئيسيًا من المشهد السوري، وما قد يعنيه ذلك لمستقبل الحكم في سوريا.

التصعيد التركي المتزايد، حيث ضاعفت أنقرة من عملياتها العسكرية واستهدافها لمواقع قسد، مما دفعها للبحث عن أوراق قوة جديدة.

من الواضح أن جميع الأطراف تدرك أن تغييرات كبيرة قادمة لا محالة، لكنها ما زالت غير واضحة المعالم، مما يدفعها لاتخاذ قرارات آنية تحمي مكاسبها أو تقلل من خسائرها. فالتحولات الجارية ليست مجرد مناوشات عسكرية أو تفاهمات مرحلية، بل هي تموضع جديد يتماشى مع مشهد دولي وإقليمي متغير.

اتفاق الضرورة.. لا شراكة استراتيجية

كقراءة أولية، يمكن القول إن الاتفاق بين عبدي والشرع يحقق مكاسب آنية لكل طرف

بالنسبة لكورد: يضمن لهم بقاءً سياسيًا ومكاسب إدارية في ظل تراجع الضمانات الغربية ويبعد الخطر التركي المتاهب

بالنسبة للحكومة السورية: يخفف من جبهة عسكرية مفتوحة، ويمكّنها من التركيز على ملفات أكثر إلحاحًا كما يساهم في اظهار صورة اكثر ايجابية علة المستوى الدولي والاقليمي

لكن الاتفاق ليس تحالفًا استراتيجيًا بقدر ما هو خطوة اضطرارية تمليها الظروف الراهنة، ومن المحتمل أن يخضع لإعادة تقييم وفق المستجدات القادمة. فالمتغيرات القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق سيُبنى عليه كمسار طويل الأمد، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة تفرضها المصالح المتبادلة.

 

رحيل قيس قرداغي… الصحفي الذي حمل قلمە في كل مكان

2025-03-11

في دروب الصحافة، هناك من يكتب ليعيش، وهناك من يكتب ليحفر أثره في ذاكرة الناس، وصديقي قيس قرداغي كان من أولئك الذين عاشوا بالكلمة ومن أجلها. كتب باللغتين العربية والكردية، متنقلًا بين العوالم التي كوّنها قلمه، ناشرًا أفكاره بجرأة، ومؤمنًا بأن الحقيقة يجب أن تُقال، حتى لو كان الثمن غاليًا.

وُلد قيس قرداغي في مدينة كفري، حيث تجتمع الجبال الشامخة مع تاريخٍ طويلٍ من الصمود، لكن بغداد كانت محطته الأهم، حيث نشأ وترعرع، وسط صخب المدينة التي ألهمته، ووهبته مفرداتها، ليصبح صوتًا من أصواتها، يروي قصصها ويكتب عن همومها.

 

لكن قيس لم يكن مجرد صحفي يحمل القلم، بل كان أيضًا صاحب صوتٍ عذب، يجيد غناء المقامات العربية والتركمانية، متقنًا هذا الفن العريق الذي يحتاج إلى إحساس عالٍ وتمكن نادر. كان حين يغني، يسرد الحكايات بصوته كما يسردها بحروفه، وكان الغناء بالنسبة له امتدادًا للروح، ومساحةً أخرى للتعبير عن ذاته.

لكن كما الكثير من الصحفيين والفنانين، أخذته دروب الحياة إلى الغربة، حيث استقر في ألمانيا، تلك الأرض البعيدة التي تمنحك الأمان لكنها تأخذ منك شيئًا من روحك. هناك، واصل الكتابة، واستمر في حمل صوته، لكن الحنين ظلّ رفيقه، يطرق بابه كل يوم، يسأله عن بغداد، عن شوارعها التي حفظ ملامحها، وعن كفري التي حملها في قلبه أينما حلّ.

وفي لحظةٍ قاسية، خطف القدر قيس من بيننا، تاركًا وراءه كلمات لم تكتمل، وأغاني لم تكتمل، وأحلامًا لم تكتمل. لكنه لم يرحل حقًا… فالصوت الذي عاش بالكلمة والنغم، لا يموت. سيبقى اسمه حاضرًا في ذاكرة من عرفوه، وستبقى مقالاته وألحانه شاهدة على رحلة رجل لم يساوم على قناعاته، ولم يتخلَّ عن صوته حتى آخر لحظة.

وداعًا قيس… الغربة التي أنهكتك لم تأخذك منا، ستبقى حيًا في قلوبنا، وفي كل حرف كتبته، وفي كل نغمة غنيتها بروحك قبل صوتك.

 

 

ملتقى الاتحاد الوطني الكوردستاني: تحول جديد في العمل الحزبي

 2025-03-03

لم يعد العمل الحزبي اليوم محصورًا في الاجتماعات المغلقة والنقاشات النظرية داخل قاعات محدودة، بل أصبح أكثر انفتاحًا وتفاعلًا مع الواقع السياسي المتغير. في هذا الإطار، يأتي ملتقى الاتحاد الوطني الكوردستاني كمبادرة جديدة تعيد تشكيل مفهوم العمل الحزبي، عبر إتاحة الفرصة للكوادر الحزبية للمشاركة المباشرة في صياغة القرارات، بدلًا من الاقتصار على تنفيذ التوجيهات الصادرة من القيادة. هذه الخطوة لم تعزز فقط ديناميكية الحزب، بل تساهم أيضًا في بناء قاعدة حزبية أكثر تماسكًا وقدرة على التفاعل مع الأزمات.

لطالما كانت الأحزاب التقليدية تعتمد على مركزية القرار، حيث تتولى القيادة إصدار التوجيهات وتحديد السياسات، بينما تقتصر أدوار الكوادر الحزبية على التنفيذ. لكن الاتحاد الوطني الكوردستاني، من خلال مبادرته هذه، يرسي نهجًا جديدًا قائمًا على المشاركة الجماعية، حيث بات لأعضاء الحزب في مختلف المستويات التنظيمية دور في تحليل الأحداث واتخاذ القرارات الأولية، مما يعزز من فاعلية الحزب في الاستجابة السريعة للتطورات السياسية.

هذا النهج الجديد أتاح للكوادر الحزبية فرصة تطوير قدراتهم السياسية والتنظيمية و أصبحوا أكثر دراية بآليات العمل السياسي وأكثر قدرة على صياغة المواقف والتفاعل مع الأوضاع المستجدة، دون انتظار توجيهات من القيادة العليا في كل خطوة.

يمثل الملتقى الحزبي خطوة متقدمة في تطوير الهيكل التنظيمي الداخلي للحزب، اذ سيكون انعقاده  بشكل منتظم سيكون بمثابة منتدى لتبادل الأفكار واتخاذ القرارات على أسس ديمقراطية. لم يعد القرار يُصنع داخل أروقة ضيقة، بل أصبح ينبع من نقاشات مفتوحة بين مختلف المستويات التنظيمية، مما أدى إلى تحسين نوعية القرارات الحزبية وجعلها أكثر تعبيرًا عن القواعد الجماهيرية..

كما أن هذه الآلية أتاحت بناء شبكات حزبية أكثر تماسكًا، وارست علاقة بين الأعضاء قائمة على التفاعل المستمر، بدلًا من تلقي التعليمات من المركز فقط. وبهذا، أصبح الحزب أكثر مرونة في مواجهة التحديات السياسية و يتمتع الكادر الحزبي بالقدرة على التعامل مع المستجدات وفق رؤية واضحة وموضحة مسبقًا.

إحدى أهم الفرص التي يوفرها الملتقى الحزبي هي إمكانية اكتشاف الكوادر الحزبية التي تمتلك روحًا قيادية وقادرة على لعب أدوار محورية في الحزب. فخلال النقاشات المفتوحة والحوار المستمر، تبرز شخصيات تمتلك القدرة على التحليل واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، مما يتيح للحزب تحديد وإعداد الجيل القادم من قياداته.

إن هذه المبادرة تمثل محطة أساسية في عملية بناء القيادة داخل الحزب، حيث يتم اختبار الكوادر على أرض الواقع من خلال التفاعل المباشر مع القضايا السياسية والتنظيمية، مما يسمح للحزب باختيار الشخصيات الأكثر كفاءة لقيادة الحزب في المفاصل الحساسة والمراحل المفصلية من تاريخه.

في ظل التحولات السياسية المتسارعة، يحتاج الحزب إلى قيادات جديدة تمتلك رؤية استراتيجية ومرونة في التعامل مع المتغيرات، وهو ما يحققه الملتقى من خلال تمكين الأعضاء من ممارسة دورهم القيادي في بيئة تفاعلية حقيقية.

أحد أبرز نتائج هذه المبادرة هو تحسين قدرة الحزب على التعامل مع الأزمات السياسية والاستجابة الفورية للأحداث. فبدلًا من أن يكون رد الفعل مرهونًا بتوجيهات مركزية قد تتأخر، أصبح لدى الحزب كوادر تمتلك المعرفة والأدوات التحليلية اللازمة لاتخاذ خطوات مبدئية في التعامل مع التطورات السياسية. هذه المرونة التنظيمية تمنح الاتحاد الوطني الكوردستاني قدرة تنافسية أكبر في المشهد السياسي، حيث يستطيع التفاعل مع الأحداث بسرعة وكفاءة، مستفيدًا من شبكة كوادر مؤهلة وواعية بديناميكيات العمل السياسي.

إن انتقال الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى نموذج أكثر تشاركية من خلال الملتقى الحزبي يعكس فهمًا عميقًا لتحولات العمل السياسي في العصر الحديث. فلم يعد من الممكن إدارة الأحزاب السياسية بالأساليب التقليدية التي تعتمد على التوجيهات الفوقية والانضباط الحزبي الصارم فقط، بل أصبحت المرونة والتفاعل المستمر مع القواعد الحزبية عنصرين أساسيين لضمان استمرارية الحزب وتعزيز دوره في المشهد السياسي.

يمكن هذا النهج الجديد الحزب من الاستفادة من تنوع الكوادر الحزبية وخبراتهم، حيث لم تعد الأفكار والتصورات مقتصرة على دائرة ضيقة من الكوادر المتقدمة ، بل أصبحت نتيجة نقاشات موسعة بين مختلف المستويات التنظيمية. وهذا جعل القرارات أكثر شمولية وملامسة للواقع، حيث تعبر عن رؤية جماعية تتبناها القاعدة الحزبية بأكملها، مما يعزز الالتزام الداخلي بتنفيذها.

يمكن اعتبار الملتقى الحزبي خطوة تأسيسية لمستقبل أكثر استقرارًا للاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث يؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها الحزب أكثر ديمقراطية وانفتاحًا على الحوار الداخلي. فمن خلال تعزيز آليات المشاركة، سيتمكن الحزب من البقاء قريبًا من تطلعات الجماهير، والاستجابة بمرونة لمختلف التحديات السياسية.

كما أن هذا النموذج قد يشكل إلهامًا للأحزاب الأخرى التي تسعى إلى تحديث آليات عملها، حيث يثبت أن الإصلاح الحزبي لا يحتاج إلى تغييرات شكلية فقط، بل إلى إعادة هيكلة حقيقية تعتمد على الانفتاح والتفاعل مع القواعد الحزبية..

 

الانتفاضة محطة تاريخية ام مشروع مستمر؟

2025-03-05

لم تكن انتفاضة 1991 مجرد لحظة تاريخية عابرة، بل كانت نقطة تحول حقيقية في مسيرة شعب كوردستان نحو الحرية والكرامة. لقد كسرت قيود الاستبداد، ورسخت قيم النضال ضد الظلم، وأسست لمرحلة جديدة من الحكم الذاتي والديمقراطية. واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، تظل روح الانتفاضة حية، حيث يتحمل الجميع مسؤولية الحفاظ على مكتسباتها وتعزيزها من خلال الإصلاحات الحقيقية التي تضمن استمرارها كقوة تغيير إيجابية

ما تحقق من إنجازات بفضل انتفاضة 1991 ليس منحة، بل هو ثمرة تضحيات جسيمة قدمها أبناء كوردستان، الذين لم يتوانوا عن مقاومة الدكتاتورية رغم كل المخاطر. مكتسبات الانتفاضة أمانة، والحفاظ عليها واجب وطني يقع على عاتق الجميع، أفرادًا ومؤسسات، من خلال الالتزام بمبادئها والعمل على تعزيز أسس الحكم العادل والإدارة الرشيدة.

