×

  رؤا

فلول البعث وحقوق الانسان

14/04/2024

عبدالمنعم الاعسم

باحث ومفكر عراقي

تتداول بعض الجماعات الدولية والاقليمية، المعنية بحقوق الانسان (وبعض الجماعات السياسية العراقية) مسألة الحملة على فلول تنظيمات حزب صدام حسين على ضوء العهود والمواثيق والدساتير المتحضرة، وما اذا تمس هذه الحملة الحريات العامة وحقوق التعبير عن الرأي والتشريعات العراقية ذات الصلة بالحريات العامة، ويذهب البعض الى اعتبار الملف كله يتصل بقضايا الرأي، ويذهب آخرون الى افتراض ان المعتقلين ضحايا اجراء سياسي كيدي يدخل في نطاق السعي الى تقليص الحجوم ومساحات النفوذ بين اصحاب الازمة السياسية، او انها تتسم بطابع طائفي، وان عنوان “البعث الصدامي” للمطلوبين ليس دقيقا كفاية.

اقول، ان هذا الكلام يجري تداوله في محافل كثيرة، واظن بان الخطاب الرسمي والامني والاعلامي الذي يتصدر الدفاع عن هذه الحملة لم ينجح كفاية في تقديم نظام معلوماتي سياسي مؤثر ومنهجي ومقنع، وان المعلومات الجنائية التي تبعت اعتقال المئات من “البعثيين” لا تكفي لاسقاط حق فلول النظام السابق واعضاء حزب البعث المنحل في حق التعبير عن الرأي وممارسة العمل السياسي كأفراد باعتبار ان حزب البعث الصدامي محظور دستوريا، وقد انتقل هذا الوضع واختلاف الرؤى الى اروقة مجلس النواب خلال مناقشة قانون ذي صلة بالموضوع.

وكما نرى، فان الملف ينبغي ان يناقش بحذر، وبروح المسؤولية، وقبل كل شيء، على هدى القواعد العامة للحقوق المدنية الثابتة، وازعم ان سطح المناقشات يزدحم بالاراء والتصريحات والمواقف الانفعالية التي لا تفيد-في واقع الامر- ترسيم حدود الملف والمبادئ التي ينبغي الانطلاق منها نحو التعامل مع عناصره الحساسة، واحاول، في محاولة للتفكير والاجتهاد بصوت مسموع، ان أجمل تلك المنطلقات في ثلاثة مستويات:

المستوى الاول، ان لجوء فلول حزب البعث (وبخاصة اجهزته القمعية السابقة) الى استخدام السلاح، وخيار القوة، وليس العمل السلمي المدني، لتحقيق الاهداف السياسية، قد اسقط حقها في الحماية وما تفرع عنها من حقوق التعبير عن الراي، فان نشاطها السياسي والدعوي يدخل في باب اثارة الكراهيات والحض على الحرب الاهلية، ولا يقلل او يشطب هذا الحكم ما يقال عن “حق مقاومة الاحتلال” بعد ان اتضح بان الضحايا العراقيين المدنيين، ورجال الدولة والشرطة المحلية والموظفين الاهليين والشخصيات الاجتماعية والاعلامية والثقافية كانوا الهدف المباشر للاعمال المسلحة تلك، اخذا بالاعتبار، بان العهود والمواثيق والدساتير المتحضرة في كل مكان لا ترخص حماية اولئك الذين يحملون السلاح باعتباره الوسيلة لتحقق الاغراض السياسية.

المستوى الثاني، يتمثل في ان اعضاء حزب البعث الذي حكم البلاد بالنار والحديد والمسؤول عن الكوارث والحروب (بما فيها وقوع العراق تحت الاحتلال) مسؤولون مباشرة عن خطايا ذلك النظام، وإنْ بنسب متفاوتة، وان التبرؤ من هذه المسؤولية تتحقق، فقط، في التخلي عن “العقيدة” التآمرية العدوانية لبعث صدام حسين والانخراط في الحياة المدنية الانشائية مع ضرورة الاعتراف بوجاهة المعالجة الدستورية بحل الحزب، تحت طائلة القانون.

المستوى الثالث، يمكن النظر اليه من خلال مسؤولية الدولة في حماية الملايين من اعضاء الحزب ممن تخلوا عنه وانضموا الى الحياة السلمية الجديدة ونأوا بانفسهم عن الفلول المسلحة وافكار التجييش، والمهم، ان لا يلاحق هؤلاء في شبهة التواصل مع البعث بمجرد انهم يعارضون سياسات ومواقف الحكم.

في متن هذا الموضوع ثمة سباق محموم لتجهيز المسرح بستائر حرير تمنعنا من النظر بهدوء الى ما يعدّه مخرج المسرحية من مفاجآت.

وكلام مفيد

المسافر عليه أن يطرق كل الأبواب قبل أن يصل إلى بابه”.

          طاغور

 

 26/11/2011 :

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مستشارون.. أبواق
←  الوطن .. أم الكرسي ؟
←  دماء على رداء الديمقراطية
←  خواطر في التسامح
←  رئيسٌ في التوقيت الصحيح
←  قراءة في تشوهات الصراع السياسي
←  نهوض الوسط الديمقراطي.. رأي في نقاط
←  ​السياسات التركية تحت المجهر
←  التشـهـــيــر..
←  الكرد الفيدرالية والمستقبل
←  الفيدرالية ليست شتيمة
←  فلول البعث وحقوق الانسان
←  العلمانية بريئة من صدام حسين
←  حكمة مام جلال..
←  حلبجه.. الفعل والفاعل
←  ​مــــام جـــــلال قـــائـد للـــعرب
←  كركوك هذه شهادتي
←  علم المسؤولية
←  هل ثمة حاجة لإستمرار الشراكة بين العرب والكرد ؟