×

  الطاقة و الاقتصاد

  مشروع طريق التنمية في العراق.. ما له وما عليه



*د. مثنى العبيدي

 

*تريندز للاستشارات الاستراتيجية

 بعد سنوات من الأزمات الأمنية والسياسية وتَعَقُّد المشهد في الساحة العراقية، ولاسيما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، اتجه العراق في السنوات الأخيرة نحو اتخاذ خطوات ومبادرات ومشاريع عديدة من شأنها أن تسهم في استعادة مكانته في المنطقة و إيجاد دور إقليمي فاعل، وباعثٍ يحدو إلى تفعيل وتعزيز علاقات العراق مع الدول الخليجية والعربية في خطوة للعودة إلى حاضنته القومية، في مقابل إيجاد نوع من التوازن في علاقاته الإقليمية والدولية التي أصابها الخلل.

فقد استضاف العراق مؤتمراتٍ عدة على مستوى القمة؛ عربية ودولية، كما شارك في قمم أخرى استضافتها الدول العربية أيضًا، وعَقَدَ اتفاقيات ومذكّرات تفاهم عديدة مع دول الجوار الخليجي والعربي، وأخذ على عاتقه القيام بدور الوسيط وبدبلوماسية التسوية بين إيران وعدد من الدول العربية، فكانت النتيجة استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية بعد انقطاع منذ عام 2016، وإجراء مفاوضات بين مصر وإيران، وإعلان الاستعداد للوساطة في الأزمة اليمنية. ولم يكن هذا الدور فحسب، بل طرح العراق مشروعًا للنقل سُمِّيَ "طريق التنمية" يربط بين العراق ودول الخليج، مروراً بتركيا، ووصولاً إلى أوروبا. وهذا المشروع إن تم تجسيده على أرض الواقع، فلن يكون مجرد طريق للمرور بقدر ما سيزيد من دور العراق الإقليمي وتعزيز علاقاته مع مختلف الدول العربية والإقليمية.

 والحقيقة أن هذا المشروع ليس بالمشروع الاعتيادي من حيث المتطلّبات ومقومات التنفيذ وحجم التكلفة، وكذلك من حيث ما يمكن أن يلاقيه من كوابح وتحديات ومواقف داخلية وخارجية قد تكون سببًا في تعطيل أو إعاقة تنفيذه. من هنا، فإن أسئلة عدة تتبادر إلى الذهن عندما يُذكر اسم مشروع "طريق التنمية" في العراق: فما هو هذا المشروع؟ وكيف تم الإعلان عنه؟ وما هي تفاصيله ومضامينه؟ وما دوافع العراق الكامنة وراء إعلان هذا المشروع؟ وما المنافع والمكتسبات المتوقَّعة جرَاء تنفيذه؟ وما هي مواقف وآراء الدول المشارِكة في مؤتمر الإعلان عن المشروع؟ وما هي التحديات والعقبات التي من الممكن أن تواجه العمل بالمشروع وتنفيذه؟

 

الإعلان عن مشروع "طريق التنمية":

 هناك من يرى أن مشروع طريق التنمية ليس بالمشروع الجديد، وتعود فكرته إلى بدايات القرن العشرين، وتتمثل الفكرة القديمة بإنشاء خط سكة حديدية "البصرة–بغداد–برلين". ولكنّ هذا المشروع توقّف بسبب قيام الحرب العالمية الأولى، ثم طُرحت فكرة إقامة هكذا مشروع أو مشروع مماثل من جديد عندما تبنّت الحكومات العراقية المتعاقبة الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة وبمسمى "القناة الجافة"، وتباين مستوى الاهتمام بالفكرة والمشروع من حكومة إلى أخرى، بَيْدَ أنه زاد الاهتمام بها في السنوات الأخيرة، وتزامن مع بدء العمل بمشروع ميناء الفاو الكبير الذي كُلفت شركة (دايو) الكورية الجنوبية بالعمل على تنفيذه.

 وجاء الكشف عن مشروع "طريق التنمية" في مارس 2023 خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى تركيا، عبر مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأشار السوداني إلى أن: "مشروع طريق التنمية ليس فقط للعراق وتركيا وإنما للمنطقة والعالم، وهو الممر العالمي لنقل البضائع والطاقة ويربط الشرق بالغرب".

