×

  تركيا و الملف الکردي

  نداء أوجلان... تحقيق السلام مسؤولية مشتركة



 

*العربي الجديد/ إسطنبول-جابر عمر:في خطوة غير مسبوقة وتمّ التمهيد لها على مدى أسابيع، أطلق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أول من أمس الخميس، نداء جديداً حصل إجماع على أنه تاريخي، طلب فيه من الحزب حلّ نفسه وإلقاء السلاح. وشدّد نداء أوجلان على أن "الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، لا تلبّي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع"، ومعلناً أنه يتحمل المسؤولية عن هذه الخطوة.

وتعكس صياغة نداء أوجلان، بما يحمله عملياً من انتقال إلى النضال السلمي الديمقراطي، إدراك مؤسس "الكردستاني" أن أي خطوة للسلام تحتاج إلى طرفين على الأقل، وهو إن حثّ حزبه وأنصاره على المضي في هذا الخيار، فإن الأنظار ستكون موجهة أيضاً إلى ردّ الحكومة التركية وكيفية تعاطيها مع المبادرة، وسط اعتقاد لدى كثر بأن مصافحة اليد الممتدة إليها والتأسيس لسلام حقيقي من شأنهما أن يؤديا إلى إسكات أصوات المدافع وهدير الطائرات، ويتيحا فرصة لإحلال السلام في جنوب شرق البلاد، البقعة التي لم تعرف الهدوء منذ عقود.

كما أن ارتدادات نداء أوجلان، والذي يتوّج مساراً طويلاً من التحوّلات في تركيا وجوارها، ستكون لها انعكاسات على الإقليم، ما جعل الأنظار تتجه تحديداً إلى سورية والعراق وإيران، وإن بدرجة أقل، حيث ينتشر مسلحو الحزب أيضاً.

وجاءت أغلب ردود الفعل على نداء أوجلان من داخل تركيا خصوصاً بنّاءة، وسط تركيز على ضرورة ترجمة النداء إلى أفعال.

 

فرصة تاريخية

ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  خلال مشاركته بإحدى الفعاليات في إسطنبول الجمعة أن دعوة أوجلان تشكل "فرصة تاريخية للتقدم نحو هدف تدمير جدار الإرهاب". وأكد أردوغان أن تركيا "ستراقب عن كثب" لضمان أن تصل المحادثات لإنهاء التمرد إلى "نهاية ناجحة"، محذراً من أي "استفزازات".

وأضاف "عندما يتم إزالة ضغط الإرهاب والسلاح فإن مساحة السياسة في الديمقراطية سوف تتسع بشكل طبيعي". وتابع "لن يغفر أي عضو في هذه الأمة، سواء كان تركياً أو كردياً، لأي شخص يعرقل هذه العملية من خلال خطابات أو أفعال غامضة، كما حدث في الماضي".

 وأضاف أردوغان: "واجبنا الأساسي تجاه شعبنا إرساء وتعزيز مناخ حاضن وجامع في بلدنا لا يشعر أحد فيه بالإقصاء"، معتبراً أن لدى تركيا "فرصة لاتخاذ خطوة تاريخية نحو هدف هدم جدار الإرهاب الذي بُني بين أخوّتنا التي يمتد تاريخها إلى ألف عام".

 

سننظر إلى نتائج النداء

وقال نائب رئيس "العدالة والتنمية" أفاكان آلا: "سننظر إلى نتائج النداء، لقد فعل حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان كل ما هو ضروري لإزالة الإرهاب من أجندة تركيا"، وهو ما يوضح أن الحكومة تتنظر تنفيذ دعوة أوجلان للإقدام على  خطوات بعينها وإن لم يعلن أي شي بخصوصها حتى أمس، فيما قال كبير مستشاري أردوغان للشؤون الدستورية محمد أوجوم، في منشور على إكس، إنه "الآن يبدأ عصر جديد في تركيا، ومن الآن، وبينما تصبح من مطلب ومسؤولية الجميع مواصلة تطوير وتعزيز الديمقراطية، فإنه من واجب الجميع أيضاً حماية استقلال تركيا وسلامتها الجغرافية ووحدتها السياسية، لم يعد لدى أحد أي عذر للتنحي، أو البقاء بعيداً، أو المعارضة".

من جهته، قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جليك، ، إنه "يجب على المسلحين الكرد في تركيا والعراق وسورية، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلقاء أسلحتهم"، مشدّداً على أنه "لا مساومة أو تفاوض مع الإرهابيين".

