*جيفري كمب
* «ناشونال انترست»
يتذكر أولئك منا الذين أدركوا سنوات ما قبل العصر الرقمي مدى تعقيد وتكلفة إجراء مكالمات هاتفية دولية عند السفر إلى الخارج. كان استخدام الشيكات السياحية (أو شيكات المسافرين) وسيلة شائعة لدفع الفواتير والحصول على النقد في البلدان الأجنبية، بينما كانت البطاقات البريدية والرسائل الجوية تُستخدم لإبقاء الأصدقاء والعائلة على علم بمكان وجود الشخص، وما هي المتع أو المشاكل التي يواجهها.
ثم لاحقاً، في عقد التسعينيات، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جاءت الإنترنت وبطاقات الائتمان والخصم والهاتف الخلوي.. إلخ، لتبشِّر بعصر جديد عندما أصبح الوصول إلى كل شيء، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية، والمكالمات الهاتفية، أسهل وأرخص بكثير.
وصل هاتف آيفون في عام 2007، وزادت وتيرة الاتصالات الإلكترونية بشكل كبير. صحيح أن الطريقة التي نمارس بها حياتَنا اليوميةَ أصبحت أسهل مِن نواحٍ عديدة، لكن هناك جانباً سلبياً كبيراً يواجهه أغلبُنا على أساس يومي، وهو الحجم المتزايد للرسائل «المزعجة» (سبام SPAM)، والإعلانات التي لا نهاية لها على هواتفنا، والعديد من عمليات الاحتيال والجهود الاحتيالية لسرقة الأموال من الأشخاص العاديين.
وقد أصبح الإبلاغ عن المشكلات المتعلقة بحساباتنا الشخصية أكثر تعقيداً ويستغرق وقتاً طويلاً. إذ إن محاولة العثور على إنسان للتحدث معه في شركة إعلامية أو شركة تجارة إلكترونية أو مكتب حكومي أصبحت أمراً محبطاً بشكل لا يطاق، خاصةً بالنسبة للأشخاص الأكبر سناً الذين لم ينشأوا في العصر الرقمي وتقنياته الجديدة الأكثر تعقيداً.
ويبدو أن شركات التكنولوجيا الكبرى تبذل كل ما في وسعها لتجعل من الصعب استخدام الهاتف للتحدث مع أحد ممثليها. وإذا كنت محظوظاً بما فيه الكفاية لتحديد رقم هاتف للاتصال به، فسيتم الرد عليك دائماً بواسطة الروبوت الذي سيطلب منك أو يزودك بمعلومات حسابك، ثم يتابع قراءة تفاصيل دفعتك الأخيرة على الرغم من أنك تريد التحدث إلى شخص حقيقي ما حول حادثة احتيال أو خطأ في الفواتير.
وإذا واصلتَ إخبارَ الروبوت أنك بحاجة إلى التحدث إلى أحد ممثلي الشركة، فقد تتمكن في النهاية من التواصل مع شخص ما، لكن عادةً ما يتم وضعك على قائمة انتظار طويلة.
وإذا تحدثتَ أخيراً إلى شخص ما، فلا يسعك إلا أن تأمل أن يتحدث لغتَك ويفهمَك. وإذا كنتَ محظوظاً، فيمكنك غالباً حل مشكلتك، لكن الأمر قد يستغرق عدة دقائق للوصول إلى هذه النقطة التي تشعر فيها بالإحباط والغضب، وفي بعض الأحيان ستغلق الهاتف ببساطة، وتحاول مرة أخرى في يوم آخر. فهل ستساعد الاختراقات الموعودة في مجال الذكاء الاصطناعي على تسهيل هذه العملية، مع تقليل القلق على المستهلك؟ الوقت ما يزال مبكراً جداً للرد على هذا التساؤل.
لقد بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي للتو، ويبدو أنها معرضةٌ للكثير من أنواع إساءة الاستخدام والخداع والاحتيال. وتعد الأمثلة العديدة للأخبار المزيفة المرتبطة بالانتخابات الجارية في الولايات المتحدة، وفي جميع أنحاء أوروبا مؤشراً مزعجاً لما يمكن أن يحدث إذا فشل تطبيق القواعد التنظيمية لمنع، أو الحد من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت نفسه، يتزايد الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، مع قيام المزيد والمزيد من البلدان بتوسيع بنيتها التحتية لبناء المرافق التي تضمن لسكانها القدرة على الاستفادة مما ينبغي أن يكون تكنولوجيا جديدة رائعة.
وهناك سبب يجعل فيلم أوبنهايمر يحظى بأهمية تتجاوز مجرد سرد قصة بناء القنبلة الذرية الأميركية، فبعد استخدام الأسلحة النووية ضد اليابان في شهر أغسطس عام 1945 ونهاية الحرب العالمية الثانية، كان هناك أمل في استخدام التكنولوجيا الجديدة لجلب الطاقة الرخيصة لمصلحة العالم، والتوصل إلى اتفاقيات دولية لتسخير الذرة للاستخدامات السلمية، لكن هذا لم يحدث، وهناك الآن مخاوف مِن أن يصبح الذكاء الاصطناعي سلاحاً آخرَ يُستخدَم لخوض الحروب، وليس لإنهائها. وهو على أية حال ليس احتمالاً سعيداً.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن