*د.إيتان لاسري
موقع صحيفة"معاريف"/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
في خضم واحدة من أشد الأزمات الأمنية وطأة وأطولها أمدا التي شهدها الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، لاتزال اتفاقيات إبراهيم تُثبت مكانتها كمحور جيوسياسي محوري، تُحرك عمليات تغيير إقليمية عميقة.
منذ توقيعها في سبتمبر 2020 بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، أرست هذه الاتفاقيات أساسا متينا لتعاون رائد في مجالات التجارة والسياحة والتكنولوجيا والطاقة والصحة والزراعة والأمن السيبراني.
لكن الإمكانات الرئيسية تكمن في المستقبل: في إمكانية انضمام دول إسلامية أخرى، بقيادة المملكة العربية السعودية، صاحبة الاقتصاد الأكبر والأكثر استقرارا وتأثيرا في المنطقة (بإجمالي ناتج محلي إجمالي يبلغ 1.083 تريليون دولار أمريكي عام 2024).
ومن شأن الحوارات المختلفة التي جرت في الأشهر الأخيرة مع عُمان ولبنان، وحتى سوريا، أن تُعزز بشكل كبير الأثر الاقتصادي والجيوستراتيجي للاتفاقيات.
رغم صراع إسرائيل المطول في ستة جبهات حرب مختلفة، بما في ذلك المواجهة المباشرة مع إيران (يونيو/حزيران 2025)، اختارت الإمارات والبحرين عدم الانسحاب من الاتفاقيات أو تجميدها، بل مواصلة علاقاتهما التجارية مع إسرائيل، مع دعم الفلسطينيين.
وهذا مؤشر واضح على أن السلام الإقليمي أصبح قائما على مساحة من المصالح الجيوسياسية العميقة، ولم يعد مشروطا فقط بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
الاقتصاد كأساس لاستقرار الشرق الأوسط
ساهمت اتفاقيات إبراهيم في نمو اقتصادي ملحوظ في إسرائيل، وأدت إلى فتح أسواق جديدة، وجذب استثمارات في مختلف المجالات، وإنشاء فروع لشركات إسرائيلية في الدول العربية.
فعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة مع البحرين بنسبة 1527% بين عامي 2023 و2024. كما ساهمت هذه الاتفاقيات، التي ساهمت في ترسيخ مكانتها الإقليمية، في خلق فرص عمل جديدة.
وقد استثمرت الإمارات العربية المتحدة بكثافة في الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء في إسرائيل، بما في ذلك إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في معهد التخنيون. كما سُجِّلت تعاونات إضافية في المجالات التالية:
**· السياحة : التبادل السياحي وتوسيع العلاقات الثقافية. · الزراعة : تطوير التقنيات المبتكرة والأمن الغذائي.
**· الطاقة : تعزيز المشاريع في مجال الطاقة المتجددة.
**· السيبرانية : تطوير تقنيات الدفاع والهجوم.
**· الصحة : البحث والتطوير وتبادل المعرفة. تربط إسرائيل والمملكة العربية السعودية علاقات وطيدة منذ سنوات، أحيانا عبر طرف ثالث، وأحيانا أخرى بشكل مباشر وسرّيّ.
في السنوات الأخيرة، سعت إسرائيل وواشنطن إلى دفع عملية التطبيع بين البلدين، بما في ذلك تطوير العلاقات الدبلوماسية والتجارية. في هذه المرحلة، من المهم توضيح أنه عشية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت الدولتان على وشك توقيع اتفاقية تاريخية، لكن حماس - بدعم من إيران - عرقلت هذه الخطوة، مما أدى إلى تصعيد أمني إقليمي وتزايد الضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
مع ذلك، في ظل ضعف إيران، وانهيار نظام الأسد، وتغيرات إقليمية أخرى، تُقدم المملكة العربية السعودية الآن نموذجا أكثر مرونة وواقعية.
ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كان سابقا مشروطا بتحقيق تقدم سياسي مع الفلسطينيين لاتفاقية التطبيع، يُظهر الآن استعدادا للتوصل إلى اتفاق بوساطة أمريكية - حتى دون حل شامل للقضية. هذا في ظلّ ضغوط داخلية داخل العائلة المالكة، وحساسية سياسية عالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
مساحة جديدة من التحديات والفرص
إن توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم ينطوي على تحديات كبيرة إلى جانب فرص استثنائية:
** إنشاء كتلة هان الإيرانية وإنشاء بنية أمنية إقليمية جديدة.
** تكييف الاقتصادات مع متطلبات الأسواق الجديدة وزيادة القدرة التنافسية مع الشركات العالمية.
** التعاون الثنائي/المتعدد الأطراف مع الدول الإسلامية الأخرى في آسيا (مثل أذربيجان وإندونيسيا وكازاخستان) مع تعزيز الاستثمارات في مختلف المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي)، والسياحة، والابتكار، والزراعة.
*** إقامة مشاريع جيواقتصادية (مثل IMEC) وتوسيع البنية التحتية للتجارة والنقل والطاقة (النفط والغاز)، مع خلق مساحة/سوق/ممر اقتصادي إقليمي جديد وجذاب.
السماء ليست حصرا
وفقا لمعهد راند الأمريكي، فإن توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم قد يؤدي إلى نمو الاقتصاد الإسرائيلي بمقدار 70 مليار دولار خلال العقد المقبل، ويساهم بنحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي إذا انضمت إليه السعودية وإندونيسيا ودول أخرى. ويمثل هذا إضافة تُقدر بنحو ربع تريليون دولار، إلى جانب تنمية الموارد والمشاريع المشتركة في مجالات الغاز الطبيعي وتحلية مياه البحر والطاقة المتجددة، مما يُسهم في تحسين الأمن الغذائي وأمن الطاقة، بل ويشجع على التحديث والنمو.
من المتوقع أن يُسهم تعزيز الترابط والعلاقات مع اقتصادات الخليج في الحد من العداء تجاه إسرائيل، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وزيادة المرونة والاستقرار الإقليمي. ومن المتوقع أن تُسهم اتفاقيات التجارة الحرة، التي تُسهم في تحقيق الرخاء الجماعي، بشكل كبير في مواجهة التهديدات المشتركة (مثل التهديد النووي، والإرهاب، والتهديد السيبراني الإيراني).
رؤية إقليمية جديدة
إن توسيع اتفاقيات إبراهيم، التي بادر بها وقادها الرئيس ترامب، لا سيما في ضوء الإنجازات الأمنية الباهرة التي حققتها إسرائيل، يُعدّ حجر الزاوية في بناء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط.
ومع انضمام المزيد من الدول إلى هذه الاتفاقيات، ستتعزز شبكة الأمن الإقليمي، وستتكثف العلاقات الاقتصادية، وستُتاح فرص جديدة للتعاون والمشاريع العابرة للحدود. ومع ذلك، فإن تحقيق الاستقرار الأمني ومعالجة القضية الفلسطينية بعمق شرطان أساسيان لتوسيع نطاق الاتفاقيات لتشمل دولا رئيسية مثل المملكة العربية السعودية.
فقط عندما تزول التهديدات الإقليمية، وفي مقدمتها النفوذ الإيراني، ستتمكن الرياض من اعتبار اتفاقيات إبراهيم رافعة لتعزيز مكانتها الجيوسياسية، وضمان أمنها، وقيادة تغييرات وعمليات واسعة النطاق في الفضاء الإقليمي. لذلك، فإن اتفاقيات إبراهيم ليست "مجرد" هدف سياسي أو جيوستراتيجي، بل هي وسيلة لتحقيق رؤية ومستقبل مشتركين، يعمل فيهما جميع الشركاء معا من أجل السلام والأمن والنمو والرفاهية الاقتصادية.