الفيدرالية ليست شتيمة
الانصات المركزي 30/10/2011 :
قد يجد المدافعون عن وجاهة بناء الدولة العراقية على اساس فيدرالي- اتحادي صعوبات وتحديات جدية وثقيلة في الدفاع عن هذا الخيار السليم والمجرب والدستوري.
والذي يطبق بنجاح وشفافية في دول كثيرة، وقد وضع في متن الدستور العراقي، وفي اساس الاجراءات الادارية المبكرة للنظام السياسي الذي شرع في تركيبه بعد سقوط نظام الحزب الواحد والصرامة المركزية المفرطة، الفردية، الدكتاتورية.
والصعوبات، امام الذين يلتزمون الفيدرالية العراقية تتزايد، داخليا، في مفارقة تتناسل عن مفارقات، هي ان اكثر المطلوب منهم ترجمة النصوص الدستورية بصدد الفيدرالية هم اكثر المعارضين لها، المتنصلين عنها، المنقلبين عليها، وتتزايد أكثر فأكثر، حين يعبر هؤلاء عن هشاشة وسذاجة المعلومات والمعارف الاولية، المدرسية عن الفيدرالية، ويدخل في صفوفهم، أولئك الذين ينطلقون من أنانية الموظف المسلكي، الذي يستأثر بقرارات المرفق الذي يديره، ويستشعر الخطر على مستقبله من فكرة توزيع الصلاحيات بين عدد من الموظفين، من أجل تقديم خدمات أفضل للجمهور.
وللوهلة الاولى يبدو للمراقب الموضوعي، من خلال متابعته للمجادلات والافعال وردود الافعال والتصريحات عابرة المعقول، بالتزامن مع إعلان محافظة صلاح الدين العزم على التحول الى أقليم، بأن النخب السياسية العراقية لم تعكف جديا على أستيعاب متطلبات وضرورات وجدارة النظام الفيدرالي للعراق، ولا الخطوات والتوقيتات التي تنظم تحقيقه في الواقع، وأن عبارات “الانفصال” و“التقسيم” و“السلخ” ترددت على نطاق واسع وبموازاة ترويج صورة قبيحة للفيدرالية في شطر واسع من الادب السياسي الدارج والمحرض عليه، بمختلف الاشكال، من دول الجوار الاقليمي التي أفزعتها تجربة بناء دولة فيدرالية في منطقة لا تعرف سوى نظام واحد تديره عائلات ثيوقراطية او أحزاب مستبدة او زعامات مدى الحياة.
أقول، أن المتجادلين حول موضوع فيدرالية محافظة صلاح الدين كشفوا عن أختلال اضافي في مسؤولية النظر الى قضايا بناء الدولة العراقية الاتحادية، بين من يلجأ الى الفيدرالية كتعبير عن “زعل” و”ضيق” من الادارة الحكومية واجراءاتها او اجراء سياسي فئوي حيال فئات متنفذة، ومن يعارضها بعجالة ايضا تعبيرا عن خشية من قضم نفوذه وسلطته، او عن حراجة استباقية وغير محسوبة في وقت تنفتح ملفات ساخنة لا مفر من مواجهتها.
وثمة القليل من المشاركين في فوضى الجدل حول الفيدرالية مَنْ ينظر الى تجربة فيدرالية كردستان العراق كتجربة تاريخية تراكمت، سياسيا واداريا وعسكريا، عبر عقود طويلة من التجارب المريرة والقطيعة الفعلية والحروب بين الاقليم والمركز وفرضتها الثنائية القومية للدولة العراقية التي وجدت حلها الواقعي الضامن باقامة كيان فيدرالي للكرد، وليس تعبيرا عن تجاذبات بينية طارئة، او اختلافات في الاجتهاد او مزايدات.
ثمة الكثير من المتجادلين حول فيدرالية محافظة صلاح الدين مَنْ لم يكلف نفسه العودة الى السياق الدستوري، والنصوص ذات الصلة، وكأنهم يخشون ان يجدوا انفسهم متلبسين بشبهة الحرث هنا، فيما الحقل هناك.
وكلام مفيد:
“ هل عندكم غبار في عيونكم ؟ إذن من الأفضل عدم فركها ”.
طاغور
|