 واستضاف العراق مؤتمرًا إقليميًّا في 27 مايو 2023، شاركت فيه وفود وممثّلو وزارات النقل لعدة دول عربية وإقليمية، وقد أعلنت فيه الحكومة العراقية بشكل رسمي إطلاق مشروع "طريق التنمية" وقدَّمت وزارة النقل العراقية خطة المشروع المقترَح الذي تقوم فكرته الأساسية على ربط ميناء الفاو الكبير بشبكة كبيرة من الطرق السريعة وسكك الحديد، التي من المفترَض أن تمتد من جنوب العراق إلى شماله عند معبر فيشخابور على الحدود العراقية-التركية، ثم إلى تركيا التي يمر من خلالها إلى أوروبا، ويتم نقل البضائع بين آسيا وأوروبا ما سيوفير 15 يومًا، مقارنة بخطوط النقل المعتادة.

 وشهد مؤتمر إعلان المشروع استعراضًا شاملًا لطرق الوسائط المتعددة التي يتضمنها المشروع والبنية التحتية التي يتطلّبها والإمكانيات التي يقدّمها في الترابط الإقليمي، واستعراض المسار الذي يبتدئ من ميناء الفاو الكبير وتكامله مع موانئ المنطقة، وصولًا إلى الحدود التركية. ودراسات الجدوى ونتائج العمل قامت بها شركه إيطالية، وكذلك ناقشت الوفود المشاركة في المؤتمر أهمية المشروع لدول المنطقة، والشراكات الإقليمية وسبل توطيدها، والوصول إلى التكامل الاقتصادي بين هذه الدول، كما ناقش المشاركون عملية الشروع في الخطوات التنفيذية، والعمل على تحويل التفاهمات بين الدول المشارِكة إلى خريطة طريق بغية البدء بالمشاريع التي يتطلّبها المشروع، وتمّ تشكيل لجان فنية متخصصة لوضع التصور الكامل عن طبيعة المشروع وحجم مشاركة الدول العربية والإقليمية فيه.

 

تفاصيل المشروع ومضامينه:

 من خلال مؤتمر إعلان مشروع طريق التنمية وبيانات ومناقشات هذا المؤتمر، فإن للمشروع تفاصيل ومضامين عند تطبيقه تتمثل بما يلي:

- خطوط الطرق والنقل، يتضمن الخط الاستراتيجي للنقل من ميناء الفاو الكبير في البصرة جنوب العراق إلى فيشخابور شمال العراق على الحدود مع تركيا، خط سكك حديدية بطول 1175 كيلومترًا وطريقًا بريًّا بطول 1190 كيلومترًا، وللطريق مساران مختلفان في جنوب البلاد، ولكن يلتقيان في شمال محافظة كربلاء جنوب بغداد، وبعدها يسيران جنبًا إلى جنب حتى وصولهما إلى منطقة فيشخابور في الشمال.

- فرص العمل، بحسب تصريح مستشار رئيس الوزراء العراقي، ناصر صالح الأسدي، فإن المشروع سيوفر 100 ألف فرصة عمل في المراحل الأولى، ثم ما يقرب من مليون فرصة عمل عند الإكمال والإنجاز[5].

- الكلفة والتمويل، قُدِّرت تكلفة إنجاز المشروع بـــــ 17 مليار دولار، 10 مليارات منها لشراء قطارات كهربائية سريعة لنقل الحمولات والبضائع والمسافرين، والمتبقّي لِـمَدّ سكك الحديد والطرق. أما التمويل فقد وُضعت ثلاثة خيارات له: الأول، هو التمويل الحكومي. والثاني، يتم من خلال الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص. والثالث، يُقترح أن يكون التمويل عبر استثمار مجموعة من الشركات العالمية مع شركات محلية. وهناك توقعات أن يحظى المشروع بتمويل من قِبَل السعودية والإمارات وتركيا وقطر.

 

- مراحل الإنجاز، تتمثل بثلاث مراحل: تنتهي الأولى عام 2028، بينما تنتهي المرحلة الثانية عام 2038، أما المرحلة الثالثة والأخيرة لإنجاز المشروع فتنتهي عام 2050.

