في بيئة شرق أوسطية شديدة التقلب، ووسط تحولات جيوسياسية عميقة منذ هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تبدو إسرائيل أمام معادلة صعبة: موارد محدودة وعدد سكان صغير مقابل تحديات إقليمية متصاعدة.
وفي هذا السياق، يوضح د. أرمان محموديان، باحث في معهد الأمن القومي والعالمي في جامعة جنوب فلوريدا، أن إسرائيل، بدلا من السعي لفرض هيمنة مباشرة، اختارت اعتماد استراتيجية متكاملة تستند إلى منع أي قوة منافسة من السيطرة على المنطقة، على غرار سياسات بريطانيا في القرن التاسع عشر مع تكييفها لواقع القرن الحادي والعشرين.
الموارد المحدودة وصياغة البديل
أوضح الكاتب أن إسرائيل، برغم تفوقها العسكري، لا تمتلك الكثافة السكانية أو المساحة الجغرافية التي تسمح لها بالسيطرة طويلة الأمد. فهي دولة لا يتجاوز عدد سكانها 9 ملايين ومساحتها أصغر من ولاية نيوجيرسي الأمريكية.
وأضاف الكاتب أن هذه المعطيات دفعت صانعي القرار الإسرائيليين إلى تبني نهج "منع الهيمنة" كخيار استراتيجي بديل، يقوم على عرقلة أي قوة أخرى من فرض سيطرتها الإقليمية.
من الدفاع إلى الهجوم.. ما بعد 7 أكتوبر
أشار محموديان إلى أن هجمات حماس عام 2023 شكّلت نقطة تحول، حيث انتقلت إسرائيل من موقف دفاعي إلى شن حملة هجومية واسعة امتدت من غزة إلى إيران مرورا بلبنان وسوريا واليمن.
وأوضح الكاتب أن الهدف لم يكن فقط استهداف إيران ووكلائها، بل شمل أيضا كبح تهديدات ناشئة من أطراف أخرى، حتى من دول معادية لطهران مثل النظام السوري.
الركائز الثلاث للاستراتيجية الإسرائيلية
1. الموازنة الإقليمية
قال الكاتب إن إسرائيل تبني تحالفات مؤقتة على أساس تصور مشترك للتهديدات، وأضاف أنها تستثمر نفوذ الولايات المتحدة في التأثير على مسار الصراعات الإقليمية، بل وتوظف وجود روسيا في سوريا لموازنة الطموحات التركية.
2. السيطرة الجوية
أوضح محموديان أن سلاح الجو الإسرائيلي يهيمن تقريبا على أجواء المنطقة، ويمتلك قدرات عالية في الضربات الدقيقة والاستخبارات والمراقبة، ما يسمح له بردع التهديدات دون استنزاف الموارد البشرية والمادية.
3. الهيمنة الاستخباراتية
وأضاف الكاتب أن الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية طورت شبكة واسعة للتجسس والتخريب، تضم عمليات اغتيال، وهجمات إلكترونية، وخلايا نائمة داخل إيران، بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل المصادر المفتوحة.
المخاطر الكامنة
أوضح محموديان أن هذا النهج ليس خاليا من المخاطر، إذ قد يثير ردود فعل مضادة من قوى إقليمية أخرى مثل تركيا أو باكستان، ما قد يؤدي إلى تشكل تحالفات مناهضة لإسرائيل على غرار ما واجهته بريطانيا تاريخيا.
واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن إسرائيل لا تسعى لهيمنة شاملة على غرار الولايات المتحدة، بل لتوازن قوى يحفظ بقاءها وأمنها في بيئة معقدة لا تدوم فيها الإمبراطوريات طويلا.
وأكد أن نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بقدرتها على تجنب التورط في توسع مفرط قد يهدد توازن القوى نفسه.