*د. أحمد عدنان الميالي
*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
ستجرى في اقليم كردستان العراق يوم ٢٠/١٠/٢٠٢٤ الدورة السادسة لانتخابات برلمان الاقليم الذي تعطل اجراءها منذ اكثر من سنتين بسبب خلافات حزبية بين اليكتي والبارتي حول قانون الانتخابات.
اجراء هذه الانتخابات سيقوي موقف الاقليم ازاء بغداد، في خطوة تؤشر استعادة صلاحياته التشريعية التي ستقوي موقفه في مواجهة بغداد ووضع حواجز لتدخل المحكمة الاتحادية التي اصدرت عدداً من القرارات المصيرية بشأن اقليم كردستان، ومنها النظام الانتخابي المتبع في هذه الانتخابات، بسبب عدم وجود برلمان شرعي منتخب نتيجة خلافات وصراعات سياسية وحزبية داخل الاقليم، ولهذا ستكون انتخابات ٢٠ أكتوبر/ تشرين الاول المقبل بمثابة الطريق لعودة إقليم كردستان إلى الحياة البرلمانية واستعادة حق التشريع مرة أخرى، كما ان اجراءها سيؤدي إلى إعادة ترتيب الوضع السياسي في الإقليم بعد التغيرات التي حصلت خلال السنوات الماضية، نتيجة الخلافات السياسية بين الحزبين التقليديين من جهة، وبروز قوى سياسية معارضة في الاقليم من جهة اخرى.
اذ ان تعطيل اجراء هذه الانتخابات عمل على دخول الاقليم في فراغ قانوني إثر قرار صادر من المحكمة الاتحادية ببُطلان قانون تمديد عمل برلمان كردستان الذي اصدره البرلمان المنتهية ولايته نفسه في تشرين الاول ٢٠٢٢، وصدر هذا القرار من المحكمة الاتحادية في آيار ٢٠٢٣، وتبعه قرار آخر صدر في ايلول ٢٠٢٣ بعدم قانونية تمديد ولاية مجالس محافظات الإقليم التي انتهت مدتها عام ٢٠١٩.
وأدى كل ذلك إلى غياب المؤسسات الرقابية والتشريعية للاقليم، وحتى السلطة التنفيذية المتمثلة برئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الاقليم باتت هدفاً لدعاوى قانونية تُطالِب بحلها سواء من بغداد او من احزاب كردية معارضة؛ نظراً لفقدانها الشرعية البرلمانية.
ان فقدان هذه الشرعية دفعت بغداد الى اخضاع اشراف اجراء هذه الانتخابات المرتقبة، للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية؛ بسبب دخول مفوضية الانتخابات الكردية في فراغ قانوني.
وبحسب قرار المحكمة الاتحادية العليا فإن الدوائر الانتخابية اصبحت اربعة وزعت على محافظات الاقليم الاربعة: دهوك ٢٤ مقعد، اربيل ٣٢ مقعد، السليمانية ٣٦ مقعد وحليچة ٣ مقاعد.
اما خلال الدورات الخمس السابقة فقد أجرى الإقليم انتخاباته وفق نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، ومن المتوقع أن يسهم هذا التقسيم في إعادة توازن القوى بين الاحزاب الكردية كما انه سيعمل على توازن التمثيل النيابي بين المحافظات ومنع مزاحمة ممثلي محافظة على أخرى نتيجة كثافة الاقتراع أو تراجعه في المحافظات الاخرى جراء عدم المشاركة، كما انه سيقلل من فرضيات الاتهام الموجهة للانتخابات بالتلاعب او التزوير او التأثير على رأي الناخبين، لان التقسيم شبه محسوم مناطقياً، ما يؤشر امكانية قراءة النتائج الانتخابية من الان.
ووفقاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا تم تقليص عدد مقاعد الأقليات من ١١ إلى ٥ مقاعد، وُزِّعَت على ثلاثة دوائر بواقع مَقعدين لكلّ من محافظتي أربيل والسليمانية، ومقعد واحد في دهوك، ضمن آلية غير مسبوقة لتوزيع ممثلي الأقليات المشتتة سياسياً وإثنياً ودينيا، ومن الناحية العملية سيؤدي التقسيم الجديد إلى توزيع مقاعد كوتا الاقليات في الاقليم على نفوذ وسلطة اليكتي والبارتي المتحكمين بمفاصل المحافظات الاربعة، بعد أن كان تمثيل الأقليات حكراً على البارتي بسبب تمركز نواب تلك الاقليات في دهوك وأربيل الخاضعتين لنفوذه. ان طبيعة هذه التغييرات في النظام الانتخابي في الاقليم ستضر بشكل واضح بحزب البارتي الذي رفضها اولا واعتبرها محاولة اضفاء الشرعية على انتخابات غير دستورية وغير ديمقراطية، الا انه وافق على المشاركة فيها بعد التوصل إلى بعض التوافقات مع بغداد، ولكي لا يسمح بإنفراد خصومه بالقرار السياسي.
ستشهد هذه الانتخابات مشاركة ١٣٥ قائمة وكيان وتحالف ومرشحاً فردياً في الدوائر الانتخابية الأربع، للتنافس على ١٠٠ مقعد في البرلمان الكردستاني بعد ان كان ١١١ مقعداً، وتتوزع هذه الكيانات والأفراد على تحالفَين، و١٣ حزب، بالإضافة إلى ١٢٠ مرشحاً فردياً، حيث وصل العدد الإجمالي للمرشحين ١١٩٠ مرشح.
وابرز هذه الاحزاب والكيانات المشاركة:
1- الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي):
من المتوقع أن يتراجع عدد مقاعد الحزب التي كانت ٤٥ مقعداً سابقاً، بسبب إعادة توزيع الدوائر الانتخابية وتقليص كوتا الاقليات وتوزيع دوائرها الانتخابية بالإضافة إلى تراجع نفوذه بشكل عام، خاصة بعد خسارة حصوله على منصب المحافظ في نينوى وكركوك بعد خسارته عدداً من مقاعده في الانتخابات المحلية الأخيرة، مما اضعف تأثيره في تشكيل الحكومة المحلية للمحافظتين وحسمت هذه المحافظات لغريمه ومنافسه الاتحاد الوطني الكردستاني بعدما تحالف مع الإطار التنسيقي، هذا التراجع قد يعمل على إجبار الحزب على التخلي اما عن رئاسة الاقليم او رئاسة الحكومة لصالح اليكتي وحتى رئاسة البرلمان قد تذهب لقوى ثالثة معارضة او يحسمها البارتي؛ اذا ما تحالف مع اليكتي مع صعوبة حصول ذلك.
2- الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي):
رغم أن هذا الحزب يعاني من الانشقاقات والانقسامات منذ سنوات، وآخرها انشقاق (جبهة الشعب) بقيادة الرئيس المشترك السابق للحزب لاهور شيخ جنكي طالباني، الذي أطاح به ابن عمه بافل طالباني في عام ٢٠٢١، الا ان حظوظه لا زالت قائمة في ان يحافظ على اعلى المقاعد في السليمانية وحلبچة في هذه الانتخابات.
3- حركة التغيير (كوران):
كانت هذه الحركة المعارضة القوة السياسية الثالثة في الإقليم، ونافست القوتين الرئيستين بعد عام ٢٠٠٩، لكنها تعاني الآن من التراجع الشعبي بعد وفاة مؤسسها نوشيروان مصطفى عام ٢٠١٧، وتعاني الحركة من الاشكاليات التنظيمية والانشقاقات الداخلية، بالإضافة إلى ظهور قوائم منافسة تحمل توجهات مشابهة وتسعى لان تكون بديلا عنها في المعارضة خاصة بعد مشاركتها في الحكم المحلي للاقليم.
