×

  قضايا كردستانية

  مــع الســـــلام دون الخـــــوف



*صلاح الدين دميرتاش

الصفحة الشخصية للكاتب/الترجمة والتحرير:محمد شيخ عثمان

نتقدم تدريجيا نحو سلام عظيم ستؤثر نتائجه على الشرق الأوسط بأكمله وعلى مائة عام قادمة، لكن الجميع حذر.

هناك سببان لهذا الحذر، أحدهما تاريخي والآخر يتعلق بالحاضر.

بسبب ما مارسته الدولة ضد الكورد في المائة عام الماضية، وتمردهم ضدها، لا يثق أيٌّ من الطرفين ببعضه البعض، ولا يستطيع أن يثق به. هذا هو السبب التاريخي.

أمامنا انتخابات مهمة وإمكانية تعديل دستوري. كما أن الأحزاب لا تثق ببعضها البعض بسبب التحالفات السياسية والاستقطابات والحسابات السياسية. هذا هو السبب الثاني.

ليس من حقي التحدث نيابة عن أي شخص، ومع ذلك، من حقي تفسير ما قد يُقصد بـ"تغيير النموذج".

 والآن، بعد إذنكم، أود أن أستخدم هذا الحق لمشاركة آرائي معكم بأبسط صورة ممكنة.

في مطلع القرن الماضي، عندما قامت الجمهورية الجديدة، التي تأسست بعد حرب الاستقلال التي خاضتها شعوب الأناضول المسلمة معا، بإقصاء الكورد، ردّوا على ذلك بإثارة ثورات.

 حاول الكورد تأسيس إدارة ودولة خاصة بهم عبر أكثر من عشرين تمردا، كبيرا وصغيرا، بدءا من تمرد الشيخ سعيد عام ١٩٢٥ وحتى آخر تمرد، حركة حزب العمال الكردستاني، لكنهم لم ينجحوا في ذلك.

خلال هذه الفترة، بُنيت الدولة بالكامل كـ"دولة تركية" وتحولت إلى دولة قوية وواسعة.

 لم يتمكن الكورد من إقامة دولتهم المستقلة، لكنهم تمكنوا من مقاومة الدمج والإبادة والبقاء.

لقد مرّ مائة عام وتشتّت الكورد واستقروا في كل مدينة ومنطقة من تراقيا إلى الأناضول لأسباب مختلفة، وأصبحوا "أصليين" بما يكفي لجعل هذه الأماكن وطنا لهم.

كما دخلت الدولة واستقرت في أقصى بقاع تركيا، بما في ذلك الجغرافيا الكوردية، بحضورها المؤسسي خلال هذا القرن. هذا التشابك، الذي يعمل أحيانا بالقوة، وأحيانا بالضرورات، وأحيانا طواعية، قد بلغ حدا أصبح معه فصل الكورد عن الأتراك والدولة، أو فصل الدولة عن الكورد والأتراك أمرا مستحيلا.

لا يُمكن رؤية هذا التشابك الديموغرافي والثقافي والاقتصادي والسياسي في سوريا وإيران والعراق، مع وجود تجانس إقليمي هناك، إلا أن التركيبة الاجتماعية لتركيا تختلف بوضوح عن الدول الثلاث الأخرى في هذا الصدد.

في هذه المرحلة، من المؤكد أن ثمة حاجة إلى نموذج جديد في ضوء هذه الحقائق التاريخية والاجتماعية وتصاعد المخاطر العالمية والإقليمية.

 بتكرار الماضي، لا يستطيع الكورد ولا الأتراك التنفس، وسيستمرون في إهدار الدماء والأرواح.

 ليس من السهل كسر عادات وأنماط ومحرمات قرن كامل خاصة مع وجود هذا العدد الكبير من الأرواح الثمينة التي تُزهق من كلا الجانبين، فإن التوصل إلى "نموذج جديد" يتطلب شجاعة وبصيرة وإرادة.

لكن إن لم نُظهر شجاعتنا، فلن نخرج من هذه الدوامة أبدا، وبينما نستنزف بعضنا بعضا، لن نتجنب جرّ الماء إلى طاحونة الإمبريالية العالمية.

هنا، لا يتردد أوجلان وبهجلي في المخاطرة الكبيرة بإظهار شجاعتهما. كما يُخاطر الرئيس أردوغان بوقوفه وراء هذه الإرادة، ولا يتردد في قيادة الطريق نحو الحل.

