*آزاد إبراهيم أحمد
*ترجمة وتحرير: نرمين عثمان محمد
لم يَعُد النفط في يومنا هذا مجرّد مورد اقتصادي أو "ثروة تحت الأرض"، بل أصبح أداة استراتيجية تمارس عبرها الدول نفوذا سياسيا وجيوسياسيا واسع النطاق. فالدول المنتجة للنفط لم تعد تفكر به فقط من منظور العائدات المالية، بل من زاوية التأثير في السياسات الدولية، وتحديد موازين القوى، والتحكم في خطوط التوتر والتحالف. والمملكة العربية السعودية تمثل نموذجا بارزا لهذا التحول.
السعودية والنفط كورقة جيوسياسية
في عام 1996، وعقب تسلّم بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في إسرائيل، عُقِد في موسكو ندوة شارك فيها عدد من الخبراء، تناولت دور النفط في إعادة رسم الخريطة السياسية للعالم، لا سيما في الشرق الأوسط.
خلال الندوة، وجّه نتنياهو طلبا مباشرا لروسيا لزيادة صادراتها من النفط إلى الولايات المتحدة، في محاولة لمساعدة واشنطن على تقليل اعتمادها على النفط السعودي.
وقد قال وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني أن نتنياهو أنهى مداخلته بالقول:"إذا زادت روسيا من صادراتها النفطية لأمريكا، سأريكم كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع السعودية".
هذا الموقف يعكس عمق تأثير النفط السعودي في السياسة الدولية، وخصوصا في العلاقة مع أمريكا، بحيث لم تعد هناك أي قوة قادرة على معاداة السعودية بشكل مباشر، ما دامت تتحكم بهذا المورد الحساس.
النموذج العراقي: النفط كعبء لا كأداة
في المقابل، فشل العراق، رغم امتلاكه لاحتياطي نفطي ضخم، في استخدامه كأداة للنفوذ السياسي. تشير مجلة "الوسط" إلى أن "آخر دفقات النفط العالمية ستكون من العراق"، في إشارة إلى غزارة الثروة النفطية، لكن الواقع يظهر أن العراق لم ينجح أبدا في توظيف هذه الثروة لصالح سياساته أو مكانته الإقليمية والدولية.
في عهد صدام حسين، تحولت الثروة النفطية إلى كارثة قومية. النفط كان يُمنح كهدايا شخصية، كما في حالة تصديره للأردن تحت مسمى "هبة صدام للملك"، دون أي دبلوماسية موازية أو استراتيجية تحمي العراق من العزلة الدولية أو تخلق له حلفاء أقوياء.
السعودية: من ريعية اقتصادية إلى ريادية سياسية
منذ عهد الملك فيصل، انتهجت السعودية سياسة نفطية مزدوجة:
• داخليا: الحفاظ على استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
• خارجيا: استخدام النفط كأداة ضغط وتفاوض مع القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا.
هذا النهج جعل من النفط وسيلة للدفاع الاستراتيجي، وركيزة لتحصين الذات، إلى جانب دوره في تأمين حلفاء أقوياء، وفرض مكانة مرموقة في الخريطة العالمية.
أين يقف الكرد من هذه المعادلة
رغم أن الكرد اليوم يملكون حصة معتبرة من الثروة النفطية، إلا أنهم لم يستطيعوا استنساخ النموذج السعودي في توظيف النفط كأداة دبلوماسية. لم يصبحوا جزءا من المشاريع السياسية الكبرى في المنطقة، ولا من خارطة التحالفات الأمريكية المؤثرة.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة لا تملك دافعا استراتيجيا لحمايتهم أو اعتبارهم حليفا جيوسياسيا في حال وقوع أي تهديد أو صراع إقليمي.