شارك نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح (السبت، 3 آب 2024) في مراسم أقامتها في أربيل جامعة كوردستان – أربيل ومكتب تحرير المختطفين الإيزديين، في الذكرى العاشرة للإبادة العرقية للإيزديين.
وخلال المراسم التي حضرها السادة ممثل فخامة رئيس جمهورية العراق، وممثل دولة رئيس وزراء إقليم كوردستان، وقوباد طالباني نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان، وأمير الإيزديين وباباشيخ ورئيس مجلس قضاء إقليم كوردستان، وعدد من المسؤولين الحكوميين والحزبيين في العراق وإقليم كوردستان والدبلوماسيين والعديد من طبقات وشرائح المجتمع الإيزدي والضيوف، ألقى فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة، هذا نصها:
السيد أمير الإيزديين، الأمير حازم تحسين بك
السيد باباشيخ،
الأخوات والإخوة الإيزديون الأحبة،
الحضور الكريم..
صباح الخير..
أهلاً بكم وسهلاً في مراسم الذكرى العاشرة المؤلمة للإبادة العرقية للإيزديين، التي هي ذكرى واحدة من أشد جرائم التاريخ وحشية، والتي لا تزال جراحها تنزف رغم مرور عشر سنوات، ولا يزال مواطنونا الإيزديون يعانون من تداعياتها وآثارها. إنها ذكرى جريمة خطيرة أخرى أضيفت إلى جرائم القصف الكيمياوي والأنفال والترحيل والوأد والتدمير، وكل الجرائم التي اقترفت بحق شعب وأرض كوردستان.
استشهاد أكثر من خمسة آلاف بينهم مئات تم رميهم بالرصاص ودفنوا في نحو مائة مقبرة جماعية، وخطف أكثر من 6417 (ستة آلاف وأربعمائة وسبع عشرة) فتاة وسيدة وطفل إيزدي، وسبيهم والاتجار بهم في أسواق النخاسة، لايزال مصير 2596 (ألفين وخمسمائة وستة وتسعين) منهم مجهولاً للأسف، وتدمير سنجار وأطرافها، وتشريد مئات الآلاف من أهالي سنجار والمنطقة، كل هذه الآلام والعَبَرات لن تنسى في عشر سنوات، بل لن تنسى أبد الدهر!
كانت الإبادة العرقية للإيزديين في عصر الحداثة والتطور صدمة كبرى لا تصدق، هزت الإنسانية كلها في العالم أجمع. فباتت نقطة تحول في تاريخ كوردستان والعراق، كان يجدر الوقوف عليها بجدية أكبر، وأن يعمل المجتمع الدولي معاً لعدم تكرار تلك الجريمة أبداً في أي مكان آخر. مع تكريس كل الجهود لينال المجرمون عقابهم، وتتحقق العدالة للضحايا، ويجري تعويض الضحايا بكل الطرق! في هذه الذكرى نحيّي ذكرى الضحايا بكل إكرام. وننحني في حضرة أرواحهم الطاهرة. فهؤلاء سيظلون للأبد في ذاكرة كل كوردستاني وكل إنسان ذي وجدان.
تحية وتقديراً للعوائل الجريحة ذوات الضحايا. نشعر بآلامهم وجراحهم عن قرب وبعمق. مطلعون ونعلم كيف يمضون أيامهم ولياليهم تغمرهم الحسرات والآهات والأحزان. متعاطفون معهم ونشاركهم أحزانهم ونساندهم دائماً.
أيتها السيدات والسادة،
إن الانبعاث بعد الإبادة العرقية، واستئناف الحياة، وإعادة خلق الأمل في المستقبل للإيزديين في ظل ظروف وأيام وجغرافيا كهذه، أمر ليس بالسهل بل هو غاية في الصعوبة، إلا أن صمودهم وإرادتهم الحياة والاستمرار، تجعل الإيزديين وكما واجهوا فرمانات الإبادة والمحو في الماضي، ينهضون هذه المرة من تحت رماد وفواجع تلك الإبادة العرقية، ليقفوا على أقدامهم ويبدأوا من جديد.
