حلبجه.. الفعل والفاعل
يمكن إغلاق ملف مذبحة حلبجه في حالتين: الاولى، أن يتلقى الفاعلون قصاصهم العادل، ويعلن أنصارهم وأتباعهم وشهود الزور من الكتبة والمهرجين والدعاة والمرتشين الذين غسلوا وجه الجريمة بماء الاكاذيب القذر(بمن فيهم الكثير من الامريكان والفرنسيين والبريطانيين)إعتذارهم لعائلات الضحايا والمدينة والشعب الكردي عن تواطئهم مع فعل همجي يدخل في عداد أفعال الابادة الجمعية النكراء، والثانية، أن يحل الوقت الذي يكون فيه الملف وراء ظهر التاريخ، بمعنى تفكيك الاسباب والظروف والثقافات والنزعات والسياسات والكراهيات التي شكلت منطلقا لقرار المذبحة، السياسي والعسكري.
ففي الحالة الاولى، لايزال فاعلون، مقررون ومنفذون، خارج الحساب والقصاص والعدالة على الرغم من ثابت بصمات ايدي واقدام المغيرين وتأكيدات مسرح الاحداث على علاقتهم المباشرة بالجريمة المروعة ووضْع الكثير منهم على قائمة المطلوبين للمحاكمة، واللافت ان بعضهم لايزال محمياً من القصاص والمساءلة، وبعضهم الآخر يطل علينا عبر الشاشات الملونة من عواصم عربية واوروبية في وجوه تصطنع البراءة، والبعض الثالث دُسّ في “بيت” العملية السياسية “الآمن”.
وفي الحالة الثانية، لم تكف ماكنة الشوفينية المقيتة، ومخزون الكراهية القومية، عن انتاج الروايات المغشوشة، ولوائح الدفاع الباطلة عن براءة نظام صدام حسين من ارتكاب المجزرة، والتشكيك في كشوف الدلالة والتحليلات العلمية والميدانية لشواهد الهجمة التي شنتها قوات الدكتاتورية على المدينة والشهادات الحية ومرويات الناجين من المذبحة واعترافات البعض من الفاعلين، الامر الذي يدلل على الحقيقة المفزعة التالية:
ان فلول النظام السابق ومطاريد بقايا اجهزته القمعية الهاربة لن تتورع عن ارتكاب مذبحة حلبجه ثانية، في كردستان العراق، وفي اي مكان آخر، عندما يتسنى لها ذلك، والحقيقة الموازية الاكثر فزعا، والتي تتمثل، في ظهور مستعدين جدد، من بضائع المرحلة وإفرازاتها، مستعدين لمواصلة افعال صدام حسين الشنيعة، وينظرون الى ارث حلبجه الشهيدة كإرث لهم.
بوجيز الكلام، قضية حلبجه تجاوزت الفعل الاجرامي لسلطة غاشمة باستخدام الغازات السامة المحرمة، في ظروف حربية، لقتل جماعي مصمم طال ما يزيد على خمسة آلاف من السكان المدنيين الآمنين، الى مفعول يهدد بتكرار الجريمة نفسها، وربما ابشع منها، في المستقبل، إذا ما استمر بعض الفاعلين المعروفين طلقاء وفي مأمن من العقاب والعدالة.. ودعاة، غيرهم، في مواقع وسلطات تنتج وتصدر ثقافة الانتقام والاحتراب والابارثيد والعداء القومي.
“إن لم تكن تتمتع بالشجاعة فقد لا يكون لك فرصة لاستخدام أي من الفضائل الأخرى”.
صاموئيل جونسون
الانصات المركزي- 18/3/2012:
|