 

إنهاء سياسات العزل

ويسود ترقب لمعرفة ما إذا كانت الحكومة ستقدم على إجراءات ملموسة، وأهمها إنهاء سياسات عزل رؤساء بلديات حزب "ديم" أو رؤساء البلديات الكرد من أحزاب أخرى كما جرى في بلدية أسنيورت مع أحمد أوزار (بتهمة العضوية في منظمة إرهابية محظورة)، خصوصاً أن دعوة أوجلان الحالية مختلفة وتحتاج إلى نهج جديد، يرى في التطورات الجديدة على مستوى الإقليم بوصفها بيئة مناسبة من أجل إنماء هذه المرحلة أكثر ولتثمر نتائج جيدة.

 

ضرورة تجاوز هذا الإنكار

وفي السياق، كشف حزب "ديم" عن رؤيته للمرحلة المقبلة والمسؤوليات التي تقع على عاتق الحكومة، حيث قال نائب رئيس الحزب محفوظ غولر يوز، لـ"العربي الجديد"، إن نداء أوجلان "شرح أسباب استخدام السلاح في رسالته، وفي تقييماته السابقة، وعندما قدّم مبررات ترك السلاح شرح أيضاً سبب حمله معلناً ذلك للعالم،... وبالتالي فإن هذا الإنكار والرفض (للكرد) في حال تجاوزه، فإن معناه أنه لا داعي للسلاح وبالتالي يمكن للمؤسسات المسلحة إلقاء السلاح ما يفتح المجال في البلاد لأرضية الديمقراطية".

وأوضح: "نحن في حزب ديم بالتأكيد لسنا طرفاً في مسألة إلقاء السلاح أو استمراره أو لدينا القرار به، لن نناقش به، ولكن نقول إن صمت الأسلحة وانتهاء جو العنف سيكون مرحلة مهمة ومسافة مهمة من أجل تركيا ديمقراطية". واعتبر أن "الجو الديمقراطي عندما يسود سيؤدي إلى إزالة أسباب الصراع المسلح، وبالتالي فإن القضية هي داخلية ومرتبطة مع بعضها، ولو كانت الديمقراطية راسخة في البلاد، ولا وجود للممارسات التي تتجاوز الديمقراطية ولسياسات الاستبعاد لما كان هناك صراع مسلح لا من الكردستاني أو أي قوة أخرى".

وتابع: "إلقاء السلاح معناه مزيداً من الديمقراطية، هذه هي فائدة وليست سلبية، هذا القرار بالنهاية الكردستاني نفسه سيعلنه، نحن ندعم المساواة في الدولة وإعادة تأهيلها بهذا الشكل وبالتالي أجندتنا الأساسية هي التعامل الديمقراطي وعمل الدستور والديمقراطية والمؤسسات".

 

مسؤوليات على عاتق الحكومة

وحول المسؤوليات التي تقع على عاتق الحكومة في هذا الإطار، وما يأمله الحزب الكردي والكرد عموماً، قال غولر يوز: "ما يقع على الحكومة موجود في نداء أوجلان بأن الدولة يجب أن تزيل أسباب النزاع المسلح والوصول إلى حل، وهو يقول إنه يجب إلقاء السلاح والعنف وحلّ الحزب، وبالتالي فإن الحكومة والدولة التركية يجب أن تعملا على إعادة الديمقراطية وأن تتأسس تركيا وفق مبدأ جديد يعترف بكل الحقوق والأقليات والثقافات وأن يتم قبول كل ذلك كأساس في الدستور، وأن يتم حمايتها في أرضية قانونية". وشدّد على أن "حزبنا ينتظر هذه الأمور من الدولة والحكومة، بأن يعيش جميع المواطنين بسلام مع بعضهم البعض، وهو أمر مطلوب وحاجة، ويتطلب ديمقراطية ودستوراً جديداً وتنظيم القوانين، وكل الآمال تنعقد هنا، وأن تتم الاستجابة لها عبر منطق الدولة بشكل سريع". ولفت إلى أن "سرعة الاستجابة ستلد تركيا جديدة في أجواء جديدة، ستؤثر على تركيا وخارجها والشرق الأوسط"، معتبراً أن "تحول تركيا للديمقراطية والمساواة هو باب جديد للمنطقة كلها".