الانتفاضة لم تكن حدثًا مضى وانتهى، بل هي مسيرة مستمرة نحو العدالة والكرامة، تستمد شرعيتها من تضحيات الأجيال السابقة، وتجد طريقها في كل إصلاح يسهم في تحقيق تطلعات الشعب نحو مستقبل أكثر إشراقًا. إن استلهام روح الانتفاضة يعني مواجهة التحديات بنفس الإرادة التي كسرت قيد الاستبداد عام 1991، والعمل على تحقيق دولة قائمة على العدل والمساواة.

 

الإصلاح استمرارٌ لروح الانتفاضة

الإصلاح الحقيقي هو الامتداد الطبيعي للانتفاضة، فبدون إصلاحات جذرية في مؤسسات الحكم، لا يمكن الحفاظ على المكتسبات التي تحققت. بإرادة الانتفاضة نُصلح، وبروحها ننهض، وهذا يتطلب الشفافية في الحكم، ومكافحة الفساد، وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية، وضمان حقوق المواطنين دون تمييز. فكما أسقطت الانتفاضة النظام الدكتاتوري، يجب أن يكون هدفها المستقبلي هو بناء نظام حكم قويو مستقر وعادل.

لعب الاتحاد الوطني الكوردستاني دورًا رئيسيًا في قيادة الانتفاضة، وكان مهندس نجاحها منذ اللحظة الأولى. واليوم، يظل مسؤولًا عن ضمان استمرار روحها من خلال العمل على تصحيح مسار الحكم، وإجراء إصلاحات حقيقية تعزز الديمقراطية والاستقرار. فالقوة الحقيقية لأي قيادة لا تكمن في استذكار الماضي فقط، بل في القدرة على تحويل مبادئ الانتفاضة إلى سياسات تعزز مصالح الشعب وتحقق تطلعاته.

إن مسيرة الانتفاضة مستمرة نحو حكم عادل وإصلاح حقيقي، فلا يمكن أن تبقى الانتصارات رمزية فقط، بل يجب أن تتحول إلى واقع ملموس يُشعر به المواطن في حياته اليومية. الإصلاحات الاقتصادية، تطوير التعليم، دعم الشباب، وضمان حقوق المرأة هي جميعها امتداد لرسالة الانتفاضة في بناء مجتمع متوازن وعادل.

لم تكن انتفاضة 1991 مجرد مواجهة عسكرية ضد الاستبداد، بل كانت منارة تهدي أجيال المستقبل نحو الحرية والعدالة. ولذلك، من الضروري أن يستمر العمل على نشر قيمها بين الأجيال القادمة، ليظل وهجها منيرًا لكل من يسعى لبناء كوردستان قوية ومزدهر.

لقد أثبتت انتفاضة 1991 أن إرادة الشعوب لا تُهزم، وأن التضحية من أجل الحرية تؤتي ثمارها مهما طال الزمن. واليوم، يواجه شعب كوردستان تحديات جديدة، لكن بإمكانه تجاوزها بروح الانتفاضة التي لا تزال حية في الحرية، والإصلاح، والعدالة. وكما انتصر الشعب في الماضي على الدكتاتورية، فإنه قادر اليوم على تعزيز الديمقراطية، وضمان العدالة، وبناء مستقبل يليق بتضحيات الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق الحرية. بروح الانتفاضة، نمضي بثقة نحو مستقبل أكثر عدلًا وحرية.

 

الرئيس بافل طالباني: التزام بالسلام ورؤية استراتيجية

2025-02-27

تحمل تصريحات الرئيس بافل جلال طالباني حول رسالة عبدالله أوجلان أبعاداً سياسية واستراتيجية مهمة، إذ تؤكد التزام الاتحاد الوطني الكردستاني بمسار السلام والحوار، استمراراً للنهج الذي أرساه الرئيس الراحل مام جلال منذ عام 1993. هذا الموقف ليس مجرد رد فعل على حدث آني، بل هو امتداد لرؤية ثابتة تؤمن بأن الحلول السلمية هي السبيل الأمثل لمعالجة القضايا القومية المصيرية.

 

أكد الرئيس بافل أن دعم هذه الرسالة يمثل “واجباً وطنياً مسؤولاً”، في إشارة واضحة إلى أن السلام ليس مجرد خيار سياسي، بل مسؤولية جماعية يجب على جميع الأطراف التعامل معها بجدية. هذا التصريح يعكس وعياً بضرورة اغتنام الفرص التاريخية وعدم تضييعها، حيث شدد على أن هذه المبادرة ليست مجرد خطوة عابرة، بل نقطة تحول قد تؤدي إلى تغييرات إيجابية إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح.

لم يقتصر موقف الرئيس بافل على الجانب السياسي فحسب، بل تطرق إلى البعد الاجتماعي والاستراتيجي أيضاً، من خلال التأكيد على أهمية تعزيز “روح التعايش والأخوة بين الكرد والترك”. فالاتحاد الوطني الكردستاني يرى أن تجاوز الصراعات وفتح أبواب التعاون هو المفتاح لاستقرار المنطقة، حيث إن تحقيق السلام بين الكرد والترك لا يخدم فقط هذين الشعبين، بل يشكل خطوة أساسية نحو تنمية اقتصادية واجتماعية أوسع.

كما أشار الرئيس بافل إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني كان دائماً داعماً للحلول السلمية، وأن هذا النهج لم يتغير رغم تعاقب الظروف السياسية. إن موقفه لا يهدف فقط إلى الترحيب برسالة أوجلان، بل يحمل دعوة لجميع الأطراف إلى التعامل بمسؤولية مع هذه الفرصة التاريخية، حيث يمكن أن تصبح هذه الخطوة حجر الأساس لمستقبل أكثر استقراراً، إذا ما تمت إدارتها بحكمة وإرادة صادقة.

 

 

الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الصراعات: قراءة في رسالة أوجلان

2025-02-28

يشهد العالم تحولاً جوهرياً في طبيعة الصراعات وآليات إدارتها، حيث لم تعد المواجهات تعتمد على القوة التقليدية وحدها، بل أصبحت العقول والأنظمة الذكية تلعب دوراً محورياً في تحديد مسارات النزاعات والسياسات. في هذا السياق، تأتي قراءة رسالة عبدالله أوجلان كإشارة إلى وعي عميق بالتحولات التي يشهدها النظام العالمي، خاصة فيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف مفاهيم القوة والسلطة والصراع.

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل تحول إلى عقل موجه يتحكم في اتخاذ القرارات وتحليل البيانات، مما أدى إلى تغييرات جذرية في طريقة فهم السياسة، الاقتصاد، والعلاقات الدولية. في السابق، كانت الأحزاب والحركات السياسية تعتمد على المواجهة المباشرة، سواء من خلال القوة العسكرية أو الخطاب الثوري، لكن اليوم، أصبح من الواضح أن هذه الأدوات لم تعد تملك نفس التأثير الذي كانت عليه في عصور سابقة. فالتغيرات في بنية السلطة لم تعد تمنح مكانة للصراعات المسلحة، بل أصبحت تحدد الفاعلين بناءً على قدرتهم على التعامل مع الأنظمة الجديدة التي يديرها الذكاء الاصطناعي، والتحكم في الموارد والمعلومات بدلاً من السيطرة على الأرض بالسلاح.

في هذا السياق، يبدو أن رسالة أوجلان تنطوي على إدراك حقيقي لهذا التحول، حيث إن فكرة ترك السلاح لا تأتي كخيار تكتيكي فقط، بل كاستجابة حتمية لمنطق العصر الجديد. الذكاء الاصطناعي لم يلغِ الصراعات، لكنه أعاد تعريف أدواتها، فأصبح التأثير يعتمد على القدرة على التكيف مع الآليات الرقمية، استثمار البيانات، واستغلال الفرص الاقتصادية بدلاً من المواجهات المباشرة التي لم تعد تضمن البقاء أو التأثير في عالم محكوم بالخوارزميات وأنظمة التعلم الآلي.

هذا التحول يفرض على الفاعلين التقليديين في السياسة والحركات الاجتماعية إعادة النظر في طرق عملهم، حيث لم تعد البطولة ترتبط بالقدرة على القتال، بل بمدى القدرة على التواجد داخل الأنظمة الجديدة وتوجيهها بوعي استراتيجي. لم يعد من الممكن خوض الصراعات بذات الأدوات التي كانت صالحة لعصر ما قبل العولمة الرقمية، فاليوم يتم إعادة تشكيل المفاهيم التي كانت تعتبر من البديهيات أو حتى من المحرمات، إذ لم تعد القضايا تُحسم بالمواجهات الصريحة، بل بقدرة الفاعلين على إدارة الفرص ضمن البنية العالمية الجديدة التي تحركها الأنظمة الذكية.

ما يمكن استخلاصه من رسالة أوجلان هو أن العالم يتجه نحو نوع جديد من الصراعات، حيث لم تعد القوة الفيزيائية هي العنصر الحاسم، بل أصبحت القدرة على التكيف مع الواقع الجديد هي مفتاح البقاء والتأثير. الاقتصاد، الإعلام الرقمي، الخوارزميات، والذكاء الاصطناعي كلها أصبحت الأدوات الحقيقية للهيمنة أو المقاومة، وهو ما يعني أن من لا يستطيع فهم هذه التغيرات والبقاء ضمن دائرة القوة التقليدية، سيفقد مكانه في التاريخ القادم.

التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في الحفاظ على الوسائل القديمة، بل في فهم آليات العولمة الرقمية والاقتصادية والدخول إلى النظام الجديد بعقلية قادرة على التعامل مع الممكنات المتاحة. هذه ليست مجرد تحولات في الوسائل، بل هي قطيعة حقيقية مع النظام القديم للصراعات، مما يفرض على الجميع إعادة النظر في استراتيجياتهم. إذا كانت المواجهات المسلحة قادرة في السابق على رسم مسارات التاريخ، فإن اليوم من يملك البيانات، الذكاء الاصطناعي، والتحكم في التدفقات المعلوماتية هو من يملك زمام المبادرة.

في عصر الثورة الرقمية  تدار الصراعات الديبلوماسية  والعسكرية کافە  في فضاء الانترنيت،  واصبح القتال و ادارة العلاقات الديبلوماسية عن طريق التقنيات وليس المهارات الانسانية والشجاعة والبطولات

بهذا المعنى، فإن ترك السلاح ليس مجرد تنازل، بل هو ثمن الدخول إلى عصر جديد حيث النفوذ لا يُقاس بالقوة المباشرة، بل بالقدرة على التكيف مع المنهج الجديد في إدارة الصراعات. هذا هو الدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصه من رسالة أوجلان، وهو ما ينبغي أن يكون نقطة انطلاق لإعادة التفكير في طبيعة الصراعات في القرن الحادي والعشرين.

 

 

السياسة العراقية لعبة داخلية بقواعد خارجية

 

2025-02-22

في المشهد السياسي العراقي، تكثر الخيارات ولكنها في الوقت ذاته تقل، فكل الطرق تبدو مفتوحة نظريًا لكنها مسدودة عمليًا بفعل التعقيدات الداخلية والتدخلات الخارجية. يقف العراق اليوم على أرضية هشّة تتغير معالمها باستمرار نتيجة اختلاف الأولويات بين القوى السياسية، سواء كانت رسمية أم غير رسمية، حزبية أم غير حزبية، وحتى على مستوى الفصائل والمكونات.

