×

  بحوث و دراسات

  ملامح لمشهد شرق أوسطي جديد



*محمد سيد رصاص

*المركز الكردي للدراسات

عقب ما جرى من إطلاق إيران ثلاثمئة وثلاثين صاروخاً باليستياً وأخرى من نوع «كروز» إضافة للمسيّرات على إسرائيل ليلة 13 أبريل/نيسان وفجر 14 منه، قال وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان في محادثة هاتفية مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن «الجمهورية الإسلامية تحذّر إسرائيل من عواقب تجاوز الخطوط الحمر.. طهران لا تفضل ازدياد التوتر، ولكنها سترد فوراً وبشكل أقوى مما سبق إن قامت إسرائيل بالرد»، بحسب ما ورد في وكالة «إيران انترناشونال».

لكن بعد أن قامت إسرائيل بالرد، قال عبداللهيان لشبكة «سي إن إن» إن «ماحدث لم يكن هجوماً.. الأمر كان عبارة عن طائرتين أو ثلاث طائرات بدون طيار، تلك التي يلعب بها الأطفال في إيران. طالما لا توجد مغامرة جديدة من قبل النظام الإسرائيلي ضد مصالح إيران فلن نرد».

إلا أنه وبعد يوم واحد، كشف مسؤول أميركي كبير لشبكة «إيه بي سي نيوز» أن «طائرة إسرائيلية أطلقت من خارج المجال الجوي الإيراني ثلاثة صواريخ على موقع رادار للدفاع الجوي قرب مدينة أصفهان يحرس منشأة نووية»، الموجودة في نطنز حيث المنشأة النووية الرئيسية.

يمكن لما جرى أن يكون بداية حقبة شرق أوسطية جديدة، لم يكن هجوم 7 أكتوبر سوى مقدمة مفتاحية لها، من حيث أن الأخير كان بشكل من الأشكال حرباً بالوكالة عن طهران على تل أبيب، فيما كان 13 أبريل إعلاناً من طهران للمجابهة المباشرة مع الدولة العبرية، بينما كان الرد الاسرائيلي تعبيراً عن الاستعداد والرغبة في ذلك، وهو شيء أراده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو منذ الغارة الاسرائيلية مطلع أبريل/نيسان على القنصلية الايرانية بدمشق، والتي هي دعوة مباشرة منه لإيران إلى النزال.

على الأرجح أن علي خامنئي كان لا يريد ذلك من خلال طرحه وتكراره بعد هجوم 7 أكتوبر مقولة «الصبر الاستراتيجي»، ومن خلال عدم اتجاه طهران نحو تطبيق مقولة «وحدة الساحات» مع غزة. ولكن على ما يبدو أن نتانياهو أجبره على الرد في 13 أبريل/نيسان باعتبار القنصلية أرضاً إيرانية.

كما يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد هذا النزال الاسرائيلي- الايراني.

وبعد أن قادت الولايات المتحدة تحالفاً عملياتياً أميركياً – بريطانياً – فرنسياً مع دول عربية اشتركت بأشكال مباشرة أو غير مباشرة بالعملية لإسقاط ثلث ما أطلقته إيران على إسرائيل، فيما تولت الأخيرة إسقاط 84-99 في المئة من الباقي، قال بايدن لرئيس الوزراء الاسرائيلي في اتصال مباشر معه: «لقد فزت، فاحتفظ بالفوز».

ويشي ذلك برغبة أميركية بعدم الرد لم يتقيد بها رئيس الوزراء الاسرائيلي، حيث أراد الرد، وشاركه في ذلك الوزير في حكومة الحرب المصغرة بيني غانتس، وهو أمر ملفت للنظر.

ولكنه لم يوجه ضربة كبيرة، كما أراد بالأصل، بحسب ما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في 22 الشهر، إذ ضغطت عليه واشنطن وحلفاء آخرين لثنيه عن ذلك، وإنما أعطى إشارة كبرى بأنه يستطيع ممارسة فعل الضرب وبالذات على المنشآت النووية الايرانية، إضافة إلى إرسال رسالة لطهران بأن الردع لا يقتصر على إسقاط ما تم قصف إسرائيل به وإفشال نتائجه وإنما الردع لردع من يفكر بذلك، وهذا الأمر الأخير كان نتانياهو وغانتس ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الأكثر تركيزاً عليه.

كذلك، يمكن للرد الاسرائيلي أن يكون رسالة لبايدن، الذي أراد أن يظهر لإسرائيل أنه الحامي لها من خلال ما فعله في 13 أبريل/نيسان. فما فعلته تل أبيب إشارة إلى أنها يمكن أن تفعل ما منعتها واشنطن عنه منذ عام 2011 وهو ضرب المنشآت النووية الايرانية وإنهاء البرنامج النووي الإيراني أو إعاقته.

 هذا البرنامج الذي كانت المقايضات – المفاوضات حوله بين واشنطن وطهران السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي- الأميركي منذ عام 2009، وكان اتفاق 2015 بشأنه بمثابة التكريس الأميركي الصامت للتمدد الإيراني في إقليم الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديداً استراتيجياً لها.

