كركوك ليست مجرد مدينة على خارطة العراق، بل قلبه النابض وميزان توازنه الوطني، وأي خطأ في إدارتها، مهما كان صغيرًا، يشبه الخطأ في عملية جراحية في الدماغ، نتائجه كارثية على الجسد كله.
هنا، لا تكفي مشاريع الإعمار ولا الأرقام في دفاتر الإنجاز، بل الأهم هو ثقة الناس، ومقبولية المكونات، والقدرة على أن يشعر الجميع أن المحافظ هو حاميهم لا خصمهم، وجسرهم نحو الأمان لا بوابة الخطر.
سبع سنوات من الإدارة بالوكالة جرّت كركوك إلى تراجع خطير: سياسات تعريب ممنهجة، ونهب منظم، وفساد، وتهميش متعمد للمكون الكردي، وإضعاف لروح التعايش التي بُنيت على مدى عقود. تحوّلت المدينة في تلك الحقبة إلى مساحة فقدت فيها الأغلبية إحساسها بالأمان، وغاب عنها الحد الأدنى من المساواة في الخدمات والحقوق، وبدأت معالم تغيير ديموغرافي تهدد هويتها المتنوعة.
في 10 آب 2024، تغير المشهد، جاء استحقاق انتخاب ريبوار طه محافظا لكركوك بدعم الاتحاد الوطني الكردستاني وحلفائه، ليكون إعلانا عن نهاية مرحلة الظلام وبداية عهد جديد، منذ اليوم الأول، رفع المحافظ شعار الشراكة الحقيقية: لا مكون مُستبعد، ولا فئة مُهمشة، ولا قرار يُصنع على حساب طرف لصالح آخر.
ريبوار طه ليس مجرد إداري، بل سياسي يعرف أن كركوك تُدار بعقل استراتيجي لا بردود أفعال.
بخلفيته القانونية والنيابية ، بدأ بتعزيز الأمن، وإطلاق مشاريع خدمية، وبناء جسور ثقة بين المكونات، متمسكًا بالنهج الذي وضعه مام جلال في جعل كركوك نموذجا للوحدة، وتحت رعاية الرئيس بافل طالباني الذي يدرك أن حماية المدينة تبدأ بحماية توازنها المكوناتي.
اليوم، يمكن القول إن كركوك استعادت بعضا من روحها الوطنية التي سُرقت منها، الاتحاد الوطني أثبت صبرا استراتيجيا في إدارة المعركة السياسية، ليعيد المحافظة إلى مسارها الصحيح، وكما قال مام جلال: “المستقبل للقيم النبيلة”، فإن هذه القيم عادت لتجد مكانها في إدارة كركوك.
إن استراتيجية الاتحاد الوطني واضحة: محافظ نشط ومعتدل، ومجلس محافظة كفوء ومتجانس، يعملان لخدمة جميع المكونات بلا استثناء، ليست هذه دعاية سياسية، بل ضمانة عملية لبقاء كركوك مدينة لكل أبنائها؛ كردا وعربا وتركمانا وكلدوآشوريين.
دعم هذه الإدارة اليوم ليس خيارا سياسيا عابرا، بل هو واجب وطني على كل من يريد حماية مستقبل كركوك من العودة إلى سياسات الماضي المظلم.
كركوك الآن، في أيدٍ أمينة تعرف جيدا أن الوحدة والتعايش ليست شعارات، بل قرار يومي ومصير مشترك.
الفرق بين الأمس واليوم واضح وجلي من مرحلة الخوف والتمييز والإقصاء، إلى مرحلة الأمل والثقة والمشاركة.
هذه ليست مجرد إدارة جديدة، بل فرصة تاريخية لكركوك كي تتحول من ساحة نزاع إلى نموذج للتعايش المصيري والازدهار.
نعم، هذا هو المحافظ الذي تحتاجه كركوك.