 

انقسامات الداخل: الأولويات المتضاربة

تختلف أولويات القوى السياسية العراقية وفقًا لخلفياتها المذهبية والقومية والمناطقية. فالشيعة، وهم القوة السياسية الأبرز، ينصبّ اهتمامهم على ترسيخ السلطة وتقليل الضغط الخارجي وفق معايير تتناسب مع نفوذهم السياسي. بينما ينشغل الكرد بمسائل الموازنة وتأمين رواتب الموظفين، إلى جانب قانون النفط والغاز، وضمان استمرار تصدير النفط بشروطهم. أما السنّة، فتتركز أولوياتهم على الحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها بعد سنوات من التهميش، في ظل نظام المحاصصة الذي فرض توازنات دقيقة بينهم وبين بقية المكونات..

لا تتوقف التناقضات عند حدود الطوائف والقوميات، بل تمتد إلى داخل المكون الواحد. فالموقف الكردي لم يعد موحدًا بين الأحزاب السياسية الرئيسة، كما أن التركمان والآشوريين يشهدون انقسامات في الرؤى والمواقف. وحتى داخل البيت الشيعي والسني، هناك صراعات داخلية بين الفصائل المختلفة، مما يعمّق أزمة الانسجام الوطني.

 

اللاعب الخارجي: التنظيم الأقوى في العراق

وسط هذه التناقضات الداخلية، يظهر اللاعب الخارجي باعتباره القوة الأكثر تنظيمًا وتأثيرًا. القوى الإقليمية والدولية لا تراقب العراق فقط، بل تعمل على إدارة هذه الانقسامات بما يخدم استراتيجياتها. لا توجد قوة سياسية عراقية مؤثرة اليوم دون أن تكون على صلة وثيقة بإحدى هذه الجهات الخارجية، ما يجعل القرار العراقي مشلولًا إلى حد كبير أمام الإرادات الدولية.

لقد نجح اللاعب الخارجي في توظيف الانقسامات العراقية لصالحه، فتارة يستخدم النفوذ الاقتصادي، وتارة أخرى يوظف الفصائل المسلحة، أو يستثمر في العلاقات السياسية لتشكيل الحكومات وفق أجنداته. ومع غياب مشروع وطني موحد، أصبح الداخل العراقي مرتهنًا بالتحولات الإقليمية والدولية، مما يجعل أي تغيير حقيقي في العراق مرهونًا بتغير في المشهد الإقليمي ككل.

 

هل يمكن كسر المعادلة؟

التغيير في العراق لم يعد مسألة داخلية بحتة، بل تحول إلى قضية إقليمية مرتبطة بصراعات النفوذ بين القوى الكبرى. ومع أن الحديث عن “زلزال سياسي واجتماعي” أصبح ضروريًا، إلا أن تحقيقه يبدو صعبًا في ظل ضعف الإرادة الوطنية. فالتنظيمات الداخلية رتّبت نفسها وفق المصالح الخارجية، وليس وفق منطق الدولة الوطنية التي تعمل من أجل مواطنيها.

العراق يعيش اليوم نموذجًا سياسيًا فريدًا في تعقيداته، حيث لا توجد قوة داخلية قادرة على إحداث تغيير جذري دون دعم خارجي، وفي الوقت ذاته، لا يبدو أن هذا الدعم متاح إلا وفق شروط تعيد إنتاج الأزمات بدلًا من حلها. أمام هذا الواقع، يبقى التساؤل مفتوحًا: هل يمكن للعراق أن يخرج من هذه الحلقة المفرغة، أم أن مستقبله سيظل مرهونًا بمصالح الآخرين؟

 

 

الصحافة التركمانية: 114 عامًا من الابداع والتحول

2025-02-24

في 25 شباط، يحتفل الاعلاميون التركمان بمرور 114 عامًا على انطلاقة الصحافة التركمانية التي بدات مع صدور صحيفة “الحوادث” عام 1911 على يد صاحبها احمد مدني قدسي زادة . جاءت تلك الصحيفة ذات الاربع صفحات بمثابة الشرارة الاولى لبناء خطاب اعلامي يعكس اهتمامات اهل المنطقة من جميع المكونات الذين كانوا يكتبون بالتركية التي كانت سائدة في ضل الحكم العثماني انذاك  ، حيث تناولت موضوعات السياسة، والمجتمع، والادب، والفن، والزراعة، وقدمت مجموعة متنوعة من المقالات والاخبار التي ارست اسساً متينة لصناعة صحفية مستقلة.

على مدى السنوات الماضية، وتحديدًا خلال الحقبات السابقة وبالاخص في فترة حكم صدام حسين، كان عمل الصحفيين التركمان مقيدًا، اذ كانت حرية التعبير محدودة، وتقتصر المواضيع   بشكل عام على مجالات مثل الشعر والادب، مع الخضوع لرقابة  دقيقة عبر صحيفة اسبوعية. وعلى الرغم من هذه القيود، نجح الاعلام التركماني في الحفاظ على هويته واستمرارية رسالته الثقافية..

اليوم، يظهر المشهد الاعلامي التركماني في صورة متجددة جذريًا؛ فقد تطور من جريدة واحدة الى شبكة اعلامية متكاملة تضم عشرات القنوات الفضايية وميات الصحف والمجلات والاذاعات، تغطي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. هذا التطور لم يكن مجرد زيادة في العدد، بل هو دليل على نضج التجربة الاعلامية التي اصبحت تبرز قضايا الشارع وتنقل صوت التركمان الى مختلف الاصعدة.

الصحافة التركمانية كانت في المراحل السابقة  اكثر انفتاحا على الثقافات والمكونات الاخرى حيث ساهم الكثير من ابناءالمكونات الاخرى في المنطقة  في رفد هذا المجال وكانت لديهم دورواضح في الصحافة التركمانية .فيما اليوم اصبحت الصحافة التركمانية ومعها الاعلام التركماني اكثر تاثرا بالسياسة ويجسدون المواقف السياسية مما ادى الى انزوائها بعيدا عن الاخرين .

ان الاحتفال بذكرى 25 شباط لا يمثل فقط تذكارًا لتاسيس صحيفة تاريخية، بل هو ايضًا مناسبة لتكريم اجيال من الصحفيين الذين واصلوا مسيرتهم رغم التحديات، وساهموا في بناء اعلام تركماني متجدد وقوي. كما يشكل الحدث فرصة للتاكيد على الدور الحيوي للاعلام الحر والمتوازن في تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق المكونات القومية والثقافية في العراق..

وبعد 114 عامًا من المسيرة، يواصل الاعلام التركماني تطوره مستندًا الى ارث غني من العطاء، ساعيًا دومًا لمواكبة التحولات في المشهد الاعلامي العالمي، ليظل منبرًا للتعبير الحر ومنصة تنقل تطلعات وطموحات المجتمع التركماني في العراق..

 

 

حكومة كردستان: شراكة للجميع

2025-02-21

تشهد الساحة السياسية في إقليم كردستان العراق جولات من المفاوضات بين الحزبين الرئيسيين،  الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بهدف تشكيل الحكومة الجديدة. تتجلى في هذه المفاوضات اختلافات جوهرية في الرؤى والأهداف، ما يجعل الحوار السياسي خطوة أساسية لبناء إدارة مستقرة تخدم المواطنين بكل مكوناتهم  و يبدو ان المفاوضات الجارية تعتمد العمل وفق الانتقال من مرحلة الى أخرى أي الانتهاء من ملف والانتقال الى ملف اخر دون فتح ملفات جديدة لحين حسم الأولى. يرى الحزب الديمقراطي أن يكون له اليد الطولى في  الحكومة المقبلة باعتماد نتائج الانتخابات فقط، بحيث يحصل على معظم الحقائب الوزارية.

على النقيض من ذلك، يؤكد الاتحاد الوطني على ضرورة إقامة شراكة حقيقية تتجاوز مجرد توزيع المناصب، إذ لا تُعد مسألة المقاعد سوى أداة لخدمة المواطنين؛ فهو يتمتع بنفوذ واسع بقدر نفوذ الديمقراطي او ربما اكثر على الساحة الكردستانية والعراقية ولا يتأثر بعدد المقاعد، مما يضمن دوره الأساسي في العملية السياسية ويؤكد أن الحكومة لن تتشكل دون مشاركته كعنصر اساسي  لا غنى عنه. كما يدعو الاتحاد الوطني إلى نموذج شراكة يشمل جميع الأطراف السياسية والمكونات الدينية والقومية، مبني على أسس الحوار والتفاهم المشترك، بحيث لا تقتصر الشراكة على توزيع الوزارات فحسب، بل تمتد إلى صياغة رؤية سياسية وإدارية طويلة الأمد تُعزز من قدرة الإقليم على مواجهة تحدياته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. اضافة إلى ذلك أهمية تحسين العلاقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، حيث يرى أن تقوية هذه العلاقة تعد مفتاحًا لتحقيق التنمية والاستقرار؛ إذ يمكن لحوار بناء مع بغداد أن يؤدي إلى توزيع عادل للموارد المالية والاستثمارات الاقتصادية، مما ينعكس إيجاباً على حياة المواطن، كما تعتبر خطوة استراتيجية لتجاوز الخلافات التاريخية وتحويلها إلى تعاون يضمن تحقيق مصالح مشتركة تعود بالنفع على كلا الطرفين... تمثل الأيام القادمة نقطة حاسمة في تحديد ملامح الحكومة المقبلة في الإقليم، حيث أن نجاح العملية السياسية لا يعتمد فقط على حصص الوزارات، بل يتوقف على إقامة شراكة حقيقية تشمل جميع المكونات وتحسين العلاقة مع بغداد لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متكاملة .

 

 

تدخل الجيش في النزاعات المدنية: خطر يهدد السلم المجتمعي

2025-02-17

شهدت قرية شناغة في قضاء الدبس بمحافظة كركوك حادثة خطيرة تمثلت في اعتداء قوات الجيش على الفلاحين الكرد الذين كانوا يحاولون العودة إلى أراضيهم وحراثتها، تنفيذًا لقرار مجلس النواب العراقي القاضي بإعادة تلك الأراضي إلى أصحابها الشرعيين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تم أيضًا منع وسائل الإعلام من تغطية الحدث، في انتهاك صارخ لحرية الصحافة وحق المواطنين في معرفة الحقيقة.

إن ما حدث في شناغة ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو مؤشر خطير على استخدام القوات المسلحة في قضايا مدنية كان من الأجدر حلها عبر القنوات القانونية والإدارية. فتدخل الجيش في مثل هذه النزاعات يمثل تجاوزًا لدوره الدستوري، حيث أن مهمته الأساسية هي الدفاع عن البلاد وحماية حدودها، وليس قمع المواطنين أو منعهم من استعادة حقوقهم التي سُلبت منهم في حقبة النظام السابق.

لقد تم تهجير سكان هذه القرى قسرًا خلال فترة حكم صدام حسين، ومنحت أراضيهم لجماعات وافدة من محافظات أخرى ضمن سياسة التغيير الديمغرافي التي انتهجها النظام آنذاك. واليوم، بعد أن قرر مجلس النواب العراقي تصحيح هذا الظلم التاريخي، يجب أن يُترك المجال لتنفيذ القرارات بعيدًا عن التدخلات العسكرية التي قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب.

إن منع وسائل الإعلام من تغطية هذه الأحداث يزيد من الشكوك حول نوايا الجهات المتورطة في الاعتداء. فحرية الإعلام جزء أساسي من أي نظام ديمقراطي، وحجب المعلومات عن الرأي العام لا يؤدي إلا إلى زيادة الاحتقان والتوتر.

لذلك، من الضروري أن تتدخل الحكومة لمعالجة هذا الوضع بسرعة، وأن يتم محاسبة المسؤولين عن الاعتداءات، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً، حفاظًا على السلم المجتمعي وسيادة القانون.

