بوابة تركيا: مع حلول الذكرى التاسعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016، جدد رئيس حزب “المستقبل” أحمد داود أوغلو دعوته إلى نشر تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول الأحداث، والذي أعده البرلمان التركي عقب الانقلاب، لكنه لم يُنشر حتى اليوم.
وقال داود أوغلو في رسالة رسمية بهذه المناسبة إن “تركيا يجب أن ترى الحقائق التي أُجبرت على البقاء خلف ستار من الضباب، بكل شفافية”، مؤكدا أن نشر التقرير ليس مجرد واجب سياسي، بل التزام أخلاقي تجاه الشعب وأرواح الشهداء.
دعوة لرفع الغموض: “التقرير حق الشعب”
في بيانه الذي تزامن مع الذكرى السنوية للأحداث، شدد داود أوغلو – الذي شغل سابقا منصب رئيس الوزراء في حكومة حزب العدالة والتنمية – على أن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية يجب أن يُعلن للرأي العام فورا وبشكل شفاف، وأضاف:”هذا هو الحد الأدنى من الاحترام الواجب تجاه المؤسسة التشريعية – البرلمان التركي.”
كما طالب بأن يتضمن التقرير إجابات المسؤولين السياسيين والبيروقراطيين الذين كانوا في مناصبهم ليلة الانقلاب، حتى أولئك الذين لم يردوا على أسئلة اللجنة سابقا.
تركيا تستحق الحقيقة: “لا لطمس الحقائق”
قال داود أوغلو إن تركيا تملك الحق الكامل في الاطلاع على كل النقاط المظلمة والخفية التي لا تزال تكتنف تلك الليلة، مؤكدا أن حجب الحقيقة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعمّق الجراح: “لا يجوز أن تبقى الحقائق محجوبة خلف ستار من الضباب. التقرير البرلماني هو ليس فقط واجبا سياسيا، بل واجب أخلاقي تجاه 251 مواطنا استشهدوا في تلك الليلة.”
أعاد داود أوغلو التذكير بموقفه ليلة الانقلاب، قائلا إنه استخدم كل منصة وطنية ودولية متاحة آنذاك للدفاع عن الشرعية، مشيرا إلى ما قاله آنذاك: “قد تبدو الليلة مظلمة، لكن نهايتها فجر مشرق… كما دافعنا عن كرامتنا ضد التدخلات الخارجية، سنواصل الدفاع عنها ضد كل الانقلابات.”
وأضاف: “ما قلته في تلك الليلة، لا زلت أقف عليه اليوم. موقفي لم يتغير.”
دعوة مباشرة للسلطة: الشفافية أو فقدان الثقة
في ختام بيانه، وجه داود أوغلو نداء مباشرا للحكومة الحالية قائلا: “ندعو الحكومة إلى الكشف عن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول محاولة الانقلاب، بكل تفاصيله وشفافيته.”
وأشار إلى أن هذا التقرير يجب أن يتضمن أيضا ردود كل من كان في موقع المسؤولية آنذاك، حتى أولئك الذين تجاهلوا أسئلة اللجنة البرلمانية، مؤكدا أن الأمر ليس مجرد إجراء إداري، بل “دينٌ في أعناقنا تجاه الشهداء.”
اتهامات خطيرة لأردوغان
وفي تصريحات أدلى بها في 2019، قال داود أوغلو فيما يتعلق بعملية إقالته من منصب رئيس الوزراء في مايو 2016: “كان يجب إبعادي من رئاسة الوزراء من أجل تنفيذ سيناريوهات، من قبيل انقلاب 15 تموز 2016، وتحقيق نقل تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي مغلوط”.
كما أن داود أوغلو قال في تصريحات موجهة في العام ذاته إلى رفيقه السابق أردوغان: “إن الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس”، بعدما اتهمه الأخير بـ”الخيانة” والعمل مع قوى غربية من أجل الإطاحة به.
“فترة دفاتر الإرهاب” التي تحدث عنها داود أوغلو تمتد من الأول من يونيو حتى الأول من نوفمبر من عام 2015، وشهد أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا، وفقا لداود أوغلو، حيث تراجع أردوغان عن مفاوضات السلام التي كان يجريها مع حزب العمال الكردستاني وعادت الاشتباكات بين الطرفين.
تقرير ضائع منذ 2017
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، شكّل البرلمان التركي لجنة تحقيق برلمانية خاصة لتقصي الحقائق، وأُعلن عام 2017 عن قرب الانتهاء من إعداد التقرير النهائي. ومع ذلك، لم يُنشر التقرير حتى اليوم، رغم مرور تسع سنوات على الأحداث.
توجّه المعارضة التركية اتهامات مباشرة للحكومة، بإخفاء التقرير أو تعطيل نشره عمدا. وتعتبر هذه الخطوة محاولة لطمس حقائق قد تكشف تورط أطراف نافذة في الدولة أو تكشف عن تقاعس رسمي في التصدي للمحاولة الانقلابية.
شخصيات بارزة امتنعت عن الشهادة
تفيد مصادر مطلعة أن شخصيات سياسية وأمنية رفيعة رفضت الإدلاء بشهاداتها أمام اللجنة، ومن أبرزهم:
-رئيس الاستخبارات آنذاك هاكان فيدان
-رئيس الأركان العامة خلوصي أكار
ورغم أنهما كانا من أكثر المسؤولين اطلاعا على مجريات الانقلاب، اكتفيا بإرسال روايات خطية بدلا من المثول أمام اللجنة.
قيود على استدعاء الشهود واختيار انتقائي للأسماء
أغلب أعضاء لجنة تقصي الحقائق كانوا من نواب الحزب الحاكم (العدالة والتنمية). وقد أعلنت اللجنة أنها ستستمع فقط لشهادات الجنرالات الذين يوافقون الرواية الرسمية، واستبعدت استدعاء الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء آنذاك بن علي يلدريم، إلى جانب أكار وفيدان، في خطوة مثيرة للجدل.
المعارضة: التقرير يحتوي على ما ينسف الرواية الرسمية
تؤكد أحزاب المعارضة أن عدم نشر التقرير سببه الخوف من كشف حقائق محرجة للنظام، وترجّح أن التقرير قد يتضمن أدلة على أن الانقلاب كان مدبّرا، أو على الأقل، تم التغاضي عنه وتوظيفه سياسيا لتصفية خصوم الحكومة.
ونشرت وسائل إعلام تركية في يوليو 2019 تصريحات لأحد نواب الحزب الحاكم، أفاد فيها أن التقرير لم يُنشر خوفا من أن يقوم متهمون في قضايا الانقلاب أو المحسوبين على حركة الخدمة باستخدامه كدليل أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، خاصة أن التقرير تضمن تحفظات واعتراضات من نواب المعارضة داخل اللجنة.