وبالمثل، لا يتردد أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، الحزب المؤسس للجمهورية، في أن يكون جزءا من الحل مع كل تحفظاته.

على الرغم من أننا في السجن، ورغم محدودية الفرص المتاحة، فإن واجبنا هو العمل من أجل السلام إيمانا منا باهمية السلام، وثقة ببعضنا البعض، ودعما له بأقوى ما يمكن، يجب علينا القيام بما هو ضروري.

الآن، دعونا نتطرق إلى جوهر هذا النموذج الجديد ونوضح المسألة.

لم يتمكن الكورد من إقامة دولتهم المستقلة، فقد استقروا في كل مكان في تركيا، واندمجوا فيهاولم تستطع الدولة صهر الكورد أيضا. لذلك، دعونا نستعرض أوضح مضمون للنموذج الجديد الذي سيقضي على مطلب الكورد بدولة وخوفهم من الانقسام:

 

جمهورية تركيا هي أيضا دولة الكورد.

في محاولة لفهم اعتراضات الأتراك الذين يقولون "أليس هذا هو الحال بالفعل؟" أو الكورد الذين يقولون "هذا لن يكون ممكنا أبدا"، لا بد لي من إضافة ما يلي: سيكون الكورد أيضا مواطنين من الدرجة الأولى ومالكين لجمهورية تركيا بهويتهم ولغتهم وثقافتهم.

 سيندمجون في جمهورية تركيا دون الحاجة إلى إخفاء لغتهم وهويتهم كما في الماضي، ودون أن يتعرضوا للتمييز، ودون خوف، وبصفتهم كوردا، سيبقون كوردا. وقد أُحرز تقدم كبير في هذه المسائل بالفعل.

رغم أن الأمر قد يبدو غير مُصدّق للكثير من الكورد اليوم، في حين أن الجراح والآلام لا تزال مُلتهبة، إلا أن هذا هو النموذج الجديد، وعلى كل كردي أن يُهيئ نفسه له عاطفيا وفكريا وعمليا.

كما ينبغي على إخواننا وأخواتنا الأتراك أن يُقبلوا على هذه العملية بكل قوة بدلا من القلق والتردد.

وعلى الدولة أن تُنحي جانبا تماما الأيديولوجية الرسمية للوحدة، وأن تفتح جميع الأبواب أمام الكورد؛ وعليها أن تحترم لغة الكورد وثقافتهم وهويتهم، وأن تُرسي أسسا للتكامل القائم على المواطنة المتساوية من خلال توفير الضمانات الدستورية والقانونية لهم.

هذا ما أفهمه من النموذج الجديد، والإرادة التي يدعمها أردوغان وبهجلي، وتصريح أوزيل "أعد الكورد بدولة"، ودعوة أوجلان.

ولهذا السبب، لم يتردد أوجلان في دعوة حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه بموقف حاسم وحازم.

فالإنسان لا يُطلق النار على دولته، ولا ينبغي له ذلك.

 لا تُميّز الدولة مواطنيها ولا ينبغي لها أن تُضيّعهم. عليها ألا تملأ السجون حتى آخرها، وأن تفتح أبوابها في أسرع وقت ممكن.

سيتشكل التحالف التركي الكردي الجديد ويتطور على هذا الأساس، وسيؤثر هذا الوضع الجديد إيجابا على كورد سوريا والعراق وإيران.

لن يكون أي كردي خصما أو عدوا أو تهديدا للدولة التي يعيشون فيها أو لتركيا. دولة عظيمة وقوية كتركيا ستكون في جوهرها دولة جميع الكورد.

هذا هو السبيل الوحيد الآن لتحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي وإحباط الألاعيب الإمبريالية.

 إذا أُريد لحقوق الكورد في سوريا والعراق وإيران أن تتطور، فسيكون ذلك من خلال التحالف الكردي التركي، في ظل صداقة تركيا وأمنها. هذا الوضع سينمو ويُعزّز تركيا والكورد والأتراك وجميع شعوب المنطقة.

سنمضي قدما معا نحو الجديد من خلال تحطيم الصور النمطية والقوالب النمطية والمخاوف. على الجميع أن يكونوا مستعدين لذلك.