- الأرباح المتوقَّعة، يُتوقَّع أن يحقق المشروع أرباحًا مالية سنوية تُقدَّر بأكثر من 4 مليارات دولار.

- خدمات النقل والسفر، يهدف المشروع إلى توفير خدمات سفر لأكثر من 15 مليون مسافر سنويًّا، وسعة تخزين ونقل من ميناء الفاو تُقدَّر بــــ 3.5 ملايين وحدة مكافئة؛ (أي ما يوازي 22 مليون طن)، وبسرعة قصوى لنقل المسافرين تبلغ 300 كيلومتر في الساعة عن طريق القطارات السريعة، ونحو 150 كيلومترًا في الساعة لنقل البضائع[7].

 

دوافع متعددة:

 

 يكمن خلف إطلاق مشروع طريق التنمية من قِبَل الحكومة العراقية العديد من الدوافع، لعل أهمها:

 

- تهدف الحكومة العراقية من وراء المشروع أن تصل إلى مصدر دخل إضافي للاقتصاد العراقي والتقليل من الاعتماد على واردات النفط في ظل اقتصاد أحادي الجانب، كون هذا المشروع يسهم في تنويع الاقتصاد المحلي وإيجاد فرص عمل جديدة لمعالجة البطالة والحصول على أرباح مالية، ويسهم في تحقيق نمو اقتصادي في عموم البلاد، وبخاصة المحافظات التي يمر فيها الطريق.

- هنالك دوافع سياسية خاصة بحكومة السوداني تتجلى بسعيها إلى أن يكون المشروع بمثابة منجَزٍ لها يعكس جدّيتها في تبنّي برنامج تنموي طموح يعالج الوضع الاقتصادي في البلاد، ومن الممكن أن يخدم الحكومة في مدى شعبيتها، وكذلك يخدم أيّ حملة انتخابية من الممكن أن يقودها السوداني مستقبلًا، فضلًا عن أن مشروع طريق التنمية يتناسب مع إظهار الحكومة بأنها حكومة خدمات معنية بتطوير الوضع الاقتصادي والخدمي، وتوفير فرص العمل بدلًا من استهلاك نفسها في التنافس والأزمات السياسية مع القوى السياسية المعارِضة لها.

- تسعى الحكومة العراقية للاستفادة من مناخ التهدئة بين القوى العربية والإقليمية المتصارعة، الذي تشهده المنطقة؛ بغية تعزيز دور العراق كحلقة وصل بين مختلف الأطراف في المنطقة، ونقطة تلاقي بينها، بدلًا من أن يكون ساحة للصراع، فكان مؤتمر إعلان المشروع مناسبة لجمع جميع الدول العربية والإقليمية المعنيّة بالأمر.

 

- إن المشروع يُعدُّ إحدى أدوات الحكومة العراقية التي يمكن أن تسهم في توسيع شراكات العراق الخارجية وتسويق آليات النمو الجيوسياسية في مكانة العراق التي يسعى إلى تحقيقها واستعادتها كقوة فاعلة في خريطة المنطقة الاقتصادية والسياسية.

- رغبة العراق في الانفتاح إقليميًّا ودوليًّا عبر إيجاد منافذ جديدة من خلال تركيا إلى أوروبا، فالعراق الذي يملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، يحتاج إلى منافذ وموانئ أخرى غير مَنفذِه على الخليج العربي الذي يتأثر بين الحين والآخر بالأزمات والصراعات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة[11].

- تهدف الحكومة العراقية إلى تحقيق العديد من الأبعاد، ومنها أن الطريق له أبعاد ربط بطبيعة استقرار العراق على الصعيد السياسي، كونه سيُنفَّذ من قبل شركات إقليمية ودولية، وبالنتيجة ستسهم الشراكة الاقتصادية مع دول هذه الشركات في تعزيز الاستقرار السياسي للبلاد، مثلما أن الطريق سيكون نقطة انطلاق للمصالح العراقية مع مصالح دول المنطقة.

