×

  کل الاخبار

  الموصل الحدباء عنوان التنوع العراقي



*سعدي احمد بيرة

 

إن اختيار مدينة الموصل الحدباء الفيحاء لانعقاد الملتقى الثاني للاتحاد الوطني الكردستاني لم يأت من فراغ ، بل كان اختيارا موفقا يدل على مدى أهمية هذه المدينة العريقة ودورها الحضاري في التاريخ .

فالموصل هي عاصمة الحضارات الانسانية ومدينة الأنبياء ومقام الأولياء ، وهي مدينة الفكر والثقافة والفن صدرت للعالم نوابغ فكرية وفنية من أمثال اسحاق الموصلي وزرياب وعثمان الموصلي ومنير وجميل بشير وغيرهم من الأفذاذ الذين أثروا تراث بلدنا بعطاءاتهم ونتاجاتهم الفنية والثقافية .

إذن هي مدينة ظهرت فيها بواكير الحضارات الانسانية إلى جانب ثرائها الفكري والثقافي . حتى اسمها يعني “نقطة الربط والوصل “باعتبارها حلقة الوصل بين الشرق والغرب .

لم تكن هذه المدينة العريقة في يوم من الأيام وحيدة الهوية، بل كانت طوال تاريخها المشرق مدينة متعددة الهويات العرقية والاثنية والدينية والتي تتمثل في جوامعها الشامخة وكنائسها الشاخصة وهنا يكمن سر تألقها وازدهارها كأحد الحواضر الإنسانية الكبرى في التاريخ.

وكانت الموصل ولم تزل مدينة جامعة لكل أطياف النسيج العراقي من العرب والكرد والمسيحيين والتركمان والإيزيديين والشبك والصابئة المندائيين ، يجمعهم حب الانتماء للمدينة واحتضانها لجميع مكونات الشعب العراقي دون تمييز . وهنا يصدق قول الشاعر أبو حزم الموصلي :

وقد اضـحـت لـي الحـدبـاء داراً وأهـل مودتـي يلــوى العـقيــق

أرض يحـن إليـها مــن يفارقهـا ويحمد العيـش فيها مـن يدانيها

ومن هنا ينبغي علينا أن نحافظ على هذه الروحية من الانتماء والتعايش السلمي ونتمسك بها من أجل الدفاع عن هذه التعددية وعن ثقافة التعايش والتسامح بين الموصليين أو الموصلاويين لكي تبقى الموصل مركزا للاشعاع الحضاري وتأبى أن تختزل في ثقافة محددة أو هوية عنصرية أو طائفية معينة .

 قد تكون هذه الهوية الوطنية للموصل وهذا التعايش الأخوي بين مكوناتها والذي استمر طوال عصور التاريخ سببا في استهدافه من قبل الجماعات الإرهابية لتنظيم داعش بغرض إعادة هذه الحاضرة التاريخية إلى عصور الظلام والتخلف . ولكن هبة أبناء المدينة وبالتعاون مع القوات العراقية والبيشمركة تمكنوا من افشال هذا المخطط الخبيث وتحرير المدينة من أيدي هذه القوى الظلامية ، واستعادت الموصل بهائها وجمالها لتبقى إلى الأبد مدينة ( أم الربيعين ) .

نحن اليوم نقف على أرض الموصل الحدباء لنؤكد بأن الاتحاد الوطني الكردستاني ومعه الشعب الكردي في إقليم كردستان سيبقى وسيظل إلى جانب اخوانه في المدينة لأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا ، فمصيرنا واحد ومستقبلنا واحد وتطلعاتنا واحدة وهي اعادة بناء المدينة بجوامعها وكنائسها ومراقدها لتستعيد مجدها الحضاري ولتبقى رمزا شامخا من رموز تحدي القوى الظلامية ومخططاتهم الخبيثة .

لقد جئنا اليوم إلى هنا لنرى دجلة الخير وهو ينساب آمنا مطمئنا يروي الزرع والظمأ كما كان عطائه منذ آلاف السنين ونستعيد معه مناظر ذلك الإشعاع الحضاري الذي انطلق من على ضفافه لتنير البشرية في أرجاء المعمورة .تلك الضفاف قال فيها الجواهري :

يا دجلةَ الخير يا نبْعاً أفارقُهُ

على الكراهةِ بين الحين والحينِ

إنّي وردْتُ عيون الماءِ صافيةً

نبْعاً فنبْعاً، فما كانت لترويني

نأمل أن يكون هذا اللقاء بادرة للعديد من اللقاءات والملتقيات الأخرى ويسهم في تعميق أواصر الأخوة والمحبة بيننا ، ونأمل أن يسهم أيضا في بناء أسس التعاون المشترك لاعادة البناء وتحقيق الأمن والسلام لهذا البلد .

نحن في الاتحاد الوطني نؤمن ونعمل من أجل التواصل مع كل جهد يسعى إلى تدعيم أسس هذا التعايش المنشود بين جميع المكونات ، ومن هذا المنطلق عملنا وسنعمل من أجل الاستمرار في النهج الذي خطه الزعيم الراحل الكبير مام جلال حين شدد طوال مسيرته النضالية على امتداد ستين عاما على الأخوة العربية الكردية والحوار الوطني من أجل تحقيق السلام والتعايش الأخوي .

 

* عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني

*موسوعة ايلاف


16/02/2025