×

  بحوث و دراسات

  مخرجات قمة بريكس وقضايا الجنوب



*د. صدفة محمد محمود

*انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

شهدت قمة بريكس في مدينة "ريو دي جانيرو" بالبرازيل يومي 6 و7 يوليو 2025، التي عقدت تحت شعار "تعزيز تعاون الجنوب العالمي من أجل حوكمة أكثر شمولا واستدامة"، تناول عدد من القضايا الرئيسية من قبيل إصلاح الحوكمة العالمية والمؤسسات متعددة الأطراف، وتعزيز السلام والاستقرار الدوليين، كما تضمن بيان القمة انتقاد الحمائية التجارية على الساحة العالمية، والترويج لأهمية مكافحة تغير المناخ وتعميق التعاون الصحي العالمي، وكذلك حوكمة الذكاء الاصطناعي. وبالرغم من مساعي بريكس لتعزيز حضورها، فإنها تواجه تحديات كبيرة مثل الضغوط الأمريكية، والنزاعات والتفاوتات الداخلية بين الدول الأعضاء، علاوة على الإشكاليات التي تواجه تنفيذ وتمويل مبادرات المجموعة.

 

أولويات الأجندة

طغى على أجندة قمة مجموعة بريكس عدد من القضايا العالمية المحورية، والتي سعت القوى الصاعدة في الجنوب العالمي إلى بلورة موقف مشترك بشأنها، وذلك على النحو التالي:

 

1- إصلاح الحوكمة العالمية:

تضمن الإعلان الختامي لقمة بريكس التأكيد على الدور المركزي لبريكس في التعبير عن مخاوف وأولويات الجنوب العالمي، وكذلك في تعزيز "نظام دولي أكثر عدلا واستدامة وشمولية وتمثيلا واستقرارا يستند إلى القانون الدولي". ودعت المجموعة إلى "إصلاح شامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي"، لجعلها أكثر انعكاسا للحقائق المعاصرة. وتضمن الإعلان دعما لتطلعات الهند والبرازيل "للعب دور أكبر في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي". وللتغلب على الخلافات بين الدول الأفريقية حول ممثل القارة بالمجلس، ترك إعلان ريو مسألة أي بلد يجب أن يمثل مصالح أفريقيا في المجلس مفتوحا. بالمثل، طالب وزراء مالية دول بريكس بزيادة حصص البلدان الناشئة والنامية في صندوق النقد الدولي، واتفقوا على دعم مطالبهم في اجتماع مراجعة الصندوق في ديسمبر القادم.

 

2- تعزيز السلام والاستقرار الدوليين:

 أكدت دول بريكس على ضرورة تبني الحلول السلمية للصراعات، وأعربت عن قلقها "بشأن الصراعات المستمرة في أجزاء مختلفة من العالم"، و"ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي". ودعا إعلان ريو إلى "وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج عن جميع الرهائن والمحتجزين، والوصول المستدام دون عوائق لإيصال المساعدات الإنسانية".

في الوقت نفسه، أعربت دول المجموعة عن إدانتها للهجمات العسكرية ضد إيران، وهي عضو في بريكس، باعتبارها تُشكل انتهاكا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. رغم ذلك تجنب الإعلان إدانة إسرائيل والولايات المتحدة مباشرة كما كانت تضغط إيران. وبالنسبة لحرب أوكرانيا، فقد خلا الإعلان من انتقاد روسيا العضو المؤسس في بريكس، ولكنه أشاد ببعض الجهود المبذولة لحل النزاع سلميا.

 

3- انتقاد الحمائية التجارية:

 شدد إعلان القمة على أن "انتشار الإجراءات المقيدة للتجارة، سواء في شكل زيادات عشوائية في التعريفات الجمركية والتدابير غير الجمركية، أو في شكل حمائية بذريعة الأهداف البيئية، يهدد التجارة العالمية". مع ذلك، لم يكن هناك أي ذكر مباشر للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أو الولايات المتحدة. وبالمثل، كانت هناك انتقادات مبطنة للسياسات البيئية للاتحاد الأوروبي التي قد تحد من التجارة في الزراعة من المناطق التي حدثت فيها إزالة الغابات. لذا، رفض إعلان ريو "التدابير الحمائية أحادية الجانب والعقابية والتمييزية بحجة المخاوف البيئية، مثل لوائح إزالة الغابات". في محاولة أخرى لتجنب غضب ترامب، لم تناقش القمة مقترح إنشاء عملة مشتركة لبريكس، لكن دولها جددوا التزامهم بتعزيز التجارة بالعملات المحلية وتعميق النقاش حول إنشاء "مبادرة بريكس للمدفوعات عبر الحدود".

 

4- مكافحة تغير المناخ:

مثّلت القمة فرصة ثمينة للبرازيل للمضيّ قدما في مفاوضات المناخ والالتزامات بشأن حماية البيئة قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP30 الذي سيُعقد في مدينة بيليم البرازيلية في نوفمبر القادم. وفي انتقاد مبطن لموقف الرئيس الأمريكي المنكر لتغير المناخ، ومع انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، جددت دول بريكس التزامها بالاتفاقيات البيئية العالمية والاعتراف بها. كما أكد بيان قادة المجموعة أن توفير التمويل المناخي "مسؤولية الدول المتقدمة تجاه البلدان النامية". وأشارت الصين ودولة الإمارات في اجتماعات مع وزير المالية البرازيلي "فرناندو حداد" في ريو إلى أنهما تخططان للاستثمار في مرفق الغابات الاستوائية، وهو اقتراح برازيلي لتمويل الحفاظ على الغابات المهددة بالانقراض حول العالم.

 

5- حوكمة الذكاء الاصطناعي:

لأول مرة، تحتل حوكمة الذكاء الاصطناعي مكانة بارزة على أجندة بريكس، التي سعت لصياغة رؤية مشتركة للجنوب العالمي حول هذه التكنولوجيا المبتكرة وتضع الجوانب الاقتصادية والتنموية في قلب النقاش. وأقرت البُلدان في الإعلان بأن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة فريدة لدفع التطور نحو مستقبل أكثر ازدهارا، ولكنها شددت على ضرورة أن تخفف حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية من المخاطر المحتملة، وأن تلبي احتياجات جميع البلدان، بما في ذلك بلدان الجنوب، مع وضع منظمة الأمم المتحدة في صميم هذه الجهود.

 

تحديات جوهرية

تُواجه جهود دول بريكس للتحدث بصوت مسموع وموحد في المحافل الدولية والدفاع عن مصالح أعضائها، مجموعة من التحديات التي ربما تُعيق فاعلية دورها في المستقبل، ومنها:

 

1- الضغوط الأمريكية لتحجيم نشاط بريكس:

 أدت عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية إلى تعقيد جهود بريكس لحشد استجابة موحدة للضغوط الأمريكية. في 7 يوليو2025، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تنضم إلى "سياسات البريكس المناهضة للولايات المتحدة"، على حد تعبيره. وسبق أن لوح بفرض رسوم جمركية بنسبة %100 على صادرات دول المجموعة في حال اتخذت خطوات لتقويض هيمنة الدولار الأمريكي، في إشارة إلى خطة بريكس لطرح عملة مشتركة. ردا على هذه التهديدات، أكد عدد من الدول أن المجموعة لا تستهدف أي دولة ثالثة، وإنما تعمل على تعزيز تعاونها المشترك، مسترشدة بمصالحها الوطنية وليس التوافق الأيديولوجي، كما شدد بعضهم على العلاقات الوثيقة بواشنطن.

 

2- النزاعات والتفاوتات الداخلية بين الدول الأعضاء:

 لدى بعض دول بريكس خلافات ونزاعات حول عدد من القضايا. تضع الصين وروسيا وكذلك إيران بنشاط مجموعة بريكس كثقل موازن للهيمنة الغربية، بينما تعطي الهند والبرازيل الأولوية للتعاون الاقتصادي على المواجهة الجيوسياسية، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخل الكتلة. بالإضافة إلى التأثيرات السلبية للتوترات الجيوسياسية بين الصين والهند. كما تُشكل التفاوتات الاقتصادية بين الأعضاء تحديا آخر. يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين بكثير الناتج المحلي الإجمالي لبقية الأعضاء، مما يُخاطر بتحريف الأولويات نحو مصالح بكين.

 

3- صعوبة تحقيق التماسك الداخلي:

 تضم مجموعة بريكس عددا من الدول لدى كل منها توجهات خارجية مختلفة ومصالح وطنية متباينة، مما يُفضي في بعض الأحيان إلى صعوبة التوصل لتوافق في الآراء، ولا سيما في قضايا حساسة مثل أوكرانيا وصراعات الشرق الأوسط. على سبيل المثال، انتهى اجتماع وزراء خارجية بريكس في أبريل 2025 دون بيان ختامي بسبب خلافات بين الدول الأفريقية حول إصلاح مجلس الأمن الدولي، مما سلّط الضوء على المخاوف من أن تعرقل التباينات في الرؤي تقدم أجندة المجموعة لإصلاح الحوكمة العالمية.

 

4- إشكاليات تنفيذ وتمويل مبادرات التكتل:

 أطلقت مجموعة بريكس منذ نشأتها عام 2009 عددا من المبادرات الرائدة، لكن بعضها يواجه صعوبات في التنفيذ. على سبيل المثال، أطلقت قمة البرازيل أطر عمل المناخ والذكاء الاصطناعي، لكن تفاصيل التنفيذ ظلت غامضة، وكانت التزامات التمويل محدودة. بالمثل، تواجه مقترحات تطوير أنظمة مالية بديلة، خاصة تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي عقبات فنية وسياسية. ويُثير تباطؤ تنفيذ بعض مبادرات بريكس المخاوف بشأن قدرة المجموعة على التطور إلى ما هو أكثر من منتدى للحوار وترجمة قوتها الاقتصادية إلى نفوذ سياسي ملموس.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن رئاسة البرازيل لقمة بريكس لعام 2025، بالرغم من التحديات العديدة التي واجهتها، تمكنت من التوفيق بين وجهات النظر المتباينة للدول الأعضاء بشأن بعض القضايا الشائكة. وتجنبت في الوقت نفسه الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، من خلال التركيز على القضايا التقنية واعتماد لغة معتدلة ومتوازنة ومستندة إلى قواعد القانون الدولي. وفي سياق عدم الاستقرار العالمي الراهن، وفرت القمة فرصة جيدة للدول الصاعدة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية، والمطالبة بتمثيل أفضل في المنتديات والمحافل الدولية، مع محاولة تقديم رؤى بديلة لمسائل الحرب والسلام والتجارة والحوكمة العالمية.


17/07/2025