يمكن هنا أن تكون إشارة الوزير عبداللهيان إلى عدم النية بالرد بمثابة العودة إلى «الصبر الاستراتيجي» بعد أن كانت حصيلة 13 أبريل/نيسان و19 أبريل/نيسان ليست لصالح إيران، إذ ظهر أن هناك توازناً يميل لصالح تل أبيب ضد طهران، بوصفهما القوتين الأكبر في إقليم الشرق الأوسط.

 وظهر أن قوة طهران الرئيسية تتركز في الأذرع وليس في مكان آخر. كما أن ما استعرضته واشنطن في 13 أبريل/نيسان كشف عن ملامح «ناتو شرق أوسطي»يكون امتداداً إقليمياً لحلف الناتو الذي كانت واشنطن تفكر به مع بريطانيا وفرنسا وتركيا منذ خريف عام 1951، حينما طرحت مشروع «قيادة الشرق الأوسط» بالتزامن مع قبول تركيا عضواً بالحلف.

 وفي تلك الليلة، أظهر تعاون دول عربية، سواء المباشر أو غير المباشر، مع واشنطن في صد ما رمته طهران على تل أبيب أن اتفاق 10 مارس/آذار 2023 في بكين بين الرياض وطهران لم يكن أكثر من حبر على ورق، وأن قاعدة العديد القطرية، حيث القيادة المركزية الأميركية التي تقود العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة الممتدة من كازاخستان إلى الصومال ومن باكستان إلى مصر، هي الوجه الفعلي لدولة قطر وليست قناة الجزيرة أو تعاون قطر مع الحركة الإسلامية العالمية.

كما أظهرت أن الدولة الأردنية ذات أهمية استراتيجية كبرى للغرب الأميركي- الأوروبي.

أصبحت آفاق هذا «الصبر الاستراتيجي» الإيراني أضيق مع مؤشرات على أن الذراع السنية لطهران في قطاع غزة ستكون أضعف أمام نتانياهو في مرحلة ما بعد 13 أبريل/نيسان.

 كما أن وضع حزب الله اللبناني في بلاد الأرز أصبح أضعف عما كان عليه في مرحلة ما قبل 7 أكتوبر 2023.

وكذلك وضع كل من الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق. ويمكن لما جرى بين 13 و19 أبريل/نيسان أن يجعل طهران أكثر ميلاً للتفاهم مع واشنطن من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهي التي أنهت مفاوضات فيينا، التي كانت تجري من أجل ذلك، في أغسطس/آب 2022 واتجهت نحو تزويد روسيا بالمسيّرات الايرانية في حربها ضد أوكرانيا في اعتقاد منها بأن هناك لحظة ضعف أميركية مع نشوء الحلف الصيني- الروسي عقب نشوب الحرب الأوكرانية قبل عامين.

وعلى الأرجح، أن القارىء الايراني الجيد للتوازنات الدولية والإقليمية بات يرى صورة معاكسة بعد 19 أبريل/نيسان، ما سيجعل صانع القرار الإيراني متردداً كثيراً في نقل طهران من العتبة النووية إلى مرحلة تم التلميح لها قبل 19 أبريل/نيسان بقليل نحو الإعلان عن امتلاك القدرة النووية.

كتكثيف، هناك مؤشرات كثيرة على أن واشنطن انتهجت منذ صيف 2023، مع طرح مشروع الكوريدور الهندي، سياسة العودة إلى منطقة الشرق الأوسط، مدفوعة باستخدام المنطقة للضغط على الصين التي تستورد أغلب حاجاتها النفطية منها جرّاء الحاجة لتأمين بديل في الطاقة (نفط وغاز) للأوروبيين عن الطاقة الروسية بعد الحرب الأوكرانية، وهو ما لا يتوفر أساساً سوى في الشرق الأوسط. واستغلت واشنطن حرب غزة لإثبات أنها اللاعب الأكبر في المنطقة.

 كانت انسحاب أوباما من المنطقة عام 2011 للتركيز على الشرق الأقصى مترافقاً مع اتجاه أميركي للتفاهم مع إيران وفق معادلة تفكيك البرنامج النووي أو تحديد سقفه مقابل إطلاق يد طهران في المنطقة، ومترافقاً مع اعتماد الأردوغانية وجماعة الإخوان المسلمون كبديل عن الأنظمة الحليفة لواشنطن من طراز أنظمة حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح.

على الأرجح أن مشهد ما بعد 13 أبريل/نيسان وتمهيده المتمثل في ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، سيقود إلى سياسة أميركية جديدة تجاه طهران. ربما كانت مسارعة نتانياهو إلى ما فعله في 19 أبريل/نيسان محاولة منه للضغط على صانعي القرار في واشنطن من أجل أن معادلة الموازين الأميركية بين سياستي المجابهة مع إيران (التي بانت زمن دونالد ترامب) وإرضائها التي انتهجها أوباما وتابعها بايدن على الأقل حتى مشروع الكوريدور الهندي، والذي أتى هجوم أكتوبر لضربه هو ومترتباته ومنها التطبيع السعودي- الإسرائيلي.

 ثم أراد الرئيس الأميركي، خلال حرب غزة، تفادي المجابهة الإسرائيلية– الإيرانية، عكس ما فعل نتانياهو منذ الغارة الإسرائيلية على القنصلية الايرانية في دمشق.


08/05/2024