×

  رؤا

رفيق خوري:حرب منطقة خطرة في عالم متغير وخطر

01/08/2024

 

 

ليس أخطر من حرب غزة سوى كونها حرب الهرب من السلام بالنسبة إلى طرفيها المباشرين، حكومة نتنياهو وحركة "حماس". ولا يبدل في الصورة كثيراً كون العواصم العربية والعالمية تريد أن تنتهي الحرب بتسوية لقضية فلسطين على أساس "حل الدولتين".

 والأخطر أن تتحول إلى حرب شاملة من دون حسابات للهدف الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تحققه الحرب، بحيث تبدو حرب تدمير مقابل تدمير ثم العودة إلى نقطة الصفر. ففي الجدل حول من يملك قرار الحرب والسلم في غزة ثم في لبنان ثم في المنطقة تجاهل لعامل مهم في المعادلة هو من يملك قرار الحرب ليس بالضرورة مالكاً لقرار السلم.

 

 

قرار الحرب في لبنان في يد كل من "حزب الله" وإسرائيل، لكن قرار السلم ليس في يد أي منهما. كذلك الأمر بالنسبة إلى قرار الحرب في غزة وهو في يد كل من إسرائيل و"حماس" من دون أن يكون قرار السلم في يد أي منهما. قرار الحرب الشاملة في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن في أيدي كل من إسرائيل وإيران، لكن حساب الموقف الأميركي يضبط الطرفين، وإن لم يكن قرار السلم في يد أي من القوى المحلية والإقليمية والدولية.

والواقع ناطق بأكثر من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يقول إن "الوضع في الشرق الأوسط هو الأخطر منذ عام 1973"، عام حرب أكتوبر بين مصر وسوريا معاً وإسرائيل.

وهي حرب قادت إلى اتفاقات "فك ارتباط" في سيناء والجولان ثم إلى سلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، وقادت بصورة غير مباشرة إلى "اتفاق أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

لكن الدنيا تغيرت كثيراً في المنطقة والعالم. عام 1973 كان في إمكان أميركا والاتحاد السوفياتي "ضبط" اللعبة في المنطقة ضمن الثنائية في النظام العالمي.

وكان الموقف العربي قوياً لجهة التضامن العربي الواسع مع القاهرة ودمشق. أما اليوم، فإن روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي الذي انهار عام 1991 مشغولة بحرب أوكرانيا بعد الانخراط في حرب سوريا. وأميركا في حال ضعف وفقدان صدقية إلى حد أن روبرت غيتس الذي تولى إدارة الاستخبارات المركزية ثم وزارة الدفاع يقول إن "لا أحد يبدو خائفاً من أميركا".

إسرائيل صارت في حاجة إلى حماية أميركية مباشرة لا إلى مجرد أسلحة من أميركا. وإيران تقود "محور المقاومة" وتمارس استراتيجية "وحدة الساحات" بحيث صار دورها الإقليمي واسعاً من خلال الفصائل المسلحة التي أسستها والفصائل التي تسلحها وتمولها، من "حزب الله" في لبنان وفصائل "الحشد الشعبي" في العراق وميليشيات أفغانية وباكستانية في سوريا إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة والضفة الغربية والحوثيين في اليمن. والعامل البارز هو صعود قوى غير دولية تلعب أدواراً كبيرة على المسرح العسكري والأمني والسياسي.

لا بل إن الدور الصيني الواسع بعد تطور القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية بقيادة الرئيس شي جينبينغ صار أبرز حدث في العالم. ومن حيث كانت الصين في تفاهم مع أميركا في السبعينيات من القرن الـ20 ضد الاتحاد السوفياتي فإن بكين وموسكو اليوم في "شراكة استراتيجية بلا حدود".

وهي شراكة متوسعة مع إيران وكوريا الشمالية وسواهما، بحيث يكتب ريتشارد فونتين وأندريا كيندال تايلور عن "محور الاضطراب" الذي يضم روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. وفي رأي الكاتبين الأكاديميين، فإن روسيا هي المحرض على قيام المحور وأن القاسم المشترك بين القوى الأربع هو "الاعتراض على النظام الدولي" الذي يرون أنه "لا يراعي مكانتهم ولا يعطيهم حرية الحركة لجهة روسيا في الجوار القريب، والصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي، وإيران في النفوذ الإقليمي ومحور المقاومة لإسرائيل، وكوريا الشمالية في توحيد شبه الجزيرة الكورية".

فضلاً عن بروز ما صار اسمه "الجنوب العالمي" والذي يضم دولاً إقليمية مهمة مثل الهند وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والسعودية وتركيا. وهي دول تمارس سياسة الانفتاح على كل الأطراف خلافاً لما كانت عليه الحال أيام صراع الجبارين، إذ كل دولة مرتبطة بقطب واحد لا فكاك منه أو عنه.

 فلا كتل ثابتة. ولا أميركا تستطيع فعل ما يطلبه لها مايكل سينغ من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" والذي خدم في مجلس الأمن القومي الأميركي، وهو "كتلة دول متحالفة في الشرق الأوسط تضمن مصالح الولايات المتحدة، وتسمح لها بالتوجه نحو الشرق الأقصى".

وعلى العكس، فإن قدرة أميركا على التأثير في سياسة حلفائها في أحداث اليمن وليبيا والعلاقات مع إيران صارت ضعيفة جداً إن لم تكن معدومة.

وفي مثل هذه الأوضاع المتغيرة والقلقة يصبح "اللا يقين" هو السائد. فالصراع على المصالح بعد مرحلة الصراع على المبادئ والعقائد أخطر، لأن من الصعب التخلي عن المصالح في حين أن من الممكن اللجوء إلى المرونة في ما يتعلق بالمبادئ.

والكل يسلم حالياً بأن قرار الحرب معقد جداً، وبخاصة بالنسبة إلى حرب شاملة يتم التلويح بها في الشرق الأوسط، لكن المشكلة أن مرحلة اللا حرب واللا سلم لم تؤد إلى نمو وازدهار وحوكمة رشيدة داخل الدول. والمشكلة الأكبر أن قرار السلم أشد تعقيداً من قرار الحرب.

 فكل قوة تريد توسيع نفوذها ومصالحها في السلم ولو على حساب قوى أخرى. وكل من له دور في الحرب يريد حلاً في ثياب "انتصار" له.

سلسلة هزائم وخسائر يراد لها أن تكون سلسلة انتصارات وأرباح. وحرب عبر "وحدة الساحات" هي باستثناء حرب غزة، لا تزال حرباً بلا معارك يتحرك فيها جنود. مجرد تقاصف بالصواريخ والمدفعية وتقاتل بالمسيرات. وهذه من أخطر أنواع المعارك وأكثرها تغييراً لاستراتيجيات الحرب.

*الاندبندنت عربية

 

  مواضيع أخرى للمؤلف