تبنّى مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، قراراً يُلزم إيران بإبلاغ الوكالة «دون تأخير» عن وضع مخزونها من اليورانيوم المخصب ومواقعها النووية التي تعرضت للقصف الإسرائيلي - الأميركي في يونيو (حزيران) الماضي.
وينص القرار الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على تجديد تفويض «الوكالة الذرية» لإعداد تقارير عن البرنامج النووي الإيراني، ويؤكد ضرورة أن تقدم إيران الإجابات بسرعة وتتيح لها الوصول إلى ما تريده. ونال القرار تأييد 19 صوتاً، من أصل 35، فيما امتنع 12 عضواً عن التصويت وعارضه 3.
وقالت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان موجه إلى مجلس المحافظين: «رسالتنا واضحة: يجب على إيران حل قضايا الضمانات دون تأخير. ويجب عليها تقديم تعاون عملي من خلال إتاحة الوصول وتقديم الإجابات وإعادة المراقبة لتمكين الوكالة من أداء عملها والمساعدة في بناء الثقة».
ذكر دبلوماسيون حضروا الاجتماع في فيينا أن القرار جرى اعتماده بعد تصويت 19 دولة لصالحه واعتراض ثلاث وامتناع 12 عن التصويت. والدول التي عارضت القرار هي روسيا والصين والنيجر.
وجاء في نص مشروع القرار الذي قدم لمجلس المحافظين، المكون من 35 دولة: «يتعين على إيران... أن تزود الوكالة دون تأخير بمعلومات دقيقة عن المواد النووية والمنشآت النووية الخاضعة للضمانات في إيران، وأن تمنحها كل ما تحتاج إليه للتحقق من هذه المعلومات»، حسب «رويترز».
والغرض من القرار في المقام الأول تجديد تفويض «الوكالة الذرية» وتعديله للإبلاغ عن جوانب البرنامج النووي الإيراني، لكنه نص أيضاً على أن إيران يجب أن تقدم الإجابات لـ«الوكالة الذرية»، بسرعة وتتيح لها الوصول إلى ما تريده بعد مرور خمسة أشهر على الهجمات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة.
وقدّم الرباعي الغربي مشروع القرار لمجلس محافظي «الوكالة الذرية» الأربعاء، ويطالب طهران بـ«التعاون الكامل» مع الأمم المتحدة.
وقالت الدول الأربع في البيان إن القرار «لا يخلق التزامات جديدة على إيران؛ بل يعيد الوضوح ويوفر تفويضاً محدداً للوكالة في إعداد تقاريرها، ويُعيدها إلى نمط الإبلاغ الذي كانت تعتمده قبل الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)، تحت بند واحد على جدول الأعمال. هذا الوضوح ضروري لتمكين الوكالة من أداء واجباتها».
ويسلّط القرار الضوء على استمرار عدم امتثال إيران لالتزاماتها القانونية بموجب اتفاق الضمانات المرتبط بمعاهدة عدم الانتشار، الذي يبقى سارياً ولا يمكن تعليقه تحت أي ظرف. وقالت تلك الدول إن «إيران لم تمنح الوكالة حق الوصول إلى كل منشآتها الخاضعة للضمانات».
وأضافت: «ينبغي على إيران أن تلتزم تماماً، ودون أي تحفظ، باتفاق الضمانات لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (...) لتقدم للوكالة، ودون أي تأخير، معلومات دقيقة، حول موادها ومنشآتها النووية، وأن تمنح الوكالة كل ما يلزم للتثبت من هذه المعلومات».
وأشار البيان إلى إعادة فرض ستة قرارات أممية سابقة تتعلق بإيران في مجلس الأمن، ما يعيد القيود القانونية الملزمة على برنامجها النووي، بما في ذلك تعليق جميع أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة والأنشطة المرتبطة بالماء الثقيل. وشددت على أنه «بموجب ميثاق الأمم المتحدة، على الدول الأعضاء تنفيذ هذه القرارات للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، سواء مباشرة أو من خلال مشاركتها في الهيئات الدولية ذات الصلة».
