×

  رؤا

ماذا يبعدنا عن حرب شاملة في الشرق الأوسط؟

08/08/2024

*كريس ستيفنسن

 

*The Independent

 ساعات قليلة فقط تفصل بين الغارتين،وقد طاولت الأولى ضاحية بيروت الجنوبية، وأسفرت، بحسب التصريحات الإسرائيلية، عن مصرع القيادي البارز في "حزب الله" فؤاد شكر - ويعتقد الأميركيون أنه من كبار مستشاري زعيم "حزب الله" اللبناني، حسن نصرالله. ومن جهته، لم يؤكد الحزب [بدايةً] نبأ مقتل شكر، مع أنه أفاد بأن هذا الأخير كان داخل المبنى المستهدف.

أما الغارة الثانية، فاستهدفت طهران، [تقارير جديدة أشارت إلى أن الهجوم تم بعبوة ناسفة] واغتيل فيها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. ومع أن إسرائيل لم تتبن رسمياً هذا الاغتيال، سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تحدث عن رغبته في تصفية كبار قادة "حماس"، انتقاماً لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الإرهابي داخل إسرائيل، الذي شكل الدافع الرئيس للحرب التي شنتها إسرائيل على غزة.

وعلى خلفية الحرب في غزة، بات الشرق الأوسط يقف على كف عفريت، وأي خطأ في الحسابات بين إسرائيل وإيران، أو أي من المجموعات التي تدعمها إيران، أكانت حركة "حماس"، أو "حزب الله"، أو الحوثيين في اليمن، ستجني على المنطقة حرباً شاملة وواسعة النطاق.

وبالتالي، ما مصيرنا في أعقاب هاتين الغارتين؟

 

إسرائيل

لقد جاءت الغارة على بيروت رداً على هجمة صاروخية على مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل يوم السبت الماضي، والتي أودت بحياة 12 شخصاً معظمهم من الأطفال. وحمّلت إسرائيل فؤاد شكر مسؤولية الهجوم، على رغم نفي "حزب الله" لأي تورط له في الموضوع. فكان الرد متوقعاً – لا سيما أن إسرائيل و"حزب الله" يتبادلان الصواريخ على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية منذ انطلاق الحرب في غزة – على رغم مناشدات حلفاء إسرائيل في الغرب بضبط النفس، وتحذيرات "حزب الله" من أن أي هجوم على معقله في [ضاحية] بيروت تحديداً سيقابَل بالمثل.

وفي أعقاب الغارة، أكد الجيش الإسرائيلي على أنه لن يعدل مواقفه الدفاعية ولن يصدر أي تعليمات جديدة للإسرائيليين بالاحتماء في الملاجئ، في إشارة إلى أنه يعتبر المسألة محسومة ولا يتوقع أي رد فعل فوري من "حزب الله".

والحال أن إسرائيل تتوقع رد "حزب الله" بطريقة أو بأخرى، لكنها أملت بأن تلميحها بانتهاء المسألة وحسمها، سيلزم "حزب الله" برد صاروخي متوازٍ – وضمن نطاق محدود.

بيد أن اغتيال إسماعيل هنية يزيد الأمور تعقيداً. فمقتله على الأراضي الإيرانية قد يدفع بـ"حزب الله" إلى تنسيق رده مع طهران أو "حماس". أو ربما يكون له رده الخاص، ويكون أقوى حتى، ويتمثل على الأرجح بصلية أو أكثر من الصواريخ أو القذائف.

ومن ثم، فإن الهجوم على هنية يغير واقع الحال على جبهة غزة. فهنية المقيم في الدوحة كان من أبرز المفاوضين في محادثات التي تتوسط فيها قطر ومصر لوقف القتال والتوصل إلى صفقة لإطلاق الرهائن في غزة، ولم تتردد قطر في التنديد بعملية اغتياله. كذلك أن بلداناً أخرى في المنطقة لن تخفي استياءها في هذا الصدد. حيث أن وزارة الخارجية التركية لخصت الوضع الراهن، باتهام أن نتنياهو "لا نية لديه بتحقيق السلام".

في المقابل، قد يمنح مقتل هنية نتنياهو فرصة لإنهاء العملية العسكرية في غزة، لا سيما أنه اصطاد أخيراً هدفاً كان أقرب ما يكون من رأس هرم الشخصيات المطلوبة الرئيسة لديه. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يبد أي نية بالتوقف عند هذا الحد، على رغم جميع المساعي التي يبذلها حلفاؤه في الغرب - بما فيه أبرز داعميه، الولايات المتحدة - للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. ولا ريب في أن نتنياهو سيشيد بمقتل هنية باعتباره يجعل إسرائيل أكثر أمناً. لكن عائلات الرهائن العالقين في غزة غاضبون على نتنياهو، لعجزه عن إعادتهم للوطن لن يروا في ما يجري أي فسحة أمل.

ولا تنفك واشنطن تردد أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها في أعقاب هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، الذي أودى بحياة ما يقارب الـ1200 إسرائيلي وتسبب باحتجاز 250 رهينة. لكن وضع حد للتصعيدات الأمنية، على غرار الغارتين الأخيرتين، والتي قد تُغرق الشرق الأوسط في حرب شاملة وواسعة النطاق يزداد صعوبة. وفي هذا الصدد، قد نتوقع جهوداً دبلوماسية مجنونة، تبذلها بعض الدول في المنطقة وخارجها، في حين تترقب إسرائيل رداً على أفعالها.

وفي سياق متصل، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم الأربعاء عن خطر الحرب مع "حزب الله" قائلاً "لقد كانت عملية الليلة [الماضية] في بيروت دقيقة وعالية النوعية ومحصورة... ونحن لا نريد الحرب، لكننا نستعد لجميع الاحتمالات، مما يعني أنه علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة، وسنقوم بواجبنا على مستويات تفوق قدراتكم".

 

"حزب الله"

يعتبر "حزب الله" جماعة مسلحة بشكل كبير ولها نفوذ سياسي وازن في لبنان.

أما جناحه العسكري، فهو من بين القوى الأكثر نفوذاً وجبروتاً في المنطقة، وهو مجهز بنحو 200 ألف صاروخ، وبمسيرات هجومية. وهو مستقل عن الجيش اللبناني، وأقوى منه بكثير.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، تصاعدت وتيرة الاشتباكات عبر الحدود مع إسرائيل، وتسبب صاروخ ضرب الجولان المحتل بتوتر وصل إلى الذروة، وقد ازدادت الأوضاع سوءاً مع غارة استهدفت شكر وأخرى أودت بحياة هنية. والحال أن غياب رد فعل حتى الساعة على استهداف كبير القياديين فؤاد شكر يفسح المجال أمام التحضير لرد بالتنسيق مع إيران.

ولعل محاولة إسرائيل التأكيد على عدم رغبتها في أي تصعيد لاحق كانت تهدف إلى ثني "حزب الله" عن أي رد قاسٍ وعنيف، بيد أن مقتل هنية قوض هذه المحاولات.

وسيكون خطاب "حزب الله" قوياً على الدوام، لكن حتى الساعة، لم يظهر الحزب رغبةً كبيرة في حرب شاملة مع إسرائيل على الحدود مع لبنان، كما حدث عام 2006. بيد أن هامش المناورة يتضاءل أكثر فأكثر بعد كل ضربة وضربة مضادة. ولا ريب في أن الرد على الغارة التي استهدفت شكر سيكون ضرورياً، لكن حجم الهجوم القادم بالصواريخ والقذائف واتساع نطاقه سيكون حاسماً للمرحلة اللاحقة. فإذا ما أطلق "حزب الله" النار على إسرائيل بطريقة تربك الدفاعات الجوية الإسرائيلية وتؤدي إلى مقتل المدنيين، فستزداد الاحتمالات بوقوع حرب.

 

إيران

لا شك في أن اغتيال هنية سيتسبب بإحراج كبير لطهران، لاعتباره جاء بعد أشهر معدودة من مقتل جنرالين إيرانيين في ما قيل إنه غارة إسرائيلية على قنصلية إيرانية في سوريا. وعقب مقتلهما، شنت إيران هجوماً غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية، بإطلاقها 300 صاروخ ومسيرة - لكن وصول المسيرات إلى إسرائيل استغرق ساعات، مما سمح لها ولحلفائها الغربيين باعتراض القسم الأكبر منها.

ومن ثم، ستبقي طهران على خطابها القاسي، لا سيما أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قد تعهد بالانتقام، قائلاً إن إسرائيل "حضرت لنفسها عقاباً قاسياً" إثر مقتل هنية في غارة وقعت قبل بزوغ الفجر في قلب العاصمة الإيرانية.

وفي بيان نشر على موقعه الإلكتروني، أفاد المرشد الأعلى الإيراني قائلاً: "نرى الثأر واجباً علينا"، مضيفاً أن هنية كان "ضيفاً عزيزاً في منزلنا". ولن ترغب طهران في إشعال فتيل حرب بسبب ما يعتبره العديد من قادة "حماس" أمراً مسلماً به - الموت على يد إسرائيل - ولكن عجزها عن حماية حليف لها على أراضيها يجعلها في حاجة إلى حفظ ماء الوجه.

وقد يأتي رد طهران مباشراً، إما عبر إطلاقها للمزيد من المسيرات أو الصواريخ، أو عبر تنسيق ردها مع وكلائها في المنطقة، بما يشمل الحوثيين في اليمن، أو ميليشيات العراق، أو حتى مقاتلي "حماس" و"حزب الله" بأنفسهم.

 

"حماس"

كانت حركة "حماس" قد نجحت، وحتى مقتل هنية في غارة إسرائيلية، في تجنب مقتل أهم قيادييها خلال الأشهر الـ10 من الحرب في غزة، بمن في ذلك يحيى السنوار الذي لا يزال طليقاً في غزة - ويسود الظن بأنه العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر.

وعلى مر السنين، اعتادت حركة "حماس" استبدال قيادييها الذين لقوا مصرعهم على يد إسرائيل. لكن خسارة قيادي رفيع المستوى كـإسماعيل هنية ستترك فراغاً كبيراً على صعيد العمليات، لاعتباره المسؤول عن إدارة العلاقات بين "حماس" وإيران، ناهيك عن حلفاء آخرين في المنطقة. واليوم، سينصب تركيز "حماس" أكثر على إيجاد بديل لهنية، ضمن عملية قد تكون معقدة وتتطلب وقتاً طويلاً، والأهم أنها ستأتي بمثابة الصفعة القاسية لمحادثات وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، أعلنت القناة التلفزيونية الإيرانية الحكومية أن مقتل هنية قد يؤخر المفاوضات "لأشهر عدة".

في ظل الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، لا شك في أن قدرة "حماس" على الرد المباشر على مقتل هنية تضاءلت. بيد أننا قد نشهد إطلاق بعض الصواريخ في اتجاه إسرائيل. ومن ثم، فإن السنوار، وهو القائد العسكري لـ"حماس" في غزة، يعتبر أكثر تشدداً من هنية الذي اتصف بتوجه براغماتي أكثر (مقارنة بالسنوار). وبالتالي، وفي أعقاب مقتل هنية، يبقى أي تراخٍ في موقف "حماس" حيال الحرب في غزة مستبعداً، أقله على المدى القصير.

  مواضيع أخرى للمؤلف