ما تحقق على المستوى الدولي من إقرار بالإبادة العرقية للإيزديين، ومساعدات دولية، وما جرى تقديمه في إقليم كوردستان وفي العراق لخدمة الإيزديين، من صدور قانون (الناجيات الإيزديات والمكونات الأخرى من مسيحيين وتركمان وشبك) وتخصيص معونات شهرية من جانب الحكومة الاتحادية العراقية، والدعم من جانب حكومة إقليم كوردستان لمساعدة النازحين الإيزديين على العودة إلى سنجار، والعديد من الخطوات الأخرى لمساعدتهم، هي محل احترام وتقدير وثناء، لكن المؤكد هو أن أياً من هذا لا يكفي، ولا يزال هناك الكثير الذي يجب تقديمه للشعب الإيزدي الحبيب. التخفيف من تداعيات الإبادة العرقية، واجب ومسؤولية مشتركة تقع علينا جميعاً في العراق وإقليم كوردستان، بل وعلى المجتمع الدولي أيضاً. معالجة الآثار النفسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والبيئية للإبادة العرقية، عبء ثقيل يطول به الأمد ويحتاج إلى تخصصات ولوازم كثيرة. وليس أمامنا جميعاً طريق غير مواصلة إنجاز هذه المهمة والسعي لإنجاحها، وعلينا أن نفعل ذلك. يجب الكشف عن مصائر المفقودين، وأن نحرر ذويهم من آلام الانتظار المستمرة.
لهذا، نُطمئن الأخوات والإخوة الإيزديين كافة إلى أنه طالما بقي مختطف واحد، سيستمر عمل فرق المكتب لتحرير المختطفين الإيزديين. هناك الآلاف من الضحايا الذين يحتاجون إلى علاج نفسي ورعاية خاصة طويلة الأمد، ويجب ضمان ذلك ومساعدتهم في العودة إلى الحياة الطبيعية. إن سنجار وأطرافها بحاجة إلى إعادة إعمار وخدمات وألى ضمان الأمان والاستقرار. لهذا ينبغي أن تتعاون الحكومة الاتحادية العراقية مع حكومة إقليم كوردستان لتنفيذ اتفاقية سنجار وتطبيع أوضاعها.
يجب أن تكون خدمة أهالي سنجار والمكون الإيزدي، أولوية عملنا جميعاً. يجب أن نعمل كلنا معاً لكي لا تكون سنجار والإيزديون أسرى لأجندات حزبية وسياسية ورهينة لمعادلات وقوى إقليمية. يجب أن يتولى السنجاريون إدارة شؤونهم بأنفسهم، ولا يبقوا أسرى لقوى من خارج الحدود. لهذا يجب أن يرحل PKK وكل قوة غير قانونية من سنجار، ليتمكن الجميع معاً من إعادة الأمن والحياة والعمران والأمل إلى سنجار. الوجود الفعال للمؤسسات وتطبيق الدستور، في عراق تعددي دينياً وعرقياً، يضمن حماية كل المكونات وحقوقهم وحاضرهم ومستقبلهم. إن هذا هو المفتاح لأمان واستقرار وتقدم البلد، ولهذا يجب أن نعمل كلنا معاً على تطبيق الدستور العراقي الدائم.
الحضور الكريم..
الإيزدية، هي ديانة محبة للحياة ومحبة للإنسانية وقبول للآخر، ليس لها أي مشاكل مع أي ديانة أو عقيدة أخرى. الإيزديون بطبيعتهم أناس يحبون العيش في هناء وسلام مع المحيطين بهم، لهذا فإنهم مجتمع محب جداً للسلم والأمان والاستقرار. مخلصون وإنسانيون تجاه الوطن والشعب والجيران. لهذا فإن الإيزديين أساس مهم من أسس التراث التعددي الثري، والتعايش، والتسامح، ضمن المجتمع الكوردستاني والعراقي.
