×

  تركيا و الملف الکردي

  نداء تاريخي لاوجلان: الكرد أمام مفترق جديد



*د.محمد نورالدين

 

 

كانت تركيا والحركة الكردية، يوم الخميس27-2-2025 ، على موعد مع نداء تاريخي لزعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبدالله اوجلان، دعا فيه الحزب الى حلّ نفسه وإلقاء سلاحه.

وعند الساعة الخامسة مساءً، عقد «حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الممثِّل السياسي لكرد تركيا، مؤتمراً صحافياً في فندق «أليت وورد» في ساحة تقسيم في إسطنبول، عرض فيه مجريات زيارته في اليوم نفسه لاوجلان في معتقله في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، ثمّ قرأ، تحت شعار «نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي»، رسالة زعيم «الكردستاني»، والتي دعا فيها مقاتلي حزبه إلى ترك السلاح.

وتلا أولاً الرسالة باللغة الكردية أحمد تورك، ومن ثم تلتها برفان بولدان باللغة التركية. وجاء فيها: «إن الكرد والأتراك عاشوا منذ ألف سنة معاً وتعاونوا بصورة مشتركة»، وقد «حان الوقت لإحياء روح الأخوّة وتنظيم العلاقات على أسس جديدة».

 وإذ أكد «آبو» في رسالته أنه لا مفرّ من إقامة مجتمع ديمقراطي، فقد قال إن «حزب العمال الكردستاني كان الحركة الأكثر تمرّداً وعنفاً في تاريخ تركيا، نظراً إلى انسداد أفق العمل السياسي أمامه»، مضيفاً أن «احترام الهويات وتنظيمها بحرّية وبالمعنى الديمقراطي، لا يمكن أن يتمّا إلا من خلال مجتمع ديمقراطي.

 ولا سبيل آخر سوى الطريق الديمقراطي  وعلى الجمهورية التركية أن تتوّج مئويتها الثانية بالديمقراطية. التفاهم الديمقراطي هو الأساس. وعلينا أن نطوّر مجتمع السلام والديمقراطية بما يتناسب مع لغة المرحلة».

ونُصبت شاشات عملاقة في مدن عدة، مثل فان وديار بكر ومرسين والسليمانية في شمال العراق وغيرها، ليتمكّن الجمهور الكردي خصوصاً من الاستماع إلى رسالة اوجلان.

وبدأت قضية حلّ المسألة الكردية تتفاعل مع إطلاق زعيم «حزب الحركة القومية» المتشدّد، دولت باهتشلي - الذي صافح في مطلع الخريف الماضي نواب الحزب الكردي في البرلمان -، مبادرة دعا فيها اوجلان إلى القدوم إلى مبنى البرلمان، ليخطب في كتلة نواب الحزب الكردي، ويوجّه نداءً إلى «الكردستاني» بترك السلاح وحلّ نفسه.

ولم تُعقد مذّاك أيّ لقاءات بين اوجلان وممثّلي «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، فيما كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يشدّد على إقامة تركيا خالية من الإرهاب عام 2025، مع مواصلة ضرب مواقع «الكردستاني» في شمال العراق وشمال سوريا.

وليست هذه هي المرّة الأولى التي تصل فيها محاولات حلّ المشكلة الكردية إلى مراحل متقدّمة.

 ففي شباط 2015، توصّلت الحكومة ووفد من الحزب الكردي إلى اتفاق مبادئ عامة، لكن «العدالة والتنمية» ما لبث أن انقلب عليه، واعتبره غير موجود، بعدما رأى تراجعاً في أصوات الحزب في الانتخابات التي كانت ستجري في حزيران من العام نفسه، حين خسر بالفعل للمرّة الأولى الغالبية المطلقة في البرلمان قبل أن يبطل إردوغان - وكان رئيساً للجمهورية - الانتخابات النيابية كلّها، ويعيدها بعد خمسة أشهر. والجدير ذكره أن كل اتفاقات وقف إطلاق النار خلال سنوات نضال «الكردستاني»، كانت تُعلن من طرفه هو فقط.

