×

  مرصد مكافحة الارهاب

  سياسة تركيا في ترحيل الإرهابيين الأجانب وتداعياتها على دول الجوار



*د. فالح الحمراني

إن النهج المتسارع الذي تتبعه تركيا في ترحيل الإرهابيين المتشددين المتطرفين، وأحيانا دون التنسيق مع دولهم أو إخطار مسبق للدول المضيفة، يخلق مخاوف أمنية للعديد من البلدان. وفي معظم الحالات، لا تكشف تركيا عن المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها عن هؤلاء الأفراد أو الأسباب التي تم تصنيفهم بسببها على أنهم مقاتلين إرهابيين أجانب. وبدلا من ذلك، يتم تصنيفهم كمهاجرين غير شرعيين دخلوا تركيا بشكل غير قانوني أو تجاوزوا مدة تأشيرات الزيارة كأساس للترحيل إلى بلدانهم الأصلية.

تُستخدم قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب في بعض الأحيان كورقة مساومة لكسب النفوذ السياسي على حكومة أردوغان. وغالباً ما يستخدم هذا التكتيك لانتزاع تنازلات من شركاء تركيا وحلفائها بشأن قضايا غير ذات صلة، واستغلال قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب لتحقيق مكاسب دبلوماسية أو سياسية.

وسمحت تركيا للمقاتلين الإرهابيين الأجانب بالسفر إلى البلدان التي يختارونها أو إلى البلدان التي لديهم جنسية أو تصاريح إقامة، بدلاً من محاكمتهم ومحاسبتهم على الجرائم الماضية التي يشتبه بتورطهم بها. وبموجب سياسة وافق عليها الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2018، تم تكليف مديرية إدارة الهجرة، وهي جزء من وزارة الداخلية، بطرد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من الأراضي التركية إما بالقوة أو برضاهم.

وقد ساهمت السياسات التي لا تزال الحكومة التركية تطبقها حتى اليوم في نزوح آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب من تركيا، وخاصة إلى سوريا والعراق.

 وقد أتاح لهم ذلك بالالتحاق بالجهاديين في المنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب الجماعات التابعة لهم والجماعات المنشقة.

ورغم أن الحكومة التركية لم تعلن بصراحة عن تفاصيل سياستها الخاصة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، فقد ظهرت مؤخرا الكثير من الأدلة التي توضح كيفية تطبق أنقرة عمليا هذه السياسة.

 في البداية تصنف السلطات التركية هذا الشخص على أنه مقاتل إرهابي أجنبي، في المقام الأول استنادا إلى تقارير استخباراتية سرية.

إذا لم يرتكب الشخص أي جرائم في تركيا أو يواجه أي عقوبات إدارية أو مالية أو قضائية، فسيُحتجز في مراكز الإعادة إلى الوطن أو الترحيل باللغة التركي التي يديرها موظفون مدنيون في وكالة الهجرة.

 ويحتجز هذا الشخص مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يخضعون أيضا لإجراءات الترحيل. ولا تتولي أجهزة إنفاذ القانون وحراستهم؛ وبدلاً من ذلك، يضمن امنهم عدد من الحراس الذين تستأجرهم شركات الأمن الخاصة التي لديها عقود مع وكالة الهجرة.

 لا يتمتع الحراس ولا المسؤولون المدنيون وموظفو وكالة الهجرة بالخبرة في التعامل مع المقاتلين المتمرسين في الأعمال القتالية والإرهابية.

 وبمجرد الانتهاء من جميع الإجراءات والاستعدادات، يجري إرسال المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى الحدود لترحيلهم. وفي بعض الحالات، تقوم السلطات التركية ببساطة بإخراجهم من تركيا إلى البلدان المجاورة، ولا سيما سوريا والعراق وإيران واليونان، دون إخطار هذه البلدان.

 وفي إحدى الحالات التي نادرا ما تم الكشف عنها التي وقعت في نوفمبر 2019، قامت تركيا بترحيل مواطن أمريكي مصنف على أنه مقاتل إرهابي أجنبي إلى اليونان.