اول رد ايراني
وقالت إيران في بيان مشترك لمجلس محافظي الوكالة مع حلفاء، منهم روسيا والصين وكوبا وروسيا البيضاء: «لدينا اعتقاد راسخ أن أي عمل استفزازي، مثل تقديم قرار آخر، من شأنه أن يعرض للخطر وربما يلغي الجهود الكبيرة التي بذلها المدير العام للوكالة وإيران لتعزيز الحوار والتعاون».
تأتي الخطوة الحساسة بعدما دعت «الوكالة الذرية»، الأسبوع الماضي، إيران للسماح لها بالتحقق «في أقرب وقت من مخزوناتها من اليورانيوم، وخصوصاً العالي التخصيب».
وحذرت إيران قبل أن تقدم الولايات المتحدة ودول الترويكا الأوروبية الثلاث هذا القرار من أنه «سيؤثر سلباً» على تعاونها مع الوكالة إذا جرى إقراره. وتقول طهران إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.
وانتقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القرار، قائلاً إنه «إجراء غير قانوني وغير مبرر»، معلناً انتهاء «تفاهم القاهرة» مع «الوكالة الذرية» رسمياً. وأعلن عراقجي في مقابلة الأربعاء أن طهران لن تمسح للمفتشين بدخول منشآتها المتضررة بالقصف.
واتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الولايات المتحدة والدول الأوروبية بـ«السعي إلى رفع مستوى التوتر»، وذلك غداة اعتماد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع قرار قدمته الدول الأربع، يلزم طهران بالامتثال لمعاهدة حظر الانتشار والتعاون مع عمليات التفتيش الدولية.
وقال عراقجي في منشور على منصة «إكس» صباح الجمعة إن «الرباعي الغربي» قد «يدرك جيداً أن الإنهاء الرسمي لتفاهم القاهرة هو نتيجة مباشرة لاستفزازاته». وكتب على منصة «إكس»: «كما أن الدبلوماسية تعرّضت للهجوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو (حزيران)، فإن تفاهم القاهرة قد قُتل أيضاً على يد الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث».
وأوضح أن «تسلسل الأحداث المشين» هو الذي أوصل الوضع إلى هذه النقطة، مشيراً إلى تعرض إيران لهجوم مفاجئ من إسرائيل والولايات المتحدة، قبل بدء الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت في أبريل (نيسان) الماضي بوساطة عمانية.
وقال: «عندما وقّعت إيران لاحقاً، بوساطة مصر ورغم قصف منشآتنا النووية، اتفاقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة لاستئناف عمليات التفتيش، سعت الدول الأوروبية الثلاث، تحت ضغط أميركي، إلى فرض عقوبات من مجلس الأمن على شعبنا»، في إشارة إلى إعادة العقوبات الأممية على طهران بموجب آلية «سناب باك»، والتي دخلت حيز التنفيذ في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي.
وأضاف عراقجي في نفس السياق: «عندما بدأت إيران في منح مفتشي الوكالة الدولية إمكانية الوصول إلى منشآتها النووية، بدءاً بالمواقع التي لم تُقصف في هجمات يونيو، تعاونت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث معاً لتمرير قرار إدانة لإيران في مجلس محافظي الوكالة». وتابع: «الأمر بات واضحاً للجميع: إيران ليست الطرف الذي يسعى إلى افتعال أزمة جديدة، كما أن حسن نوايانا لا يُقدّر».
اجتماع طارئ
وعقدت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني اجتماعاً طارئاً، السبت، بحضور كبار مسؤولي الملف النووي، لبحث «رد متماثل» على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يلزم طهران بتوسيع تعاونها مع المفتشين.وأفادت وسائل إعلام إيرانية، يوم السبت، نقلاً عن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي، النائب إبراهيم رضائي، بأن كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، قدم تقريراً وصف قرار الوكالة بأنه «غير قانوني»، و«يفتقر للأساس الحقوقي»، داعياً إلى رد «متناسب»، فيما أعلن إبلاغ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإلغاء تفاهم «القاهرة» السابق، دون تقديم تفاصيل إضافية.