 

 

الاتحاد الوطني الكردستاني ودوره المحوري في المعادلة الأمنية الإقليمية: قراءة في ضوء مؤتمر ميونشن للأمن

2025-02-14

يُعَد مؤتمر ميونشن للأمن أحد أهم المنتديات العالمية لمناقشة القضايا الأمنية والاستراتيجية، حيث يجتمع فيه قادة الدول وصناع القرار لمناقشة التحديات الأمنية التي تواجه العالم. ومشاركة الرئيس بافل جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، في هذا المؤتمر ليست مجرد حضور بروتوكولي، بل تعكس الدور المحوري الذي يلعبه الاتحاد في التوازنات الأمنية والسياسية في المنطقة.

لم يأتِ الدور البارز للاتحاد الوطني الكردستاني من فراغ، بل هو نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها:

 1. المساهمة الفاعلة في الحرب على الإرهاب: لعب الاتحاد الوطني دورًا أساسيًا في التصدي للتنظيمات الإرهابية، سواء خلال المعارك ضد داعش أو من خلال الجهود الاستخباراتية والأمنية التي ساهمت في استقرار العديد من المناطق.

 2. العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة: يتمتع الاتحاد الوطني الكردستاني بشبكة علاقات واسعة مع مختلف القوى الفاعلة في المنطقة، سواء كانت دولية أو إقليمية. وعلى الرغم من تباين مصالح هذه القوى، فقد استطاع الحزب أن يحافظ على علاقات متوازنة معها، مما جعله طرفًا رئيسيًا في أي معادلة أمنية تتعلق بالعراق وكردستان والمنطقة بشكل عام.

 3. الدور في المعادلة السياسية العراقية: داخل العراق، يُعتبر الاتحاد الوطني قوة سياسية لها ثقلها، حيث يساهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها البلاد.

يكتسب حضور الرئيس بافل طالباني في مؤتمر ميونشن أهمية خاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة. فالمؤتمر يُعقد في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات كبرى، بدءًا من تصاعد التهديدات الأمنية، مرورًا بالتحولات الجيوسياسية، وصولًا إلى التنافس الدولي على النفوذ.

وجود قيادة الاتحاد الوطني في هذا المحفل العالمي يعكس:

 • اعترافًا دوليًا بأهمية الدور الكردي في استقرار المنطقة.

 • دعمًا لموقف الاتحاد الوطني كلاعب أساسي في التوازنات الإقليمية.

 • تعزيزًا للعلاقات السياسية مع القوى الدولية المؤثرة، بما يخدم مصالح كردستان والعراق بشكل عام.

من خلال مشاركة الرئيس بافل جلال طالباني في مؤتمر ميونشن، يمكن استخلاص عدة رسائل سياسية:

 1. التأكيد على دور الاتحاد الوطني كشريك أمني موثوق به في المنطقة، وليس مجرد فاعل محلي محدود التأثير.

 2. إظهار قدرة الاتحاد على بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى، حتى في ظل التناقضات الإقليمية الحادة.

 3. تعزيز مكانة الاتحاد الوطني الكردستاني كطرف محوري في رسم السياسات الأمنية والإقليمية.

يؤكد حضور الاتحاد الوطني الكردستاني، ممثلًا بالرئيس بافل جلال طالباني، في مؤتمر ميونشن للأمن أن الحزب لا يزال لاعبًا رئيسيًا في المشهد الإقليمي. فبفضل استراتيجيته المتوازنة وعلاقاته القوية، استطاع أن يثبت نفسه كشريك أساسي في مواجهة التحديات الأمنية، مما يعزز مكانته على الساحة الدولية ويضمن له دورًا أكثر تأثيرًا في مستقبل المنطقة.

 

 

كركوك بين التعايش والمواقف السياسية

2025-02-13

لطالما كانت كركوك رمزًا للتنوع والتعددية، حيث تعايشت فيها مختلف القوميات والأديان على مدى قرون، مشكلة نموذجًا فريدًا للتآخي الاجتماعي والتكامل الثقافي. هذه المدينة، التي تضم الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين وغيرهم، كانت ولا تزال تمثل عراقًا مصغرًا، يختزل في طياته قيم التعددية والتعايش السلمي. لكن في السنوات الأخيرة، تحولت كركوك إلى ساحة صراع سياسي، حيث تحاول بعض الأطراف استغلال التركيبة المتنوعة للمدينة لتحقيق أهدافها الضيقة، سواء من خلال إثارة الخلافات القومية والطائفية أو عبر تنفيذ أجندات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة.

شهدت كركوك عبر التاريخ محطات عديدة من التحديات، لكنها كانت قادرة على تجاوزها بفضل وعي أهلها وإدراكهم بأن مصيرهم واحد، وأن قوتهم تكمن في وحدتهم. لقد شكل هذا التنوع مصدر ثراء للمدينة، وجعل منها مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا. لم تكن كركوك يومًا حكرًا على مكون دون آخر، بل كانت دائمًا بيتًا مشتركًا للجميع، حيث تعايش السكان وتشاركوا في بناء مجتمعهم، رغم المحاولات المتكررة لطمس هذا النسيج المتجانس.

في ظل التغيرات السياسية التي شهدها العراق، باتت كركوك محورًا للصراع بين القوى المختلفة، حيث تسعى بعض الأطراف إلى استغلال بعض صفحات الماضي المؤلمة لزرع بذور الفتنة بين مكوناتها. تعمل هذه القوى على تأجيج الانقسامات لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، غير آبهة بتداعيات ذلك على السلم الأهلي ومستقبل المدينة.

في المقابل، هناك أطراف أخرى تعمل وفق أجندات خارجية، مستغلة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق للبحث عن موطئ قدم لها في كركوك. هذه الجهات لا تسعى إلى تحقيق الاستقرار، بل ترى في الفوضى فرصة لتعزيز نفوذها وإدامة الأزمات، حتى تبقى المدينة في حالة من عدم التوازن تخدم مصالحها الاستراتيجية.

رغم كل هذه التحديات، يبقى التعايش والتآخي بين مكونات كركوك هو السبيل الوحيد لضمان استقرارها ومستقبلها. إن محاولات فرض سياسات الإقصاء أو الهيمنة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الأزمات، ولن تخدم سوى المتربصين الذين يريدون تفكيك النسيج الاجتماعي للمدينة. الحل يكمن في احترام حقوق جميع المكونات، وتعزيز مبدأ الشراكة الحقيقية، بحيث يشعر الجميع بأنهم جزء أساسي من مستقبل كركوك، لا مجرد أطراف متصارعة على النفوذ..

من الضروري أن تتبنى القوى السياسية في كركوك رؤية تعتمد على المصالحة والحوار، وتبتعد عن أساليب التحريض والتجييش التي لا تخدم إلا المصالح الضيقة. يجب أن يكون هناك التزام واضح بحماية حقوق الجميع، والعمل على تعزيز المشاريع التنموية التي تعود بالنفع على كل سكان المدينة، بعيدًا عن سياسات التمييز والإقصاء.

إن مستقبل كركوك لا يمكن أن يُبنى على الصراعات السياسية أو التدخلات الخارجية، بل يعتمد على وعي أبنائها بأهمية الوحدة والعمل المشترك. إن القوى التي تريد زعزعة استقرار المدينة لن تجد طريقًا لتنفيذ مخططاتها إذا وقف أبناء كركوك صفًا واحدًا في وجه محاولات التفريق والتقسيم.

لهذا، تقع المسؤولية على عاتق الجميع—من قادة سياسيين، وشخصيات اجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني—للحفاظ على وحدة كركوك وصون هويتها التعددية. يجب أن يكون هناك خطاب سياسي وإعلامي مسؤول، يعزز التفاهم ويرفض التحريض، ويسعى إلى تقريب وجهات النظر بدلًا من تعميق الخلافات.

 

 كركوك نموذج يجب حمايته

لقد أثبتت كركوك عبر التاريخ أنها قادرة على تجاوز المحن، وأنها مدينة لا يمكن أن تُحكم بمنطق الغالب والمغلوب، بل بمنطق التفاهم والشراكة. اليوم، وفي ظل الأوضاع الراهنة، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يدرك الجميع أن الحل في كركوك ليس في الصراع، بل في التعاون والتآخي.

إذا أرادت كركوك أن تبقى رمزًا للتعددية، فعلى جميع مكوناتها أن تتكاتف لحماية هذا النموذج، والوقوف ضد كل من يسعى إلى زعزعة استقرارها والعمل على تمكين ادارتها ومجلسها بالعمل دون اية ضغوظ سياسية . لا يمكن لأي جهة أن تنجح في تقسيم كركوك ما دام أهلها متمسكين بوحدتهم، مدركين أن مستقبلهم واحد، وأن قوتهم تكمن في تآخيهم.

 

 

هيرو خان: رمز النضال والمقاومة النسوية الكردية

2025-02-13

عندما يُذكر اسم هيرو إبراهيم أحمد، لا يتبادر إلى الأذهان فقط كونها زوجة الزعيم الكردي الراحل جلال طالباني، بل تبرز صورتها كإحدى المناضلات الأوائل اللاتي لعبن دورًا محوريًا في الحركة التحررية الكردستانية. لم يكن نضالها تابعًا لشخص آخر، بل كان نتيجة إيمانها العميق بقضية شعبها، ووقوفها إلى جانب المقاتلين من البيشمركة في أصعب الظروف، حيث كانت جزءًا لا يتجزأ من معاناتهم وتضحياتهم.

 

دادا هيرو: أم البيشمركة ورفيقة النضال

في جبال كردستان، حيث خاضت البيشمركة معارك شرسة ضد الأنظمة القمعية، لم تكن هيرو خان مجرد مراقبة أو زوجة زعيم، بل كانت مناضلة تعيش البساطة ذاتها التي يعيشها المقاتلون. لُقبت بـ“دادا هيرو”، أي الأم هيرو، نظرًا لدورها الرعائي والإنساني، فقد كانت تقدم الدعم المعنوي واللوجستي للمقاتلين، وحرصت على تخفيف معاناتهم في ظل الحروب والحصار.

كانت تؤمن بأن المرأة قادرة على أن تكون فاعلة في كل المجالات، وليس مجرد عنصر داعم، ولهذا لم تكتفِ بالدور التقليدي، بل أصبحت جزءًا من صناعة القرار السياسي والعسكري في الحركة التحررية الكردستانية.

 

الريادة في الإعلام والمنظمات الإنسانية

لم يكن اهتمام هيرو إبراهيم أحمد بالنضال المسلح فقط، بل لعبت دورًا بارزًا في تأسيس الإعلام الكردي، حيث كانت من أوائل الداعمين لإنشاء مؤسسات إعلامية تخدم القضية الكردية وتنقل صوت الشعب إلى العالم. كما أسست منظمات إنسانية كانت مخصصة لخدمة النساء والأطفال، وسعت إلى تحسين ظروفهم في مخيمات النزوح وأثناء الأزمات.

كان لها دور محوري في تعزيز دور المرأة الكردية، حيث شجعت النساء على الانخراط في السياسة والإعلام والمجتمع المدني، إيمانًا منها بأن تحرر المجتمع لا يمكن أن يتحقق إلا بمشاركة فعالة من النساء. كما سعت إلى خلق فرص عمل للنساء وتوفير بيئة تدعم تعليم الفتيات، إدراكًا منها لأهمية دور المرأة المتعلمة في بناء مجتمع قوي.

 

دورها في التقريب بين الأطراف السياسية الكردية

إلى جانب نشاطها الإنساني، لعبت هيرو خان دورًا مهمًا في التقريب بين الفصائل السياسية الكردية، حيث كانت تؤمن بأن وحدة الصف الكردي هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال والحرية. ومن خلال علاقاتها الواسعة، حاولت دائمًا تخفيف حدة الخلافات الداخلية والعمل على تعزيز الحوار بين القوى المختلفة.

