27/5/2015
وفقا لسياقات العمل القضائي فقد أنجز ملف حلبجه من قبل السلطات التحقيقية، وأحيلت القضية على المحكمة الجنائية العراقية العليا، وخلال فترة الإحالة صدر حكم قضائي في هولندا على متهم يدعى ( فرانس أنرات ) بسجنه لمدة خمسة عشرة سنة لثبوت تزويده نظام صدام بالمواد الكيمياوية التي استعملت من ضمن ما أستعمل في ضرب المدينة المغدورة.
وبالرغم من تضمين التحقيقات التي أجرتها هيئات قضائية معتمدة العديد من الأسماء المتهمة بالمشاركة في ارتكاب جريمة حلبجه، إلا أن الهيئة التحقيقية حصرت القضية بعدد محدود من المتهمين الذين تمت أحالتهم على الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية العراقية العليا المكلفة بالنظر في القضية، والتي نظرت القضية الخاصة بالمتهمين المقبوض عليهم فقط، حيث تم تفريق قضايا أخرى للمتهمين الهاربين.
وعلى ضوء ما جرى من جلسات للمحاكمة الأصولية والعلنية، فقد استكملت المحكمة ما يخص المتهمين الحاضرين، فأصدرت بتاريخ 17/1/2010 حكمها بإدانة المجرم علي حسن المجيد، وحكمت عليه بالإعدام شنقا حتى الموت لارتكابه جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية وفق أحكام المادة (12 أولا أ) وبدلالة المادة (15 أولا وثانيا وخامسا) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 المعدل، وألغت التهم الموجهة لبعض المتهمين عن المشاركة في تنفيذ هذه الجريمة، وحكمت عليهم أحكاما مختلفة بجريمة الإخفاء القسري للسكان، وقررت اعتبار وصف الجريمة المرتكبة من الجرائم ضد الإنسانية.
ولدى عرض القضية على الهيئة التمييزية في المحكمة الجنائية العراقية العليا، قررت بناء على اللوائح التمييزية المقدمة من وكلاء المدعين بالحق الشخصي، اعتبار القضية المرتكبة من جرائم الأبادة الجماعية، وبصرف النظر عن مناقشة قرار الحكم والتوصيف القانوني للقضية، إلا أن هناك مسألتين مهمتين لم يتم النظر بهما أو حسمهما ضمن الملف حتى اليوم.
القضية الأولى وتخص معاقبة جميع من ساهم في ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية التي شكلت جريمة إبادة جماعية بهدف القضاء على جميع سكان المدينة التي راح ضحيته أكثر من خمسة ألاف من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، ممن طالهم القصف الكيمياوي المتعمد في العام 1988.
هناك أسماء عديدة طالها الاتهام تم طرحها ضمن لوائح الاتهام بينهم من تم إعدامه مما يستوجب إيقاف الإجراءات القانونية بحقه وفقا لإحكام المادة 304 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ومنهم المجرم صدام حسين والمجرم عبد حمود ( عبد الحميد محمود الناصري )، ومن بين الأسماء التي لم يتوضح بشأنهم الأجراء القضائي والقانوني فيما يخص القضية المعروضة، معاون رئيس أركان الجيش حسين رشيد محمد التكريتي، وقائد الفيلق الثاني إبراهيم عبد الستار محمد الدهان، ووليد حميد توفيق الناصري وأياد فتيح خليفة الراوي، قائد الحرس الجمهوري آنذاك، وسبعاوي إبراهيم الحسن ومدير جهاز المخابرات، وعضو القيادة القطرية لفرع البصرة في حزب البعث المنحل عبد الغني عبد الغفور فليح العاني، وأمين سر جهاز المخابرات في النظام السابق اياد طه شهاب، والعميد الركن وعضو اللجنة الأمنية في محافظة البصرة في زمن النظام السابق العميد لطيف محل حمود السبعاوي، وقائد قوات حمورابي التابعة للحرس الجمهوري قيس عبد الرزاق محمد الاعظمي، ووزير الدفاع سعدي طعمة عباس الجبوري الذي تولى قيادة القوات العسكرية في المنطقة الجنوبية، وقائد اللواء المدرع الثاني التابع للحرس الجمهوري سفيان ماهر حسن، وأسماء أخرى ممن لهم علاقة بحادثة القصف الكيمياوي بأي شكل من الأشكال.