كما عرض نائب رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، تقريراً موازياً، وطرح مقترحاته بشأن سبل الردّ عليه. وأوضح رضائي أن أعضاء اللجنة انتقدوا بشدة القرار الصادر عن الوكالة، ووصفوه بأنه «سياسي» و«غير قانوني»، مشددين على ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه القرار الذي وصفوه بـ«الجائر».
وتناول الاجتماع أيضاً مسودة مشروع قانون «للإجراء المتقابل» ضد «القرارات العدائية»، في إشارة إلى «الانتهاكات الجسيمة» من بعض أطراف الاتفاق النووي وآلية «سناب باك». وأوضح رضائي أن المسودة تضم ست مواد تحدد مهامَّ لعدد من المؤسسات الحكومية في مجالات تتراوح بين الرد النووي، وتوسيع القدرات الاستراتيجية والدفاعية، وملفات قانونية وأمنية.
ولا يزال المشروع في مرحلة أولية، وسيخضع لمزيد من الدراسة، وفقاً لرضائي.
فرنسا وبريطانيا وألمانيا تريد فتح باب الدبلوماسية
وفي باريس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، باسكال كونفافرو الخميس، إن فرنسا وبريطانيا وألمانيا تريد فتح باب الدبلوماسية من جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل.
وأردف كونفافرو في مؤتمر صحافي أسبوعي أن القوى الأوروبية تريد دوماً مواصلة الحوار مع إيران رغم سعي الدول الثلاث في سبتمبر (أيلول) لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
وأكد ثلاثة دبلوماسيين لوكالة «رويترز» أن الدول الثلاث تأمل في إجراء محادثات مع إيران قبل نهاية العام، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت طهران مستعدة لذلك حالياً.
وتعثرت المسارات الدبلوماسية بين طهران والقوى الغربية، في أعقاب احرب الـ12 يوماً التي اندلعت إثر غارات إسرائيلية مفاجئة استهدفت خصوصاً منشآت نووية وقواعد تابعة لـ«الحرس الثوري»، وعمليات اغتيال لقادة عسكريين ومسؤولين في البرنامج النووي، وتخللتها ضربات أميركية ضد ثلاث منشآت رئيسية لتخصيب اليورانيوم، ردّت عليها طهران بإطلاق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل.
ولم تسمح إيران حتى الآن للمفتشين بدخول المواقع النووية التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو (حزيران). وتقول الوكالة إن حصر مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أمر «طال انتظاره»، وإنه يجب التعامل مع هذا الأمر «على وجه السرعة». ويتضمن المخزون مواد تقترب من الدرجة اللازمة لتصنيع أسلحة نووية.
ولا تستطيع الوكالة تفتيش المنشآت التي جرى قصفها أو التحقق من مخزون إيران من اليورانيوم قبل أن تقدم طهران تقريراً يطلع الوكالة على الوضع. وتضم المواقع التي جرى قصفها ثلاث منشآت تخصيب كانت تعمل في ذلك الوقت. وقدرت الوكالة أن إيران كانت تمتلك 440.9 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 60 في المائة، القريبة من نسبة 90 في المائة اللازمة لتصنيع أسلحة نووية، عندما قصفت إسرائيل المنشآت النووية لأول مرة في 13 يونيو (حزيران)، وأنه في حالة يمكن معها زيادة نسبة التخصيب بسهولة. وتقول إيران إنها تستطيع التخصيب إلى أي مستوى تريده في ضوء أهدافها السلمية. ووفقاً لمقياس «الوكالة الذرية»، تكفي كمية اليورانيوم هذه من الناحية النظرية لتصنيع عشر قنابل نووية إذا تم تخصيبها بشكل أكبر.
وقالت «الوكالة الذرية»: «من الضروري تمكين الوكالة من التحقق من مخزونات المواد النووية المعلن عنها سابقاً في إيران في أقرب وقت ممكن... لتهدئة المخاوف وضمان التزامها باتفاق الضمانات في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا سيما فيما يتعلق باحتمال تحويل المواد المعلن عنها عن استخدامها السلمي».
وتقول القوى الغربية إنه لا سبب لبلوغ التخصيب هذا المستوى العالي إذا كان اليورانيوم سيستخدم في الأغراض المدنية. وتقول الوكالة إن إنتاج وتخزين كمية كبيرة من اليورانيوم «مسألة تثير قلقاً بالغاً».
