×

  بحوث و دراسات

  لحظة اليسار في المملكة المتحدة



*كون كوخلين

 

خلال الأعوام الأربعة عشر التي قضاها المحافظون في السلطة، كانت الديناميكية الرئيسة في وستمنستر بين النواب المحافظين الأكثر وسطية، الذين- رغم اعتناقهم لاقتصاديات السوق الحرة- كانوا يؤيدون البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، والسياسيين اليمينيين الأكثر تشددا، الذين كانوا يدعمون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) من أمثال رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، التي دفعت نحو أجندة أقرب إلى التاتشرية، تتضمن خفض الضرائب وتقليص حجم دولة الرفاهية.

وبالتالي فإن نتيجة الانتخابات العامة لعام 2024، والتي أسفرت عن فوز زعيم حزب "العمال" السير كير ستارمر بأغلبية ساحقة، تشير إلى قطيعة واضحة مع السياسة الفوضوية لعهد "المحافظين" مع انتخاب الحكومة الأكثر يسارية في التاريخ البريطاني منذ أن كان هارولد ويلسون رئيسا للوزراء في الستينات والسبعينات.

إذ تميزت فترة ويلسون بفرض ضرائب عقابية على الأثرياء، حيث تجاوزت الضرائب التي كان بعض أصحاب الدخل المرتفع يدفعونها 90 في المئة.

ومع ذلك، كادت السياسات السخية في الضرائب والإنفاق التي انتهجتها حكومة ويلسون أن تقود بريطانيا إلى حافة الكارثة المالية، إذ اضطرت هذه السياسات بريطانيا في النهاية للجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على إنقاذ طارئ في عام 1976.

وأثار تولي ستارمر، المعروف باشتراكيته، رئاسة وزراء المملكة المتحدة مخاوف من تبني سياسات ضريبية وإنفاقية محفوفة بالمخاطر، خاصة مع تحذير إدارة المحافظين المنتهية ولايتها بقيادة ريشي سوناك من أن الحكومة المقبلة تعتزم زيادة الضرائب بشكل كبير، مما يهدد التعافي الاقتصادي التدريجي من الصدمات المالية المزدوجة لجائحة كوفيد العالمية والحرب في أوكرانيا.

وحذر معهد الدراسات المالية، الذي يحظى بتقدير واسع النطاق، مؤخرا، من أنه مع تسجيل المملكة المتحدة أعلى مستوى ديون لها منذ أكثر من 60 عاما، فمن المرجح أن تضطر حكومة حزب "العمال" المقبلة إلى زيادة الضرائب بشكل أعلى من أجل الوفاء بالتزاماتها الإنفاقية تجاه الخدمات العامة المتعثرة في المملكة المتحدة.

إن النصر الساحق الذي حققه حزب "العمال" بقيادة ستارمر، والذي ينتمي إلى يسار الوسط، ليس وحده ما يشير إلى تحول كبير نحو اليسار في السياسة البريطانية، فبينما عانى المحافظون من هزيمة تاريخية، قدمت الأحزاب اليسارية الأخرى مثل الديمقراطيين الليبراليين والخضر أداء جيدا أيضا، حيث حصل الديمقراطيون الليبراليون على أكبر عدد من المقاعد لهم منذ قرن، بينما سجل الخضر أكبر مشاركة لهم في البرلمان المقبل.

ونتيجة لذلك، سيكون أكثر من ثلثي النواب الجدد في البرلمان من يسار الوسط، مما سيمكن ستارمر وحلفاءه من متابعة أجندتهم اليسارية دون مواجهة تهديد جدي من نواب المعارضة.

وبعد الانتصار الدراماتيكي لبوريس جونسون في عام 2019، كانت الانقسامات بين اليمين واليسار في البرلمان حوالي 50-50.

ويمكن رؤية التغيرات الدراماتيكية في المشهد السياسي البريطاني أيضا في فقدان الكثير من نواب حزب "العمال"، بما في ذلك الناطق باسم الحزب جوناثان أشورث، مقاعدهم لصالح مرشحين مستقلين مؤيدين لفلسطين، كانوا يركزون حملاتهم حول قضية غزة، مطالبين بوقف إطلاق النار وحظر صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل. حيث فاز أربعة مرشحين مؤيدين لفلسطين في الانتخابات على حساب منافسيهم من حزب "العمال".

وبالإضافة إلى ذلك، فاز زعيم حزب "العمال" السابق جيريمي كوربين، الذي طُرد من الحزب بسبب اتهامات بمعاداة السامية، بإعادة انتخابه في دائرته شمالي لندن.

كما أن الهزيمة الساحقة التي مني بها المحافظون، بفقدانهم ثلثي مقاعدهم، ستحد أيضا من قدرة من يخلف سوناك على قيادة معارضة فعالة لحكومة "العمال" الحاكمة. حيث أعلن سوناك أنه سيتنحى عن زعامة حزب "المحافظين" فور ظهور نتيجة الانتخابات. وفي حديثه خارج مكتب رئاسة الوزراء الكائن في 10 شارع داونينغ، خاطب السيد سوناك الأمة قائلا: "أنا آسف"، مضيفا: "لقد سمعت غضبكم، وخيبة أملكم، وأنا أتحمل المسؤولية".

ومع حصولهم على عدد قليل جدا من المقاعد، ومع استمرار الانقسامات العميقة داخل صفوفهم بشأن رؤيتهم المستقبلية، فسوف يناضل المحافظون من أجل تشكيل تحد خطير لأجندة اليسار المتطرف التي من المرجح أن يجري اتباعها في ظل حكومة ستارمر.

*الاندبندنت


07/07/2024