*محمد شيخ عثمان
في كل عام وفي هذا الشهر نستعيد ذكرى واحدة من أكبر جرائم العصر والتي راح ضحيتها (182000) من أبناء شعب كردستان، ضحايا النزعة الدكتاتورية الشوفينية البائدة، في جريمة الأنفال التي تعبر عن أبشع أساليب الكره للإنسانية والحقد على كرامة الحياة.لقد سمح الصمت الكبير للمجتمع الدولي بمرور الجرائم وتكرارها وجعل الثمن الذي دفعه شعب كردستان باهظا في جميع النواحي الانسانية والحرية والحقوق الشخصية والقومية.
لاشك ان محاكمة الطاغية صدام و(6)من أعوانه من قبل المحكمة الجنائية العراقية العليا في قضية جريمة (الانفال) وكذلك مجلس الرئاسة العراقية رقم ( 26 ) لسنة 2008 "باعتبار ما تعرض له الشعب الكردي في كردستان العراق من مذابح وقتل جماعي هو إبادة جماعية بكل المقاييس"،حققت جزءا اساسيا من العدالة ازاء التعامل مع هذه الجريمة، ولكن من الخطأ اعتبار الاحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية واعتراف مجلسي النواب والرئاسة بالجريمة كابادة جماعية كافيا لطي صفحة جديدة بياضها تعكس صفاء قلوب شعب كردستان ازاء عقلية لايزال هناك من يريدها نهجا له، فالدولة العراقية مطلوب منها خطوات جادة من شأنها إزالة آثار هذه الجريمة النكراء فليس من مسؤولية الكرد وحدهم بل من مسؤولية الدولة العراقية العمل على نيل اعتراف المجتمع الدولي باعتبار الانفال جريمة ابادة جماعية وضد الانسانية واتخاذ جميع القرارات والخطوات التي تترتب على هذا الاعتراف الدولي من تقديم اعتذار رسمي من قبل الدولة العراقية، ومقاضاة الشركات التي زودت النظام بالاسلحة المحظورة الى محاكمة بقية مرتكبي هذه الجريمة، اضافة الى تعويض الضحايا والمتضررين وذويهم وإحياء الذكرى السنوية لهذه الفاجعة على مستوى العراق والعالم الحر أيضا.
في ذكرى هذه الجريمة و في كل عام
نجدد التاكيد على حقيقة راسخة تقضي بوجوب تحمل الدولة العراقية الاتحادية تعويض الضحايا والمتضررين من هذه الجريمة بصورة منصفة تؤكد على التغيير الحقيقي للحكم في العراق الجديد، فمن البديهي أن تتحمل الدولة العراقية الآثار المترتبة عن الجريمة شأنها شأن الديون التي كانت بذمة دولة العراق في عهد نظام صدام والتعويضات التي تمت دفعها لدولة الكويت بسبب غزوها.
ورغم أن قرار رئاسة مجلس النواب كان مقتضبا جدا ولم يشر فيه إلى من يتحمل المسؤولية وماذا يترتب عليه ولم يتطرق إلى التعويضات.. لكن قرار المحكمة الجنائية بهذا الخصوص واضح وجلي يقضي بتحمل الحكومة الاتحادية هذه المسؤولية.
استفسرت عددا من مسؤولي حكومة اقليم كردستان عن صواب تعويض ذوي المؤنفلين والمتضررين من هذه الجريمة من ميزانية اقليم كردستان ولم أتلق ردا وافيا ولكن الحقائق تؤكد ضرورة قيام الحكومة الاتحادية بهذا الواجب تحقيقا للعدالة ولتكون درسا بليغا لجميع الانظمة المتعاقبة في العراق بأن هذه الدولة تدفع ثمن جرائم الاستبداد ضد شعبها.
هذا الموضوع أمر ينبغي البت فيه من قبل الحكومة الاتحادية التي كان حريا بها أن تبادر قبل أن تُطالب، كذلك على قيادة اقليم كردستان والنواب الكرد في مجلس النواب واصدقاء الكرد من العرب، زيادة ضغوطهم كي تتحقق هذه العدالة ولتتحول مسؤولية اقليم كردستان من صرف تعويضات الى المزيد من العناية والاهتمام بهم.
وكذلك من صميم واجبات الدولة الاتحادية وضع حد للمد الاعلامي الممجد والداعم لصدام ونظامه البائد وحزبه العبثي على المستوى الداخلي والخارجي استنادا الى الواجبات الدستورية في اجتثاث الفكر الصدامي والبعثي البائد وليس الركون الى الصمت المريب ازاء هذا المد العبثي بحجة حرية الفكر والتعبير .
ستبقى جريمة الأنفال وكل جرائم الدكتاتورية ماثلة في ضمير ورؤى شعب كردستان وأجياله القادمة ولن تزيدنا الا حرصا واصرارا على التمسك بالخيار الديمقراطي الاتحادي الحر والتصدي للاستهتار بقيم الحياة النبيلة والحرية.
*رئيس تحرير "المرصد"