*شلێر غفور ژاژڵەیی
ترجمة وتحرير: نرمين عثمان محمد
في الكثير من المقالات، والندوات، والاجتماعات الداخلية والدولية، بل وحتى في إطار استراتيجية الاتحاد الوطني الكردستاني، كان العراق الديمقراطي الفيدرالي والتعايش السلمي بين مكوّناته القومية هو المرتكز الذي عمل الرئيس مام جلال، عبر ما يُعرف بـ"سياسة باقة الورد"، على صياغته كقاسم مشترك بين مختلف الأطراف. لقد كان ذلك ثمرة لرؤيته السياسية وتجربته العميقة.
منذ بداية حياته الدراسية ، وصو لا إلى نشاطه السياسي والحزبي ثم توليه الرئاسة كان دائما يجمع من حوله أولئك الساعين إلى الحرية. ومنذ اللحظة التي انهار فيها النظام العراقي على يد الولايات المتحدة وتشكّلت الحكومة، كان برنامجه العملي بما فيه من تفاصيل دقيقة وتحديات كبيرة هو توحيد المشهد السياسي العراقي بحكمة وخبرة، ليتمكّن العراقيون من العيش بأمن بعيدا عن شبح الديكتاتورية والاستبداد.
واحدة من أهم شفرات الرئيس مام جلال كانت اتصاله العميق بتاريخ طويل من النضال. ففي هذا التاريخ، كان النضال من أجل تحرير شعوب العراق والعودة إلى صوت الشعب. لم يكن الشعب عند الرئيس مام جلال يعني الكرد فقط، بل كان وقوفه بوجه نظامٍ اضطهد الكرد والعرب والتركمان وكل معارض سياسي في سبيل بقائه. لقد شكّل ذلك بداية لإقناع قوى المعارضة داخليا وأطراف كبرى عالميا بجدوى مشروعه، ومنحه فرصة النجاح في النضال من أجل الحرية وإنهاء الديكتاتورية.
حتى بعد تحرير العراق، لعبت تجربة الرئيس مام جلال في توحيد القوى السياسية المتخاصمة، ولا سيما السنة والشيعة، دورا محوريا. بل وحتى في أثناء كتابة الدستور الدائم للعراق، لم يكتفِ بضمان حقوق الكرد، بل سعى أيضا لتثبيت حقوق باقي المكوّنات القومية، وأصرّ على ترسيخ النظام الديمقراطي الفيدرالي ضمانا لحقوق وكرامة جميع العراقيين.
وإرساء السلم بعد الحرب، والديمقراطية بعد سقوط الدكتاتورية، والتعايش بعد الصراعات، وتحقيق التقدّم عبر التضحيات، وزرع الأمل بعد سنواتٍ عاشها العراقيون في القهر والدماء ، كلّها كانت تحديات ما كان ليتجاوزها العراق بسهولة لو لم يكن هناك الرئيس مام جلال. لقد رسم المسار ووضع اللبنات الأولى، لكنه أيضا حمى تلك المسيرة من الانحراف عن مسارها الطبيعي.
العودة إلى تجربة مام جلال ضرورة لجميع العراقيين، لأن تلك المرحلة تميّزت ببزوغ آفاق الأمل، وتراجع خطاب الحقد والكراهية، وصعود لغة الحوار والسلام والتعايش. تلك هي الهوية العراقية لجلال طالباني. يجب أن نعود إليها، لأنه لا يوجد حلّ آخر سواها.
إحياء تلك الشفرات التي جلبت الكثير من المكاسب للعراق وإقليم كردستان، هو في حقيقته عودة إلى أسس القانون والدستور وبناء دولة راسخة تستند إلى تلك المبادئ، بعيدا عن تكريس نزعة الأغلبية أو المصالح الذاتية. فهذه الشفرات باتت هوية لعصرٍ كامل عُرف باسم "عراق جلال الطالباني ". وفي الظروف الراهنة التي نعيشها، لا حلّ سوى الالتزام بتلك المبادئ والأسس، والعودة إلى زمن "عراق جلال الطالباني"
* عضوة في برلمان كوردستان