 

إرث نضالي مستمر

لا تزال هيرو إبراهيم أحمد تمثل رمزًا خالدًا للنضال النسوي الكردي، فقد ساهمت في تشكيل هوية المرأة الكردية المقاومة، وأثبتت أن المرأة ليست فقط داعمًا للرجل في المعركة، بل شريكًا أساسيًا في بناء المستقبل.

لقد كانت مثالًا للمرأة القوية والمثابرة، التي لم تنكفئ على ذاتها، بل خرجت إلى الميدان وعملت على تغيير واقع شعبها، واضعة بصمة واضحة في التاريخ الكردي. فقصتها ليست مجرد حكاية عن زوجة زعيم، بل هي ملحمة كفاح نسوي وسياسي، حيث صنعت لنفسها مكانة مستقلة كأحد أعمدة النضال التي حفرت اسمها بأحرف من نور في وجدان شعبها.

 

 

التوازنات السياسية في كركوك بين الشراكة والتحديات

2025-02-08

تُعد كركوك واحدة من أكثر المحافظات العراقية تعقيدًا من الناحية السياسية والعرقية، حيث تتداخل فيها مصالح القوى الكردية والعربية والتركمانية، مما يجعل أي تغيير في إدارتها موضع جدل واسع. ومن بين القضايا الأكثر حساسية في المحافظة هو منصب المحافظ، حيث يعترض بعض الفصائل العربية والجبهة التركمانية على تولي الكورد لهذا المنصب، رغم وجود إدارة مشتركة تسعى إلى تحقيق التوازن بين مختلف المكونات.

تم تشكيل الإدارة الحالية لكركوك وفق آلية تهدف إلى تحقيق قدر من التوازن بين المكونات الرئيسية، حيث تضم

محافظًا كرديًا يمثل الحزب الفائز في الانتخابات المحلية

رئيس مجلس عربيًا لضمان مشاركة المكون العربي في صنع القرار

نائب محافظ تركمانيًا ليعكس الحضور التركماني في الإدارة

ورغم أن هذه الصيغة تبدو وكأنها تحقق نوعًا من التوافق السياسي، إلا أن معارضة بعض الفصائل العربية والجبهة التركمانية تُظهر أن الخلافات لا تزال قائمة.

تعتمد الأطراف المعارضة لتولي الكورد منصب المحافظ على إصدار البيانات السياسية كأداة رئيسية للتعبير عن رفضها. وتشمل هذه البيانات انتقادات لقرارات الإدارة المحلية.

التشكيك في شرعية التوافقات التي أدت إلى تولي الكورد المنصب

التحذير من أن تنفيذ المشاريع التنموية قد يعزز موقف الإدارة الحالية على حساب الأطراف المعارضة

ويبدو أن هذه الفصائل تدرك أن نجاح الإدارة في تقديم الخدمات وتحقيق التنمية قد يؤدي إلى إضعاف موقفها السياسي، لذلك تعمل على محاولة التشويش على أي إنجازات يتم تحقيقها من خلال التصعيد الإعلامي والسياسيعلى المستوى الشعبي، يبدو أن محافظ كركوك الحالي يحظى بمقبولية واسعة ليس فقط لدى الكورد، وإنما أيضًا بين العرب والتركمان. ويعود ذلك إلى أسلوبه في التعامل مع جميع المكونات على قدم المساواة، إضافة إلى تركيزه على تقديم الخدمات العامة وتحقيق التنمية دون تمييز. هذا النهج ساعد في تعزيز الاستقرار النسبي في المحافظة وخلق بيئة إيجابية تدعم التعايش بين مختلف المكونات، وهو ما قد يمثل عامل قوة للإدارة الحالية في مواجهة الاعتراضات السياسية.

لا يمكن النظر إلى الوضع في كركوك بمعزل عن المشهد السياسي العراقي العام، حيث تعكس التطورات في المحافظة تأثير الصراعات بين بغداد وأربيل، وبين القوى السياسية داخل الحكومة العراقية. وتعتبر المحافظة نقطة تماس بين النفوذ الكردي والعربي والتركماني، مما يجعل أي تغيير في إدارتها يؤثر بشكل مباشر على موازين القوى داخل العراق.

وبالنظر إلى هذه التعقيدات، فإن تحقيق الاستقرار في كركوك يعتمد على مدى قدرة الإدارة الحالية على تحقيق تفاهمات جديدة مع الأطراف المعارضة، وإثبات أنها قادرة على العمل لمصلحة جميع المكونات، وليس لطرف دون الآخر.

مع استمرار المشهد السياسي الحالي، يمكن توقع عدد من السيناريوهات المحتملة

1- استمرار المعارضة دون تغيير جذري، حيث تواصل الفصائل إصدار البيانات والتعبير عن رفضها، لكن دون أن يكون لها تأثير مباشر على عمل الإدارة.

2- تصعيد سياسي وإعلامي في حال شعرت الأطراف المعارضة بأنها تفقد نفوذها داخل المحافظة.

  3- انفتاح على التفاوض إذا تمكنت الإدارة المشتركة من تقديم مشاريع تنموية تُحقق مكاسب لجميع المكونات، مما قد يؤدي إلى تخفيف حدة المعارضة. على المستوى الشعبي، يبدو أن محافظ كركوك الحالي يحظى بمقبولية واسعة ليس فقط لدى الكورد، وإنما أيضًا بين العرب والتركمان. ويعود ذلك إلى أسلوبه في التعامل مع جميع المكونات على قدم المساواة، إضافة إلى تركيزه على تقديم الخدمات العامة وتحقيق التنمية دون تمييز. هذا النهج ساعد في تعزيز الاستقرار النسبي في المحافظة وخلق بيئة إيجابية تدعم التعايش بين مختلف المكونات، وهو ما قد يمثل عامل قوة للإدارة الحالية في مواجهة الاعتراضات السياسية

تظل كركوك نموذجًا مصغرًا للتعقيدات السياسية في العراق، حيث تتشابك المصالح العرقية والسياسية في بيئة حساسة تتطلب توازنًا دقيقًا. وبينما تسعى الإدارة المشتركة إلى تحقيق الاستقرار من خلال تقاسم السلطة، تواجه تحديات كبيرة تتعلق بمعارضة بعض الفصائل، والتي تحاول عرقلة جهودها عبر البيانات السياسية والتصعيد الإعلامي. ومع ذلك، فإن المقبولية الشعبية التي يحظى بها المحافظ الحالي بين مختلف المكونات ساهمت بقوة في تشكيل عامل استقرار يساعد في تهدئة التوترات السياسية. وفي النهاية، فإن نجاح الإدارة في تحقيق إنجازات ملموسة قد يكون العامل الحاسم في تهدئة التوترات أو تصعيدها، مما يجعل مستقبل كركوك مرهونًا بمدى قدرة القادة المحليين على تحقيق شراكة سياسية حقيقية ومستدامة ويبدو ان الادارة الحالية مصرة على ان تكون المحافظة في دائرة الامن والتعايش والتنمية الحقيقية التي حرمت منهامنذ عقود.

 

مرافعة مام جلال: شهادة للتاريخ ومنهج للنضال الوطني

 

 2025-02-09

 قبل عقدين وفي التاسع من شباط، وقف الرئيس الراحل مام جلال طالباني ليقدم واحدة من أهم المرافعات في التاريخ العراقي المعاصر، ليس فقط لأنها كانت شهادة موثقة للحقائق، بل لأنها مثلت لحظة مفصلية في انتقال النضال من الجبال إلى ساحات القانون، ومن خطاب المقاومة إلى خطاب الدولة.

كانت هذه المرافعة أمام جميع القادة العراقيين و بحضور ممثلي المكونات الدينية والمذهبية والعرقية و على طاولة حوار واحدة، حيث خاطبهم فقيد الأمة مام جلال بلسان العدل والتاريخ، مستندًا إلى الحقائق تاريخية  ليضع أمام الجميع رواية موثقة لا يمكن إنكارها.  لحظة لم تكن مجرد مرافعة كردية، بل كانت عراقية بامتياز، تعكس الروح الحقيقية لشراكة وطنية قائمة على الحقوق والعدالة.

لطالما كان التاريخ العراقي مليئًا بالأحداث التي لم تُكتب كما حدثت، بل غالبًا ما أُعيدت صياغتها وفقًا للمنتصرين أو لمصالح سياسية آنية. لكن مام جلال، في هذا المحفل الوطني، اختار أن يواجه هذه الروايات برؤية تستند إلى الأدلة والوثائق، واضعًا نهجًا جديدًا للاتحاد الوطني الكردستاني وللخطاب الكردي داخل العراق الفدرالي.

لقد أثبتت مرافعته أن النضال لا يقتصر على ساحات القتال، بل يمكن أن يكون أكثر تأثيرًا عندما يُخاض بأسلوب قانوني يستند إلى الحقائق الدامغة. لم يكن حديثه مجرد خطاب سياسي، بل كان تأسيسًا لمرحلة جديدة كسرت حاجز الخوف والتردد في قول الحقيقة كما هي، دون مواربة أو تجميل.

إن ما فعله مام جلال في ذلك اليوم لم يكن مجرد موقف فردي، بل كان تجسيدًا لرؤية الاتحاد الوطني الكردستاني، التي قامت على الدمج بين الواقعية السياسية والمطالب القومية العادلة. لقد أكد أن الحقوق لا تُنتزع بالشعارات وحدها، بل بالإثباتات القانونية، وهو نهج رسّخه في السياسة الكردية وجعله جزءًا من أسلوب التفاوض مع بغداد.

كما أن هذه المرافعة، رغم كونها كردية في جوهرها، كانت عراقية في مضمونها، لأنها لم تنطلق من مبدأ التقاطع مع الدولة، بل من مبدأ تصحيح المسار داخل الدولة نفسها، والاعتراف بالتعددية كحقيقة لا يمكن إنكارها. وقد جاءت أمام جميع القوى العراقية، بمن فيهم ممثلو الطوائف والمذاهب والأعراق، ما جعلها خطوة غير مسبوقة في تاريخ الحوار الوطني العراقي

اليوم، إذ نستذكر هذه المرافعة، فإننا لا نستذكر فقط خطابًا تاريخيًا، بل نعيد التأكيد على التزامنا بمسيرة مام جلال ونهجه السياسي والوطني. سنواصل الدفاع عن الحقوق بنفس الروح، وبذات الأسلوب الذي جمع بين قوة الموقف ورصانة الحجة، بين التاريخ والوثيقة، وبين السياسة والمبادئ.

سلامٌ على روحك، يا من جعلت الحقيقة أقوى من الخوف، ووضعت الأسس لنضال لا ينهزم، سواء في الجبال أو في قاعات القانون. سنمضي على خطاك، ونحقق أمنياتك الوطنية والقومية.

 

 

نداء لإنقاذ أشجار الزيتون في كاورباغي: ذاكرة كركوك الحية

2025-02-02

لطالما كانت كاورباغي رمزًا من رموز كركوك، حيث تمتزج الطبيعة بالتاريخ، وحيث كانت أشجار الزيتون شاهدة على طفولة أجيال وأحلامهم. في هذا المكان، لعب الأطفال من مختلف المكونات، تسللوا إلى بساتينه، وتذوقوا طعم الحياة البسيطة تحت ظلال أشجاره. لكن اليوم، يواجه هذا الإرث الطبيعي خطر الزوال، حيث تحجب الكتل الكونكريتية هذه الصورة الجميلة، وتخنق الأشجار التي كانت يومًا رمزًا للسلام والتعايش.

لا يمكن لأي شخص نشأ في كركوك أن ينسى كاورباغي  هذا المكان المحفور في وجدان  اهل المدينة ذلك المكان الذي كان بمثابة رئة المدينة وملتقى أهلها. كان الأطفال يلعبون تحت أشجاره، والكبار يتسامرون في ظلالها، والمزارعون يعتنون بها بحب. الزيتون، ذلك الشجر المعمر الذي يرمز إلى السلام والصمود، ظل شامخًا في كاورباغي لعقود، لكنه اليوم محاصر بالإسمنت، مهدد بالجفاف والإهمال.

