العربي الجديد-علي أبو مريحيل:في أول تعليق رسمي من الصين على عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إن سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة ثابتة وستواصل التعامل مع العلاقات الصينية الامريكية على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين.
وأضافت في إفادة صحافية، يوم الأربعاء، رداً على سؤال بشأن التأثير المحتمل لنتيجة الانتخابات الرئاسية الامريكية على العلاقات الثنائية، بأن هذا الأمر شأن داخلي للولايات المتحدة.
نحن نحترم اختيار الشعب الامريكي. ورداً على سؤال آخر يتعلق بالرسوم الجمركية الإضافية المحتملة على السلع الصينية، قالت ماو إن هذا سؤال افتراضي لا يستدعي الرد عليه. وعندما سئلت عما إذا كان الجانب الصيني سيرسل رسالة تهنئة لدونالد ترامب، قالت إنه بعد الإعلان رسمياً عن نتائج الانتخابات الامريكية، "سنتعامل مع الأمور ذات الصلة وفقاً للممارسة المعتادة".
من جهتها، ذكرت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية، الناطقة باللغة الإنكليزية، في تعليقها على نتائج الانتخابات: "أولاً وقبل كل شيء، يجب على أي شخص يدخل البيت الأبيض في السنوات الأربع المقبلة أن يضع في اعتباره أن الصين والولايات المتحدة هما القوتان الرئيسيتان وأكبر اقتصادين في العالم، لذلك لديهما أدوار مهمة ومسؤوليات يجب أن تتحملاها".
وأشارت إلى أنه إذا كان الرئيس الجديد قادراً على تعلم الدروس من ولايته السابقة لإدارة العلاقات الصينية الامريكية بشكل أفضل، والحفاظ على التعاون والسعي إلى أرضية مشتركة أكبر لتجنب لعبة محصلتها صفر والمزيد من المواجهة، فلن يكون ذلك بمثابة أخبار جيدة لشعبي الصين والولايات المتحدة فحسب، بل وأيضاً لبقية العالم.
هذا وكانت الموضوعات المتعلقة بالانتخابات الامريكية قد اجتذبت عشرات الملايين من المشاهدات على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية وسط المنافسة الشديدة بين المرشحين.
وعلى الرغم من أن معظم استطلاعات الرأي كانت متقاربة للغاية بين الجمهوري دونالد ترامب ونائبة الرئيس الديمقراطية، كامالا هاريس قبل فرز الأصوات النهائي، فإن الكثير من التقارير في وسائل الإعلام الصينية الرسمية التزمت بالمسائل الهامشية وسلطت الضوء على أجواء التوتر المتزايدة والمخاوف من العنف أو الموضوعات المثيرة للجدل مثل الهجرة ومعدل الجريمة والفوضى التي قد ترافق الإعلان عن النتائج، كما حدث خلال الدورة الانتخابية السابقة. في المقابل، ركزت وسائل إعلام مستقلة على تأثير فوز أحد المرشحين على العلاقات مع الصين ودول الجوار.
معنى عودة ترامب
في رده على سؤال لـ "العربي الجديد" بشأن تأثير عودة ترامب على العلاقات الامريكية الصينية، قال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية، لي جيانغ، إن عودة ترامب كانت متوقعة نظراً لحالة الفوضى التي خلفتها إدارة الرئيس جو بايدن، واضطراب المشهد السياسي الامريكي، وسوء إدارة الأزمات الدولية، ناهيك عن المشاكل الداخلية التي تعكس هشاشة النظام الامريكي، وبالتالي كانت هناك مؤشرات على اقتراب عودة ترامب إلى السلطة.
وأضاف أن الصين كانت حاضرة ومتأهبة لكل السيناريوهات، ومن وجهة نظره، يعتقد بأنه في حال المفاضلة بين ترامب وهاريس، سيكون الأول الخيار المفضل بالنسبة لبكين، لأنها خبرت التعامل معه في أثناء ولايته السابقة، وطوّرت آليات واستراتيجيات للتعامل مع سياساته الخارجية التي انتهجها ضد الصين، وبالتالي لن تستنزف وقتاً وجهداً في اختبار سياسات وألاعيب جديدة، إذ إن سياسة ترامب مكشوفة وواضحة بالنسبة لصناع القرار والقادة الصينيين.
ولفت لي جيانغ، إلى أن وصول ترامب إلى السلطة ربما يخفف من الضغط الامريكي على الصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، على اعتبار أن ترامب يولي أهمية أكبر للملفات الداخلية على حساب القضايا الخارجية، وهذا يعني بأن استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين في حديقتها الخلفية التي عززها الرئيس الامريكي جو بايدن خلال السنوات الماضية، قد تفقد الكثير من الزخم موجب رؤية ترامب الذي يرفع شعار "امريكا أولاً".
وأضاف أن بايدن سعى خلال ولايته إلى الهروب من فشله في إدارة الملفات الداخلية، نحو الانخراط في قضايا دولية مثل الأزمة الأوكرانية وكذلك الحرب على غزة ولبنان، بينما قد يسعى ترامب إلى إنهاء الحرب خلال الأيام المقبلة من أجل التفرغ لمعالجة القضايا الداخلية، وقد يأتي ذلك على حساب الهيمنة الامريكية والرغبة في بسط النفوذ على الساحة الدولية.
عقوبات أكثر وتأثير سياسي أقل
من جهته، أبدى أستاذ الدراسات الاقتصادية في جامعة صن يات سن، قوه جيانغ، اعتقاده في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك أمرا واحدا مؤكدا مع عودة ترامب إلى السلطة، يتمثل في فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. ولفت إلى أن تأثير عودة ترامب إلى السلطة سيقتصر على الجانب الاقتصادي والتبادلات التجارية، بينما لن تكون هناك تأثيرات سياسية كبيرة على العلاقات بين البلدين كما حدث في ولايته السابقة.
واعتبر أن البلدين سيسيران في خطين متوازيين، الأول: تبادل العقوبات والتعامل بالمثل في الإجراءات التي تتعلق بحماية مصالحهما التجارية، وفي الاتجاه الثاني سيكون هناك المزيد من الحرص على عدم الإنزلاق إلى مواجهة مباشرة، من خلال الحفاظ على قنوات اتصال مباشرة يتخللها تبادل للزيارات رفيعة المستوى. وهو ما يعني العمل معاً على ضبط تأثير العقوبات المحتملة على التبادلات السياسية والعسكرية والأمنية بين الجانبين.
بدوره، خالف الباحث الاقتصادي تشي جيانغ، في حديث لـ"العربي الجديد" رأي قوه جيانغ، ورأى أن تأثير أي عقوبات امريكية محتملة على الواردات الصينية لن يكون محدوداً ومضبوطاً، في وقت تُعتبر فيه التجارة الخارجية شريان الحياة بالنسبة للصين التي لا يزال اقتصادها يحاول التعافي بعد سنوات من الكساد الذي تسبب فيه وباء كورونا.
وقال إن سيناريو فرض رسوم إضافية يقلق بكين ويدفعها بكل تأكيد نحو ردود انتقامية، ستؤثر بطبيعة الحال على كافة جوانب العلاقات بين البلدين. ولفت إلى أن الصين كانت قد تعهّدت في وقت سابق على لسان وزير خارجيتها وانغ يي، بالرد على أي تنمر تجاري في شكل رسوم جمركية، وقال وانغ يي، في حينه: "إن هجوم الرسوم الجمركية أظهر أن بعض الناس في الولايات المتحدة ربما فقدوا عقولهم".