الجمهورية التركية هي دولتنا جميعا وبهذا المعنى، فإن مهمة دمقرطة الجمهورية تقع على عاتقنا أيضا.

سنبني ما تبقى معا، خطوة بخطوة، بوحدة اليد والقلب، لأن السلاح والدم والألم قد زالا الآن.

العائق الوحيد أمامنا هو اعتمادنا على القديم؛ وسنطوره أيضا إلى الجديد بشجاعة.

سننتصر جميعا بالسلام، جميعا معا.

 

وأخيرا؛

دعونا ننظر إلى المناقشات التي أعقبت دعوة أوجلان من هذا المنظور، ولكن من فضلكم تذكروا أن هذه آرائي الشخصية.

هل هناك أي شروط؟ لا توجد شروط في نص الدعوة، ولكن هناك متطلبات مشتركة.

بمعنى آخر، هناك دقيق وزيت وسكر، ولكن لصنع الحلاوة، نحتاج أيضا إلى قدر وملعقة وموقد. هذه ليست شروطا لصنع الحلاوة، بل هي ضروريات.

في هذه الحالة، من الضروري توضيح كيفية ومكان إلقاء السلاح، وما هي الأوضاع القانونية والسياسية لمن يلقي سلاحه ومن الطبيعي أن تُتخذ خطوة قانونية وسياسية في هذا الشأن.

 

هل سيحضر أوجلان شخصيا مؤتمر حزب العمال الكردستاني؟

حتى لو قلت "شارك"، فلن يذهب أوجلان إلى قنديل في ظل هذه الظروف وسيُرسل رسالة إلى مؤتمر حزب العمال الكردستاني من خلال الفرص التي تُتيحها تقنيات الاتصال الحالية. ولكن في غضون ذلك، ينبغي بالطبع رفع القيود المفروضة على المحامين والوفود التي تزور إمرالي.

 

هل تتجه تركيا نحو الانقسام؟

لا، العكس تماما هو ما يحدث. هناك احتمال لتركيا تنمو أكثر في مجالات الديمقراطية والاقتصاد والسلام والازدهار.

 

لماذا يشعر الأتراك والكورد بالسعادة في آن واحد؟

صحيح، بما أننا نسينا كيف نفرح ونحزن في آنٍ واحد لمئة عام، فإن هذا الوضع يزيد من شكوك البعض.

 لكن هذه العملية هي بالضبط؛ سننتصر في آنٍ واحد، وسنكون أقوياء.

 ربما لن نكون “أمة واحدة” بمعنى الكلمة، لكننا سنكون “أمة متوحدة”. تمامًا كالرمان؛ قشرته الصلبة تحمينا من الخارج، بينما في الداخل حبات الرمان متراصة معًا ، متناغمين، وكثيرين كبذور الرمان: تعددية داخل الوحدة.

 

ختاما؛

لم يُقال أو يُساوم في أي مرحلة من المراحل على قضايا مثل تعديل الدستور، والانتخابات، والتحالفات.

مع ذلك، وباتخاذه المبادئ الأساسية للديمقراطية مرجعا، يحق لحزب الشعوب الديمقراطي أيضا الاجتماع مع الجميع، وإقامة تفاهمات سياسية وانتخابية؛ وهذا الحق مشروع وحلال كحليب أمه. لا يحتاج الحزب إلى طلب إذن من أحد في هذا، ولن يفعل.

حزب الشعوب الديمقراطي ليس حزبا يتنازل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية. لذلك، تُبنى جميع المفاوضات والتسويات والتحالفات على هذا الأساس.

بمعنى آخر، سيستمر النضال والسعي لبناء الديمقراطية دون انقطاع، لأن من واجبنا جميعا أن نُتوّج جمهورية تركيا بالديمقراطية ونُرسّخها في قرنها الثاني.

لقد أسسنا الدولة معا، وسنُرسّخها معا، ونحكمها معا، ونُرسّخ الديمقراطية فيها معا.

لذلك، أنادي الأتراك والكورد والمجتمع بأسره:

كونوا مع السلام دون الخوف.

لننتصر معا بالوفاء لذكرى جميع أبنائنا وشهدائنا ومُحاربينا القدامى الذين فقدناهم.

 

صلاح الدين دميرتاش

١٣ مارس ٢٠٢٥ /

سجن أدرنة


17/04/2025