×

  رؤا

التشـهـــيــر..

14/04/2024

عبدالمنعم الاعسم

باحث ومفكر عراقي

الانصات المركزي--4/10/2011

 

التشهير، حتى وإن كان يستهدف الجناة، مرفوض في جميع التشريعات المتحضرة، وحين يجري التساهل معه من قبل القضاء، او يجري السكوت عنه من قبل الحكومات سيصل، لا محالة، الى اوسع دائرة في المجتمع، ليشمل النزهاء والفاسدين معا، وهو الامر الذي يصب في مصلحة الفاسدين إذ يضيع الخيط بين النزاهة والفساد.

وإذ يتداول المواطنون (بالسر والعلن) معلومات تثير الفزع عما يحل بثروة الوطن، وعن ابطال الفساد واقاربهم وابنائهم واحفادهم، وعن فنون التغطية على جرائم النهب، وعن مصائر لجان التحقيق في تهم الاختلاس وتصريف القضايا من الابواب الخلفية، فان التشهير الاعمى، المنفلت، اللامسؤول، الكيدي، السياسي يفتح الباب على مصراعيه لكي يفلت الفاسدون من طوق المساءلة، ويغيبون انفسهم في قائمة طويلة ممن تحوم حولهم شبهات عدم النزاهة.

الاثر الكارثي، للتشهير، بالاضافة الى “كفر” الجمهور بالنزاهة واصحابها، يمكن قراءته في زعزعة ثقة الموظف (او المسؤول) النزيه في جدوى النزاهة، وتراجع همته في رصد الفساد، وتحوله، في افضل الاحوال، الى مراقب سلبي لظواهر التعدي على المال العام والرشوة والنهب والسطو، والى الخوف من التصدي الى الفاسدين، وربما-وهو الاخطر- سيكون المواطن مضطرا الى التواطؤ مع هذه الجريمة بالصمت خشية التنكيل او الاختطاف او التجريف، وما لا تحمد عقباه، او انه سيتعامل بالشك في اصل واقعة الفساد.

والمشكلة، اولا، ان احدا لا يعرف، في مثل هذا المناخ الملبد بالتشهير المنفلت، من بقي من الموظفين والمسؤولين خارج نادي الفساد، وسيتساءل الكثيرون: اين القضاء؟ وسيرد كثيرون على ذلك بالقول ان جهاز القضاء لا يزال ضعيفا ومضطربا وتحت ضغوط هائلة، ويقول حكماء بان القضية اكبر من القضاء، وهي ذي صلة بحال المرحلة، من اداء الاحتلال الى شلل الحكومة الى عجز البرلمان الى جيوب دول الجوار الى فساد الاحزاب السياسية. /والمشكلة، ثانيا، ان خيمة البرلمان صارت نفسها خيمة للتشهير من خلال هذه المؤتمرات الصحفية والمؤتمرات الصحفية المضادة، والتشهير، والتشهير المضاد. “انت تشهير بي، وانا اشهر بك” مقابل “اسكت عليّ، واسكت عليك”، وعلى هامش هذه الكارثة، وربما على مرمى منها، تشكلت ثقافة هجينة للقبول بالتشهير ونشره على اوسع نطاق، وتولت فضائيات واجهزة إعلام ترويج الصورة التالية المنحطة: الكل يشهر بالكل، ولا نزيه هناك.

لدي رسائل تشيّب الرأس عن اسماء فاسدين يتمتعون بحمايات من تكايا دينية وامنية، ويملؤون الصالة بالبكاء على قوت الشعب، والضحك على الذقون، ثم يتفننون في اساليب التشهير بغيرهم، والاكثر من هذا، لدي رسائل عن ابناء يرثون المهنة عن ابائهم ليورثوها الى الاحفاد.

وكلام مفيد..

عندما يقوم أحد الفاشلين بفعل مُخجل، يدّعي بأن ذلك واجبه”.

      برنارد شو

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مستشارون.. أبواق
←  الوطن .. أم الكرسي ؟
←  دماء على رداء الديمقراطية
←  خواطر في التسامح
←  رئيسٌ في التوقيت الصحيح
←  قراءة في تشوهات الصراع السياسي
←  نهوض الوسط الديمقراطي.. رأي في نقاط
←  ​السياسات التركية تحت المجهر
←  التشـهـــيــر..
←  الكرد الفيدرالية والمستقبل
←  الفيدرالية ليست شتيمة
←  فلول البعث وحقوق الانسان
←  العلمانية بريئة من صدام حسين
←  حكمة مام جلال..
←  حلبجه.. الفعل والفاعل
←  ​مــــام جـــــلال قـــائـد للـــعرب
←  كركوك هذه شهادتي
←  علم المسؤولية
←  هل ثمة حاجة لإستمرار الشراكة بين العرب والكرد ؟