 

منافع ومكاسب متوقَّعة:

 فيما لو فعلًا استطاعت الحكومة العراقية المُضي قُدمًا بتنفيذ مشروع طريق التنمية على أرض الواقع، فمن المتوقَّع أن يحقق العديد من المنافع والمكاسب مستقبلًا، التي يمكن أن تتمثل بما يلي:

- يُتوقَّع أن يحقق المشروع أرباحًا سنوية للبلاد تُقدَّر بأكثر من 4 مليارات دولار.

- من الممكن أن يتحول العراق عند تطبيق المشروع وتنفيذه إلى محطة أساسية للتجارة ومحطة نقل مهمة بين دول قارتَي آسيا وأوروبا تتيح خفض زمن الرحلات البحرية من 33 يومًا إلى 15 يومًا.

- يوفّر المشروع أسباب ودوافع التكامل الاقتصادي للعديد من دول المنطقة، بما يتيحه من فرص الاستثمار وتعزيز المصالح المشتركة وتقوية للشراكات السياسية والاقتصادية وفسح المجال للتعاون في ميدان الطاقة ومواجهة التحديات البيئية والأمن الغذائي والجفاف، وما يعنيه ذلك من فوائد للعراق والدول المشارِكة في المشروع والمستفيدة منه.

- سيتم تطوير قطاع النقل المتهالك في العراق ومدّ الطرق وتوفير وسائط نقل حديثة يتطلّبها المشروع، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تطوّر قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وباقي القطاعات الأخرى.

- سيؤدي تنفيذ المشروع إلى تحقيق انتعاش اقتصادي وتجاري عبر توفير آلاف فرص العمل، ولاسيما عند تحوّل مدينة الفاو إلى مدينة صناعية كبيرة قد تُنقل إليها العديد من المصانع الدولية، وفعلًا قد أبدت الصين استعدادها لنقل عدد من المعامل إلى الفاو لتستفيد من قِصَر المسافة ووجود الأيدي العاملة وتوافر المواد الأولية.

- يتضمن المشروع خطة لتحلية مياه البحر في البصرة، الأمر الذي سيسهم في خدمة قطاع المياه في العراق الذي يعاني أزمة مياه منذ عدة سنوات.

- تتضمن خطة مشروع الطريق بناء مدن صناعية قريبة منه، وكذلك تأسيس مدن سكنية جديدة معها تبعد عن مراكز المدن الكبرى بحدود 10 إلى 20 كيلومترًا، وستسهم هذه المدن بالتخفيف من غلاء أسعار العقارات السكنية وأزمة الكثافة السكانية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

 

مواقف وآراء الدول المشاركة :

 

 شارك في مؤتمر الإعلان الرسمي عن طريق التنمية الاستراتيجي العراقي الذي عُقد في بغداد يوم 27 مايو 2023، وزراءُ نقل أو مَن يمثّلهم من عدة دول، وهي: السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والأردن وسوريا وتركيا وإيران، فضلًا عن ممثِّلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وتمثّلت مواقف وآراء المشاركين بالشكل التالي:

- السعودية، رحَّب ممثِّل السعودية في المؤتمر، وزير النقل، صالح الجاسر، بالمشروع وقال: "إن المملكة حريصة على تعزيز العلاقات المشترَكة مع العراق"، وأضاف أن: "مَنفَذ (جميمة-عرعر) شهد تصاعدًا في حركة نقل البضائع والمسافرين"، وأشار إلى أن التجارة بين الدولتين قد تجاوزت المليار دولار خلال عام 2022.

- الإمارات، شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في مؤتمر طريق التنمية عبر وزير الطاقة سهيل بن محمد المزروعي، الذي بحث مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الفرصَ الاقتصادية والاستثمارية التي يوفّرها مشروع طريق التنمية، وما يمكن أن ينتج عنه من انعكاسات إيجابية مستقبلية على العراق ودول المنطقة.

- الكويت، وقد مثّلها سفيرها في العراق، طارق الفرج، الذي بحث مع الجهات العراقية أهمية المشروع لدول المنطقة والشراكات الإقليمية وسُبل توطيدها، وإمكانية الوصول إلى حالة من التكامل الاقتصادي يشمل الدول المشارِكة في المؤتمر.

