×

  شؤون دولية

  نداء تاريخي قد يغيّر الديناميكيات الإقليمية



 

 *موقع عرب دايجست

أنقرة - تشهد القضية الكردية في تركيا مرحلة جديدة على طريق حلها، وهذه المرة عبر مساعٍ لإقناع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل منذ 1999، عبدالله أوجلان، بدعوة مقاتلي حزبه إلى إلقاء السلاح، في مدخل للدفع نحو إيجاد حل للصراع المتواصل منذ سنوات طويلة بين أنقرة وهذا الحزب الذي تحظره وتحاربه في تركيا والعراق وسوريا.

ومن المتوقع أن يصدر قريبا إعلان أوجلان الداعي إلى نزع السلاح ضمن مفاوضات السلام التي انطلقت في أبريل الماضي بينه وبين قادة حزب العمال الكردستاني والمسؤولين الأتراك.

وفي المقابل سيتقرر إطلاق سراحه من السجن، حيث كان محتجزا منذ 1999، وغالبا في زنزانة انفرادية. وسيكون بذلك قادرا على قيادة المناقشات الرامية إلى منح الكرد الأتراك قدرا من الحكم الذاتي. وذكرحزب اليسار الأخضر المؤيد للكرد في تركيا في مطلع فبراير أن أوجلان سيقدم قريبا خطة للسلام.

وجاء في تقرير نشره موقع عرب دايجست أن توقيت هذه المحادثات يفيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مستوى خططه في الداخل، حيث يهدف إلى إطالة أمد قيادته إلى ما بعد 2028. ويمتد تأثيرها إلى المستوى الدولي، بما يتماشى مع إستراتيجيات سياسته الخارجية.

ويسعى أردوغان في سوريا، جارة تركيا الجنوبية، باستمرار إلى تقليص النفوذ الكردي في الشمال الشرقي الغني بالنفط، الذي تهيمن عليه قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد.

وتحتفظ قوات سوريا الديمقراطية بعلاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني. وكان أوجلان ومقاتلوه قد أسسوا قاعدة في سوريا خلال حكم حافظ الأسد الذي استغل الجماعة للضغط على تركيا. ومن المتوقع أن تدفع المفاوضات الجارية بين أوجلان وأردوغان حزب العمال الكردستاني إلى سحب قواته من سوريا، بما سيعالج قضية أمنية مهمة لأنقرة على طول حدودها.

وظلت قوات سوريا الديمقراطية ذات قيمة بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى أن عاد الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى السلطة.

وكان داعش قد خسر معقله الإقليمي الأخير في 2019 خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وتواصل قوات سوريا الديمقراطية مراقبة الآلاف من مقاتلي داعش المحتجزين وعائلاتهم رغم الانتكاسات المؤقتة بسبب توقف الإنفاق الخارجي الامريكي، وذلك بفضل التنازل عن تجميد التمويل.

ويأمل أردوغان أن تسحب إدارة ترامب، التي تخلت سابقا عن الكرد في شمال شرق سوريا، جميع القوات الامريكية من المنطقة وتقطع العلاقات التي تجمعها مع قوات سوريا الديمقراطية.

وتتوقع أنقرة، إن حدث ذلك، أن بإمكانها أن تعوض قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها القوة الأساسية المناهضة لتنظيم داعش في سوريا، وبالتالي تقليل الدعم الدولي للجماعات الكردية العلمانية.

ويعتزم أردوغان استعدادا لهذا استضافة قمة لمكافحة الإرهاب مع الأردن والعراق، ما يوفر لترامب فرصة لصرف الانتقادات من المؤيدين القلقين من عودة تنظيم داعش الذي يستهدف المصالح الامريكية. وفي مثل هذا الوضع من المرجح ألا يكون أمام الدول الأوروبية بديل سوى دعم مبادرة أردوغان.

كما يمكن أن تزيد مفاوضات السلام مع أوجلان الضغوط على قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، حيث تكافح القوات الكردية بالفعل في المناقشات مع الحكومة السورية المؤقتة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

ويسعى الشرع إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش الوطني وتعزيز سيطرته على سوريا ما بعد الأسد. ويشتبه الكرد السوريون في أن أردوغان، الذي يخشى أن يثير حصول الكرد على الحكم الذاتي في سوريا اضطرابات بين السكان الكرد في تركيا، سوف يعتمد على الشرع في الحيلولة دون ذلك.

ويعمل مقاتلو حزب العمال الكردستاني كذلك من العراق، وخاصة في جبل قنديل، متهربين من المحاولات التركية لتفكيك وجودهم.

وكان أردوغان يعمل على تعزيز العلاقات مع القادة السياسيين في بغداد، خاصة وأن إيران (راعية العراق الأجنبية الرئيسية) تواجه تحديات بعد أن أنهكتها صراعاتها المتواصلة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وستشمل محادثات السلام المرتقبة مسألة ملاذ حزب العمال الكردستاني في العراق، وهو ما سيستفيد منه الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة عشيرة البارزاني، إذ أن الحزب هو حليف مهم لأردوغان والكيان في حكومة إقليم كردستان العراق.