 

الكتل الكونكريتية.. جدار يفصل الناس عن ذكرياتهم

في عام 2003، بعد سنوات من الغربة، عدت إلى كركوك بشوق لرؤية تلك الأشجار التي احتضنت طفولتي. لكن بدلاً من أن أجدها كما كانت، وجدت جدرانًا عازلة تفصل بيني وبينها. أصبحت الأشجار خلف القضبان، محجوبة عن أهلها ومحبيها. لم يعد بوسع الأطفال اللعب تحتها، ولم يعد بإمكان المارة التمتع بجمالها.

تذكرت حينها أسماء الأصدقاء الذين شاركوني ذكريات الطفولة:  سالار  يشار، ، وغازي، وسردار وعزاوي وكنا نجتمع هناك، نلهو، نتسلق الأشجار، ونتسلل أحيانًا إلى مزرعة “دايي أصغر” لنسرق الباذنجان، في مغامرات طفولية بريئة. لكن اليوم، كل شيء تغير، وكأن الزمن قد قرر أن يمحو تلك الذكريات الجميلة.

لا يمكن أن نسمح لهذه الصورة الجميلة أن تندثر. كاورباغي ليست مجرد أرض أو مجموعة من الأشجار، بل هي جزء من روح كركوك، وهي شاهد على التعايش بين مكوناتها المختلفة. لذلك، أدعو جميع أبناء كركوك، وكل من يحب هذه المدينة، إلى المطالبة بإزالة الكتل الكونكريتية التي تحجب كاورباغي وإعادة الحياة إلى أشجارها.

كما أناشد إدارة كركوك ومجلس المحافظة للعمل على حماية ما تبقى من هذا الإرث الطبيعي، وزيادة المساحات الخضراء بدلًا من تدميرها. فالمحافظة على كاورباغي ليست مجرد قضية بيئية، بل هي مسؤولية جماعية للحفاظ على ذاكرة المدينة وهويتها.

كاورباغي ليست مجرد مكان، إنها حكاية كركوك.. إنها ضحكات الأطفال، وأحاديث الكبار، وذكريات لا تموت. لا تتركوا الإسمنت يحجب عنا ماضينا، ولا تسمحوا بأن تختفي أشجار الزيتون التي كانت تظللنا يومًا ما. فلنطالب جميعًا بإعادة الحياة إلى هذا المكان، قبل أن يضيع جزء آخر من روح كركوك إلى الأبد.

 

 

التفاوض مع اوجلان خطوة استباقية تركية في مواجهة التحولات الاقليمية

2025-01-25

تشير المبادرة التركية الجديدة للتفاوض مع عبدالله أوجلان، وإعلانه المرتقب عن إنهاء الكفاح المسلح، إلى محاولة الحكومة التركية الاستفادة من اللحظة السياسية الراهنة لإعادة تشكيل المشهد الداخلي والإقليمي بما يخدم مصالحها. هذه الخطوة تأتي في سياق إقليمي ودولي مضطرب يشهد تحولات سريعة ومبهمة، مما يدفع أنقرة إلى استباق الأحداث وتجنب المفاجآت التي قد تُضعف موقفها السياسي والأمني

 

مبادرة استباقية

المبادرة الجديدة، التي تتضمن دعوة أوجلان لإقناع حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح، تبدو جزءًا من استراتيجية تركية شاملة تهدف إلى إعادة تعريف القضية الكردية داخليًا. بإنهاء الصراع المسلح، تسعى تركيا إلى تقويض أي محاولات لاستغلال الملف الكردي إقليميًا، خاصة في ظل التحولات المستمرة في سوريا .

إن اعلان أوجلان  المرتقب عن إنهاء الكفاح المسلح قد يُسقط الذرائع التي طالما لجأت إليها الحكومة التركية لتبرير الاعتقالات والقمع السياسي بحق الكورد. هذا التحول يتيح لتركيا السيطرة على تفاصيل الحل السياسي، مع ضمان أن تتحول القضية الكردية من صراع أمني إلى حوار سياسي داخلي، تحت إشرافها الكامل.

تركيا تدرك أن استمرار الصراع المسلح قد يُضعف موقفها في مواجهة التغيرات الإقليمية، خاصة في سوريا، حيث يشكل الدعم الدولي للإدارة الذاتية الكردية شرق الفرات تحديًا مستمرًا. لذلك، فإن المبادرة تمثل محاولة لتحصين الموقف التركي إقليميًا قبل أن تُفرض عليها حلول دولية قد لا تكون في صالحها .

إذا ما نُفذت هذه المبادرة  بجدية، قد تُحسن صورة تركيا دوليًا، خاصة أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللتين تضغطان من أجل تحسين سجل تركيا في حقوق الإنسان وحل القضية الكردية سلمياً.

 

تداعيات الإعلان على الداخل التركي

إعلان أوجلان عن إنهاء الكفاح المسلح لن يقتصر أثره على الساحة السياسية الكردية، بل سيُحدث تحولًا كبيرًا في السياسة التركية الداخلية، حيث سيُجبر الحكومة على تقديم تنازلات فعلية للكورد على المستوى السياسي والثقافي

كما سيساهم الإعلان في تقليل الاحتقان الداخلي، ويفتح المجال امام الكورد للمطالبة بحقوقهم السياسية بعيدًا عن التهم الجاهزة بدعم الإرهاب.

تُظهر المبادرة التركية لتسوية القضية الكردية وإعلان أوجلان المتوقع عن إنهاء الكفاح المسلح، رغبة تركيا في رسم ملامح المستقبل بما يتوافق مع استراتيجيتها الإقليمية والداخلية. في ظل التحولات السريعة في المنطقة، تحاول أنقرة وضع التفاصيل بيدها لتجنب أي مفاجآت قد تُفرض عليها. إذا نجحت هذه الخطوات، فإنها قد تفتح فصلًا جديدًا للقضية الكردية في تركيا، وتُسهم في تحقيق سلام داخلي واستقرار إقليمي..

 

 

كركوك بين شعارات التعايش وأفعال تأجيج الفتنة القومية

 2025-01-28

تعد مدينة كركوك من أكثر المدن تنوعاً في العراق، حيث تحتضن بين شوارعها مكونات مختلفة من العرب، الكرد، التركمان، والآشوريين. وعلى الرغم من هذا التنوع الثقافي والعرقي الذي كان من المفترض أن يشكل عامل قوة ووحدة، إلا أن الصراعات القومية والسياسية جعلت المدينة تعيش في حالة من التوتر المزمن.

منذ عقود، ومع كل مرحلة سياسية جديدة، يتكرر الحديث عن التعايش بين مكونات كركوك وضرورة حصول الجميع على حقوقهم المشروعة. شعارات مثل “الوئام” و”الأخوة” أصبحت جزءاً من الخطاب السياسي لكثير من الأطراف. إلا أن هذه الشعارات غالباً ما تصطدم بالواقع عندما تتحول شوارع المدينة إلى منصات تُرفع فيها صور وشعارات تعيد إحياء أحداث مؤلمة وقعت قبل أكثر من ستين عاماً.

 

كيف يمكن لأحزاب تتحدث عن التعايش والتآخي أن تلجأ إلى ممارسات تُذكّر بفصول مأساوية من الصراع القومي في المدينة؟ هذه الصور والشعارات لا تُعيد فقط فتح جراح الماضي، بل تسهم في تعزيز الانقسام والتوتر بين مكونات المدينة. وبدلاً من أن تكون كركوك نموذجاً للتعددية الثقافية والتسامح، تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات القومية والسياسية.

لا شك أن كركوك بحاجة إلى تجاوز أعباء الماضي والتركيز على المستقبل. لا يمكن أن تستمر المدينة رهينة للذكريات المؤلمة أو للأحداث التي عمّقت الخلافات بين مكوناتها. طي صفحات الماضي لا يعني إنكار التاريخ أو تهميش الضحايا، بل يعني المضي قدماً نحو بناء مجتمع يسوده السلام والعدالة للجميع.

على الأحزاب السياسية الابتعاد عن استغلال الرموز والأحداث التاريخية لتأجيج النزاعات القومية. بدلاً من ذلك، يجب العمل على تعزيز قيم التعايش من خلال خطاب متوازن وإجراءات فعلية تخدم جميع مكونات المدينة. كما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي المفتاح لبناء الثقة بين مكونات كركوك. تحسين الخدمات، توفير فرص العمل، والنهوض بالبنية التحتية هي أولويات يجب أن تتقدم على أي صراع قومي أو سياسي. ومن الضروري أيضاً تنظيم حوارات حقيقية بين مكونات كركوك تُبنى على الاحترام المتبادل والرغبة المشتركة في إيجاد حلول للمشاكل القائمة.

إن الضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة النزاعات والصراعات كانوا جزءاً من إنسانية كركوك وتاريخها المشترك. ليس من المعقول أن يتم استغلالهم في معاداة الآخرين أو زرع التفرقة القومية. ما انتشار صورهم في كل أرجاء كركوك إلا دليل على أن بعض الجهات لا تريد الخير للمدينة وأبنائها، بل تسعى إلى إبقاء جروح الماضي مفتوحة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

إن كركوك، بتاريخها العريق وتنوعها الثقافي، قادرة على أن تكون نموذجاً للتعايش السلمي إذا ما توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك. لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال رفع شعارات فقط، بل يتطلب الأمر العمل الجاد لخلق بيئة تعزز التعاون والوحدة بين مكوناتها. كركوك تستحق أن تكون رمزاً للوئام بدلاً من أن تُستخدم كساحة لإشعال الفتن والصراعات.

 

الغاء قرارات مجلس قيادة الثورة خطوة نحو تحقيق العدالة وحقوق المواطنة في العراق

 2025-01-21

في خطوة تاريخية تعكس توجهًا نحو العدالة الاجتماعية وتجسيدًا لحقوق المواطنة العراقية، صوت مجلس النواب العراقي على إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المتعلقة بالاستيلاء على أراضي الفلاحين الكرد والتركمان. هذه القرارات، التي كانت سببًا لمعاناة طويلة لآلاف العوائل، تمثل جزءًا من السياسات الظالمة للنظام السابق التي استهدفت تغيير الطابع الديموغرافي والهيمنة على حقوق الأقليات القومية في العراق.

كان لنواب الاتحاد الوطني الكردستاني دور محوري في تحقيق هذا الإنجاز. فقد بذلوا جهودًا كبيرة في حشد الدعم داخل مجلس النواب العراقي والتنسيق مع مختلف الكتل السياسية لضمان التصويت لصالح إلغاء هذه القرارات الجائرة. عمل النواب على إبراز حجم المعاناة التي سببتها هذه السياسات الظالمة، وتوضيح ضرورة معالجتها كخطوة نحو تعزيز التعايش السلمي وإعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.

الرئيس بافل جلال طالباني، وفي إطار إشادته بهذا الإنجاز، أكد أن الدور الفاعل لنواب الاتحاد الوطني الكردستاني كان حاسمًا في تحقيق هذا النجاح، مشيرًا إلى أن التعاون بين الأطراف السياسية كافة كان أساسًا لهذه الخطوة المهمة.

 

إلغاء هذه القرارات لا يقتصر فقط على استعادة حقوق الفلاحين الكرد والتركمان، بل يرمز إلى بداية معالجة الإرث الثقيل من السياسات التمييزية التي تركها النظام السابق. كما يعزز هذا القرار الثقة بين مكونات الشعب العراقي ويمهد الطريق نحو مرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية.

يُظهر هذا الإنجاز أهمية الوحدة الوطنية والعمل المشترك بين القوى السياسية لتحقيق تطلعات الشعب العراقي. وقد أثبت نواب الاتحاد الوطني الكردستاني أن التعاون السياسي والتنسيق مع باقي الأطراف يمكن أن يسهم في تحقيق إنجازات تصب في مصلحة المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الطائفية.

