×

  تركيا و الملف الکردي

  ​الكرد يؤسسون لدولة ديمقراطية جديدة في تركيا



 

*بوابة اخبار تركيا

يرى الكاتب والمفكر السياسي التركي البارز ممتازر توركونه أن إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح لحظة فارقة في تاريخ تركيا، ستسقط معها مفاهيم "الإرهاب" كأداة أمنية، وتفتح المجال لإصلاحات دستورية تُنهي مظالم الكرد وتعزز الديمقراطية للجميع.

واعتبر البروفسور ممتازر توركونه أن يوم تخلي حزب العمال الكردستاني (PKK) عن السلاح، وما تبعه من مراسم رمزية لحرق الأسلحة ومغادرة مقاتلين، أغلبهم من النساء، لساحة الاحتفال، يمثل “يوما تاريخيا” يجب أن يُنظر إليه على أنه بداية لنهاية منظومة كاملة من المفاهيم والممارسات الأمنية في تركيا.

وأكد أن مفهوم “الإرهاب”، الذي بُني عليه النظام الأمني والقانوني والإعلامي في البلاد منذ عقود، لم يكن موجودا في البنية السياسية التركية قبل ظهور حزب العمال الكردستاني، بل كانت مصطلحات أخرى تسود الأدبيات السياسية قبله مثل “الفوضى” و”التشويش” و”التدهيش”. أما بعد ظهور هذا التنظيم، فقد تحول “الإرهاب” إلى مصطلح شامل استخدمته الدولة كـ“أداة لفتح كل الأبواب” لتبرير الإجراءات الاستثنائية وقمع الخصوم والمعارضين، من “إرهاب الخضروات” إلى “إرهاب المرور”، حسب تعبيره الساخر.

 

الدولة على مفترق طرق: قوانين جديدة أم خواء أمني؟

بحسب توركونه، فإن انسحاب العمال الكردستاني من المشهد المسلح يعني أن كل المؤسسات الأمنية والإدارية والقانونية التي بُنيت على مكافحة “الإرهاب” ستفقد وظيفتها. وعلى رأس هذه المؤسسات قانون مكافحة الإرهاب، وقائمة الجرائم الإرهابية، التي يتوقع أن تصبح غير قابلة للتطبيق بصيغتها الحالية.

وأضاف أن المفهوم الرسمي لـ”تركيا بلا إرهاب” سيصبح بلا معنى بعد اختفاء العدو المفترض، ما يستدعي من الدولة إعادة إنتاج لغتها السياسية وإطارها التشريعي كاملا، مشددا على أن هذا يتطلب تحولا جذريا في بنية الدولة من أعلى إلى أسفل.

 

هل تبدأ مرحلة “الدولة المدنية”؟ نهاية الإرهاب بداية للديمقراطية

يرى توركونه أن المرحلة المقبلة يجب أن تتمثل في تعزيز الدولة المدنية الديمقراطية، حيث لم يعد مقبولا استخدام أدوات مثل الاعتقال الاحترازي أو نظام الوصاية (تعيين الأوصياء) أو حالة الطوارئ. كما أن استمرار احتجاز زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرتاش لم يعد له أي مبرر، خاصة في ظل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ويشكل تحديا صريحا لأي نية إصلاحية.

وأكد أن نهاية العنف تفتح الباب أمام الإصلاحات الدستورية والقانونية، معتبرا أن هذا ليس مطلبا كرديا فقط، بل حاجة وطنية لانتقال تركيا إلى مرحلة ديمقراطية حقيقية.

 

بين التفاؤل والحذر: هل تتخذ الدولة خطوة مقابلة؟

رغم وصفه للمشهد بأنه غير مسبوق، لم يُخفِ توركونه تحفظه من غياب المبادرات الرسمية المقابلة. وقال إن التخلي عن السلاح جاء بقرار أحادي من قيادةالعمال الكردستاني وبتوجيه من عبدالله أوجلان، دون مفاوضات أو مقايضات، ودون وجود ضمانات مقابلة من الدولة، ما يجعل الخطوة التالية في ملعب الحكومة.

وفي هذا السياق، لفت توركونه الانتباه إلى تصريحات زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، الذي قال إن الرئيس أردوغان “تبنّى منذ البداية تركيا بلا إرهاب”، دون أن يذكر أنه هو من أطلق المبادرة أو أدارها. ووصف توركونه هذه العبارات بأنها مُحملة بالإشارات والرسائل غير المباشرة، مضيفا: “بهجلي يقول إن أردوغان ضحى بشيء، لكن لا نعرف ماذا ضحى به“.

 

رهانات الخارج أكبر من الداخل: الخطر من سوريا

رأى توركونه أن أكبر خطر يهدد المرحلة الجديدة لا يأتي من الداخل التركي بل من سوريا، في ظل تعقيدات الوضع الكردي هناك. وقال: “كل الديناميكيات الداخلية تسير باتجاه التهدئة، أما الخارج – خاصة شمال سوريا – فهو بؤرة الخطر“.

وأوضح أن ما أوصل تركيا إلى هذه المرحلة من التقدم هو في الحقيقة ضغوط ومتغيرات إقليمية، وليس فقط إرادة سياسية داخلية. ولذلك، فإن أي محاولة لتقويض المسار قد تأتي من تحركات إقليمية أو دولية مرتبطة بالوضع الكردي في سوريا والعراق.

 

ما بعد السلاح: من الشراكة إلى المصير المشترك

واعتبر توركونه أن ما يجري اليوم ليس مجرد عملية سلام أو وقف حرب، بل عملية تحوّل إلى شراكة سياسية ومصير مشترك، مؤكدا أن “هذا ليس تصالحا بين عدوين، بل قرار استراتيجي للعيش معا على أسس المساواة والكرامة والحرية“.

وأوضح أن خسارة الكرد لن تكون من نصيبهم، بل من نصيب من يعرقلون المسار، مشيرا إلى أن أوجلان نفسه، بتصريحاته الأخيرة، قطع الطريق على فكرة الدولة الكردية، مما سحب البساط من تحالفات قومية متشددة داخل تركيا.

 

الديمقراطية ليست مكافأة للكرد بل فرصة لتركيا كلها

ختم توركونه تحليله بالتأكيد على أن ما يحدث ليس مجرد تنازل أو هدية تُمنح للكرد، بل فرصة تاريخية لتركيا بأكملها لتجاوز إرث الاستبداد والانغلاق، قائلا: “قد يتحرر الكرد أولا من الخوف من دق الباب عند الفجر، لكننا جميعا سنستفيد من هذا التحرر… هذه ليست مجرد مصالحة، بل تأسيس لدولة ديمقراطية جديدة“.


13/07/2025