وفيما قال وزير العدل إن الهدف الوحيد من الرسالة هو حلّ «المنظمة الإرهابية» نفسها، جاء أول تعليق لـ»العدالة والتنمية» على لسان النائب ووزير الداخلية السابق، إفكان علاء، الذي قال إنه «إذا حلَّ الحزب نفسه وترك السلاح، فستتحرّر تركيا من القيود».

 

رسالة اوجلان غير موجّهة إلى السلطة

ومن جهته، رأى الكاتب الموالي للسلطة، عبد القادر سيلفي، أنه «من المهمّ التأكيد على أن رسالة اوجلان غير موجّهة إلى السلطة ولا إلى تركيا ولا إلى الدولة، بل فقط إلى حزب العمال الكردستاني لنبذ الإرهاب وتسليم السلاح وحلّ نفسه، وإلى قيادة الحزب في جبال قنديل، وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب».

 

لم يحصل مقابل أيّ ثمن

ووفقاً لصحيفة «حرييات»، فإن «نداء اوجلان لم يحصل مقابل أيّ ثمن. ولن يصدر عفو عن اوجلان، ولن تتّخذ الحكومة أيّ إجراء يؤذي عوائل شهداء الجيش والمدنيين الذي سقطوا في القتال ضدّ حزب العمال الكردستاني».

ويطرح النداء أسئلة كثيرة تتعلّق بالجانب الكردي، وخصوصاً لجهة ما إذا كانت قيادة قنديل ستلتزم به، في ظلّ تصريحات لقادة الحزب عن أنهم «غير ملزمين بأيّ نداء إذا لم تقدّم الدولة دلائل على اعترافها بالحقوق الكردية».

ومن الناحية التركية، ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت أنقرة ترى النداء كافياً، والثمن الذي يمكن أن تقدّمه مقابله، ولا سيما الاعتراف في الدستور بالهوية الكردية والتعليم باللغة الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية، وإعطاء هذه الأخيرة خصوصيات في التعيينات وإدارة نفسها ووقف عمليات الاعتقال لرؤساء البلديات وتعيين آخرين مكانهم.

 

احتفاء تركي: أنقرة منتشية بقوّتها

هذا و أجمعت الصحف التركية، بكلّ توجهاتها، أمس، على عنوان واحد، وهو دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله اوجلان، حزبه إلى ترك السلاح وحَلّ نفسه.

وممّا جاء في العناوين: «رسالة اوجلان: الكردستاني يجب أن يحلّ نفسه» (يني برلك)؛ «اوجلان استسلم للوقائع» (آيدينلق)؛ «نهاية الطريق للكردستاني» (يني عقد)؛ «الستارة الأخيرة للإرهاب» (ميللييات)؛ «النداء المنتظر من اوجلان: ليحلّ الكردستاني نفسه» (قرار)؛ «خطوة تاريخية: ليحلّ الكردستاني نفسه» (يني شفق)؛ «النداء حصل، الآن خطوة حلّ نفسه» (تركيا)؛ «خطوة مهمّة نحو تركيا بلا إرهاب» (صباح)؛ «اوجلان يخاطب الكردستاني: اترك السلاح، حلّ نفسك» (حرييات).

وفي ردود الفعل الرسمية، برز ما كتبه محمد أوتشوم، كبير مستشاري الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من أن «المسألة حُلّت. المهمّ الديمقراطية وتطويرها»، وأن «تصريح اوجلان يعني أن لا فدرالية ولا حكم ذاتياً، ولا توجد لغتان ولا أمتان، كما لا يوجد إنكار لأحد، بل توجد دولة واحدة وموحّدة».

واعتبر أوتشوم أن النداء كان «بلا شروط ولا قيود ولا مساومات. إننا ندخل مرحلة جديدة، وتركيا متجهة إلى أن تكون دولة بلا إرهاب».

