×

  اخر الاخبار

  تفجير سد كاخوفكا.. توسيع شبكة الأسرار



*حسام عيتاني

 

 

بعد يومين من التكهنات عمّا إذا كان الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره قد بدأ، فقد وقع الانفجار في سد كاخوفكا الضخم، ليعلن بدء التصعيد الحاد للقتال في شرق أوكرانيا.

الهجمات التي شنتها القوات الأوكرانية على أطراف المناطق التي تسيطر القوات الروسية شرق إقليم دونيتسك في الأيام الماضية، اتسمت بالحذر وبقلة الوحدات التي شاركت فيها، مما أعطى الانطباع بأن العمليات ليست أكثر من استطلاع لتحديد نقاط القوة والضعف في خطوط الدفاع التي باشر الروس بناءها منذ انسحابهم من خاركيف وخيرسون قبل شهور.

ويتفق الخبراء العسكريون على أن موسكو التي لم تبادر إلى عمليات هجومية باستثناء دفع مرتزقة شركة "فاغنر" إلى الاستيلاء على مدينة باخموت، قد استفادت من الدروس القاسية التي تلقتها في هجماتها الفاشلة حول كييف وخاركيف ومحاولات الاندفاع نحو الجنوب الغربي الأوكراني نحو ميكولايف في المراحل الأولى من الهجوم. وأن روسيا قررت الانتقال إلى الدفاع الاستراتيجي وتحصين خطوطها على نحو يجعل من الاستيلاء عليها كارثة لا قِبل للأوكرانيين بتحملها.

 

لذلك، كانت هجمات الأوكرانيين في اليومين الماضيين على مستوى الكتائب وعدد محدود من الألوية المدرعة وترمي أساسا إلى جس نبض الدفاعات الروسية وتحديد أماكن حقول الألغام الجديدة ومواقع الارتكاز وما يتبع ذلك من التعرف على نقاط الإسناد المدفعي والصاروخي والحرب الإلكترونية وخطوط الإمداد وأماكن تجمّع القوات وسوى ذلك من معطيات لا تكفي وسائل الاستخبارات العسكرية التقليدية لتكوين صورة وافية عنها، بل يتطلب الأمر "تنشيط" آليات الدفاع الروسية واختبار جهوزيتها.

وفي هذا السياق جاء اختراق الحدود قرب مدينة بيلغورود واندفاع مقاتلين موالين لكييف إلى داخل الأراضي الروسية سعيا لتوفير صورة دقيقة عن مستوى الاستعداد الروسي والروح المعنوية للجنود الروس في تلك المنطقة.

الهجمات التي شنتها القوات الأوكرانية على أطراف المناطق التي تسيطر القوات الروسية شرق إقليم دونيتسك في الأيام الماضية، اتسمت بالحذر وبقلة الوحدات التي شاركت فيها

لم تتأخر موسكو وكييف في تبادل متوقع للاتهامات بالمسؤولية عن تفجير سد كاخوفكا الذي تسيطر القوات الروسية عليه منذ العام الماضي. فقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن "مجموعة من الإرهابيين الروس" شنت الهجوم، في حين رأى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن القوات الأوكرانية ارتكبت "عملا تخريبيا".

ذلك أن إغراق مناطق شاسعة بالمياه المتجمعة وراء السد في نهاية موسم ذوبان الثلوج، قد تنجم عنه كارثة إنسانية ربما تطال عشرات الآلاف من السكان ناهيك عن تهديد محطة زباروجيا النووية الواقعة أعلى نهر دنيبرو باضطراب كبير في عملها لاعتمادها في تبريد مفاعلاتها على مياه النهر وتعطيل محطة التوليد الكهرومائي القائمة على السد ذاته. وهذا جانب آخر يبعث على القلق اذ ان المحطة المذكورة وهي الأكبر في أوروبا تقع في مرمى نيران الجانبين وقد يؤدي اي حادث سواء من تبادل القصف او شح مياه التبريد الى كارثة اضافية.

 

السد والهجوم المضاد

أكثرية التوقعات تشير إلى أن الهجوم الأوكراني المضاد المنتظر سيقع شرق السد في منطقة زباروجيا وتكون وجهته من الشمال إلى الجنوب لفصل مناطق سيطرة القوات الروسية عن بعضها وقطع خط الإمداد البري عن شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا منذ 2014. عليه، يزداد الغموض حول الغاية من تدمير السد والجهة التي ستعاني– من وجهة النظر العسكرية وليس المدنية والإنسانية- من الانفجار.

ولن تتضح أبعاد الكارثة قبل أيام أو حتى أسابيع بعدما تتدفق المياه من السد وتغمر الأراضي المجاورة حيث بدأت بالفعل موجة نزوح من مئات القرى والمدن، خصوصا من خيرسون في اتجاه المناطق الأبعد.

وعليه، يفترض أن يكون من قام بتفجير السد ليل 5–6 يونيو/حزيران قد درس بدقة السلبيات والإيجابيات التي سيسفر عنها انهيار واحد من السدود الأكبر في أوكرانيا وما هي المناطق التي سيؤدي غرقها إلى إعاقة حركة العدو وتسهيل عمل قواته في المواجهات العسكرية المقبلة.

من هنا يمكن فهم إنكار الجانبين الروسي والأوكراني مسؤوليتهما عن تفجير السد وتحميلها إلى الطرف الآخر. فبغض النظر عن التبعات الأخلاقية للتسبب بكارثة ليست واضحة الأبعاد بعد وما يمكن أن تنجم الأضرار عنه من خسائر بشرية، فإن اعتراف أي طرف بالوقوف وراء الانفجار سيكشف نواياه واتجاهات العمل العسكري المقبل. فكل من الطرفين سيسعى إلى توظيف تدفق المياه وإغراقها للأراضي القريبة في عرقلة حركة القوات المعادية.  

أكثرية التوقعات تشير إلى أن الهجوم الأوكراني المضاد المنتظر سيقع شرق السد في منطقة زباروجيا وتكون وجهته من الشمال إلى الجنوب لفصل مناطق سيطرة القوات الروسية عن بعضها

ويضاف انفجار سد نوفا كوخافكا إلى سلسلة من العمليات الغامضة التي تحفل بها الحرب الأوكرانية– الروسية منذ انفجار أنابيب الغاز الروسي في بحر البلطيق في خريف العام الماضي واغتيال ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين وهجمات المسيّرات على الكرملين والكثير غيرها.

*مجلة "المجلة"اللندنية


07/06/2023