ولكن السلطات اليونانية رفضت السماح له بدخول اراضيها، وتركته في المنطقة العازلة، عند معبر بازاركول-كاستانيس الحدودي بين تركيا واليونان. وتفيد التقارير أن هذا الشخص الأمريكي من أصول اردنيه، الذي تم الكشف عن اسمه بانه محمد درويش ب. (39 عامًا)، هو عضو في تنظيم داعش.

 وقامت وكالة الهجرة بترحيله من تركيا إلى اليونان بعد أن قال إنه يريد الذهاب إلى اليونان بدلاً من الولايات المتحدة أو الأردن. وعندما طُلب من الرئيس التركي التعليق على هذه الحالة حيث كان المبعد ما يزال في المنطقة العازلة، قال أردوغان في 12 نوفمبر 2019: "سواء كانوا [المقاتلين الإرهابيين الأجانب] عالقين على الحدود أم لا، لم نعد قلقين للغاية بشأنهم. وسوف نستمر بإبعادهم.

وسواء جرى قبول ذلك أم لا فهذا لا يعنينا". وحذر حلفاء تركيا الغربيين قائلا: "ستفتح الأبواب، وسيأتي إليكم عناصر داعش، فلا تحاولوا إثارة مخاوفنا".

وأضاف أن تركيا لديها خطط إضافية لتنفيذها عندما يحين الوقت. وفي نهاية المطاف، تم نقل محمد درويش ب. جواً إلى الولايات المتحدة عن طريق تركيا بعد أن أمضى خمسة أيام في المنطقة العازلة.

ويُعد المقاتلون الإرهابيون الأجانب من كبار مثيري المشاكل أثناء الاحتجاز الإداري في مراكز الترحيل التابعة لوكالة الهجرة، وغالبا ما ينخرطون في شجار عنيف مع المهاجرين الآخرين، مما يثير أعمال شغب، وإتلاف الممتلكات، واشتباكات مع الشرطة، وفي بعض الحالات الهروب من مرافق غير مجهزة للتعامل مع الأفراد العدوانيين. وتخفي السلطات التركية معظم هذه الحوادث عن الرأي العام خشية من ردود فعل السكان الأتراك السلبية.

لقد غدت هذه القضية مصدر قلق كبير لوكالات إنفاذ القانون، مما دفعها إلى وضع دليل تعليمات وإرشادات لإدارة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في مراكز الترحيل.

 ويوفر الدليل التعليمات والإرشادات حول مكافحة الاتجار بالأشخاص والمهاجرين، الذي أصدرته القيادة العامة لقوات الدرك في عام 2022 التصور للوضع المتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب. وتنص التعليمات بوضوح على حجز المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين تم التعرف عليهم من خلال تقارير المخابرات وإنفاذ القانون في مراكز الترحيل إلى جانب المهاجرين غير الشرعيين.

ويوثق الدليل حالات قيام المقاتلين الإرهابيين الأجانب بإحداث اضطرابات في هذه المراكز، وفي بعض الحالات، محاولتهم الهروب. ويوفر الدليل أيضا إرشادات حول كيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث. وفي إحدى الحالات الموثقة في الدليل، هرب مقاتل إرهابي أجنبي من كازاخستان كان محتجزًا في كيركالي أثناء زيارة للمستشفى في 12 ديسمبر 2019. وحدث الهروب بينما كان الرجل برفقة حارس أمن خاص يعمل لدى وكالة الهجرة.

 ولم يطلب المقاول الخاص دعما إضافيا من قوات الدرك أو الشرطة أثناء النقل من مركز الاحتجاز إلى المستشفى. وتمكن الإرهابي المحتجز من الهرب بالقفز من نافذة الحمام بينما كان الحارس ينتظره في الخارج في الردهة. ولا يزال مطلوبا.

