×

  الاعلام و التکنلوجیا

  إعلان بلتشلي..دلالات إصدار أول بيان عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي



 

*انتر ريجيونال للدراسات الاستراتيجية

الباحث :عبد الله جمال:توصلت الدول الرائدة والقوى التكنولوجية الناشئة، التي اجتمعت على مدار يومي 1 و2 نوفمبر الجاري، إلى أول اتفاق عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي بالمملكة المتحدة في بلتشلي بارك مسقط رأس العصر الرقمي الرمزي؛ حيث اجتمعت 28 دولة من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، بهدف وضع أسس للفهم المشترك للفرص المتاحة في هذا المجال الحيوي الناشئ، فضلاً عن تحديد المخاطر التي يفرضها "الذكاء الاصطناعي الحدودي" (frontier AI)، والتوافق على حاجة الحكومات الملحة إلى العمل معاً لمواجهة أهم التحديات المرتبطة به، وإدارتها بشكل جماعي من خلال جهد عالمي مشترك جديد، وهو ما يشكل سابقة للجهود التعاونية الرامية إلى إنشاء إطار عالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي، وضمان الاستفادة من فوائده مع تخفيف المخاطر المرتبطة به.

 

 

مضمون الإعلان

يحقق إعلان "بلتشلي" أهداف القمة الرئيسية في إرساء اتفاق ومسؤولية مشتركة بشأن المخاطر والفرص في مجال الذكاء الاصطناعي. ويمكن قراءة مضمون هذا الإعلان على النحو التالي:

 

1- تأكيد أهمية التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي:

 يشدد الإعلان على ضرورة الجهد التعاوني بين الدول لإنشاء إطار يضمن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدامها بشكل مسؤول وآمن في جميع أنحاء العالم؛ وذلك من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتنمية المستدامة والابتكار، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز ثقة الجمهور بأنظمة الذكاء الاصطناعي للاستفادة من إمكاناتها بالكامل.

هذا وقد أشار الإعلان إلى الطبيعة الدولية للعديد من المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي، ومن ثم أوصى بأن أفضل طريقة للتعامل معها هي "التعاون الدولي" بين جميع الأطراف المعنية؛ إذ نص على أهمية العمل المشترك الشامل لضمان أن "يكون الذكاء الاصطناعي – الذي يتمحور حول الإنسان والجدير بالثقة والمسؤولية – آمناً، ويدعم مصلحة الجميع من خلال المنتديات الدولية القائمة والمبادرات الأخرى ذات الصلة".

 

2- التباين حول فائدة أنظمة الذكاء الاصطناعي:

 تطرق الإعلان إلى الدور الإيجابي الذي توليه أنظمة الذكاء الاصطناعي في العديد من مجالات الحياة اليومية، بما في ذلك الإسكان والتوظيف والنقل والتعليم والصحة وإمكانية الوصول والعدالة، وهي المجالات التي من المرجح أن يزداد استخدام الذكاء الاصطناعي فيها وفي غيرها على مدى السنوات والعقود المقبلة؛ لذلك أكدت الدول الموقعة على الإعلان الحاجة إلى التطوير الآمن للذكاء الاصطناعي واستخدام الفرص التحويلية للذكاء الاصطناعي لتحقيق الخير للجميع بطريقة شاملة على مستوى العالم، خاصة في مجالات الخدمة العامة والأمن الغذائي والعلوم والطاقة النظيفة والتنوع البيولوجي والمناخ، من أجل تعزيز الجهود نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

بيد أنه على الجانب الآخر، ينطوي الذكاء الاصطناعي أيضاً على مخاطر كبيرة، حتى في مجالات الحياة اليومية، التي قد تشكل ضرراً كبيراً على مرتكزات حماية حقوق الإنسان والشفافية والإنصاف والمساءلة والسلامة، ناهيك عن احتمالية حدوث مخاطر غير متوقعة ناجمة عن القدرة على التلاعب بالمحتوى أو إنشاء محتوى خادع، وهو ما يستوجب – وفقاً للإعلان – "معالجة الرقابة البشرية، والأخلاق، وتخفيف التحيز، والخصوصية، وحماية البيانات".

