وعود التعويض لأهل سنجار لم تُحترَم
"هيومن رايتس ووتش" منظمة غير حكومية، غير ربحية لحقوق الإنسان، لديها حوالي 400 موظف في جميع أنحاء العالم. يتكوّن فريق عملها من خبراء حقوقيين، من بينهم خبراء متخصصون في بلدان معينة، ومحامون، وصحفيون، وأكاديميون، من خلفيات وجنسيات مختلفة. تُعرف هيومن رايتس ووتش منذ تأسيسها عام 1978 بتقصيها الدقيق للحقائق، وتقاريرها المحايدة، واستخدامها الفعال لوسائل الإعلام، ومرافعتها المستهدِفة، بالشراكة مع منظمات حقوقية محلية في الكثير من الأحيان. تنشر هيومن رايتس ووتش سنويا ما يزيد عن 100 تقرير وإحاطة حول أوضاع حقوق الإنسان في حوالي 90 دولة، تحظى بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية والدولية. تلتقي هيومن رايتس ووتش، بالاستناد إلى التأثير الناتج عن هذا العمل، مع الحكومات، "الأمم المتحدة"، المجموعات الإقليمية مثل "الاتحاد الأفريقي" و"الاتحاد الأوروبي"، والمؤسسات المالية والشركات للضغط باتجاه التغيير في السياسات والممارسات، من أجل حقوق الإنسان والعدالة حول العالم.
*تقرير :سارة صنبر:باحثة العراق، قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
كانت سنجار مسرحا لجرائم حرب خطيرة وتهجير جماعي منذ عقد من الزمن، ولا يزال حوالي 183 ألف سنجاري مهجّرين حتى اليوم. لكن رغم سنوات الانتظار، لم يتلق أيّ شخص من سنجار مدفوعات التعويض التي يستحقها بموجب القانون العراقي عن تدمير ممتلكاته والأضرار التي لحقت بها، كما أثبتنا ذلك قبل عام.
تمّ تدمير 80% من البنية التحتيّة و70% من المنازل في بلدة سنجار أثناء النزاع ضدّ "داعش" بين 2014 و2017. دون هذا التعويض، يفتقر الكثير من السنجاريين المهجرين إلى الموارد الماليّة اللازمة للعودة إلى ديارهم وإعادة بناء المنازل والشركات التي خسروها أثناء الحرب. بعد عقد من الزمن، لا يزال عشرات الآلاف من السنجاريين يعيشون في مخيّمات في أنحاء إقليم كردستان العراق، ويعتمدون إلى حدّ كبير عن المساعدات الإنسانيّة. مع اقتراب الموعد النهائي لإغلاق هذه المخيمات، الذي حدّدته الحكومة الاتحادية بـ 30 يوليو/تموز، صار تسليم هذه الدفوعات أكثر أهميّة.
حتى العام الماضي، كان هناك 3,500 مطلب تعويض مكتمل بانتظار الدفع من "الدائرة المالية في محافظة نينوى". لكن ممثلا عن "مكتب التعويضات في سنجار" قال لـ "هيومن رايتس ووتش" إنّ الرقم ارتفع الآن إلى 10 آلاف، دون أن يتّم سداد أي مدفوعات.
كما قال الممثل إنّ المكتب نظر في 26 ألف طلب آخر بانتظار الموافقة النهائيّة من محكمة الاستئناف قبل إرسالها إلى الدائرة الماليّة للدفع.
قال القاضي عمار محمد، رئيس "لجنة تعويضات تلعفر"، التي تُشرف على مكتب سنجار الفرعي: "أنهينا النظر في كل القضايا المرفوعة بين 2021 و2023، لذلك لم تعد هناك قضايا متراكمة. أنجزنا مهمتنا، والآن على الحكومة الدفع".
الوضع الذي يبدو عليه مكتب تعويضات تلعفر نفسه يُثير مخاوف من أنّ الحكومة العراقيّة لا تُعطي الأولويّة الكافية لهذه القضايا. زرت هذا المكتب المؤثث بشكل سيء في يناير/كانون الثاني، وهو يقع في منزل مستأجر. كانت فيه أكوام من المجلدات الصفراء المكدّسة على الأرض والرفوف. كلّ خطوة في العملية تُدوّن على الورق.