 

قضية مرتبطة بالمسالة الكردية

وأكد أن "القضية ترتبط بحل المسألة الكردية، فنحن لا نتحدث عن وجهة نظر حكومية بل عن حلّ المشكلة الكردية في البلاد، فالحاجة ليست لخطاب جديد تجاه الأحزاب الكردية، بل المجتمع يحتاج إلى خطاب احتواء ومساواة، بأن يستطيع أن يعبّر عن نفسه، ولغة تؤدي إلى اللقاء على أرضية كبيرة مما يحل المشكلة بشكل كبير".

وختم بالقول: "نأمل من الحكومة أن تستجيب بسرعة لخطوة أوجلان بأن تقدم على خطوات الديمقراطية والمساواة، كل شيء واضح وبسيط، لا نريد ممارسات غير ديمقراطية، نريد إزالة الخطوات الحالية من ممارسات غير ديمقراطية، وحل الإشكالات والانتقال إلى الدولة الديمقراطية، وهناك تجارب دولية تتعلق بالهوية والمعتقدات وحل هذه المشاكل وإزالتها، ونأمل أن يتم حل ذلك بأسرع وقت ممكن وأن تتم صياغة التشريعات اللازمة بأقرب وقت".

وعلى مقلب المعارضة التركية، اعتبر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، عبر "إكس"، أن خطوة أوجلان "مهمة"، مضيفاً أن "الدعوة الموجهة للمنظمة الإرهابية بإلقاء السلاح وحلّ نفسها مهمة، ونأمل أن يستجيب المخاطبون بهذا النداء لمتطلباته، وأن تنتهي إلى الأبد ظاهرة الإرهاب الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من البشر وتسبب في دمار اقتصادي واجتماعي شديد".

 

نداء من اجل تركيا

من جهته، قال الكاتب والباحث عمر أوزقزلجق، لـ"العربي الجديد"، إن "نداء أوجلان مهم جداً من أجل تركيا للانتهاء من مشكلة وصراع مسلح في البلاد، ولكن يجب التركيز على أن هذه الخطوة مختلفة وكانت من طرف واحد دون تنازلات، إذ إنّ حزب العمال الكردستاني وجميع التنظيمات المرتبطة به في العراق وسورية مدركون تماماً للأوضاع الجديدة في المنطقة وحراك تركيا السياسي والعسكري".

 وأكد أن "حلّ الحزب وإلقاء السلاح سينعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام وعلى تركيا، ولكن ما هو ردّ الفعل من جبال قنديل (معقل الحزب العسكري في العراق)؟".

 وبرأيه، فإن "هذا هو الأمر المهم، وعلى الحكومة أن تركز على مسألة إلقاء السلاح وحلّ الحزب وعدم المساومة، لأنه في حال حصول مساومات، فقد تظهر مشاكل أخرى مختلفة".

 

 اعلان مهم للغاية

بدوره، اعتبر الصحافي والباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إعلان أوجلان تاريخي ومهم للغاية، وفرص نجاحه تعتمد على مدى تجاوب جميع الأطراف التركية والكردية"، لافتاً إلى أن "الإعلان هو بداية البدايات لمرحلة طويلة وقد تكون صعبة، حيث تعدد الأطراف وتشابك الملفات المتعلقة بهذا الملف وأقصد بها الجهات الداخلية والخارجية في الكردستاني وجبال قنديل".

وأوضح عودة أوغلو أنه "حتى في الجانب التركي، هناك نقطة متعلقة بالخطوات التي ستقدم عليها الحكومة في الفترة المقبلة، ولكن هناك عامل يرتبط بصاحب المبادرة باهتشلي، وهو حتى اللحظة غائب عن المشهد ومصيره ومستقبل صحته لهما علاقة بالمسار، ويبدو أن شحّ التصريحات التي صدرت عن الجانب الحكومي (تعليقاً على نداء أوجلان)، مرتبط بوضع الحركة القومية، وهناك خشية في حال غاب باهتشلي أن تحصل انعكاسات سلبية، خصوصاً أن باهتشلي هو قطب في الحكومة ولدى القوميين، وهناك أحزاب قومية أخرى".

وختم الصحافي التركي بأن "هذا المسار ورغم أهميته، سيمر بمحطات عدة، إذ لا تستطيع أن تنهي هذه الدعوة مشكلة دامت واستمرت 4 عقود وارتبطت بجهات خارجية على مدى سنوات، فنحن أمام مفترق طرق بالنسبة لكافة الأطراف، إن نجح، فنحن أمام مرحلة جديدة تنعكس على الجميع بالنفع وإن تعثر المسار كما حصل سابقاً، فنحن أمام مرحلة مختلفة من الصراع التركي الكردي".


02/03/2025