طهران مستعدة لبحث مقترح وساطة
وفي محاولات التأثير على مخرجات الاجتماع، قال كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد الإيراني للسياسة الخارجية، الثلاثاء، إن طهران مستعدة لبحث مقترح وساطة من الصين وروسيا بهدف إحياء التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، دون أن يشير إلى «تفاهم القاهرة».
وجاء الاتفاق بعدما علّقت طهران «كل تعاون» مع الوكالة في أعقاب الحرب مع إسرائيل، والتي استهدفت خلالها الولايات المتحدة عدداً من المواقع النووية الإيرانية. وبعد توقيع الاتفاق، رحبت القوى الأوروبية الثلاث بالخطوة، لكنها وصفتها بـ«غير الضرورية»، نظراً لالتزامات إيران بموجب معاهدة «حظر الانتشار». وأصدر البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) قانوناً لتقليص التعاون مع «الوكالة الذرية»، لكنه يشترط موافقة مجلس الأمن القومي الإيراني على أي محاولة تفتيش دولية.
وقبل إعلان عراقجي رسمياً نهاية اتفاق القاهرة، تحدث عدة مسؤولين إيرانيين على صلة بالبرنامج النووي، ونواب برلمان، عن نهاية الاتفاق، بمن فيهم الوزير نفسه.
وقبل إصدار القرار بساعات، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي، إن الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع غروسي بالقاهرة في سبتمبر الماضي «لم يُقبل أوروبياً».
غروسي: اتهامات طهران للوكالة «سياسية»…
أكّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن مفتشي الوكالة عادوا إلى إيران ونفّذوا عمليات تفتيش والتحقق من معلومات التصميم في معظم المنشآت غير المتأثرة بحرب الـ12 يوماً في يونيو (حزيران) الماضي، لكنه شدّد على أن ذلك غير كافٍ لاستعادة نظام الرقابة الكامل.
وقال غروسي، في بيانه بمستهلّ الاجتماع الفصلي لمجلس المحافظين، ، في فيينا، إن «الوكالة الذرية» لا تزال تفتقر إلى تقرير إيراني حول حالة المواقع المتضررة والمواد النووية المرتبطة بها، وهو تقرير «يجب تقديمه دون تأخير»، وفقاً لالتزامات إيران بموجب اتفاق الضمانات.
وأوضح أن «الوكالة الذرية» لم تتمكن، حتى الآن، من إجراء أي نشاط تحقق في المنشآت النووية التي تضررت خلال الهجمات، مشيراً إلى أن غياب وصول المفتشين إلى مخزونات إيران من اليورانيوم منخفض وعالي التخصيب لمدة 5 أشهر جعل عملية التحقق «متأخرة منذ زمن طويل».
وحثَّ غروسي طهران على التعاون الكامل وتسهيل التنفيذ الفعّال لجميع أنشطة الضمانات، مؤكداً استعداده لمواصلة الحوار معها. وأضاف أن التحقق من مخزونات اليورانيوم «أمر ضروري، ويجب أن يجري في أقرب وقت ممكن».
وأشار غروسي إلى الاتفاق الذي وقَّعه مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة، موضحاً أنه يُحدد فهماً للإجراءات الخاصة بتفتيش الوكالة، والإخطارات، وتنفيذ الضمانات في إيران، في أعقاب الهجمات العسكرية التي وقعت في يونيو.
وقال غروسي: «منذ ذلك الحين، سهّلت إيران وصول الوكالة لإجراء عمليات التفتيش والتحقق من معلومات التصميم، مع إشعار مسبق في معظم المنشآت غير المتأثرة في طهران، وهذا أمر مرحَّب به».
وأضاف غروسي: «على الرغم من تسجيلي تعاون إيران في عمليات التفتيش بعدد من المنشآت، فلا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الانخراط البنّاء».
وذكر: «إنني أحثُّ طهران على تسهيل التنفيذ الكامل والفعّال لأنشطة الضمانات في إيران، وفقاً لاتفاق الضمانات الملحق بمعاهدة حظر الانتشار، وأُكرر استعدادي للعمل معها في هذا الشأن».