 

خطوة مهمة

ومن جهته، رحّب زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، بالنداء، واصفاً إياه بأنه «خطوة مهمة لخروج تركيا من مآسيها، على أن تتم تلبية كل الشروط التي تساعد في ذلك، وأهمها الديمقراطية الفعلية والسلام الاجتماعي».

 

ويذكّر عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، بأنّ «اوجلان كان وجّه، في نوروز عام 2014، رسالة إلى حزب العمال الكردستاني، ولكن النداء الجديد مختلف تماماً. وإذا كان نداء 2014 يمكن قياسه على أنه هزة بقياس أربع درجات، فإن النداء الجديد هو زلزال بقياس تسع درجات».

ولكنه يتساءل عمّا إذا كانت قيادة الحزب في جبال قنديل ستستجيب لنداء زعيمها، و»هل يمكن حينها أن يتواجه اوجلان مع قيادة الحزب؟» إذا لم تفعل.

ووفقاً لسيلفي، فإن «محاولات عدّة في السابق، ومنذ أيام طورغوت أوزال، بُذلت لحلّ المشكلة، لكنّ الإنكليز والأميركيين كانوا يتدخلون ويخربون الحلّ. أمّا الآن، فالظروف الإقليمية والدولية مختلفة جداً. وتركيا تمرّ بأقوى مراحلها، وميزان القوى في شمال العراق وسوريا مال لصالحها.

 وفي حال تمّ تقييم صحيح للوضع، فإن تصفية حزب العمال الكردستاني ستكون ممكنة» ولعلّ أهم ما أورده اوجلان، بحسب الكاتب، هو تذكيره قيادة قنديل بأن الظروف تغيّرت، وأن الحزب قد أتمّ عمره، فيما الأمر المهم الآخر، أن زعيم «الكردستاني»، «لم يدعُ الكرد إلى دولة مستقلّة، بل اعتبر أن الحلول بصيغ الفدرالية والدولة القومية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية لم تقدّم جواباً على سوسيولوجيا المجتمع التاريخي».

 كما يذكّر بأن «حزب العمال الكردستاني أفنى عمره وراء هذه الشعارات، وها هو اوجلان يرميها في سلة المهملات».

وفي الصحيفة نفسها، يرى نديم شينير أن «نداء اوجلان يعني شيئاً واحداً، وهو أنه ليس من مسألة كردية في تركيا، بل إرهاب اسمه حزب العمال الكردستاني». ولكنه يعتقد بأنه «من المبكر البناء على نداء اوجلان، إذ يتطلّب الأمر انتظار ما ستفعله قيادة الحزب.

 ولا يعني النداء وقف العمليات العسكرية في العراق أو سوريا، خصوصاً في ظلّ مؤشرات إلى أن امتدادات الحزب في سوريا ليست في وارد تلبية النداء، الذي تجب قراءته برويّة».

 

احترام الهويات بالمعنى الديمقراطي

 أمّا أحمد حاقان، فيشير إلى أن «اوجلان أوجز ضمناً ما يريده من مطالب: احترام الهويات، تعبير الهويات بحرّية عن نفسها، ضمان أن تتنظّم هذه الهويات بالمعنى الديمقراطي»، معتبراً أن «تركيا بهذا النداء وحلّ الكردستاني نفسه، تكون وصلت إلى هدفها المتمثّل بأن تكون خالية من الإرهاب».

وفي صحيفة «قرار»، كتب عاكف باقي أن اوجلان «أعطى ما يريده للدولة التركية، ولكن هل يأخذ ما يريد؟»، مضيفاً أن «دولت باهتشلي فتح في تاريخ تركيا فتحاً مَبيناً عندما أَطلق مبادرته ليتحدّث اوجلان أمام نواب كتلته ويعلن نبذ الإرهاب وترك السلاح وحلّ حزبه.

