جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته لتغيير الدستور التركي، مؤكدًا أن هذه المبادرة لا تهدف إلى تمديد مسيرته السياسية، بل تأتي في إطار “مصلحة الأمة” كما وصفها.وأوضح أنه لا يطمح للترشح مجددًا، رغم ما يُثار من تكهنات بشأن احتمال سعيه لولاية رئاسية ثالثة عبر تعديل دستوري أو انتخابات مبكرة.
في تصريحات أدلى بها للصحفيين على متن طائرته أثناء عودته من المجر بعد مشاركته في قمة غير رسمية لمنظمة الدول التركية، قال أردوغان: “نحن لا نبحث عن دستور جديد من أجل أنفسنا، بل من أجل أمتنا. لا أملك طموحًا للترشح مجددًا أو أن أكون مرشحًا مرة أخرى.”
هذه التصريحات تأتي في ظل تزايد التكهنات حول نية الحكومة تعديل الدستور للسماح لأردوغان بالترشح مجددًا، على الرغم من القيود المفروضة حاليًا بموجب النظام الرئاسي المعتمد عام 2018.
الحدود الدستورية وإمكانية الترشح
ينص الدستور التركي الحالي على أن الرئيس يمكنه تولي منصبه لفترتين فقط، مما يجعل الفترة الرئاسية الحالية لأردوغان – وهي الثانية في ظل النظام الرئاسي – الأخيرة، إلا إذا دعا البرلمان إلى انتخابات مبكرة، ما يُعيد العدّ من جديد وفق تأويلات قانونية مثيرة للجدل.
لكن هذا السيناريو يُقابل بانتقادات حادة من المعارضة ومنظمات حقوقية ترى أن أي محاولة لإعادة تفسير القيود الدستورية الحالية تُعد انتهاكًا لسيادة القانون، وقد تُسهم في تركيز السلطات بيد الرئيس على حساب استقلال المؤسسات.
السياق السياسي والدستوري
أوضح أردوغان أن مشروع تعديل الدستور يهدف إلى إرساء نظام ديمقراطي أكثر شمولية وعدالة للأجيال القادمة، مؤكدًا أن المسودة الرسمية لم تُقدّم بعد إلى البرلمان، كما شدد على أهمية صياغة دستور “مدني” جديد بديل عن الدستور الحالي الذي صِيغ عقب انقلاب 1980 العسكري.
وقال: “لم نعد نريد دستورًا كُتب بأيدي الانقلابيين، بل نحتاج إلى واحد يصوغه المدنيون. لا يوجد خلاف على المبادئ الأربعة الأولى من الدستور.” في إشارة إلى الأسس التي تقوم عليها الجمهورية التركية، من علمانية ووحدة الدولة.
تحديات سياسية وتشريعية
تتطلب أي محاولة لتعديل الدستور التركي حشد غالبية كبيرة في البرلمان، حيث ينبغي موافقة ثلثي البرلمان (400 مقعد) لاعتماد التعديل مباشرة، أو ثلاثة أخماس (360 مقعدًا) لطرحه في استفتاء شعبي. غير أن حزب العدالة والتنمية الحاكم وتحالفه مع الأحزاب القومية لا يملكون حتى الآن العدد الكافي من المقاعد، مما يجعل تمرير التعديل رهينًا بدعم من المعارضة.
رسائل متضاربة حول الترشح
رغم تصريحاته الأخيرة، فإن مواقف أردوغان السابقة لا تزال تُثير الجدل. ففي حملته قبل الانتخابات المحلية في مارس 2024، أكد أن هذه ستكون آخر انتخابات يخوضها، وقال: وفقًا لما يمنحني إياه القانون من صلاحيات، هذه الانتخابات هي الأخيرة لي.”
لكن خلال مهرجان انتخابي في يناير 2024 بمدينة شانلي أورفا، دعا المغني الشهير إبراهيم تاتليسس أردوغان للترشح مجددًا، فما كان من الرئيس إلا أن أجابه: “إذا كنتَ موجودًا، فأنا موجود.” وهو ما أعاد إشعال التكهنات بشأن نيته الحقيقية.