×

  مرصد الاسلام السياسي

  أسئلة ما بعد سقوط الإسلام السياسي



*سعيد ناشيد

سينتهي الإسلام السياسي إلى السقوط كما سقط اليسار من قبله، والذي ورث عنه بعض أحلامه وكثير من أوهامه (تدمير إسرائيل، تصفية آثار الاستعمار، إسقاط الاستبداد، حرق العلم الأميركي في المظاهرات، الثورة الشعبية، وغيرها). لا ندري كيف سيكون السقوط على وجه التحديد؟ قد يكون آمنا أو كارثيا، وقد يكون هادئا أو مدويا، وقد يكون جزئيا أو كليا، لكنه سيكون سقوطا في الأخير. ذلك أن راكب الأمواج مهما برع في حركاته وسكناته، فإنه يسقط عند نقطة تلاشي الموجة.

بكل تأكيد سينهار الإسلام السياسي كما انهار اليسار الذي سبقه، لكن هاكم الفرق الكبير بين الانهيارين:

لقد انهار اليسار بعد أن خلّف الكثير من الأثر في مختلف مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية. فلقد ساهم في إنتاج روائع الأدب، والمسرح، والسينما، والأغنية، والرسم، والكاريكاتير، وغيرها، وعمل على إنشاء وتطوير معظم الحركات الاجتماعية الرئيسية في العالم، من قبيل الحركة النقابية، والحركة النسائية، والحركة الحقوقية، والحركة الطلابية، والحركة البيئية، وغيرها، فضلا عن إطلاق دينامية الدفاع عن التعليم العمومي، والصحة للجميع، وتجريم التملص الضريبي، وتطوير منظومة حقوق الإنسان، وصولا إلى حقوق الأقليات، والحريات الفكرية والدينية والجنسية، وسائر الحقوق الثقافية، دون أن ننسى المبادرات النضالية التي خلفتها حركة العولمة البديلة والتي لم تعمر بدورها طويلا، إذ انهارت سريعا، لكنها بعد انهيارها خلفت آثارا باقية في الوعي والميدان، من قبيل المطالبة بتطبيق ضريبة توبان، وتجارب الميزانية التشاركية، والوعي المناهض للجنّات الضريبية، وإلغاء مديونية العالم الثالث، إلخ.

هكذا بوسعنا أن نستنتج بأن اليسار، سواء سقط نهائيا أو مؤقتا، فإنه لم يسقط إلا بعد أن ترك أثرا باقيا في الحياة السياسية المعاصرة، أما الإسلام السياسي فسوف لن يخلف بعد سقوطه غير أرض ممسوحة من كل شيء، فلا أثر يُذكر، ولا إرث يُعتبر.

فوق كل ذلك، ليس يخفى على أي أحد أن الإسلام السياسي لم يخض أي معركة من معارك الرقي الإنساني، بل حتى تلك المعارك البسيطة جدا والبديهية أيضا لم يخضها بأي شكل من الأشكال. الأمثلة كثيرة، من بينها نذكر على سبيل الأسى والاستدلال أن معركة تجريم ختان الفتيات في مصر لم يخضها أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي ولو بنسبة صفر فاصل؛ وأن معركة السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة لم يخضها أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي ولو بنسبة صفر فاصل، وأن معركة وضع الطلاق في المغرب بين يدي القضاء بدل الرجل لم يخضها أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي ولو بنسبة صفر فاصل، وأن كل معارك النبل الإنساني لم يخضها أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي.

وكل ما تفعله كافة فصائل الإسلام السياسي أنها تنتظر تقلب موازين القوى أو تبدل الأحوال حتى تتكيف في ما بعد مع الوضع، أو تركب على الموجة ابتداء، أو تلتحق بالركب لاحقا، وكل ذلك دون أن تكون صاحبة المبادرة بأي حال من الأحوال.

بل كانت لدى الإسلام السياسي مبادرات في اتجاه النفي والتعطيل. فلقد أوشك أن يمسح وعي الشعوب من أمجاد حركات التحرر الوطني، وأوشك أن يمسح وجدان المسلمين من مفهوم الوطن، كما ساهم في تدمير أهواء الفرح، وغرائز الارتقاء، وقوى الحياة، داخل نفوس الشباب المسلم. بل كاد يمسح الأرض من كل الأسس التي تُبنى عليها الحضارة. لذلك نؤكد مرة أخرى بأن الإسلام السياسي سيسقط في النهاية.

غير أن المشكلة الباقية أن السلطات المحلية، حتى وإن اصطدمت مع الإسلام السياسي في بعض التفاصيل أو كلها، فإنها غير مستعدة للاستغناء عن خدماته الجليلة، وعادة ما تكون لديها في هذا المضمار بدائل من داخل الإسلام السياسي نفسه، طالما أنها تحتاج إلى وصفات سحرية لا يحسن صياغتها سوى الإسلام السياسي: “عفا الله عما سلف”، “والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق”، و”يرزق من يشاء بغير حساب”، فضلا عن إمكانية تكفير بعض المفكرين المزعجين للسلطة. وفوق كل ذلك لا ننسى الدور الأشد خطورة، نقصد بذلك دور الإسلام السياسي في إجهاض الحركات الاحتجاجية، أو تحريفها عن مقاصدها، وتحويلها من ثمة إلى مجرد فتن دينية وحروب طائفية تمنح الغلبة للاستبداد، تماما مثلما جرى للحالة السورية.

 المؤكد أيضا أن صندوق النقد الدولي ولأسباب مشابهة لا يزال يميل إلى تفضيل الإسلام السياسي كمتعاون جيد لأجل تفكيك “دولة الرعاية الاجتماعية”، وتغليب منطق السوق في الأخير، طالما الأرزاق والمصائر والأقدار بيد الله وحده.

لكن بصرف النظر عن حجم الرهانات الباقية على الإسلام السياسي، وبغض الطرف عن الدعم القادم إليه من هنا أو هناك، سواء لحسابات سياسوية، أو لمجرد العناد أحيانا – من يدري- فالمؤكد في كل الأحوال أن الإسلام السياسي يوشك على الانهيار كما انهار اليسار الذي من قبله، غير أن الفارق كبير هذه المرة: بعد سقوطه في النهاية سيترك الإسلام السياسي الأرض خالية مقفرة. وعلى الأرجح، سيكون علينا أن نعاود البدء من نقطة الصفر.

*كاتب مغربي

 

 


22/01/2022