 

3- الوقوف على أسباب مخاطر الذكاء الاصطناعي:

 اتفقت الدول على وجود مخاطر كبيرة قد تنشأ من سوء الاستخدام المتعمد أو المشكلات غير المقصودة المتعلقة بالسيطرة على حدود "الذكاء الاصطناعي"، مع القلق بشكل خاص بسبب مخاطر الأمن السيبراني والتكنولوجيا الحيوية والمعلومات المضللة؛ حيث ينص الإعلان على احتمالية "حدوث أضرار جسيمة، بل كارثية، سواء كانت متعمدة أو غير مقصودة، ناجمة عن القدرات الأكثر أهمية التي تتمتع بها نماذج الذكاء الاصطناعي هذه". ونظراً إلى معدل التغير السريع وغير المؤكد في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وفي سياق تسريع الاستثمار في التكنولوجيا؛ أكدت البلدان الحاضرة أهمية الفهم العميق لهذه المخاطر المحتملة، والإجراءات اللازمة لمعالجتها.

 

4- وضع أجندة لمعالجة مخاطر التكنولوجيا الصاعدة:

 اختتم الإعلان بالتركز على معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي الحدودية؛ وذلك من خلال تحديد هذه المخاطر، وبناء فهم علمي مشترك وقائم على الأدلة لهذه المخاطر، والحفاظ على هذا الفهم في سياق نهج عالمي أوسع لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على كافة المجتمعات، بالإضافة إلى بناء سياسات قائمة على المخاطر لضمان السلامة المجتمعية من هذه المخاطر، والتعاون حسب الاقتضاء، مع الوضع في الاعتبار الاختلاف النسبي للأساليب المتبعة في الصدد ذاته؛ وذلك وفقاً للظروف الوطنية والأطر القانونية المعمول بها في كل دولة.

وتعزيزاً لهذه الأجندة، شددت الدول الموقعة على الإعلان على عزمها دعم شبكة دولية شاملة للبحث العلمي بشأن سلامة الذكاء الاصطناعي الحدودية، تشمل التعاون المتعدد الأطراف والثنائي، بما في ذلك المنتديات الدولية القائمة والمبادرات الأخرى ذات الصلة، لتسهيل توفير المعلومات وأفضل العلوم المتاحة لصنع السياسات المرتبطة بهذا المجال.

 

 

تعاون أولي

أشارت ظروف انعقاد القمة، والإعلان الصادر عنها، إلى مجموعة من الدلالات المتباينة، منها:

 

1- دلالة تاريخية لمقر انعقاد القمة:

 إن اختيار "بلتشلي بارك" مكاناً لعقد قمة سلامة الذكاء الاصطناعي 2023 والتوقيع على إعلان "بلتشلي" مليء بالرمزية التاريخية؛ حيث إنه خلال الحرب العالمية الثانية، كانت "بلتشلي بارك" تؤوي العقول اللامعة مثل آلان تورينج، التي لعبت جهودهم في فك شفرة "إنيجما" دوراً محورياً في تقصير مدة الحرب وإنقاذ أرواح لا حصر لها، وإعطاء ميزة تنافسية للحلفاء في الحرب في مواجهة التهديدات النازية. ومن هنا يجمع هذا المكان بين الابتكار التكنولوجي والمساعي البشرية لتحقيق إنجازات رائدة ساعدت في تشكيل العالم الذي نعيش فيه اليوم.

وفي الحاضر، تعد الأجواء التاريخية لـ "بلتشلي" بمنزلة تذكير بقوة الفكر البشري الجماعي وقدرته على حل التحديات التي تبدو مستعصية؛ إذ تتوافق التحديات الحاضرة التي تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي على السلامة والأخلاق العالمية مع التحديات التي واجهها محللو الشفرات الأوائل؛ لذلك يؤكد إعلان القمة العودة إلى مسار التعاون بين الدول، ولا سيما الدعوة إلى تكاتف المجتمع الدولي مرة أخرى لمعالجة القضايا المعقدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي مؤخراً.