4- حركة الجيل الجديد:
هي القوة المعارضة الرابعة في البنية السياسية لاقليم كردستان، من المرجح ان تكون القوة الثالثة في الانتخابات القادمة رغم ان فرص ذلك غير مؤكدة بعد انشقاق جبهة الشعب من اليكتي، لكن قوة تنظيمها وقدراتها المدنية والاعلامية واستقطابها لفئة الشباب بعد تأسيسها عام ٢٠١٧، يجعلها كتلة معارضة واعدة تعتمد في قوتها وحضورها على اخفاقات الاحزاب التقليدية لتعمل كقوة تحفيزية معارضة، فصلا عن ان زعيمها شاسوار عبد الواحد لديه قدرات مالية واستثمارية قوية.
5- جبهة الشعب:
يتزعمها لاهور شيخ جنكي بعد انشقاقه من اليكتي وتطرح نفسها كجبهة بديلة عن الحزبين التقليديين، إلا أن مركزها وأنظارها تتجه صوب محافظة السليمانية كقاعدة انتخابية مع السعي لتحقيق تمثيل نيابي في أربيل ودهوك، ولذلك فهي ستتحالف بالغالب مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد الانتخابات. وتتألف هذه القائمة من القاعدة الشعبية المعارضة للاتحاد الوطني، وقد بدأت حملة انتخابية مبكرة، ما قد يؤهلها إلى تصدر مشهد القوى المعارضة في خلال المرحلة المقبلة بشكل يفوق حركتي التغيير والجيل الجديد.
6- جبهة الموقف:
تضم هذه الجبهة شخصيات سياسية تتبنى مسار المعارضة، بعد ان حقق زعيمها علي حمة صالح تواجد إعلامي بارز استطاع اثبات وجوده خلال الدورتين السابقتين؛ لكنها لن تحقق اكثر من ثلاثة مقاعد كونها تفتقر إلى خطاب ورؤية سياسية قوية؛ فضلا عن ضعف تمويلها المالي، وتعتمد بشكل واضح على اداء رئيسها في البرلمان والاعلام من خلال طروحاته الناقدة للسلطة.
7- الاتحاد الاسلامي الكردستاني:
احد اذرع الاخوان المسلمين، لم يحقق تقدم ملموس في الانتخابات القادمة لتراجع شعبيته دولياً واقليمياً فضلا عن اقليم كردستان، لكنه سيستثمر المساجد والمنظمات الخيرية في عمله السياسي والحزبي والانتخابي للحفاظ على وجوده، ومن المتوقع حصوله على مقعدين.
8- الجماعة الاسلامية:
المعروفة بجماعة العدل الاسلامية، وتمتلك قواعد انتخابية في دهوك وحلبچة وبعض المناطق الريفية، ولن تحقق اكثر من مقعد واحد او مقعدين، بسبب ضعف تأثيرها السياسي.
9- الحركة الاسلامية:
من الاحزاب القديمة لكنها تعرضت لانشقاقات ومن المستبعد ان تحصل على مقعد نيابي؛ او قد تحصل على مقعد واحد، بسبب ضعف قاعدتها الانتخابية في ظل نظام تعدد الدوائر الحالي، وستركز على حلبچة التي تعد معقلها الرئيسي.
10- الاحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية:
دخلت السباق الانتخابي الان بقوائم مستقلة، وتواجه تحديات في النظام الانتخابي الجديد بما يشتت قواعدها الانتخابية ولهذا من المؤكد عدم وصول مرشحيها للبرلمان.
11- المرشحون الفرديون:
وصل عددهم الى ١٢٠ مرشح، اغلبهم ناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يستعبد وصولهم للبرلمان، بسبب شعبويتهم المفرطة، ولتأثر الناخبين بوسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر، وقد يحصلون على ثلاثة او خمسة مقاعد، لكن عدم خبرتهم السياسة قد ترجح حتى في حال وصولهم للبرلمان واندماجهم مع القوى التقليدية.