ومن شأن التوصل إلى اتفاق يكبح حزب العمال الكردستاني أن يعزز الحزب الديمقراطي الكردستاني، وخاصة ضد منافسه، الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تتهمه تركيا بدعم حزب العمال الكردستاني.

ومن الممكن أيضا أن تنجح المفاوضات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في الحد من عدم الاستقرار في العراق، بما قد سيساهم في تعزيز النمو الاقتصادي الإقليمي.

وأدى أردوغان زيارة إلى بغداد في يونيو 2024، وهي الأولى من نوعها منذ 13 عاما. وشمل تركيزها مشروع طريق التنمية، المبادرة واسعة النطاق التي تهدف إلى إنشاء طريق تجاري يربط البصرة في جنوب العراق بتركيا ثم أوروبا عبر شبكات السكك الحديد والطرق السريعة. لكن نجاح هذا المشروع الطموح يتطلب إزالة حزب العمال الكردستاني من شمال العراق.

وأعلنت الحكومة المركزية العراقية في 2024 حزب العمال الكردستاني منظمة غير قانونية لأول مرة، ما يعكس التوقعات بأن يحقق مشروع طريق التنمية مزايا اقتصادية كبيرة للقادة في بغداد وأربيل.

وتواصل الحكومات الأجنبية تقييم دور تركيا في السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في نهاية 2024.

ويجب أن تنظر في الآثار المترتبة على التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني، خصم أنقرة اللدود، والكيفية التي من الممكن أن يؤدي بها مثل هذا الاتفاق إلى تعزيز خطط أردوغان لإعادة تشكيل بلاده وتوسيع نفوذه في جميع أنحاء المنطقة.

ويعتقد بعض المراقبين في وجود هدف سياسي واقعي وراء المبادرة الحالية ألا وهو تمكين أردوغان من الترشح لولاية جديدة في منصبه بعد عام 2028، وهو أمر مستحيل بموجب الدستور الحالي.

ومن الناحية الفنية هناك احتمالان أمام أردوغان للترشح مرة أخرى: فإما أن يتم تعديل الدستور أو أن يقرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة.

والنقطة الشائكة هي أن التحالف الحاكم ينقصه 45 مقعدًا لاتخاذ قرار من هذا النوع. ولدى الحزب الديمقراطي ما مجموعه 57 نائبًا في البرلمان، وبمساعدتهم يمكن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بيرك إيسن، من جامعة سابانجي في إسطنبول، خلفية أخرى محتملة؛ وهي أنه لم يعد بإمكان حزب العدالة والتنمية الفوز في الانتخابات لأنه يفتقر إلى الأصوات الكردية.

ويقول إيسن “نظام أردوغان في أزمة سياسية واقتصادية كبيرة. وقد رأينا ذلك في الانتخابات المحلية في ربيع 2023. وفي ظل الظروف الحالية، يفضل الناخبون الكرد التصويت لمرشحي المعارضة،” وهو اتجاه يريد أردوغان عكسه.

ووفقاً لتقديرات مختلفة، يشكل الكرد حوالي 15 إلى 20 في المئة من سكان تركيا. وحسب إيسن، كان على التحالف الحاكم أن يفعل شيئاً لوقف الاتجاه التنازلي لشعبيته.

وبالإضافة إلى ذلك تلعب التطورات الخارجية دورا في تمسك الائتلاف الحاكم بمسار المصالحة؛ وذلك في ظل مخاوف أنقرة من تداعيات طوفان الأقصى وحرب لبنان واحتمال استهداف إيران على المنطقة، والحاجة إلى تمتين الجبهة الداخلية، وقطع الطريق على محاولات إسرائيل لاستخدام الورقة الكردية كخنجر في خاصرة الدولة التركية، خاصة عقب سقوط نظام الأسد وما يعنيه ذلك من تحول سوريا إلى ساحة تنافس تركي – إسرائيلي مباشر للمرة الأولى.

وبالرغم من أهداف أردوغان التي يسعى لتحقيقها من المصالحة مع الكرد، والفرص التي تحلق في أفق تلك المصالحة، فإن بعض التحديات لا تزال قائمة أمام إتمام المصالحة.

وقد يمثل تراجع تأثير أوجلان داخل حزب العمال الكردستاني أحد التحديات التي يمكن أن تقف كحجر عثرة في طريق المصالحة التركية مع الكرد، لاسيما وأن سيطرة أوجلان على الحزب بكامل هيئاته وفروعه لم تعد كما كانت في السابق رغم زعامته التاريخية المسلم بها؛ خاصة وأنه لا يزال معتقلاً ولا يملك كامل الأهلية والصلاحية لاتخاذ قرار إستراتيجي للحزب.


27/02/2025