×

  المرصد الخليجي

  دبلوماسية توغ..أردوغان يعلّق أحلامه الإقليمية بعد أن غرق في أزماته الاقتصادية



 

 

الرياض- أظهرت الجولة الخليجية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تخلى عن أحلامه الإقليمية القديمة، وأن ما بات يهمه هو جلب الاستثمارات في مسعى لإنقاذ الاقتصاد الذي صار ضحية شعاراته وصراعاته الإقليمية والدولية.

وأهدى أردوغان سيارة توغ المصنوعة محليّا إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو ما مثل رسالة رمزية تؤشّر على حدوث تغيير في الدبلوماسية التركية من دبلوماسية الشعارات إلى دبلوماسية توغ، وما تعنيه من تركيز على المصالح في العلاقة مع دول الخليج.

وفي زيارته إلى السعودية لم يشر الرئيس التركي، لا من قريب ولا من بعيد، إلى المسائل السياسية ولم يهدد ولم يهاجم -كما كان في السابق- الأشخاص والدول، واكتفى بالحديث عن الاقتصاد، وهو ما يؤكد أن أردوغان قد أغلق باب السياسة من بوابة الجولة التي تشمل السعودية وقطر والإمارات.

ورغم الحملات التي شنّها الرئيس التركي ضد الرياض وأبوظبي في الماضي قابل القادة في السعودية والإمارات ذلك بالصمت في مرحلة أولى وعدم رد الفعل، وفي مرحلة ثانية حين استنجد بهم أردوغان أظهروا أنهم قد تناسوا الإساءة وفتحوا الباب للدعم المالي والاستثماري والاتفاقيات ذات القيمة من أجل مساعدة أنقرة على تطويق أزماتها المتعددة.

وسارع الخليجيون إلى دعم تركيا خلال الزلزال الذي ضرب البلاد قبل أشهر، وقدموا ما يكفي من المساعدات لإنقاذ العالقين من أتراك وسوريين.

وسحبت هذه المواقف أي مبرر من أردوغان للاستمرار في إطلاق الشعارات. كما منحته فرصة التخلي عن تلك الشعارات والتفكير في مصالح بلاده مع دول الخليج التي توفر استثماراتها واتفاقياتها قشة النجاة الوحيدة للاقتصاد التركي.

ولم تقدر تركيا على تحصيل التمويلات التي تبحث عنها للخروج من الورطة إلا بالاتجاه إلى دول الخليج. كما لم تقدر على عقد صفقات كبرى إلا عبر مصالحة الخليجيين.

ووافقت السعودية الثلاثاء على شراء طائرات مسيرة تركية في أكبر صفقة دفاعية في تاريخ تركيا، حيث جنى أردوغان ثمار أحدث الجهود الدبلوماسية التي بذلها لإصلاح العلاقات مع دول الخليج ومساعدة الاقتصاد التركي المتعثر.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن أردوغان والأمير محمد بن سلمان شهدا مراسم توقيع عقدين بين شركة الصناعات الدفاعية التركية بايكار ووزارة الدفاع السعودية.

وكان أردوغان قد وصل إلى مدينة جدة السعودية المطلة على البحر الأحمر الاثنين في مستهل جولة خليجية.

وقال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في تغريدة الثلاثاء إن السعودية ستشتري الطائرات المسيرة “بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية”.

ولم تذكر وكالة الأنباء السعودية تفاصيل عن قيمة الصفقة، لكن خلوق بيرقدار المدير العام لشركة بايكار قال إنها أكبر صفقة لصادرات الدفاع والطيران في تاريخ تركيا.

وكتب في تغريدة على تويتر “وقعنا عقدا مع وزارة الدفاع السعودية لتصدير طائرات بيرقدار أقينجي (مركبة جوية قتالية مسيرة) والتعاون”.

وساعدت الاستثمارات والتمويل من الخليج في تخفيف الضغط عن الاقتصاد والاحتياطيات النقدية في تركيا منذ عام 2021، عندما أطلقت أنقرة حملة دبلوماسية لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات.

وتتوقع تركيا أن تضخ السعودية والإمارات وقطر استثمارات مباشرة قدرها 10 مليارات دولار في البداية و30 مليار دولار إجمالا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع في أعقاب زيارة أردوغان إلى الدول الثلاث.

وقالت وكالة الأنباء السعودية إن أردوغان والأمير محمد بن سلمان حضرا توقيع الخطة التنفيذية للتعاون في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير، والتي وقعها من الجانب السعودي وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ومن الجانب التركي وزير الدفاع يشار غولر.

ويشكل تطوير صناعة عسكرية محلية جزءا من خطة ولي العهد السعودي لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط.

وقالت شركة بايكار في بيان منفصل إن الاتفاق مع الرياض ينطوي على تعاون في نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك “من أجل النهوض بقدرات تطوير التكنولوجيا الفائقة في البلدين”.

وقالت وكالة الأنباء السعودية إن البلدين وقعا أيضا عدة مذكرات تفاهم في مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والعقارات والاستثمارات المباشرة.

وأضافت الوكالة أن المملكة وتركيا وقعتا كذلك مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة شملت التعاون في إنتاج المنتجات البترولية المكررة وتسويقها وتوزيعها وتجارتها.

وكشفت أن المذكرة شملت أيضا التعاون في إنتاج البتروكيماويات وفي مجال استدامة الطلب على البترول ومجال تصدير الكهرباء وتوريدها.

وكان أمير قطر في استقبال الرئيس التركي مساء الثلاثاء في الدوحة بانتظار ما ستفضي إليه الزيارة من اتفاقات بين البلدين.

وأدى كل من أمير قطر والرئيس التركي زيارات متبادلة فاقت 32 لقاء على مدى 8 سنوات فقط، وفقاً لإحصاء أوردته وكالة أنباء الأناضول، وهو رقم قياسي في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدول.

وفاقت الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين أنقرة والدوحة الثمانين اتفاقية كانت تصب في معظمها لصالح تركيا.

وزادت استثمارات قطر المباشرة في تركيا زيادة كبيرة تقدّر بـ33.2 مليار دولار، بينما بلغت قيمة المشاريع التي نفذتها شركات الإنشاءات التركية في البنية التحتية بقطر 22 مليار دولار وارتفعت قيمة اتفاقية تبادل العملات إلى 15 مليار دولار.

وينتظر أن تشهد زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات في ختام جولته الخليجية عدة اتفاقيات.

وكانت أنقرة قد أعلنت أن نائب الرئيس التركي جودت يلماز ووزير المالية محمد شيمشك سافرا الشهر الماضي إلى الإمارات لبحث “فرص التعاون الاقتصادي” مع نظرائهما، والتقيا بالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وأظهرت بيانات الاثنين أن عجز الميزانية التركية ارتفع إلى 219.6 مليار ليرة (8.37 مليار دولار) في يونيو الماضي، أي سبعة أمثال العجز قبل عام. واقترب التضخم السنوي من 40 في المئة خلال الشهر ذاته بينما تراجعت الليرة بنسبة 29 في المئة هذا العام.

*صحيفة"العرب"اللندنية


19/07/2023