×

  المرصد الخليجي

  قصة الغزو العراقي، كما كان يرويها وزير الدفاع الكويتي



مقابلة مع أمير الكويت الراحل عندما كان وزيرا للدفاع

*مجلة "المجلة" اللندنية

تعيد "المجلة" نشر مقابلة أجراها الزميل مطر الأحمدي، مع الشيخ الراحل نواف الأحمد الصباح عندما كان وزيرا للدفاع عام 1990، والتي يروي فيها قصة غزو صدام حسين للكويت، ودوره في المقاومة وتحرير البلاد. وهنا نص المقابلة كما وردت في عدد "المجلة" شهر أغسطس/آب 1990.

جدة: مطر الأحمدي- عندما حصل الغزو العراقي الآثم للكويت، كان الشيخ نواف الأحمد الصباح، وزير الدفاع الكويتي، في مقر رئاسة الأركان، وقد تعرض مكتبه للقصف العراقي، واضطر للانتقال إلى مكان آخر. وكان القبض عليه أحد الأهداف الرئيسية للغزو العراقي.

"المجلة" التقت وزير الدفاع الكويتي، الذي يقود المقاومة الحقيقية في الكويت، والذي يتلقى تقارير يومية من داخل الكويت عن نشاطها الذي يصفه بأنه "مقاومة فاعلة" وتلعب دورا كبيرا، ويحسب لها "الجنود المحتلون".

وعن الغزو العراقي الآثم للكويت، يقول الشيخ نواف إنه لم يكن متوقعا من العراق الشقيق "الذي ساعدناه في محنته، ووقفنا معه في حربه الطويلة. وبداية العدوان كانت من تلك المذكرة التي بعث بها العراق إلى الجامعة العربية، ثم الخطاب الذي ألقاه صدام، وفي كليهما كذب وافتراء؛ فادعاؤه بأن الكويت سرقت نفطا وأنشأت مراكز، وحفرت آبارا ومزارع، هو ادعاء كاذب".

ويستطرد الوزير أن "الكويت ردت في مذكرة توضيحية إلى الجامعة طلبت توزيعها على الدول الأعضاء. وتم توضيح الموقف لملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية حيال التهمة العراقية. وقد أدى ذلك كله إلى تحرك الوساطات لاحتواء الموضوع. وقد أعطى صدام تأكيدات وتعهدات لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك بأنه لن يلجأ إلى الحل العسكري إطلاقا. وقد أبلغ خادم الحرمين الشريفين أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح من خلال اتصال هاتفي بأنه لا نية للعراق في أن يشن أي عدوان على الكويت، وفي زيارته إلى الكويت اجتمع الرئيس حسني مبارك بأمير البلاد وأكد له تعهدات صدام بعدم اللجوء للحل العسكري".

وأمام تأكيدات الزعماء العرب، تم التعامل مع الأزمة بصورة طبيعية من الناحية العسكرية "فلم نحشد قواتنا على الحدود، حتى لا نستفز إخواننا في العراق، بالرغم من أننا لاحظنا وجود الحشود العسكرية من جانبهم، والتي أقل ما توصف به أنها غير طبيعية".

وفي الوقت ذاته كانت الجهود والوساطات تبذل من الزعماء العرب، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك لاحتواء الأزمة حتى تم التوصل إلى عقد اجتماع في مدينة جدة، وهو الاجتماع الذي ترأس الجانب الكويتي فيه الشيخ سعد العبدالله الصباح ولي العهد ورئيس الوزراء، بينما ترأس الجانب العراقي عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي. وانتهى الاجتماع بالنهاية المعروفة واتفاق من الطرفين على مواصلة الحوار، وحل الخلافات عن طريق المفاوضات.

 

الغزو

ويبدي الشيخ نواف استغرابه للطريقة التي تم بها الغزو، و"من يصدق أنه سيقع بعد سويعات من لقاء جدة. وعودة ولي العهد إلى الكويت؛ ففي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل أبلغتنا المراكز الحدودية- التي تقوم بأعمال روتينية لتنظيم حركة العبور بين البلدين- أن هناك تحركات غير طبيعية للأفراد والآليات، وأن الجيش العراقي أصبح على مقربة من الحدود. وفي الساعة الواحدة والنصف أخبرونا أنهم دخلوا منطقة الحدود وعبروها".

أما مصدر استغراب وزير الدفاع مما حدث فهو أنه لم يتصور أن "العراق الذي وقفت معه الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية والكويت، سيقدم على مثل هذه الخطوة؛ فقبل ذلك بفترة كان صدام يشيد بمواقف السعودية والكويت. ويصفها بالقومية الحقيقية (الذين وقفوا معنا في شدتنا وأزمتنا) ويتشدق بها المسؤولون العراقيون في كل مناسبة، لا فرق في ذلك بين أقل الرتب وأعلاها، وصولا إلى أعلى شخص في السلطة وهو صدام، لكنّ هناك فرقا بين القول والعمل".

وعند بداية الغزو كان وزير الدفاع الكويتي في مبنى قيادة الأركان، الذي تعرّض للقصف، وقد تصدّت القوات الكويتية للغزاة... "أمرنا قواتنا بالتحرك، لكن- بصراحة- لا نستطيع مجابهة العراق. لا من حيث العدد في الأفراد. ولا من حيث المعدات العسكرية والآليات. وأؤكد أن قواتنا قامت بواجبها، وأدت دورها بالرغم من عدم استعدادها وتوقعها للغزو".