في تعليقه على هذا القرار، قال الرئيس بافل جلال طالباني: “إلغاء هذه القرارات هو إنجاز تاريخي يعيد الحق إلى أصحابه الشرعيين. لقد تحقق هذا بفضل الجهود المشتركة لجميع الأطراف السياسية، وعلى رأسهم نواب الاتحاد الوطني الكردستاني. يجب أن يكون هذا القرار بداية لخطوات أخرى نحو تحقيق العدالة والمساواة”.

إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة يمثل خطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع العراقي. ويؤكد أن العمل الجماعي والتعاون بين القوى السياسية يمكن أن يحقق إنجازات حقيقية تصب في مصلحة الجميع.

إن هذا القرار يعكس الإرادة الحقيقية لبناء عراق جديد يضمن حقوق جميع مكوناته. ويؤكد الدور الريادي الذي يلعبه الاتحاد الوطني الكردستاني في الدفاع عن حقوق شعب كردستان والعمل على تحقيق العدالة والمساواة في عموم العراق.

 

 

الديمقراطي الكردستاني ومعادلة محافظة كركوك السياسية: أزمات متجددة ومواقف تثير التساؤلات

 

 2025-01-23

تعيش محافظة كركوك، الغنية بالتنوع العرقي والثقافي، واقعًا سياسيًا معقدًا يتأثر بالصراعات الإقليمية والتوازنات الداخلية. ومن بين أبرز التحديات التي تواجهها المحافظة اليوم، المواقف السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يبدو أنه يتجه نحو تخندق مع بعض الأطراف العربية والتركمانية ضد الحقوق الكردية في كركوك.

شهدت كركوك تطورات ملحوظة بعد اجتماع مجلس المحافظة الذي انعقد في فندق الرشيد ببغداد، والذي أفضى إلى تنصيب ريبوار طه محافظًا للمحافظة. رغم شرعية الاجتماع وقرار المحكمة الإدارية الذي أكد قانونيته، أبدى الحزب الديمقراطي الكردستاني موقفًا معارضًا لهذه الخطوة.

هذا الموقف يطرح تساؤلات جدية حول أسباب رفض الديمقراطي تسنم شخصية كردية منصب محافظ كركوك، خاصة في ظل الدعم الشعبي والسياسي الواسع الذي يتمتع به ريبوار طه. فبدلًا من السعي لتوحيد الصف الكردي في كركوك، يبدو أن الحزب يضع العراقيل أمام تعزيز التمثيل الكردي في إدارة المحافظة.

من اللافت أن الحزب الديمقراطي، الذي يُفترض أن يكون داعمًا لقضايا الأكراد في كركوك، يتجه لتحالفات مع أطراف عربية وتركمانية تتبنى مواقف مناهضة لتطلعات الكرد في المحافظة. هذه التحالفات تعكس تناقضًا كبيرًا بين شعارات الحزب وممارساته العملية، مما يضعف الموقف الكردي المشترك ويُفقده الزخم اللازم لمواجهة التحديات التي تعترض حقوق الكرد في كركوك.

 

في خطوة أخرى أثارت غضب المواطنين الكرد في كركوك، رفض وزير البلديات، المنتمي للحزب الديمقراطي الكردستاني، المصادقة على تمليك الدور المتجاوزة في المحافظة. هذه المنازل، التي تأوي مئات العائلات الكردية، تعتبر جزءًا من حقوق المواطنين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب السياسات التمييزية خلال العقود الماضية.

قرار الوزير يُنظر إليه كخطوة عدائية تهدف إلى حرمان المواطنين الكرد من الاستقرار في محافظتهم، مما يعكس نهجًا متناقضًا مع مبادئ الحزب المعلنة حول الدفاع عن حقوق الشعب الكردي.

رغم محاولاته التأثير في المشهد السياسي، يعاني الحزب الديمقراطي الكردستاني من ضعف واضح في قاعدته الجماهيرية داخل محافظة كركوك. نتائج الانتخابات المحلية والتشريعية تؤكد هذه الحقيقة؛ إذ تمكن الاتحاد الوطني الكردستاني من حصد خمسة مقاعد في انتخابات مجلس محافظة كركوك، بينما حصل الديمقراطي على مقعدين فقط.

علاوة على ذلك، يتمتع الاتحاد الوطني بشعبية أكبر بكثير في الشارع الكردي داخل المحافظة، حيث يعتبره المواطنون الكرد ممثلًا حقيقيًا لتطلعاتهم وأمنياتهم. في المقابل، فقد الحزب الديمقراطي الكردستاني جزءًا كبيرًا من مؤيديه بسبب مواقفه التي وصفها البعض بأنها معادية لطموحات الشعب الكردي في كركوك.

مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك لم تساهم فقط في إضعاف وحدة الصف الكردي، بل أيضًا في تعزيز الانقسامات داخل المحافظة. بينما تسعى الأحزاب الكردية الأخرى إلى التمسك بحقوق الكرد وتعزيز وجودهم في كركوك، يبدو أن الديمقراطي يتبنى أجندة مختلفة تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة.

إن محافظة كركوك، بما تحمله من أهمية استراتيجية وتاريخية للكرد، تستحق مقاربة سياسية أكثر حكمة واتزانًا. على الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يعيد النظر في مواقفه تجاه المحافظة وسكانها، وأن يعمل على توحيد الجهود مع باقي الأحزاب الكردية لتحقيق تطلعات المواطنين الكرد.

لا يمكن تحقيق الاستقرار في كركوك إلا من خلال رؤية سياسية مشتركة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مكونات المحافظة، مع الحفاظ على الهوية الكردية وحمايتها من محاولات التهميش أو الإقصاء.

ختامًا، تبقى محافظة كركوك اختبارًا حقيقيًا لجدية الأحزاب الكردية في الدفاع عن حقوق شعبها. وعلى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يثبت أنه جزء من الحل، وليس جزءًا من المشكلة.

 

 

الصراع على التوازنات في سوريا

 2025-01-15

بعد سقوط النظام السوري، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تسعى القوى الكبرى لتحقيق مصالحها في ظل الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه انهيار النظام. تركيا، التي لطالما اعتبرت سوريا جزءًا من مجال نفوذها الإقليمي، تتحرك بشكل مكثف لتعزيز وجودها على الأرض، مستغلة التقارب الأيديولوجي بينها وبين المجموعة الحاكمة الجديدة في سوريا. في الوقت نفسه، بدأت إسرائيل بالتلميح إلى إمكانية تقديم دعم لقوات سوريا الديمقراطية، القوة العسكرية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية.

إسرائيل، التي تشعر بقلق متزايد من الطموحات التركية في سوريا، ترى في قوات سوريا الديمقراطية حليفًا محتملًا يمكن استخدامه لموازنة النفوذ التركي المتصاعد. قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم الكرد والعرب والمسيحيين، تمثل قوة متعددة الأعراق يمكن أن تكون مفيدة لإسرائيل في بناء علاقات مع الأقليات في المنطقة. كما أن دعم إسرائيل لهذه القوات قد يكون وسيلة فعالة لإضعاف تركيا وإحباط خططها للتوسع في سوريا. إسرائيل تدرك أن تركيا تنظر إلى قسد كتهديد أمني مباشر، وبالتالي فإن أي دعم تقدمه لتلك القوات سيعقد الحسابات التركية ويضع قيودًا على تحركاتها.

في المقابل، تجد تركيا نفسها في موقع قوي بعد سقوط النظام السوري. المجموعة الحاكمة الجديدة في سوريا، والتي يعتقد أنها قريبة من “هيئة تحرير الشام”، تتبنى توجهًا إسلاميًا قريبًا من الإخوان المسلمين، ما يجعلها أكثر انسجامًا مع التوجهات التركية. هذا التقارب يمنح أنقرة فرصة لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في سوريا، من خلال دعم الحكومة الجديدة وتطوير علاقات اقتصادية معها. تركيا تسعى أيضًا لاستغلال هذا الوضع لتحقيق أهدافها الخاصة بإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى مناطق تعتبرها “آمنة”، مما يعزز صورتها داخليًا وخارجيًا.

لكن هذا التقارب بين تركيا والحكومة السورية الجديدة لا يمر دون إثارة القلق الإسرائيلي. إسرائيل ترى أن أي تحالف بين تركيا والمجموعة الحاكمة في سوريا سيعزز النفوذ التركي بشكل كبير، ما قد يهدد التوازن الإقليمي ويؤثر على أمنها القومي. إسرائيل تخشى أيضًا أن تقوم تركيا بتوجيه الجماعات المسلحة الموالية لها نحو تهديد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، خاصة في ظل تقارب أيديولوجي بين الطرفين يجعل التنسيق بينهما أكثر سهولة.

في ظل هذه التحولات، يبدو أن سوريا ستبقى مسرحًا لصراع طويل الأمد بين القوى الإقليمية. تركيا تسعى لفرض رؤيتها على المشهد السوري من خلال تقوية علاقاتها مع الحكومة الجديدة، بينما تحاول إسرائيل البحث عن تحالفات بديلة، مثل قوات سوريا الديمقراطية، لمواجهة النفوذ التركي المتزايد. هذه التحركات تضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تتشابك المصالح والتوجهات بشكل يجعل الحلول السياسية بعيدة المنال.

 

سيناريوهات سوريا ما بعد الأسد

 2024-12-17

بعد انتهاء حكم بشار الأسد، تتجه الأنظار نحو مستقبل سوريا وما يحمله من سيناريوهات محتملة. أول السيناريوهات هو اندلاع صراع مسلح بين الفصائل الإسلامية المتعددة التي تختلف في توجهاتها وأهدافها. هذه الفصائل، التي تتراوح بين المعتدل والمتشدد، قد تؤدي إلى تفاقم الصراع الداخلي، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويؤثر سلباً على المدنيين..

ثاني السيناريوهات هو احتمال سيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد السلطة بشكل مطلق. إذا ما استمر الدعم التركي والقطري لها  ، فقد تفرض نظاماً إسلامياً شمولياً، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد. هذا السيناريو قد يعكس صعود القوى الإسلامية ويشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي.

أما السيناريو الثالث فهو استمرار المحادثات والاتصالات بين جميع الأطراف لفترة زمنية طويلة. قد تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى إيجاد حل سياسي يضمن استقرار سوريا، لكن هذا يتطلب تنازلات من جميع الأطراف المعنية.

اما السيناريو الأخطر هو تحالف هيئة تحرير الشام مع تركيا وفرض ارادتها السياسية والامنية  وشن هجمات على المناوئين والمخالفين  وتحديدا قوات قسد اذ تشكل المنظور الأستراتيجي لتركيا واحدى الركائز الاسياسية لوجودها في سوريا  .  اذ تسعى إلى إضعاف قسد وإنهاء وجودها على حدودها حسب التصريحات الاخيرة لوزير خارجية تركيا هاكان فيدان ، وربما تستغل تركيا  تحالفها مع هيئة تحرير الشام لتنفيذ ما تريد . قد يعارض الاتحاد الأوروبي الاعتراف بهيئة تحرير الشام، خوفاً من صعود “حكومة إسلامية سلفية” على غرار طالبان في افغانستان لكن إذا ضمنت تركيا عدم تدفق اللاجئين إلى أوروبا، فقد تلتزم أوروبا بالصمت.

هذه السيناريوهات لن تكون بمعزل عن تدخلات دول الخليج ومصر والأردن، حيث ستسعى هذه الدول إلى التأثير في مجريات الأحداث لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية . في النهاية، يبقى مستقبل سوريا بعد الأسد غامضاً ومعقداً في ضل انهيار البنية التحتية ووجود ملايين المهجرين داخليا وخارجيا ، ويتطلب حلاً شاملاً يتبنى مصالح جميع مكونات سوريا المذهبية والدينية والقومية ليضمن السلام والاستقرار.

