×

  رؤا

العلمانية بريئة من صدام حسين

14/04/2024

عبدالمنعم الاعسم

باحث ومفكر عراقي

3/12/2011 :

مرة بعد مرة، يظهر ان الحاجة ماسة لتدقيق صواب المصطلحات، ومن بينها مصطلح العلمانية الذي صار الكثير من كتاب مرحلة الانحطاط يتشامرون به يمينا وشمالا، ويقسمون اصحاب الفكر بين من يرفض ارغام النساء على الحجاب فهو اسلامي ومن لا يوافق على ذلك فهو علماني، حتى وذهب أحد اولئك الشهود الى القول بان صدام حسين علماني قبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعقود، إذ حرم ارتداء الحجاب في المدارس العامة التزاما بعلمانية الحزب الحاكم، فيما افترض سياسي عربي مرموق بان نظام صدام حسين كان النظام العربي العلماني الوحيد، في ما يشبه النكتة والضحك على اللحى ومحاولة تصريف العلمانية في السوق السوداء باعتبارها بضاعة غريبة يجهل العامة معناها وفحواها.

وإذا ما استعجلنا المناقشة حول ما تعني العلمانية في صورها المبسطة كونها نظام تفريق بين الدولة والدين بما يعنيه من تحريم استخدام الدين في عملية تداول السلطة والتنافس عليها، وترسيم خصوصيات وفروض ولوازم الدين عن خصوصيات وفروض ولوازم السياسة العامة، فان صدام حسين لم يكن (لاعلمانيا) فقط، بل كان اسوأ نموذج للحاكم الاسلامي الذي يستخدم الدين وامتداداته الطائفية، في موضع محاربة العلمانية الى ابعد مدى.. واكثر من هذا..كان قد حول المسجد الى مؤسسة سياسية حزبية صارمة، وعالم الدين الى مهرج.. وفروض الفضيلة الاسلامية الى هرطقة، وحين احتسى -يوما- كؤوس البيرة المثلجة مع ضيفه السياسي الروسي المعروف فلاديمير جيرونوفسكي، كان قد القى كلمة(القيت بالنيابة عنه) امام مؤتمر اسلامي في بغداد حضره آنذاك انصار شبكة القاعدة وممثلو الاخوان المسلمين في الاردن ومصر ولبنان والسودان والبحرين كانت تفيض في لغة الغفران والفضيلة والاعتصام بحبل الله، وشاء جيرونوفسكي ان يخص وكالة الصحافة الفرنسية بعد يومين بحديث عن وقائع سهرته الباذخة على مائدة الرئيس، وقد نشرت صحيفة عربية الخبر تحت عنوان: صدام.. يسكر في الليل ويستغفر الله في النهار.

وتشاء (علمانية) صدام ان تجد تعبيرها العجيب في ما اسماها بـ(الحملة الايمانية) التي حشرت، منذ منصف التسعينيات، جيلا كاملا بالعصا والخوف وهراوة مفارز الامن الخاص في مساجد الله، ما شجع الاب الروحي لتنظيم القاعدة، الداعية السوداني الشيخ حسن الترابي الى الاعلان عن قوة تأثيره على صدام قائلا: ”إن لي علاقات بصدام حسين الذي فرض، الآن، على قادة البعث (بنصيحتي) ان يحفظوا بعض صور القرآن الكريم” كما شجع قاضي حسين اكبر داعية اسلامي متطرف في باكستان الى الكشف ان ثلاثة جوامع تشيد في كراتشي واسلام اباد وبيشاور باموال من صدام حسين.

وقد يجادل البعض بان برنامج حزب البعث والدستور الذي التزمه النظام السابق يتمثلان العلمانية، وهذا جهل اضافي (وقل تجهيلا متعمدا) يرتكبه المجادلون، واستفزاز لحقائق معروفة وبسيطة، فصدام حسين اجرى تغييرات جوهرية على برنامج حزبه وأدخل عليه نصوصا اسلامية سلفية تكللت بمسخرة تخلي مؤسس الحزب ميشيل عفلق عن دينه المسيحي وتحوله الى الاسلام لكي يتلاءم الامر مع الهوية الاسلامية للبعث الجديد، فيما كان دستور الدولة المعتمد هو الدستور المؤقت الصادر عام 1958 الذي التزم الاسلام هوية للدولة العراقية.

ان محاولات اضفاء العلمانية على حكم صدام حسين الذي كان في الواقع انموذجا حيا لطغاة العصور الاسلامية الغابرة، لا تعدو عن كونها محاولة اختطافنا من عقولنا لنقبل بدولة يديرها اسوأ من صدام حسين.

 وكلام مفيد:

لا يوجد رجل فاشل ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقى فيه”.

          حكمة مترجمة  

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مستشارون.. أبواق
←  الوطن .. أم الكرسي ؟
←  دماء على رداء الديمقراطية
←  خواطر في التسامح
←  رئيسٌ في التوقيت الصحيح
←  قراءة في تشوهات الصراع السياسي
←  نهوض الوسط الديمقراطي.. رأي في نقاط
←  ​السياسات التركية تحت المجهر
←  التشـهـــيــر..
←  الكرد الفيدرالية والمستقبل
←  الفيدرالية ليست شتيمة
←  فلول البعث وحقوق الانسان
←  العلمانية بريئة من صدام حسين
←  حكمة مام جلال..
←  حلبجه.. الفعل والفاعل
←  ​مــــام جـــــلال قـــائـد للـــعرب
←  كركوك هذه شهادتي
←  علم المسؤولية
←  هل ثمة حاجة لإستمرار الشراكة بين العرب والكرد ؟