والقضية الثانية التي لم تأخذ شكلا تنفيذيا بالرغم من تضمين القرار القضائي، حيث أثير في حينه أن مجلس النواب بصدد تشريع قانون لتعويض ضحايا حلبجه والأنفال والانتفاضة الشعبية، إلا أن هذا القانون لم ير النور فيما يخص تعويضات العوائل الكردية المنكوبة، ولم يتم تعويض ذوي المجني عليهم باي شكل من الأشكال.
تم تنفيذ حكم الإعدام بالمتهم الرئيسي صدام حسين في قضية جريمة الدجيل قبل أن تتم محاكمته عن قضية جريمة حلبجه، وقبل أن تستمع المحكمة لأقواله عنها، وبهذا فقد تم إيقاف الإجراءات القانونية بحقه وفقا للمادة 304 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وفقدت المحاكمة عنصرا أساسيا ومتهما رئيسيا كان يمكن لإقراره واعترافاته أو أقواله أمامها أن يوضح أسماء المتهمين الذين تعاونوا في ارتكاب الجريمة، أو أية معلومات وأسرار يمكن أن تدفع لمعرفة الحقيقة، حيث تحدث الأعلام الغربي عن دور لبعض الدول وأسماء لبعض المسؤولين الذين سوقوا وساهموا في إيصال الأسلحة المحرمة إلى صدام والتي استعملها في عدة أماكن، كما موضح في بدء المقال عن صدور أحكام المحكمة الهولندية، كما أن عددا كبيرا من المشتكين والشهود لم تتوفر لهم فرصة الحضور أمام المحكمة الجنائية لأسباب تتعلق بالوضع الأمني أو لارتباطاتهم بأعمال شخصية في دول يقيموا فيها بشكل دائم، أو لظروفهم المادية أو آية ظروف أخرى، علما بأن سلطات التحقيق والمحاكمة والحكومة لم تدرس الخطوات اللازمة لتسهيل تقدم هؤلاء شهاداتهم أو شكواهم في المحاكمة
أن جريمة مثل جريمة الأنفال وحلبجه لايمكن اختزالها بعدد قليل من المتهمين، لأن تلك الجرائم البشعة تعدد فيها الجناة والمساهمين في الاتفاق الجنائي، إلا أن حصر الاتهام بالعدد الذي تقدم من المتهمين الحاضرين حصر الاتهام في القضية التي راح ضحيتها أكثر من خمسة ألاف إنسان مدني، ويحدد الاتهام بعد صدور الأحكام النهائية. وبهذا فأن الخلل الذي رافق القضية التحقيقية في دور التحقيق لا تستطيع المحكمة الجنائية أن تتلافاه لسعة القضية، ولعدم قدرة السيطرة على تلافي تلك النواقص في دور المحاكمة، كما لم يتم الإعلان عن أسماء المتهمين الهاربين الذين تم تفريق قضاياهم عن هذه القضية من المتهمين الهاربين.
كما تبرز أهمية الوثائق السرية والاتفاقيات المعلنة والمخفية بين العراق في ظل سلطة صدام وبين تلك الشركات والدول التي سهلت عملية وصول الأسلحة الكيمياوية، وأمام جريمة جنائية تدخل في باب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يقتضي الأمر إطلاع هيئة المحكمة على تلك الوثائق وربطها بأضبارة القضية حتى لاتبقى القضية تدور في فلك التخمين والحدس
وكان من الضروري التعمق مع الطيارين وقيادة الطيران التي نفذت الضربة الكيمياوية لتثبيت الأوامر الصادرة بالضربة الجوية بالسلاح الخاص، ونجد أيضا من أجل تحقيق العدالة أن يتم الالتفات إلى الاتهامات التي توجهها منظمات مجتمع مدني وحقوقية تتضمن العديد من أسماء الضحايا والمشتكين، تتوجه باتهامها إلى أسماء أشخاص موجودين داخل السلطة اليوم أو خارجها، فكل متهم بريء حتى تثبت أدانته، ولا بأس من التثبت من حقيقة الاتهامات، حيث يسجل تجاهل تلك النداءات والشكاوى موقفا سلبيا ليس له أساس أو سند من القانون.