 وهو ما تحقّق. ولكن، هل يلتزم حزب العمال بما طلبه اوجلان من جانب واحد؟ وهل يحلّ الحزب نفسه من دون إجراء مشاورات وفرض شروط، أم أن شيئاً لن يتغير؟».

كذلك، علّق الأمين العام لـ»الحزب الشيوعي التركي»، كمال أوقويان، بالقول إنه «لا جديد في كلام اوجلان، ونداؤه تحرّك من نزعة قومية كردية، وهو لا علاقة له بالماركسية، وحزبه لم يكن يوماً حزباً اشتراكياً».

 ومع ذلك، قال: «(إنّنا) نراقب لنرى ما الذي ستكون عليه الأمور. اوجلان أعاد جذور العلاقات بين الأتراك والكرد إلى ألف سنة، وهو ما لا ينسجم مع الوقائع الراهنة. إذا كانت العلاقات قديمة إلى هذا الحدّ، فلماذا حدثت المجازر في آخر 100 سنة أو 50 سنة؟». ثم استطرد أن «اوجلان يقول إن تفاهم الأتراك والكرد يجعل من تركيا بلداً قوياً، بينما العكس هو الصحيح، ستكون تركيا ضعيفة. هذا ما يريده إردوغان».

 

على تركيا أن تبذل المزيد

وسأل يوسف قانلي، من جانبه، عمّا إذا كان نداء اوجلان صادقاً أم أنه مجرّد مناورة لكسب الوقت بعدما ضعف «الكردستاني».

 ورأى أنه «كي تتواصل عملية الحلّ، ينبغي على تركيا أن تبذل المزيد من الجهد في ضوء التوازنات الإقليمية الجديدة، والاستراتيجية الأمنية للدولة»، إذ إن «تفاصيل كثيرة شائكة تقف أمام عملية الحلّ، وفي مقدّمها الأبعاد القانونية للنظام الجزائي والإداري، وما إذا كان ممكناً لحزب العمال أن يتحوّل إلى حزب سياسي».

 وتساءل أيضاً عمّا إذا كان الحلّ سيطاول «وحدات حماية الشعب» في سوريا، وعمّا سيكون عليه الموقف الأميركي من «قسد» التي تعتبرها واشنطن حليفاً ضدّ «داعش»، ليخلص إلى أنّ «أمام تركيا، في حال أصرّت الولايات المتحدة على دعم قسد، خياريْن: الأول اعتبار نداء اوجلان خدعة ومواصلة ضرب حزب العمال؛ والثاني الموافقة على الحلّ في الداخل والقيام بعملية تصفية لقسد في سوريا.

وفي الحالتين، ستكون هناك توترات مع واشنطن». أما إذا اتّفقت واشنطن مع أنقرة، وتمّ نزع سلاح «قسد»، فهذا «سيُعتبر هزيمة إستراتيجية لأميركا».

 وختم بالقول: «هذا النداء، إذا لم يؤدّ إلى قطع أميركا دعمها لقسد لتبديد هواجس تركيا الأمنية، فلن يكون له معنى، وسينضمّ إلى غيره من النداءات السابقة التي كانت مجرّد مناورات».

 

أعطى الدولة التركية كل شيء

باختصار، أعطى عبدالله اوجلان، الدولة التركية كل شيء، ووضع مسبقاً على الطاولة كل أسلحته. أمّا الدولة، فتنتظر اكتمال خطوات تصفية «الكردستاني» لنفسه، لتبني بعدها على الشيء مقتضاه.

 لكنّ التساؤل يبقى قائماً عمّا ستقدّمه الدولة للكرد، وهل سيكون كافياً لحلّ فعليّ للمشكلة الكردية، أم أن الأمر مجرّد لعبة كي يتمكّن إردوغان من تعديل الدستور بأصوات النواب الكرد، ليستطيع تالياً الترشّح لولاية جديدة عام 2028؟


02/03/2025