ولاحظ المراقبون والمواطنون أيضا أن قوات الغزو العراقية كانت تقصد مواقع معينة، وبدا أنها على معرفة بخريطة مدينة الكويت، مما يرجح نظرية وجود تواطؤ من عناصر داخل الكويت نفسها. يقول وزير الدفاع: "لا أشك مطلقا في حقيقة وجود طابور خامس داخل الكويت. فالجالية العراقية هناك يبلغ تعدادها بين 70- 80 ألف نسمة".

ويوضح الوزير أن الغزو العراقي الغادر استخدمت فيه القوات البرية والجوية والبحرية "وهو الجيش الذي شاركت الكويت والدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية، في بنائه ليكون قوة للعرب، لا ليستخدم ضدهم". وتضمنت خطة الغزو بصفة خاصة، وكهدف رئيس "الاستيلاء على قصر سمو الأمير وسمو ولي العهد ووزير الدفاع"، وقد أصيبوا بخيبة كبيرة، عندما علموا أن الرموز الكويتية لم تصب بأذى، بل تمكنت من متابعة القضية دوليا مما كان له دور كبير في التأييد العالمي الذي حظيت به، والذي أدى إلى فرض عزلة دولية على العراق.

وخلال الغزو تعرضت المواقع العسكرية والقواعد الجوية للقصف العراقي، ومع ذلك تمكنت القوات الكويتية من تأمين خروج معظم الطائرات الحربية "ولم تقع في يد القوات العراقية أي معدات عسكرية متقدمة، وحتى الزوارق الحربية تم تدميرها عندما علمنا عن الغزو. وقد عطلنا عددا من الآليات وبعض المواضع بأكملها حتى لا يستفيد منها العراقيون".

وعند بداية الغزو لم يتوقع أحد انتشار القوات الغازية، واحتلالها الكويت بالكامل "لأن أقصى ما وصل إليه تصورنا أنه سيتم الاستيلاء على جزء من جزيرة بوبيان وحقل الرميلة بسبب الخلاف، وأن العراق لن يتعدى ذلك إطلاقا".

وبعد أن قصف مقر رئاسة الأركان انتقل وزير الدفاع الكويتي الشيخ نواف الأحمد إلى قيادة الدفاع الجوي، وبقي هناك إلى أن انتهت الذخيرة. أما بالنسبة لأفراد الجيش الكويتي الذين وقعوا في الأسر فيوضح الوزير أن "عددهم لا يتجاوز 15 شخصا وأعرفهم جيدا".

 

المقاومة الكويتية

وفي حديثه لـ"المجلة"، يؤكد الشيخ نواف أن "الشعب الكويتي، والخليجي لن يسكت على هذا الغزو. ومن واقع إيمان الشعب الكويتي بربه، ووفائه لأميره وحكومته بدأ تنظيم المقاومة الشعبية ضد المعتدين. ورغم كل المضايقات التي يتعرض لها أنزل الرعب في قلوب جنود وضباط القوة الغازية في المناطق السكنية، وامتدت الآن إلى ضواحي المدينة، وتمكنت عناصر المقاومة من القبض على مجموعة من أفراد القوات العراقية. وكل يوم تأتينا تقارير عن مقتل 12- 14 جنديا عراقيا". وقد التحق أفراد من القوات الكويتية البرية والبحرية والجوية بالقطاعات المماثلة في القوات السعودية المسلحة. "هذا بالإضافة إلى قوة درع الجزيرة التي تمثل دول مجلس التعاون الخليجي ومنها الكويت".

ويؤكد الشيخ نواف، الذي خرج من الكويت بعد أيام من الغزو أن ما يتداوله الناس، وما تنشره الصحافة، وما تبثه وسائل الإعلام من قصص عن السلب والنهب الذي تتعرض له المنازل والأسر والمتاجر الكويتية "للأسف الشديد صحيح؛ فالجنود العراقيون وضباطهم يأتون البيوت ويسرقون وينهبون كل ما فيها، وبعد ذلك يتجهون إلى زجاج المنزل ويوجهون إليه رشاشاتهم لتدميره. ومن ضمن البيوت التي تعرضت لهذا الدمار منزلي، وقصر الأمير، وقصر ولي العهد؛ ففي منزلي مثلا، أخذوا جميع السيارات والأثاث ثم انهالوا على الزجاج بنيران رشاشاتهم".

وماذا عن البنك المركزي؟ يجيب الوزير: "بالرغم من أنهم يتواجدون فيه، إلا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على احتياطي الذهب، لأن ذلك لن يحدث إلا بتفجير المبنى كاملا. وفي حالة تفجيره فسيسقط في البحر. أما بالنسبة للنقد الموجود في البنك فيتوقع أنهم حصلوا عليه".

 

شكر واستغراب

وفي الوقت الذي وجه فيه وزير الدفاع الكويتي الشكر، والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والشعب السعودي، ثم الشعوب العربية التي ساندت الكويت في موقفها، أبدى دهشته من مواقف بعض الدول العربية الأخرى: "مع الأسف الشديد وأقولها بصراحة، إننا ما كنا نتوقع أن تقف تلك الدول مواقفها السلبية تلك تجاه الكويت صاحبة الفضل التي وقفت معهم ومدت يدها إليهم، لكن في هذه المحنة لم يكن موقفها إيجابيا".

وعندما سألناه إن كان السبب خوفا أم طمعا، أجاب: "إن قلت خوفا، فهذا صحيح، وإن قلت طمعا فهذا صحيح أيضا، وقد يكون الاثنان معا".


20/12/2023