 

2- السعي نحو تنحية الخلافات السياسية:

 في أول إعلان دولي للتعامل مع التكنولوجيا السريعة الظهور، اتفقت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا والصين على أن الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً كارثياً محتملاً على البشرية، وهو ما يعكس نجاح المفاوضات المعقدة بين الدول ذات المصالح والأنظمة القانونية المتضاربة، خاصة بين واشنطن ولندن وبكين.

وبالرغم من تعرض رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لانتقادات من بعض المشرعين في حزبه لدعوته الصين لحضور القمة، خاصة بعد أن خفضت العديد من الحكومات الغربية تعاونها التكنولوجي مع بكين، بجانب بعض التحفظات التي أبدتها واشنطن إزاء دعوة الوفد الصيني، فإن سوناك قد أوضح أن أي جهد بشأن سلامة الذكاء الاصطناعي يجب أن يشمل اللاعبين الرئيسيين في العالم، وهو ما يتطلب تنويع الأصوات المشاركة في مناقشة تنظيم الذكاء الاصطناعي بمن فيهم الأصوات الصينية. واللافت للنظر أنه القمة مثلت فرصة للتلاقي بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين؛ حيث اتفقت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو، و"وو تشاوهوي" نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، حول ضرورة الاستجابة لمخاطر الذكاء الاصطناعي.

 

3- التخوف من مدى فاعلية الالتزامات الواردة بالإعلان:

 لا يزال هناك الكثير من الغموض وعدم اليقين من إعلان "بلتشلي"؛ حيث إنه لا يرقى إلى تقديم التزامات ثابتة وتدابير ملموسة، إلا أن هذا قد يبدو أمراً مفهوماً؛ نظراً إلى وضعه باعتباره الأول من نوعه، ومن ثم فهو يعكس بالتأكيد المفاوضات المعقدة بين الدول ذات المصالح والأنظمة القانونية المتضاربة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين؛ إذ يتبنى كل طرف منهم مناهج مختلفة بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي.

من ناحية أخرى، يظل من المشجع للغاية أن نرى هذا المستوى من الإجماع بين الدول حول هذه الأولويات؛ حيث تضم الدول الموقعة دولاً من أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين، وهي الدول التي أقرت في النهاية بأن "المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي هي بطبيعتها دولية، فمن الأفضل معالجتها من خلال التعاون الدولي".

 

4- التوجه نحو ضمان حقوق الأجيال القادمة:

 يمثل إعلان "بلتشلي " خطوة مهمة إلى الأمام في إدارة المخاطر وتحقيق فوائد أنظمة الذكاء الاصطناعي الرائدة؛ حيث إنه يُظهر إجماعاً دولياً على أن أنظمة "الذكاء الاصطناعي الحدودية" تمثل مخاطر كبيرة، مع احتمال حدوث أضرار كارثية من التطورات المستقبلية إذا لم توضع سلامة المجتمعات ضمن الأولويات؛ لذلك صرح سوناك بأن هذا الإعلان "يعد إنجازاً تاريخياً؛ لأن أعظم قوى الذكاء الاصطناعي في العالم تتفق على الحاجة الملحة لفهم مخاطر الذكاء الاصطناعي؛ ما يساعد على ضمان المستقبل على المدى الطويل لأبنائنا وأحفادنا".

