*المفكر سعيد ناشيد
اليسار العالمي كما تشكل خلال القرنيين 19 و20، وتمكن خلال القرن 20 من تشكيل أهم التيارات الفكرية، النقابية، النسائية، البيئية، والطلابية، أصبح في القرن 21 يعاني من أزمة وجودية مركبة، ذات طابع أيديولوجي، أخلاقي، تنظيمي، ورمزي.
إذا أراد اليسار العالمي اليوم أن ينجو من الانقراض فما عليه إلا أن يُجدد ذاته وقدراته الفكرية والتنظيمية، ما عليه إلا أن يقوم بمراجعة نقدية جذرية وشجاعة.
هنا أمنح لنفسي الحق في تقديم الوصايا العشر الآتية:
1 - القطيعة مع الأوهام الخلاصية:
لا يمضي التاريخ في خط مستقيم نحو "الثورة الكبرى" أو "نهاية الرأسمالية"، بل لا غاية له سوى تحسين جودة الحياة على الدوام. وإن كان التاريخ يتقدم بالفعل، فإن مبدأ التقدم ليس سوى انعكاس للدافع الغريزي الذي بموجبه يأمل كل واحد منا أن يعيش أبناؤه حياة أفضل من حياته.
2- القطيعة مع الانفعالات السلبية:
الرهان "الثوري" على تأجيج الحقد والسخط والغضب، يعيق القدرة على الفهم، وينتج كائنات كارهة حاقدة ساخطة مكتئبة، كائنات تثير نفور الناس في آخر الحساب.
3-التخلص من العداء العقيم للتطور التكنولوجي:
صحيح أن هناك عداء للتطور التكنولوجي نابع من أعماق اللاوعي الجمعي البدائي للإنسان، وكثيرا ما تقع فيه حركات التحرر نفسها، إلا أن مكاسب التقنية المتطورة ليست شرا مطلقا، بل يمكنها أن تمثل حقلا واسعا للصراع التحرري للإنسان.
4- إعادة تعريف العدالة:
لم تعد المظلومية طبقية وحسب، بل تشمل مظلوميات نفسية، عاطفية، هوياتية، مناخية، إلخ. كما أن الدفاع عن حق الإنسان في العيش الكريم، لا يقتصر على الأجر العادل، بل يشمل بيئة العمل، بيئة الإنتاج، ظروف التكوين والتكوين المستمر، علاقات الزمالة، الصحة النفسية، والحق في السعادة.
5- تجديد الخطاب:
خطاب اليسار لا يزال يعتمد على أسلوب إنشائي قديم، ثقيل، وغالبا ما يبدو متعاليا، لذلك يجب اعتماد خطاب تحرري، إنساني، بسيط، وواضح، يراهن على تحسين القدرة على الفهم بعيدا كل البعد عن جلسات تأجيج الانفعالات.
6 -المصالحة مع البعد الروحي:
ليس من الضروري أن يكون اليسار دينيا، لكن عليه ألا يُقصي الحس الروحي في الإنسان. إن الروحانية النقدية كما يجسدها أمثال غاندي، ومارتن لوثر كينغ، وأبي بيير، يمكن تطويرها بالفعل انطلاقا من المعطيات الأكثر راهنية.
7 -بناء تحالفات مرنة:
لم يعد ممكنا أن يظل اليسار "نقيا" في برج عاجي، عليه أن يتقن فن التحالفات المرحلية، والانفتاح على مختلف الحركات المدنية، وتجارب الدول، دون التوجس منها أو السعي إلى الهيمنة عليها.
8 -تجديد الأطر التنظيمية:
الأحزاب اليسارية الكلاسيكية أصبحت هياكل متخشبة، من هنا تنبع الحاجة إلى أشكال جديدة تتمثل على سبيل المثال في شبكات مرنة، منصات تفكير، ومبادرات رقمية.
9-التفكير في المستقبل:
بدل الاكتفاء بفضح الرأسمالية، ينبغي الاجتهاد في تقديم رؤى جديدة للعلاقات، للتعليم، للمدن، للوقت، للعيش المشترك، ما يضمن الانخراط في تصميم عالم بديل لا يمكن بناؤه إلا على دفعات، بعيدا كل البعد عن أسطورة "الخلاص غدا".
10 -صناعة المعنى:
الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل يحتاج أيضا إلى معنى، أفق، مغزى. لذلك ينبغي على اليسار المتجدد أن يكون قوة لصناعة المعنى بدل الاكتفاء بالاحتجاج، قوة تبعث فينا الإيمان بأن أبناءنا يمكن أن يعيشوا أفضل منا.
بهذا النحو، فقط بهذا النحو، يمكن أن ينجو اليسار العالمي من الانقراض، وإلا فلروحه السلام !