حكمة مام جلال..
*الانصات المركزي/ 10/1/2012
في دوامة الأزمة، ظهرت مفردة مخادعة على طاولة البحث، ظاهرها حق، وباطنها ضلال، فكل طرف من أطراف الأزمة يطالب بـ”ضمان” يلتزمه الطرف الآخر، وبخلاف ذلك فانه يمضي في سبيله، وصار طلب الضمان عصا في عجلة الحلول الوسط، والتسويات، ومبادرات التهدئة.
غير أن مام جلال الذي تبنى مشروع العودة الى قواعد الشراكة الحقيقية في ادارة الحكم والعبور الآمن لفترة الانتقال ذكّر الجميع بان ضمانات السلامة ليست منحة أو ورقة يتبادلها المتصارعون، بل تتجسد في موضع آخر مكفول باجواء الثقة، وفي معادلة أخرى، واقعية ومصيرية، وذلك بقوله في كلمة ألقيت بالنيابة عنه: “لا ضمان لأي منا غير الديمقراطية، ولا حافظ لدولتنا غير العدل”.
فإن الديمقراطية، ليست انتخابات وقوى تصويتية ونتائج، بل هي ممارسة تنظم علاقات الافراد والجماعات، عبر مؤسسات وهياكل وبيئة تجعل من التعهدات والتفاهمات والضمانات بمثابة قيم أخلاقية ومعنوية، لها قوة القانون التي لاتقبل المساومة ولاتسمح بالتراجع، وبخلاف ذلك، فانه لا معنى لأي ضمان يُعلن، او يوقع، حين يتم في اجواء من الاستبداد والتعنت والاستفراد، او بين جماعات لاتؤمن بالديمقراطية كثقافة وممارسة ولا باستحقاقاتها والتزاماتها، وهنا، بالامكان التذكير (عراقيا) بمصائر الكثير من الاتفاقات والمعاهدات التي ذهبت أدراج الرياح لأنها كتبت من غير قناعة بجدوى الديمقراطية ولا بأحكام حقوق الآخر واختلاف الآراء والارادات.
وتتسع حكمة الرئيس الى التذكير بأهمية العدالة في حماية الدولة والحفاظ على مكانتها وسمعتها ومستقبلها على الخارطة، فان الجيوش وأجهزة الردع والخطط الأمنية لم تكن لتضمن حماية الدول اذا لم تضع العدالة واستقلال القضاء والمساواة أمام القانون في أساس نظامها السياسي، وبذلك تستقوي السلطة بالمواطن الآمن والمطمئن الى عدالة الحكم على الأخطار المحدقة بالبلاد.
وإذ بلغت الأزمة السياسية مرحلة الخطر، ودخلت طورا حرجا من الاختناق والخندقة وانعدام الثقة ومحاولات تصفية الحساب والاستئصال والتخوين والتهديدات العبثية، وأشرفت، وتشرف، على مزيد من التفاقم، وتقلّص فرص التسوية والحلول الوسط، فقد جاءت حكمة مام جلال، في وقتها البالغ الحساسية، بوجوب العودة الى احكام الديمقراطية باعتبارها ضمانة لحماية البلاد واتقاء محاذير الانهيار والاحتراب، وفي اللحظات التي لا تبقي متسعا من الوقت للتسويف وليّ الايدي والهروب الى الامام وإطلاق التصريحات غير المسؤولة.
وشاء الرئيس مام جلال ان يربط هذه الاحكام الوقائية بشرط الاستعداد للتراجع والتضحية بالمكاسب الشخصية والامتيازات الفئوية من قبل اطراف الازمة، وفي هذا تكمن الخطوة الاولى لحلحلة الازمة.. لمن يريد ذلك حقا.
وكلام مفيد “لا يمكننا حل مشكلةٍ باستخدام العقلية نفسها التي تسببت فيها” - اينشتاين
|