×

  رؤا

خواطر في التسامح

14/04/2024

عبدالمنعم الاعسم

باحث ومفكر عراقي

الانصات المركزي- 16/10/2010:

 

ليس ثمة افضل من تجربة جنوب افريقيا لتكون نموذجا لارادة التسامح لشعوب خوّضت في بحيرات من الدم والخصومة مع نفسها، وخسرت كثيرا.

حين كان نلسون مانديلا شاباً يافعاً لم يكن لينشغل بالسياسة او الشأن العام، لكنه سرعان ما انخرط فيهما “حين شاهدت بام عيني الاذلال الذي تتعرض له امتي”.

وحين خرج من السجن بعد حوالي ربع قرن وانتقل الى رئاسة الدولة قيل له: “هل اخرجت الكراهية من قلبك؟” فرد قائلاً: “وهل أدخلتها بمشيئتي لكي اخرجها بمشيئتي.. انهم ادخولها بي وعليهم اخراجها”.

وكان (مالتيمبو) بطل رواية (نهض عن الارض) لصاحب نوبل (جوزيه ساراماغو) متسامحاً الى أبعد الحدود مع اولئك الذين نفذوا وسوقوا خطايا الجلادين، وحتى مع الجلادين أنفسهم، غير ان ثقل هذا التسامح اعياه في نهاية الامر، فوقف في منعطف محرج: بين ان يتخلي عن روعة التسامح التي تسكنه لينتقم لفلاحي لشبونة الاذلاء او يقتل نفسه، فاختار ان ينهي حياته قبل ان يلوثها بالكراهية او الانتقام من اولئك الذين الحقوا الذل بأسرته الفلاحية الطيبة.

اما ادور الخراط الروائي المصري الكبير الذي تفنن في اطلاق نداءات التسامح من خلال اعماله الكثيرة (يقين العطش. مخلوقات الاشواق الطائرة، الزمن الآخر) فقد خلص الى القول: “لا اكره الا القليل،، مهما بدا ذلك مما تصعب الاحاطة به.. الجرائم.. لا اكاد اغتفرها”.

ومثلما حول البعض من الكتبة اللغة الى وسيلة للعدوانية والتحقير: “سأجعل سيفي يشرب فخوراً من دمهم” فانها يمكن ان تضيء بقع التسامح والمحبة في اعماق الانسان، ويقول متخصصون برسالة الكلمة بان التسامح (نعمة) في التراث الادبي قد تصعد بصاحبها الى ذرى اخلاقية باسقة فيما الكراهية نبتة شيطانية عدوانية تقيم في قعر المشاعر الانسانية وقد تودي بحياة من تتحكم بافعاله كما اودت بحياة بشار بن برد ويزيد بن مفرغ الحميري ودمرت حياة دعبل الخزاعي وحتى المتنبي الذي اوغر صدور خصومه بتقزيم مقامهم الى ادنى حد مهين:

يعدّ اذا عدّ الأعاجب، اولاً

كما يبتدي في العد بالأصبع الصغرى

الكراهية، مثل شرارة سرية تبدو في كثرة الاحيان تعبيراً شرعياً عن الاحتجاج قد ينطلق من اصطدام حجرين صلبين: قوة غاشمة أدمنت اذلال الشعب، من جهة، وكوكبة من الناس العاديين يتحدونها، فيما يتسلي كتاب ومثقفون بالمواجهة التي تنسحب الى مشهد من القبور الجماعية ليكتب احدهم مقالا مطولاً عن نظرية “علم جمال الحقد” ليعود بعد جيل، وكأن شيئا لم يكن.

لنبتلع جرعة التسامح فهي خيارنا نحو معافاة عودنا.. لكن ساعدونا على ذلك أيها الجلادون.

وكلام مفيد

“ربّ ضارة نافعة”.

                         حكمة

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مستشارون.. أبواق
←  الوطن .. أم الكرسي ؟
←  دماء على رداء الديمقراطية
←  خواطر في التسامح
←  رئيسٌ في التوقيت الصحيح
←  قراءة في تشوهات الصراع السياسي
←  نهوض الوسط الديمقراطي.. رأي في نقاط
←  ​السياسات التركية تحت المجهر
←  التشـهـــيــر..
←  الكرد الفيدرالية والمستقبل
←  الفيدرالية ليست شتيمة
←  فلول البعث وحقوق الانسان
←  العلمانية بريئة من صدام حسين
←  حكمة مام جلال..
←  حلبجه.. الفعل والفاعل
←  ​مــــام جـــــلال قـــائـد للـــعرب
←  كركوك هذه شهادتي
←  علم المسؤولية
←  هل ثمة حاجة لإستمرار الشراكة بين العرب والكرد ؟