 

5- محاولة لندن تعزيز مكانتها الدولية:

حتى إن اتفقت الدولتان على العمل معاً في أبحاث سلامة الذكاء الاصطناعي، بيد أن هناك دلائل متعددة تشير إلى أن واشنطن ولندن تتنافسان على أخذ زمام المبادرة في تطوير لوائح جديدة للذكاء الاصطناعي؛ إذ تقود المملكة المتحدة العالم مرة أخرى في طليعة هذه الحدود التكنولوجية الجديدة من خلال إطلاق هذه القمة، التي أسفرت عن صدور بيان تاريخي، وهو ما بدا نجاحاً دبلوماسياً للمملكة ولسوناك تحديداً.

من ناحية أخرى، كشف العديد من المحللين عن وجود محاولات من جانب كل من نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ووزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموند، لأخذ بريق انعقاد هذه القمة، والتغطية على إعلان بريطانيا مؤخراً عن إنشاء معهد سلامة الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة وسيلةً لتعزيز المعرفة العالمية بالذكاء الاصطناعي؛ وذلك من خلال إعلانهما عن إنشاء معهد أمريكي جديد لسلامة الذكاء الاصطناعي داخل وزارة التجارة، وهو المعهد الذي سيطور تقييمات تُعرف باسم "الفريق الأحمر" لتقييم مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعي.

 

6- تزايد المخاوف من مخاطر الذكاء الاصطناعي:

 يكشف هذا الإعلان عن تزايد المخاوف بشأن التأثير الذي يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي على الاقتصادات والمجتمع، خاصةً بعدما أتاحت شركة OpenAI المدعومة من مايكروسوفت تطبيق ChatGPT للجمهور في نوفمبر 2022، من خلال استخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية لخلق حوار أشبه بالإنسان؛ الأمر الذي قد أثار عدة مخاوف، بما في ذلك مخاوف بين بعض رواد الذكاء الاصطناعي، من أن الآلات قد تتمكن في الوقت المناسب من تحقيق ذكاء أكبر من البشر؛ ما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة وغير محدودة.

 

فرص النجاح

لا تزال فرص نجاح إعلان "بلتشلي " غير واضحة؛ نظراً إلى كونه أولى الخطوات العالمية في هذا الصدد، ولكن يمكن الوقوف على بعض العوامل التي قد تعيق تطوره أو نجاحه مستقبلاً، ومنها:

 

1- مدى نجاح الخطوات المقبلة:

على الرغم من أنه من المبشر أن نرى العديد من البلدان من مناطق مختلفة تعترف بالحاجة إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، فإن الإعلان قد أشار إلى وجود العديد من الجوانب الرئيسية للذكاء الاصطناعي "التي لا تزال غير محددة"، كما أنه لم يتضمن تفاصيل محددة حول الكيفية التي يمكن بها للتعاون العالمي أن يتشكل، بيد أن المنظمين أعلنوا عن قمة أخرى، بعد ستة أشهر في كوريا الجنوبية، تليها قمة ثالثة في فرنسا بعد ستة أشهر أخرى، ومن ثم ستكون القمتان بمنزلة اختبار للرؤية التعاونية الدولية بشأن الخطوات التي يجب اتباعها من أجل مواجهة تحديات هذا المجال الحيوي، ولا سيما التوصل إلى المعايير الدولية، بما في ذلك ترسيخ الفهم المشترك حول المعايير التي يمكن تركها للتقدير الوطني.

 

2- الشكوك حول مصداقية بكين:

 بالرغم من التفاؤل بنجاح الإعلان في الجمع بين وجهات النظر الصينية والغربية بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي، فإن جميع المندوبين – كما سبقت الإشارة – لم يكونوا مرحبين بمشاركة الصين في القمة؛ فعلى سبيل المثال، قال مايكل كراتسيوس المدير الإداري لشركة Scale AI وكبير مسؤولي التكنولوجيا في الولايات المتحدة، إنه "يشعر بخيبة أمل شديدة" لإدراج الحكومة الصينية، مشيراً إلى أن "الاعتقاد بأنهم لاعبون يتمتعون بالمصداقية وأن ما يقولونه سيفعلونه في النهاية هو خطأ فادح"، وهو الأمر الذي قد يعيق التعاون العملي بين الدول الغربية والصين إزاء الخطوات العملية لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.