قال القاضي محمد: " طلبنا من الحكومة مساعدتنا في رقمنة العمليّة، لكن شيئا لم يحدث. نحن قلقون بشأن الملفات. إذا هطلت أمطار غزيرة وغمرت المكتب، ستتعرض الملفات للتلف، وسيتعيّن على أصحابها البدء من جديد. ليس لدينا حتى رفوف مناسبة".
بعد نشر تقرير هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار 2023، بعثت لنا وزارة الخارجيّة العراقيّة برسالة وضحت فيها التدابير التي اتخذها مكتب رئيس الوزراء لتسهيل دفع التعويضات، بما في ذلك تبسيط الإجراءات الأمنيّة، وتوفير تمويل كاف "للقانون رقم 20"، وتقديم دعم لوجستي وبشري للجنة الفرعيّة للتعويضات. وفقا للقاضي محمد، فإنّ أيّا من هذه الوعود لم يتحقق بعد.
قال القاضي محمد: "أثناء مؤتمر مع جميع رؤساء لجان التعويض، وعدونا بإلغاء إجراء التصريح الأمني عن أهل سنجار، لكنّه ظلّ ساريا". قال أيضا إنهم حذفوا فقط شرط الفحص الأمني الذي يُثبت أنّ أصحاب المطالب لم يكونوا في السابق أعضاء في "حزب البعث".
أثرْتُ هذه المسائل في اجتماعات متعدّدة مع مسؤولين في جميع مستويات الحكومة، من المستوى المحلّي إلى مكتب رئيس الوزراء. وفي كلّ مرّة، كان الردّ هو نفسه – الأموال موجودة وجاهزة، وسيتم سداد الدفوعات قريبا. قيل لي في أكثر من مرّة أنّ الأموال ستُصرف "الأسبوع القادم". كنت أنتظر أسبوعا بعد آخر لأرى ما إذا سيتمّ دفع مستحقات الناس، لكنّ أسبوعا بعد آخر كنت أشعر بخيبة أمل.
جميع الناس من محافظات العراق الأخرى يحصلون على دفوعات تعويض، فلماذا سنجار هي الاستثناء؟
أشار المسؤولون الحكوميون الذين تحدثت إليهم إلى "مشاكل في الميزانية" بشكل غامض كسبب وراء عدم الدفع، دون مزيد من التفاصيل.
بالنسبة إلى الكثير من السنجاريين، فإنّ عدم دفع مطالب التعويض هو مثال آخر على تجاهل الحكومة الاتحاديّة لاحتياجاتهم وتهميش فعليّ للمنطقة. مكتب التعويضات المتهالك يبدو مثالا حيّا على هذا الإهمال.
واحد فقط من السنجاريين الذين قابلتهم العام الماضي عاد إلى منزله: هو خليل حسن. قال: "العودة إلى سنجار كانت قرارا دفعتني إليه راحتي الذاتية، فالحياة في المخيّم لم تعد تُطاق". قال أيضا إنه استثمر مبلغا كبيرا في تجديد منزله، لكن ذلك لم يكن كافيا: "أكملت أوراق التعويض الخاصة بي في منتصف 2022، لكنّ الدفع لم يحصل بعد".
قال حسن إنّه يشعر أنّ مبلغ التعويض الذي عُرض عليه لا يتناسب مع خسائره: " أوصوا بتعويض قدره 10 ملايين دينار عراقي (6,800 دولار أمريكي) على متجري ومنزلي، رغم أنني اشتريت منزلي بـ50 مليون دينار عراقي (34 ألف دولار)".
التعويض هو واحد من العوامل التي تمنع عودة السنجاريين. كما أنّ نقص الخدمات والبنية التحتية وعدم الاستقرار المستمر عوامل جعلت الكثيرين يخشون من أن تكون حياتهم في سنجار أسوأ مما هي عليه المخيمات. قال لي أحدهم: "إذا دفعوا لي تعويضا وأعدت بناء منزلي، فما الذي يجعلني أتأكد من أنّه لن يتعرّض إلى التدمير مجددا إذا اندلع قتال؟ ببساطة سنجار ليست آمنة".
على الحكومة العراقيّة أن تعالج على الفور التعطيلات والعقبات التي تحول دون معالجة مطالب التعويضات وسدادها، ودفع الأموال المستحقّة للناس. لتمكين المهجّرين من العودة إلى ديارهم واحترام جميع الحقوق الاقتصاديّة لأهل سنجار، يتعيّن على الحكومة اعتماد نهج متكامل تجاه سنجار، يشمل إعادة الإعمار، وإعادة التأهيل، والتعويضات، والإدارة والأمن.
|