- قطر، شاركت قطر في مؤتمر مشروع طريق التنمية، ثم أرسلت وفدًا ضم وكيل الوزارة المساعد لشؤون النقل البري في وزارة الاتصالات، وعددًا من المسؤولين في وزارة الخارجية وهيئة المناطق الحرة وشركة كيوتيرمنلز، وشركة الديار القطرية؛ وذلك للمشاركة في اجتماع اللجنة الفنية لمشروع طريق التنمية ببغداد في 18 يونيو 2023 إلى جانب ممثِّلين عن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الجوار العراقي والصين والبنك الدولي، وعَقَدَ الوفد القطري اجتماعًا مع الجانب العراقي لمناقشة أوجه التعاون والتنسيق بين الطرفين في مجالات النقل والمواصلات والموانئ والخدمات اللوجستية والمشاركة في أعمال طريق التنمية وميناء الفاو الكبير.

- تركيا، وهي شريك أساسي في مشروع طريق التنمية؛ من حيث كونها الرابط بين العراق وأوروبا ومشاركًا في مؤتمر إعلان المشروع، وقال ممثل الوفد التركي المشارك، علي رضا غوناني، في كلمته خلال المؤتمر: "نحن شريك رئيسي في طريق التنمية الذي يُعدُّ مكسبًا للجميع، وإن المسؤولية تكمن في إزالة الحواجز للتجارة بين العراق وتركيا، وطريق التنمية من شأنه أن يزيد الترابط بين دول المنطقة".

- إيران، شاركت في مؤتمر المشروع بوفد ترأَّسه وكيل وزير النقل الإيراني، أفندي زاده، الذي قال في تصريح له إن: "دور سكك الحديد مهم جدًّا، وهذا المشروع الجديد في العراق سيكون له دور ممتاز في نقل البضائع".

- البنك الدولي، وذكر ممثّله في المؤتمر أن: "طريق التنمية سيزيد من الترابط بين العراق ودول المنطقة"، وأضاف أن: "مشروع طريق التنمية سيقلّل من انبعاث التلوث بشكل كبير"، وأكد أن: "البنك الدولي ملتزم بدعم العراق في تحديث البنى التحتية وخلق فرص العمل".

فضلًا عن أن هناك دولًا أخرى تعوّل على الاستفادة من مشروع طريق التنمية، مثل الصين والهند، وهناك دول أخرى أبدت استعدادها للاستثمار والمشاركة في المشروع، مثل باكستان وأذربيجان.

 

تحديات وعقبات:

 

لا ريب في القول، إن تنفيذ مشروع طريق التنمية لا يأتي في بيئة داخلية وخارجية مواتية، أو حتى اعتيادية بقدر ما فيها من التعقيد الكثير، وقد يواجه هذا المشروع تحديات وعقبات عدة، منها ما هو نابع من الوضع العراقي بكل ما يحمل من تعقيدات وتأزّم، ومنها ما هو نتيجة لمتغيرات الوضع الإقليمي وما فيه من محفّزات وكوامن للتنافس والصراع وتضارب المصالح، ويمكن إيجاز أهم هذه التحديات والعقبات التي تواجه عملية تنفيذ مشروع طريق التنمية الدولي في العراق بما يلي:

- تَهالُك البنى التحتية، لا توجد بنى تحتية خاصة بقطاع النقل كافية تفي بمتطلبات مشروع طريق التنمية، فقد عانى العراق تدهورًا وتهالكًا في بنيته التحتية منذ عقود؛ نظرًا لخوضه حروبًا عديدة، بدءًا من الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، ثم أزمة وحرب الخليج الثانية 1990-1991 والعقوبات الدولية، ثم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والحرب مع تنظيم داعش منذ عام 2014 وما سبَّبَه كلُّ ذلك من تدمير وأضرار وخسائر فادحة في طرق النقل وسكك الحديد والمطارات والمرافق العامة في مختلف مدن العراق.

- التجاذبات السياسية الداخلية، على الرغم ما للمشروع من أهمية وتأييد من قِبَل غالبية القوى السياسية العراقية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، فإن هنالك معترضين على المشروع حتى من داخل تحالف الإطار التنسيقي الذي شكّل الحكومة الحالية وينتمي إليه محمد شياع السوداني، رئيس هذه الحكومة التي تبنّت المشروع، فقد رفض المشروع النائب في البرلمان العراقي، حسن سالم، من كتلة (صادقون) الممثِّلة لحركة (عصائب أهل الحق) في البرلمان، ووصف المشروع بأنه: "وصمة عار في تاريخ ساسة العراق"، وأضاف أنه يمثّل: "فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبّعت بفيروس الفساد"، فضلًا عن معارضات أخرى، ولاسيما من تلك القوى السياسية والشعبية المؤيِّدة لمشروع "الحزام والطريق" الصيني.