من خلال هذه الخريطة السياسية والنظام الانتخابي الجديد ودخول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية على خط الاشراف على اجراء هذه الانتخابات، فإن النتائج ستكون متوقعة اذ سيحصل الحزبين الديمقراطي والاتحاد على ٦٠ مقعد، بحدود ٣٥ للديمقراطي و٢٥ للاتحاد، وحصول الاحزاب المعارضة والصغيرة على ثلث المقاعد او اكثر بقليل، مع وجود عنصر المفاجأة من خلال تزايد مقاعد قوى المعارضة بشكل لافت، خاصة اذا زادت نسبة المشاركة للمقاطعين والمترددين، مع ضمان عدم تأثير الاطراف الفاعلة على الناخبين ونتائج التصويت، وهذا مستبعد حقيقة لان الاحزاب التقليدية تمتلك المال والاعلام والسلطة والعلاقات المؤثرة، ويسند ذلك التشتت الذي تعاني منه القوائم المتنافسة والمرشحين الفرديين؛ وضعف القدرة على التنظيم وتجنيد المصالح.
لذلك سيبقى الحزبان الرئيسان في المقدمة مع تفوق البارتي نسبياً، مع بقاء فرص وصول الاحزاب المعارضة والجديدة التي قد تشكل بيضة القبان بين الحزبين اذا لم يتحالفا، وهذا متوقع جدا بسبب اتساع الهوة بينهما وفقدانهما أرضية العمل المشترك بفعل عدة عوامل، بينها الانقسام على محاور خارجية وإقليمية؛ فضلاً عن طبيعة العلاقة مع بغداد، ما يعني ان المشهد السياسي الكردستاني سيزداد تعقيدا وتشكيل الحكومة سيكون صعباً، خاصة مع بروز شخصية لاهور شيخ جنكي كزعيم سياسي متطلع في الاقليم، مع ذلك سيعمل البارتي على تشكيل تحالف ضاغط على اليكتي لتعويض خسارة كركوك واخلال التوازن السياسي لصالحه.
الانتخابات القادمة في اقليم كردستان ستكون مغايرة عن الدورات السابقة بسبب تغيير النظام الانتخابي والتراجع الشعبي للقوى التقليدية، لذلك ستشهد الحياة البرلمانية تنوع المرشحين وتزايد الاحزاب السياسية والكيانات بشكل غير مسبوق في التجربة البرلمانية للاقليم.
ان اهم المتغيرات البارزة في التجربة البرلمانية الكردستانية هو مسألتين:
- خضوع تكنيكات الانتخابات للرقابة الدستورية من قبل المحكمة الاتحادية العليا، بعدما كان هذا الخضوع او حتى التدخل غائباً في الدورات الخمس السابقة؛ ما يحتم على البرلمان القادم التكيف مع الواقع الدستوري والتشريعي الاتحادي، أو خوض صراع علني مع السلطات الاتحادية، وخاصة القضائية، حول صلاحيات الإقليم الذي يمتلك حق إقرار دستور خاص به، وتشكيل محكمة دستورية عليا.
- دخول مسار الصراع الاقليمي في نتائج الانتخابات ومفاوضات تشكيل الحكومة، من خلال التمويل والتأثير من خلال الجهات الموالية والتدخل وخاصة (ايران، تركيا والولايات المتحدة)، كلاً حسب قربه من الاحزاب المتنافسة والمواقف معروفة من حيث التقارب والتدافع السياسي ازاء هذا الطرف او ذلك، وستكون التدخلات هذه المرة سافرة ومباشرة خاصة بعد سيناريو انتخاب محافظ كركوك خارج ارادة طرفين خارجيين، ليكون سياق ضبط الخسائر والتوازن بين القوى السياسية التي يمثل وجودها وفوزها مصالح هذه الاطراف في المعادلة العراقية برمتها.