من خلال الإبادة العرقية للإيزديين، أراد داعش زرع العداء والتفكك والخلاف بين مكونات المجتمع وتخريب تراثنا في التعايش. ومن المؤسف أن الإيزديين في سنجار ومناطق أخرى استيقظوا ذات يوم ليجدوا جيرانهم وأشابينهم من سنين عدة، قد اكتسوا بزي وفكر داعش الأسوَدَيْن ولا يرقُبون فيهم إلاً ولا ذمة. إن هذا حقاً مبعث ألم عميق ووجع شديد للغاية. لهذا فإن شعبنا الإيزدي، الآن وبعد مرور عشر سنوات على الإبادة العرقية وفواجعها، يحتاجون أكثر من أي شيء إلى إعادة خلق وبناء الثقة. ومن واجبنا جميعاً، أن نقدم كل ما يلزم ومن الأوجه كافة، لنُطَمئن الإيزديين ونبعث فيهم الثقة والأمل في مستقبل مشرق ينعمون فيه بالحماية. علينا أن نجد طريقةً تُحوّل ما تعرضوا له إلى سبب لحمايتهم الدائمة والحؤول دون تعرضهم أبداً لأيام سُودٍ كذلك اليوم. إضافة إلى كل الواجبات التي تقع على عاتق الحكومة والأطراف السياسية والمعنيين، من أجل خدمة الإيزديين، أود الإشارة إلى الدور المهم الذي تستطيع أن تضطلع به الجامعات. فمن الأهمية بمكان أن تخصص مؤسساتنا الأكاديمية دراسات علمية وأطروحات أكاديمية بمختلف اللغات، لدراسة الإيزديين وكيفية تمكنهم من الحفاظ على دينهم وتراثهم وتقاليدهم ولغتهم.
لهذا، أدعو جامعاتنا إلى تخصيص قسم من أطروحات الماجستير والدكتوراه للبحث في مسألة الإيزديين، وتناول جميع مناحي حياتهم. فبهذا سيتم تأمين منصة للإيزديين يعبرون فيها ويدافعون عن قضيتهم، ويحافظون على أصالتهم وتراثهم، وسيشكل هذا مرجعاً ومصدراً وثائقياً من الوثائق والمصادر العالمية.
ختاماً، نستذكر بمنتهى التقدير والعرفان البيشمركة الأبطال الذين كانوا تحت قيادة فخامة الرئيس مسعود بارزاني في عملية تحرير سنجار وضحّوا بأرواحهم خلالها. سلاماً لأرواحهم الطاهرة وطاب ذكرهم للأبد. تحية لعوائلهم وذويهم الشامخين. شكراً للتحالف الدولي الذي ساعد العراق وإقليم كوردستان في هزيمة داعش. وكما هزمنا داعش معاً، نستطيع من خلال التعاون المشترك في جميع المجالات أن نقضي على الفكر الظلامي للإرهاب والتطرف والعنف. ولهذا الغرض علينا أن نواصل العمل والسعي، لأننا نرى أن داعش لا يزال يشكل خطراً حقيقياً يهدد أمان واستقرار العراق والمنطقة. أثني على جامعة كوردستان – أربيل، ومكتب تحرير المختطفين الإيزديين على تنظيم هذه المراسم.
وبهذه المناسبة، أثني باسمي وباسمكم، وبحرارة على مسؤولي وفرق مكتب تحرير المختطفين. إن تحرير وإعادة 3579 (ثلاثة آلاف وخمسمائة وتسعة وسبعين) مختطفاً عمل جبار يستحق الثناء والتقدير الكبيرين، لذا أرجو لهم الموفقية والنجاح. واُطمئن الأخوات والإخوة الإيزديين إلى أننا سنكون دائماً سنداً لهم وسندافع عن حقوقهم. وسنواصل جهودنا لتحويل سنجار إلى محافظة وإعادة إعمارها. وسنعمل على أن تكون مشاركة وتمثيل الإيزديين وكل المكونات سياسياً وإدارياً في مؤسسات إقليم كوردستان والعراق مصانة وكما يجب. وسنستمر لكي تُعرف الإبادة العرقية للإيزديين على نطاق أوسع عالمياً ويتم تعويضهم.
أشد على أيدي جميع الذين يحيون هذه الذكرى الحزينة اليوم في أي مكان. الشكر والتقدير لجميع الذين وقفوا منذ اللحظات الأولى للإبادة العرقية إلى جانب الأخوات والإخوة الإيزديين وأهالي سنجار، وأخص منهم أهالي دهوك وبادينان المخلصين المضيافين عامة، الذين فتحوا أحضانهم بكل شكل لتلقي منكوبي سنجار. إن إنسانيتهم وكرمهم لن يُنسيا أبداً.
في الأخير، تحية للذكرى والروح الطاهرة للواء الطيار العراقي (ماجد عبدالسلام التميمي) الذي استشهد وفارق الحياة وهو يساعد منكوبي سنجار. نحيي روحه الطاهرة، ونوجه من هنا مرة أخرى تحياتنا وتقديرنا ومحبتنا لعائلته.
أهلاً ومرحباً بكم مرة أخرى..
شكراً جزيلاً..