- أزمة الفساد، لعل من أهم التحديات التي يتعرض لها مشروع طريق التنمية، أزمة استشراء الفساد الإداري والمالي والسياسي في مختلف القطاعات والمفاصل والمؤسسات وبشكل هائل، ولعل الكثير من المشاريع الخدمية والاستثمارية الضخمة قد أفشلها الفساد والأجندات الغامضة للقوى السياسية والفصائل والميليشيات المسلحة التي تتدخل في مختلف المشاريع والقطاعات لتحقيق مصالحها، وهنالك من يرى أن أول بوادر الفساد في هذا المشروع -وفقًا لبعض التصريحات- أن دراسة الجدوى للمشروع قد أُحيلت بشكل مباشر إلى شركة إيطالية هي Progetti Europa & Global S.p.A ترتبط بعلاقة مع بعض الفصائل المسلحة التي مارست تأثيرها على الحكومة لإحالة دراسة الجدوى إلى هذه الشركة حتى من دون طرح عطاءات أخرى، الأمر الذي يثير مسألة مدى قدرة الحكومة على تنفيذ مشروع "الطريق" من دون فساد أو تأثير أو تدخّل القوى السياسية والفصائل المسلحة فيه وفي بقية المشاريع والمرافِق التي يتطلَبها هذا المشروع، وأن هذا التأثير والتدخل يتسببان بهدر كبير للأموال كما حصل في مشاريع أخرى أو ربما إعاقة المشروع وعدم تنفيذه مستقبلًا.

- تعقيدات الوضع الأمني، لا يزال الاستقرار الأمني في العراق نسبيًّا، وقد يتعرض للاهتزاز في أيّ وقت، وذلك لعدة أسباب، منها: وجود خلايا لتنظيم داعش في بعض المناطق وتقوم بين الحين والآخر ببعض الأعمال الإرهابية، حيث لم يتم القضاء على التنظيم بشكل كامل على الرغم من إنهاء سيطرته منذ عام 2017، كما أن هناك وجودًا لحزب العمال الكردستاني في بعض المناطق الشمالية التي تمر منها خطوط نقل وسكك حديد طريق التنمية، ما يجعلها عُرضةً لهجماته في أيّ وقت، الأمر الذي يضيف عائقًا أمنيًّا أمام تنفيذ المشروع وعمله. أما المناطق الجنوبية، فهنالك فصائل مسلحة وموالية لإيران لها مصالحها الاقتصادية وأجنداتها التي تتعارض مع مشروع طريق التنمية، وستكون بنى المشروع عرضة لتهديداتها، فضلًا عن مسألة وجود "سلاح خارج سيطرة الدولة" الذي لم يتم حسمه من قِبَل الحكومات العراقية المتعاقبة، الأمر الذي يُشعِر الشركات والدول المستثمرة بأن العراق ليس منصة آمنة لمرور بضائعها من خلاله أو استثمار أموالها، ما لم يُحسم هذا الملف لصالح الدولة العراقية، فضلًا عن أن الفصائل المسلحة تفضّل الشركات الصينية والإيرانية على حساب الشركات الغربية، ما جعل الشركات الأخيرة تنظر إلى العراق "كمناخ غير ملائم للاستثمار"، ولكنه مثاليٌّ للصين وغيرها.

- توفير التكلفة والمتطلبات، يحتاج مشروع طريق التنمية إلى تكلفة مالية تُقدَّر بــــــ 17 مليار دولار، وكذلك إنجاز بناء ميناء الفاو الكبير، وتوفير الطاقة وباقي المتطلبات الأخرى، ولكن الحكومة العراقية لم توضّح بعد مصادر هذه التكلفة والمتطلبات، ولم توضّح كذلك ما إذا كانت قادرة على جذب أو استقدام الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في تمويل المشروع، فضلًا عن أن المشروع يتطلب توفير الطاقة الكهربائية في الوقت الذي يعاني فيه العراق أزمة كهرباء مزمنة منذ سنوات، على الرغم مما يتم تخصيصه من أموال طائلة لهذا القطاع ولكن من دون جدوى.

- المشروطية التركية، على الرغم من ترحيب تركيا بإعلان المشروع، كونها الدولة التي سيتم ربط الطريق بها لتكون منفذ العراق والدول العربية الشريكة في المشروع إلى الدول الأوروبية والبحر الأبيض المتوسط، بَيْدَ أن لتركيا مطالبها ومشروطيتها متمثلةً بضرورة إنهاء ملف وجود حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من المناطق الشمالية في العراق مقرات له ومناطق لنشاطه ضد تركيا، ولم تتخذ الحكومات العراقية الإجراءات المناسبة لإنهاء هذا الملف. يضاف إلى ذلك أنه قد يكون لتركيا مسعى لزيادة صادراتها إلى العراق، الأمر الذي يتنافى مع ما يهدف إليه العراق من السعي إلى الاستفادة من المشروع لتعزيز وتطوير الصناعة والإنتاج المحلي.

- التحدي الإيراني، عند النظر إلى مشاريع إيران للنقل وعلاقاتها الاقتصادية في العراق، ولاسيما في مجال تصديرها للغاز والكهرباء وباقي السلع والبضائع، فإن ذلك يتعارض مع مضامين وأهداف مشروع طرق التنمية، الذي يعني بالضرورة التحرر من التبعية لإيران اقتصاديًّا، وبخاصة في موضوع الطاقة الكهربائية والغاز، الأمر الذي قد تتحفَّظ عليه إيران على أقل تقدير، إن لم تعارضه أو تعيق تنفيذه أو عمله، كما أن إيران ترى أن المشروع الأهم هو مشروع الربط السككي الثلاثي (إيران – العراق–سوريا)، وقد جاء على لسان وكيل وزارة النقل الإيراني عند مشاركته في مؤتمر إعلان مشروع طريق التنمية، أن: "المشروع الكبير بين العراق وإيران هو ربط مشروع سكك الحديد من الشلامجة إلى البصرة"، وهذا الخط هو امتداد لسكة حديد من ميناء الخميني، وبالتالي، فإن المشروع الإيراني الذي تعمل إيران على تنفيذه يتعارض مع مشروع واتجاه طريق التنمية العراقي. ولا يخفى ما لإيران من تأثير وأدوات في الساحة العراقية تُمكِّنها من تعطيل أيّ مشروع يتعارض مع مسار مصالحها وبشتى السُّبل.

 

ختامًا،

 يمكن القول، إن مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي، الذي أعلن عنه العراق بشكل رسمي في 27 مايو 2023 لا يُختلف على أهميته سياسيًّا واقتصاديًّا، وعلى الصعيدَيْن الداخلي والخارجي، ولكن تبقى مسألة قدرة الحكومة العراقية على العمل به وتنفيذه وتجسيده على أرض الواقع مستقبلًا، كونه يحتاج إلى العديد من المتطلّبات والمقوّمات، التي تبدأ بإكمال بناء ميناء الفاو الكبير وضمان المخصصات المالية الكافية وتحقيق التوافق السياسي حوله وترسيخ الاستقرار السياسي والأمني اللازمَيْن لجذب الاستثمارات الأجنبية ومباشرتها بالعمل واقعيًّا، فضلًا عن إبعاد الفساد والنفوذ وعدم تدخُّل القوى السياسية والفصائل والميليشيات النافذة، عن التأثير في مجريات تنفيذ المشروع التنموي المهم.

 من جهة أخرى، لكي ينجح مشروع طريق التنمية، فإنه يحتاج إلى عَقْدِ تفاهمات مع دول الجوار العراقي التي رحّبت بالمشروع، وهناك عدد منها أبدى استعداده ورغبته في الاستثمار فيه، باستثناء إيران التي لها مشروع آخر قد يختلف مع المشروع في بعض جوانبه، وهذا الأمر لا يمكن تجاهله؛ نظرًا للتأثير الإيراني في العراق.

*استاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية جامعة تكريت - كلية العلوم السياسية


08/11/2023