 

 

ترامب ونظرة شرق اوسطية

 

 2024-11-10

 اخيرا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسوف يكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة ،  لا شك ان لهذا الفوز انعكاسات محتملة على الشرق الأوسط بشكل عام، والمناطق الكردية على وجه الخصوصبالأعتماد على بعض سياساته ومواقفه السابقة وكذلك تصريحاته الأخيرة حول المنطقة.

هناك عدة سيناريوهات  ربما تشهدها المنطقة في ضل ادارة ترامب وسياساته غير المتوقعة .

سياسة عدم التدخل المباشر و أمريكا أولاً هي سياسة  ترامب حيث تركز  هذه السياسة على الحد من تورط امريكا  في الصراعات الخارجية. ،و قد نشهد انسحاباً جزئياً أو كاملاً من بعض المواقع العسكرية في الشرق الأوسط  ، مثل سوريا والعراق، ما قد يترك الكورد بدون دعم أمريكي مباشر، خاصةً في سوريا، حيث الاعتماد الرئيسي على هذا الدعم كحماية من التهديدات التركية والإيرانية..

كان لترامب علاقة جيدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإذا استمرت هذه العلاقة، قد يغض الطرف عن التدخلات العسكرية  التركية في المناطق الكردية في سوريا الذي يزيد من الضغوطات على الكورد في تلك المناطق، خصوصًا أن تركيا تعتبر وجود قوات سوريا الديمقراطية تهديداً لأمنها القومي..

يبدو انت ايران ستبقى ضمن مديات  ترامب  و من المحتمل أن يعود إلى سياسة “الضغط الأقصى” في التعامل معها ، مما تؤثر بشكل او بآخر على العراق من جهة و المناطق الكردية من جهة اخرى ، إذ تحتفظ كردستان العراق بعلاقات متوازنة مع كل من إيران والولايات المتحدة وان الوضع الاقتصادي والسياسي لإقليم كردستان العراق يتأثر باي تصعيد قد تشهده المنطقة ..

يتوقع الكثيرون أن يتبنى ترامب نهجاً أكثر حذراً ومختلفا  في دعم الحلفاء التقليديين في المنطقة، بما في ذلك الكوردو قد يطلب منهم الاعتماد عسكرياً واقتصادياً على أنفسهم بشكل أكبر ، مما قد يؤدي إلى تزايد المخاوف و التحديات امام الكورد، سواءً في العراق أو سوريا..

ويرى متخصصون في السياسة الأمريكية  من غير المستبعد ان يعيد ترامب  ترتيب الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط والتركيز على  تحالفات جديدة تخدم مصالح اقتصادية، وقد يتجاهل قضايا حقوق الإنسان والقضايا القومية التي تهم الكورد بشكل خاص.

بالمجمل، يمكن القول إن فوز ترامب سيؤدي براي معظم المراقبين والمحللين  إلى تقليل التدخل الأمريكي المباشر، مما قد يفتح بدوره  المجال لجهات إقليمية مثل تركيا وإيران لترسيخ  نفوذها في المناطق الكردية، والذي  يخلط الاوراق  ويؤجل  طموحات الكورد لمرحلة اخرى  ويضعهم أمام تحديات جديدة .

 

 

الاتحاد الوطني الكردستاني وقيادة الرئيس بافل طالباني

 2024-11-05

تحت قيادة الرئيس بافل طالباني، يشهد الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) نقلة نوعية في استراتيجياته وهياكله، حيث يركز على تحديث وتطوير أساليب الحزب السياسية والتنظيمية لمواكبة التحديات الجديدة في إقليم كردستان والعراق. ويُنظر إلى هذه التحولات ليس فقط كتغيير في أسلوب العمل، بل كجزء من رؤية شاملة لبافل طالباني لتحديث الاتحاد وجعله مؤسسة أكثر فعالية وملاءمة لعصر جديد من السياسة الكردية.

 

رؤية شاملة للتغيير

منذ توليه قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، تبنّى بافل طالباني نهجاً يعتمد على الاستفادة من الدروس الماضية مع اعتماد ممارسات حديثة تلائم تطورات العصر. يسعى بافل إلى توجيه الحزب بعيداً عن الأساليب التقليدية، التي غالباً ما كانت تعتمد على سياسات جامدة، وتطوير توجهات أكثر ديناميكية قادرة على التفاعل مع الأحداث بسرعة. هذه الرؤية تهدف إلى تعزيز الوحدة داخل الحزب، وتطوير العمل المؤسساتي الداخلي، وزيادة التفاعل مع الجيل الجديد من الشباب في كردستان.

 

التركيز على تمكين الشباب

يعترف الرئيس بافل طالباني بأن مستقبل الحزب يعتمد بشكل كبير على الشباب، وقد سعى منذ البداية إلى تمكينهم وتشجيع مشاركتهم السياسية والاجتماعية. ومن هنا، قام بتطوير برامج ومبادرات خاصة تهدف إلى تحفيز الشباب وتقديم فرص لهم للانخراط في القرارات الحزبية وتطوير رؤى جديدة. هذه الخطوة تُعتبر جزءاً من محاولة بناء جيل جديد من القيادات الكردية التي تستطيع مواجهة تحديات المستقبل بطرق مبتكرة.

 

تقوية العلاقات السياسية والدبلوماسية

قام الرئيس بافل طالباني بتعزيز العلاقات الخارجية للاتحاد الوطني الكردستاني، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. فقد عمل على بناء جسور قوية مع الأحزاب السياسية داخل العراق ومع القوى الإقليمية والدولية، ما أكسب الاتحاد الوطني الكردستاني دعماً سياسياً أوسع، وزاد من قدرة الحزب على التأثير في القرارات المتعلقة بإقليم كردستان والعراق ككل. هذا التوجه نحو الدبلوماسية النشطة يعكس إيمان بافل بأن السياسة لا يمكن أن تزدهر بمعزل عن العالم الخارجي.

 

بناء نظام مؤسساتي حديث

من أبرز ما يقوم به بافل طالباني هو العمل على بناء نظام مؤسساتي قوي داخل الحزب، يعتمد على مبدأ الشفافية والمساءلة. فقد قام بإدخال إصلاحات إدارية وتنظيمية لضمان أن يصبح الحزب أكثر استجابة لاحتياجات الجماهير وأقل مركزية. هذه الخطوات تمثل جزءاً من رؤية تهدف إلى إضفاء طابع أكثر احترافية على عمل الاتحاد الوطني الكردستاني، وإلى كسر الصورة النمطية للحزب التقليدي وتحويله إلى نموذج عصري يستوعب التغيرات المحيطة.

 

تعزيز الديمقراطية داخل الحزب

يدرك الرئيس بافل طالباني أن الديمقراطية هي السبيل لتحقيق التغيير المستدام داخل الحزب، ولذا عمل على تعزيز العملية الديمقراطية داخل الاتحاد الوطني. من خلال منح الأعضاء فرصة أكبر للمشاركة في اتخاذ القرارات، أتاح بافل مساحة لظهور أصوات جديدة ومختلفة داخل الحزب، ما يعكس تنوع المجتمع الكردي. وقد لعبت هذه الخطوة دوراً كبيراً في إعادة الثقة إلى قواعد الحزب وفي خلق مناخ سياسي أكثر انفتاحاً.

 

الأثر على المشهد السياسي الكردي

إن التحديثات التي يقودها بافل طالباني داخل الاتحاد الوطني الكردستاني تعكس طموحاً لجعل الحزب قوة رئيسية في إقليم كردستان وخارجه. من خلال تعزيز موقع الاتحاد الوطني كلاعب محوري في السياسة الكردية والعراقية، يقدم بافل نموذجاً لحزب يعتمد على الابتكار والتغيير بدلاً من الجمود والتقليد. كما أن التحديث المستمر يسهم في تقديم صورة جديدة عن الحزب ويؤهله ليكون قوة فاعلة في مستقبل كردستان.

 

تحديات أمام التحديث

بالرغم من النجاحات التي حققها بافل طالباني في تحديث الاتحاد الوطني، يواجه الحزب تحديات داخلية وخارجية. من أبرز التحديات الداخلية وجود تيارات تقليدية تقاوم التغيير وتفضل الالتزام بالأساليب القديمة، مما قد يُحدث بعض التوترات داخل الحزب. أما التحديات الخارجية فتتمثل في الوضع السياسي المعقد في العراق والمنطقة، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية تجعل من الصعب الحفاظ على توازن مستقر.

 

خاتمة

إن رؤية بافل طالباني لتحديث الاتحاد الوطني الكردستاني تمثل نموذجاً للإصلاح السياسي داخل الحزب، وتقدم نموذجاً يُحتذى به في السياسة الكردية والعراقية. فمن خلال تعزيز دور الشباب، وتطوير البنية المؤسساتية، وإضفاء طابع ديمقراطي داخلي، يضع بافل طالباني أسساً جديدة لنهضة الاتحاد الوطني الكردستاني.

 

 

في ذكرى انتخاب مام جلال رئيسا للعراق.. شخصية لم تفارق السياسة

 

 2024-04-06

 

انتخاب مام جلال رئيسا للعراق قبل اكثر من ١٩ سنة أولى خطوات التاكيد الحقيقي في العراق لمفهوم  التحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية  القانونية . . 

ان وجود مام جلال في سلم الهرم الإداري والدبلوماسي في العراق منح قوة كبيرة وبعدا حقيقيا لهذا المنصب ، وعندما نستذكر دوره في المعارضة وأيام النضال المسلح كان  يتبوء بجدارة  قيادة  وجهة نظر معظم اطراف المعارضة الكردية والعربية  ورسم توجهاتها  الانية والمستقبلية ،  في المراحل اللاحقة وعند وجود الخالد  مام جلال  في سدة الحكم كان يلعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة في اصعب الظروف الامنية والسياسية التي مر بها العراق ، وان وصف السيد السستاني  له بصمام امان العراق لم يأتي اعتباطاً  اذ كان لمام  جلال دور مشهود في  محاولات عديدة ومتكررة لجمع المتصارعين المتخاصمين من الشيعة والسنة بالمرحلة التي سميت بحرب الطائفية . نحن هنا لسنا بصدد عد الإنجازات التي حققها زعيمنا الخالد والمرجع السياسي لكل العراقيين  وان تسليط الضوء على المحطات المهمة من مسيرة نضالية طويلة مليئة بالتضحيات والبطولات ومواقف ستكون عبرة للأجيال المقبلة في  حياته السياسية  ، مسيرة مليئة بدلالات  قومية من جهة  و وطنية عراقية من جهة أخرى  وهو القائد الكردي الوحيد الذي استطاع ايجاد توازن حقيقي بين انتمائه القومي الكردي والوطني العراقي ولن ينسى الكورد أبدا حديث مام جال باللغة الكردية في الامم المتحدة باعتماد الدستور العراقي باعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية الثانية في العراق .

ان المفاهيم السياسية التي أوجدها الخالد مام جلال في التعايش وتقارب الأطراف  مازالت تشكل الاساس لسياسة الاتحاد الوطني الكردستاني مع المكونات الاخرى وهي بمثابة خارطة طريق  من اجل الوصول إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي من جهة وتكامل حق المواطنة في بعدها القانوني والدستوري. الاعلاقات الواسعة   .

حضور مام جلال  يتجدد في كل مرحلة  سياسية اذ تبقى مواقفه شاخصه في حل الكثير من الأزمات والمشاكل العالقة فيما تظهر الاحداث حقيقة وصواب توقعات مام جلال ويبقى ان نقول ان تسنم الخالد مام جلال لقمة السلطة في العراق كرئيس للجمهورية  انعطافة حقيقية في التاريخ السياسي والديمقراطي للعراق وبداية مرحلة مختلفة وجديدة  من الدبلوماسية  الواقعية .

 

 

 

 

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف