×

  الاعلام و التکنلوجیا

  صناعة التفاهة



*حيدر خليل سوره ميري

 

 

بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ، والتنافس فيما بينها ، من خلال منح مبالغ مالية لاصحاب المحتوى ، لاحظنا صعودا غريباً لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط ، فتدهورت متطلبات الجودة العالية ، وغُيّب الاداء الرفيع وهمشت منظومة القيم ، وبرز الانحطاط الأخلاقي ، وخلت الساحة من الاكفاء ، وتسيدت أثر ذلك شريحة كبيرة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية ، وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية.

وكل هذه الأمور جاءت تحت شعارات الديمقراطية والحرية الفردية والخيار الشخصي.

رغم التطور الهائل في العلوم بشتى مجالاته العلمية والانسانية والطبيعية إلا ان مواقع التواصل الاجتماعي يتسيدها في الأغلب التافهين.

حتى نفهم السبب في طفح التافهين الى سطح التواصل الاجتماعي لنعّرف الرأسمالية بكلمتين ( خلق السلع والخدمات لاجل الربح) ، شركات مواقع التواصل الاجتماعي لا تهمها نوعية السلع ( المحتوى) بقدر ما تهمها من ربح ، نوع المحتوى ليس مهما ان كان تافها أو نافعا.

 

هنا نستخلص أمرين مهمين:

 

الأول:

 ليست هناك مؤامرة كما يتخيلها البعض "بأن شبابنا تعرضوا لمؤامرة حتى يخرجونا من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا " ، لا ، بل هذه الساحة أمامك مالديك قدّمه لمجتمعك ولجمهورك ، لن يمنعك أحد من ذلك.

 

الثاني:

 لاجل الربح والمال يفعل المرء كل شيء حتى وان كان تافها للأسف.

ممكن نتساءل ، لماذا الابتذال في المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي ؟

في الحقيقة ان هؤلاء ما يسمونهم صنّاع المحتوى لا يملكون أي خلفية ثقافية أو معرفية ، لذلك تأثروا كثيراً بالمحتوى الغربي في بادئ الأمر ، لذلك شاهدنا ونشاهد أن هناك الكثير من المحتويات لا تمت لأي صلة بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا الشرقية.

ومن ثم شيئا فشيئا ، تحولوا لتصوير يومياتهم البائسة واداء بعض الحركات ( القرقوزية) وبعض المصطلحات الغريبة والتافهة ، لاجل الضحك وزيادة نسبة المشاهدة.

الكارثة أن الاعلام جعلت من هؤلاء نجوم ومواد ومشاهير وسلطت عليهم الأضواء ، بل اكثر من ذلك وظفوهم في مؤسساتهم فقط لاجل الربح ، ولزيادة نسبة المشاهدة.

سؤال مهم ، ما الذي يدفع المجتمع لمتابعة المحتويات التافهة ؟

ليس عيبا أو منقصة أن في مجتمع ما عدة تافهين ومنحطين ، لكن العيب أن المجتمع يتفاعل مع هؤلاء ! .

هناك أسباب عديدة تجعل من المجتمع يتفاعل مع المواد التافهة ، منها عدم استغلال أوقات الفراغ بشكل صحيح ، المشاكل والازمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلد ، لذلك يلجأ غالبية المجتمع إلى أمور تافهة ليتخلص من تفاهة السياسيين وفسادهم وهم بالفعل أكثر تفاهةً وسفاهةً .

البطالة التي تسبب النكد لدى الشاب لذلك يتوجه لمواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة التافهين ليرفه عن نفسه قليلاً ! .

ما يؤسف له أن الكثير من الشباب والمراهقين خصوصا بل حتى الأطفال بدأوا بتقليد صنّاع المحتوى التافه ، وهذا ينذر بخطر كبير ، بحيث يصنع جيلا فاشلا سفيها تافها.

ومواجهة سيطرة التافهين على المجتمع يتطلب عدة أمور وجهود كبيرة تبدأ من الحكومة بالاهتمام بالتربية والتعليم ، واقامة نشاطات ثقافية للشباب والمراهقين ، والقضاء على البطالة.

كما هناك أمور تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني والمثقفين ، بصناعة محتويات نافعة ثقافية ومعرفية تناسب أعمار الشباب والمراهقين وحتى الأطفال.


20/05/2023