 

3- التوافق مع التشريعات والتوجهات الحكومية:

أوضح رجل الأعمال إيلون ماسك أنه لا ينبغي للحكومات أن تتعجل في طرح تشريعات الذكاء الاصطناعي بشكل منفرد؛ وبدلاً من ذلك، اقترح أن تكون الشركات التي تستخدم التكنولوجيا في وضع أفضل للكشف عن المشكلات الناجمة عن التوسع في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمكنها مشاركة النتائج التي توصلت إليها مع المشرعين المسؤولين عن كتابة القوانين الجديدة قبل صياغتها النهائية، منوهاً في ذلك بقلق الكثيرين بين العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي من "أن الحكومة سوف تقفز على القواعد، قبل أن تعرف ما يجب فعله".

يأتي ذلك في إطار اتخاذ الحكومات نهجاً تدريجياً في هذا الإطار؛ إذ يتحرك الاتحاد الأوروبي والصين بشكل أسرع نحو التنظيم الأكثر صرامة، في ضوء سعيهما إلى تنمية هذا القطاع، حتى مع تحذيرهما من المخاطر الجسيمة التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي، واصفين استراتيجيتهما بالنهج "المؤيد للابتكار".

من ناحية أخرى، تقع الولايات المتحدة – وهي موطن أكبر مطوري الذكاء الاصطناعي وأكثرهم تطوراً – في مكان ما في الوسط؛ حيث تفرض التزامات جديدة تتعلق بالسلامة على مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولكن ليس إلى حد إعاقة التطوير والنمو؛ حيث أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن، مرسوماً رئاسياً تنفيذياً، في شهر أكتوبر 2023، يلزم مطوري الذكاء الاصطناعي بإطلاع الحكومة على نتائج إجراءات السلامة. وفي الوقت نفسه، يفكر المشرعون الأمريكيون في ضخ مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي وسط مخاوف من المنافسة مع الصين.

 

4- القدرة على معالجة تطلعات الشركات الناشئة:

 سيظل هناك تحدّ رئيسي حول غياب آراء الشركات الناشئة فيما يتعلق بمخاطر الذكاء الاصطناعي؛ حيث شهدت القمة حضوراً ضئيلاً لرؤساء الشركات الناشئة؛ إذ أشار فيكتور بوتيف المؤسس المشارك لشركة Iris.ai، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة الباحثين على فهم كميات كبيرة من البيانات من الأوراق، في تعليق عبر البريد الإلكتروني إلى أن القمة "أضاعت فرصة عظيمة من خلال ضم 100 ضيف فقط، وهم في المقام الأول من قادة العالم وشركات التكنولوجيا الكبرى"، منوهاً بأنه كان من الضروري لأي مشاورة بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي أن تشمل وجهات نظر تتجاوز عمالقة التكنولوجيا فقط؛ حيث إنه غالباً ما تكون شركات الذكاء الاصطناعي الصغيرة رواداً في ابتكارات جديدة، لكن "أصواتهم بشأن التنظيم لا تُسمع".

 

خلاصة القول:

من المتوقع أن تنتشر أصداء إعلان "بلتشلي" عبر المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي؛ ما يرسي نهجاً تعاونياً يركز على السلامة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة أنه يؤكد بشكل قاطع جوهر التعاون الدولي في الإبحار في المياه المجهولة للذكاء الاصطناعي؛ ما يضمن خطوة جماعية نحو مستقبل يخدم فيه الذكاء الاصطناعي البشرية سلمياً وأخلاقياً، وهو ما سينتظره العالم خلال الاجتماعين المقرر انعقادهما خلال عام 2024، بما يضمن إرثاً دائماً من استمرار العمل الدولي لمعالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك توجيه السياسات الوطنية والدولية القائمة على المخاطر في مختلف أنحاء العالم.


11/11/2023