 وفي حادثة أخرى مفصلة في الدليل، دخل مقاتل إرهابي أجنبي من سوريا المركز مع مهاجرين أفغان غير شرعيين في تشوروم جي جي إم في شجار في 7 أكتوبر 2019، اندلع بسبب نزاع حول الموسيقى الصاخبة. وسرعان ما تصاعدت المناوشات وتحولت إلى حالة من الفوضى في مركز إعادة التوطين، حيث هاجم السكان الحراس ونهبوا الممتلكات. وأصيب العديد من الأشخاص، مما تطلب تدخل القوات الخاصة لاستعادة النظام ومنع المزيد من الهروب. وتوصي قيادة وزارة الداخلية في هذا الصدد بتسريع إجراءات ترحيل المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتؤكد على ضرورة فصلهم عن غيرهم من المهاجرين في مراكز الترحيل من أجل منع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

وفي قضية تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي التركية في كانون الثاني 2024 وغطتها العديد من وسائل الإعلام لاحقًا في أيار، تم ترحيل مقاتل إرهابي أجنبي يُدعى سامر إلبو (31 عامًا) إلى سوريا بعد أن أعرب عن رغبته في الذهاب إلى هناك.

 وبحسب بيان صادر عن مكتب وكالة الهجرة في مقاطعة بورصة، وافق إلبو، الذي تم تحديده على أنه مقاتل إرهابي أجنبي، على إرساله إلى سوريا. وفي 12 آب 2021، طلبت وكالة الهجرة من السلطات عند نقطة سيلفيجيزو الحدودية في مقاطعة هاتاي، بالقرب من الحدود التركية / السورية، تنفيذ إجراءات ترحيل إلبو. وقالت الوكالة إنه لم يتم فرض أي عقوبات إدارية أو قضائية أو مالية على إلبو، كما أنه لا توجد أي عوائق أمام ترحيله إلى سوريا. ولم يعرف العدد الإجمالي للمقاتلين الإرهابيين الأجانب مثل إلبو ومحمد درويش ب. الذين طردوا من تركيا.

 ولم تقدم الحكومة بيانات محدثة عن عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب المطرودين من تركيا أو أولئك الذين ما زالوا محتجزين في مرافق وكالة الهجرة. لكن بعض الأرقام التي سبق أن ذكرها المسؤولون الأتراك تعطي فكرة عن حجم البرنامج.

وفقا لبيان وزارة الداخلية بتاريخ 2 آب 2022، تم ترحيل ما مجموعه 9000 إرهابي إرهابي من 102 جنسية مختلفة منذ عام 2011. وكان من بينهم 59 مواطناً أمريكياً و1109 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ووفقا لتقرير صادر عن وكالة أنباء الأناضول الحكومية في نوفمبر 2019، كان هناك 948 لاجئا في مراكز إعادة التوطين في ذلك الوقت: 296 عراقياً، يليهم 273 سورياً، 99 روسياً، 82 أوزبكياُ، 29 أذربيجانياً، 23 قرغيزستان، 21 طاجيكياً، 13 مصرياً. 11 أفغانياً، و10 تونسيين، وتسعة ألمان، وأربعة أوكرانيين، ومواطني أستراليا وهولندا، ثلاثة أشخاص لكل منهم، والفرنسيون والنمساويون والأمريكيون، شخصان لكل منهم.

 في 14 يونيو 2024، قدم وزير الداخلية علي يرليكايا بيانات إجمالية عن عدد المهاجرين الذين غادروا تركيا خلال العام الماضي. وبحسب الوزير، قامت وكالة الهجرة بترحيل 141187 مهاجرا، فيما غادر 401325 مهاجرا تركيا طوعا إلى دول أخرى.

 ومن بينهم 103045 سورياً. ولم يحدد عدد هؤلاء المهاجرين الذين تم تصنيفهم على أنهم مقاتلون إرهابيون أجانب، لكنه يقدر أن العدد قد يكون بالآلاف أو أكثر. وأفاد سلف يرليكاي، وزير الداخلية السابق سليمان صويلو، في شباط 2023 أن الحكومة أعادت 1126 مقاتلاً من داعش من أصل أوروبي إلى وطنهم على مدى السنوات الخمس الماضية.

اعتمدت على تقارير معهد الشرق الأوسط


10/07/2024