(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" إن هجمات بمسيّرات نفذتها جماعات مجهولة بين 14 و16 يوليو/تموز 2025 على خمسة حقول نفطية في إقليم كردستان العراق، ألحقت أضرارا جسيمة بإنتاج الطاقة في الإقليم.
تُشكل هجمات المسيرات تصعيدا خطيرا في النزاع الطويل الأمد بين بغداد وأربيل حول السيطرة على عائدات النفط وتوزيعها. في إطار هذا النزاع، توقفت بغداد عن دفع رواتب القطاع العام للحكومة الإقليمية منذ مايو/أيار. على السلطات الاتحادية العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق التحقيق في هجمات المسيرات، ومنع شن مزيد من الهجمات على البنية التحتية للطاقة، وضمان دفع رواتب القطاع العام بالكامل وفي موعدها.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: "قد يتسبب التدمير المتعمد للبنية التحتية النفطية بتداعيات خطيرة على حصول سكان إقليم كردستان العراق على الخدمات العامة. ومما يزيد الطين بلة، أن آلاف المعلمين والأطباء والممرضات لا يستطيعون دفع نفقاتهم اليومية لأن رواتبهم رهينة الخلافات السياسية".
أدت الهجمات إلى توقف إنتاج حوالي 220 ألف برميل من النفط يوميا، مما خفض إجمالي إنتاج النفط في إقليم كردستان العراق بنسبة 70%، وفقا لما أوردته "ذا نيو أراب". لم يُبلغ عن وقوع إصابات. في حين لم تُعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، وجّه عزيز أحمد، نائب مدير مكتب رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، اللوم إلى "الميليشيات الإجرامية التي تتقاضى رواتبها من الحكومة العراقية".
تعتمد حكومة إقليم كردستان العراق بشكل كبير على عائدات النفط وتحويلات الميزانية الاتحادية لدفع الرواتب وتمويل الخدمات العامة. منذ 2014، حجبت بغداد بشكل متقطع حصة أربيل من الميزانية الاتحادية، مستخدمة المدفوعات كوسيلة ضغط لفرض تنازلات في المفاوضات حول عائدات النفط.
في 17 يوليو/تموز، وافقت الحكومة العراقية على اتفاق مع الحكومة الإقليمية لاستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق ودفع رواتب موظفي القطاع العام. في 24 يوليو/تموز، أكّدت وزارة المالية في حكومة الإقليم أنها تلقت الأموال وستوزعها لصرف رواتب شهر مايو/أيار. رواتب شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز لم تُصرف بعد.
قالت هيومن رايتس ووتش إن حجب بغداد رواتب القطاع العام أثّر بشكل مباشر على جودة وتوفير الخدمات العامة الأساسية، بما يشمل الرعاية الصحية والتعليم.
نتيجة لحجب تحويلات الميزانية المتعلقة بالنفط، لم تدفع حكومة إقليم كردستان العراق 16 راتبا شهريا للمعلمين، ولم تدفع سوى جزء من 44 راتبا شهريا على مدى العقد الماضي، وفقاً لتقارير "كركوك ناو". أضرب المعلمون ومديرو المدارس بشكل متكرر احتجاجا على عدم دفع رواتبهم. في أواخر 2023، أضرب حوالي 60 ألف معلم لمدة ستة أشهر، في أطول إضراب عمالي مستمر لعمال القطاع العام في إقليم كردستان العراق، مما أدى إلى حرمان 700 ألف طالب من الدراسة.
أضرب العاملون في مجال الصحة بشكل متكرر بسبب عدم دفع رواتبهم، مما أدى إلى اقتصار الخدمات على حالات الطوارئ. لجأ العديد من الأطباء، الذين يواجهون ضغوطا مالية متزايدة، إلى العمل في القطاع الخاص، مما أدى إلى انخفاض توافر الخدمات في المستشفيات الحكومية وتدني جودة الرعاية للمرضى الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الخدمات الخاصة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هجمات المسيّرات تهدد البنية التحتية للطاقة في إقليم كردستان العراق وتؤثر بشكل مباشر على الحق في الكهرباء. لا يزال الإمداد بالكهرباء في المنطقة غير منتظم، حيث لا تتوفر الكهرباء من الشبكة الوطنية سوى ست ساعات في اليوم في الشتاء و12 إلى 14 ساعة في الصيف، حسبما قال أوميد سعيد، مدير مركز التحكم لإقليم كردستان في وزارة الكهرباء، لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان.
تعرض حقل خور مور للغاز، الذي يوفر المواد الأولية اللازمة لمعظم محطات توليد الكهرباء في المنطقة، لهجمات بمسيّرات تسع مرات على الأقل منذ2023، كان آخرها في فبراير/شباط 2025. في أبريل/نيسان 2024، أسفر هجوم مسيّرات على خور مور عن مقتل أربعة عمال وتعليق الإنتاج لمدة أسبوع تقريبا. على الرغم من تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لم تنشر الحكومة نتائج أي تحقيقات أو تحاسب المسؤولين.
أدانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق موجة الهجمات الأخيرة بالمسيّرات ووصفتها بـ"الأعمال الإرهابية [التي] تستهدف إلى ضرب بالبنية التحتية الاقتصادية لإقليم كردستان وتعريض سلامة الموظفين المدنيين في القطاع النفطي للخطر".
في 15 يوليو/تموز، أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإجراء تحقيق في الهجمات الأخيرة، وتعهد بمحاسبة المتورطين.
تتحمل السلطات الاتحادية والإقليمية مسؤولية حماية البنية التحتية الحيوية وحماية المدنيين. عليها أن تتصرف بحسن نية لضمان إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان، وإعطاء الأولوية لدفع رواتب القطاع العام لضمان حصول السكان على الخدمات العامة، حسبما قالت هيومن رايتس ووتش. تقاعس السلطات المستمر عن حل هذه النزاعات كان له أثر مباشر ومدمر على حقوق العاملين في القطاع العام، ومن يعتمدون على خدماتهم.
العراق، بصفته دولة طرف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، مُلزم باحترام الحق في مستوى معيشي لائق، بما يشمل صرف الأجور في مواعيدها، والصحة، والتعليم.
قالت صنبر: "على بغداد وأربيل التوقف عن استخدام رواتب الموظفين المدنيين وسبل عيشهم كورقة مساومة في المفاوضات حول النفط".