×

  کل الاخبار

  سياسة العراق الخارجية.. الحوار دون الانحياز إلى أي طرف



*د.عبد اللطيف جمال رشيد

صحيفة"واشنطن تايمز"الامريكية/ الترجمة: محمد شيخ عثمان

 

 

لقد منح موقع العراق كمفترق طرق للثقافات والاقتصادات، دورا محوريا في المنطقة منذ زمن طويل.

في عالم غالبًا ما ينقسم بسبب المصالح المتنافسة وصراعات القوة، ترسم السياسة الخارجية العراقية مسارا مختلفا متجذرا في الحوار والتعاون والاحترام المتبادل.

 سياستنا هي سياسة تسعى إلى سد الفجوات بدلاً من تعميقها ومعالجة التحديات من خلال التعاون بدلاً من المواجهة.

 لقد كان هذا النهج محوراً رئيسياً لملاحظاتي في المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام في دافوس، حيث دُعيت لشرح رؤيتنا.

لقد كان تاريخ العراق الحديث مليئاً بالتحديات العميقة، فعلى الرغم من وفرة الموارد المادية والبشرية، فقد دمرت الدكتاتورية والحرب والقمع أمتنا.

لقد ترك النظام البعثي والحروب التي أعقبته ندوباً عميقة، فدمر البنية الأساسية، وشلّ الخدمات الأساسية، وأوقف التقدم في مجالات مثل التعليم والصحة وإدارة المياه.

كما أدت العقوبات والعزلة الدولية إلى تفاقم هذه الصعوبات.

لقد أدى سقوط صدام حسين في عام 2003 إلى ظهور مجموعة جديدة من الصراعات: التفتت السياسي والحرب الطائفية وصعود داعش في عام 2014وجلبت هذه المجموعة الإرهابية واحدة من أحلك الفصول في تاريخنا، حيث احتلت مساحات شاسعة من الأراضي، ودنس المواقع التراثية، واستهدفت المدنيين الأبرياء ودمرت المجتمع المدني.

ومع ذلك، من خلال الوحدة والتضحيات الهائلة، هزم العراق هذا التهديد بحلول عام 2017، واستعاد أرضه وأملها.

لاشك ان قِلة من البلدان قد هزمت تهديدا إرهابيا بهذا الحجم، وقد جعل هذا الصراع ليس فقط العراق والمنطقة آمنين مرة أخرى بل والعالم بأسره أيضًا.

ومع ذلك، جاء النصر بتكلفة كبيرة، فقد قُتل عشرات الآلاف من المدنيين، وشُرد الملايين، ودُمرت البنية التحتية، وانقطعت الخدمات واستُنزف اقتصادنا.

لقد كانت السنوات الثماني الماضية بمثابة نقطة تحول، لقد قطع العراق خطوات كبيرة في مجال الأمن والاستقرار والتنمية،ويتم اتخاذ خطوات لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ويتم تحقيق تقدم في توفير الخدمات والزراعة والتعليم وتنويع الدخل وإعادة تأهيل البنية الأساسية.

نحن نعطي الأولوية للاسكان والرعاية الصحية وخلق فرص العمل على الحروب المكلفة والنفقات الباهظة، مع التركيز على التنمية المستدامة ورفاهية مواطنينا.

لقد شجعت التحسينات الأمنية الاستثمار والنمو،وفي مثال واحد فقط، أصبحت الحفاظ على البيئة وتحديث أنظمة المياه والزراعة المستدامة من الأولويات في بلد تعتمد الزراعة فيه بشكل كبير على الأنهار.

وفي الوقت نفسه، نتبنى التحول الرقمي، ونقوم بتحديث بنيتنا التحتية وتعزيز الفرص الاقتصادية لمعالجة وتصحيح قضايا الإهمال الطويلة الأمد.

إن المجتمع الدولي يلعب دورًا محوريًا في هذا التحول، فقد تم استغلال المنطقة لفترة طويلة جدًا،والآن هو الوقت المناسب للشراكة والمنفعة المتبادلة.

 إن دعم هذه المنطقة هو ضرورة أخلاقية واستثمار حكيم في الاستقرار والازدهار العالمي.

تقوم السياسة الخارجية للعراق على الحوار والتعاون، وليس الانقسام، وتعزيز الحوار لا يعني أننا نختار جانبًا؛ بل نختار مسارًا للتغلب على التحديات.

 لقد عملنا بلا كلل لإصلاح العلاقات مع الدول المجاورة ولعب دور بناء في حل النزاعات الإقليمية.

ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة على بعض الجبهات، وخاصة في علاقاتنا مع تركيا، ففي حين أن العلاقات الاقتصادية مع أنقرة قوية، فإننا لا نزال نشعر بالقلق إزاء الإجراءات التي تؤثر على سيادة العراق وموارده، وخاصة المياه، ونحن ملتزمون بحل مثل هذه القضايا من خلال الحوار، معتقدين أن تحقيق المنفعة المتبادلة أمر ممكن.

على الصعيد الدولي، يقف العراق ثابتاً في دعمه للقضية الفلسطينية، ويدين العدوان على المدنيين ويطالب بالعدالة وتقرير المصير،كما ونرحب بوقف إطلاق النار وندعم السلام الدائم، فالعدوان لا يفيد أحداً؛ بل إنه يغذي حلقة لا نهاية لها من الكراهية.

كذلك نعرب عن تضامننا مع سوريا ولبنان، ونأمل أن يسود الحكم الشامل والتعددية والاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة،وقد رأينا بأم أعيننا كيف يكون العيش تحت القمع في ظل نظام استبدادي.

والأهم من ذلك، أن العراق يرفض أن يكون وكيلاً في صراعات القوة الإقليمية أو العالمية.

غالباً ما يوجهون لي سؤالا عن تأثير البلدان الأخرى في شؤون العراق، وأشعر بأنني مضطر لتذكير العالم بأن العراق دولة ذات سيادة ومستقلة،و وليس لأحد ان يخبرنا بما يجب أن نفعله.

وبينما نسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع جميع جيراننا، والبلدان المجاورة، فإننا نفعل ذلك على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل.

إن سياستنا الخارجية تسترشد بمصالح شعبنا ورؤيته للاستقرار الإقليمي، وليس الضغوط أو الطموحات الخارجية.

تتوافق رؤية العراق مع تعهد الرئيس ترامب بأن يكون "صانع سلام" و"ايقاف جميع الحروب".

 نحن نسعى إلى السلام والحوار، وليس الصراع المستمر أو التدخل الخارجي،مثلما نهدف إلى تعزيز التعاون والتعلم من نجاحات الآخرين مع تبادل الدروس المستفادة من تحدياتنا.

لقد كانت رحلة العراق طويلة وصعبة، ولكن عزيمتنا لا تزال راسخة ونحن عازمون على بناء مستقبل أكثر إشراقاً والمساهمة في منطقة مستقرة ومزدهرة، ففي غضون سنوات قليلة من السلام، حقق العراق أكثر مما حققه في عقود من الاضطرابات.

العراق منفتح على الأعمال التجارية والوساطة الدبلوماسية ولعب دور عامل الاستقرار في المنطقة حتى نتمكن جميعاً من التمتع بثمار السلام والعدالة والتنمية المستدامة.

والعراق مستعد للقيادة والمشاركة واحتضان مستقبل يحدده الأمل والتقدم.

• رئيس جمهورية العراق.


06/02/2025