البيت الابيض/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
مقدمة المترجم:
يشكل تقرير "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة – نوفمبر 2025 "وثيقة مفصلية تستحق قراءة معمقة من قبل النخب السياسية والإعلامية والباحثين في الشأن الدولي، لما تتضمنه من رؤى تحدد اتجاه السياسة الأميركية خلال المرحلة المقبلة، وتعيد صياغة أولويات واشنطن على المستوى العالمي.
تأتي أهمية الاطلاع على التقرير من كونه لا يكتفي بعرض المبادئ العامة، بل يقدم تصورا عمليا لموقع الولايات المتحدة في النظام الدولي، وأدوات القوة التي تعتمد عليها اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، مع إعادة تعريف مفهومي الأمن القومي والمصالح الحيوية بطريقة أكثر تركيزا على الداخل الأميركي ومبدأ "أميركا أولا".
ويبرز الشرق الأوسط في هذه الاستراتيجية بوصفه إقليما تحاول واشنطن الانتقال فيه من مرحلة الانخراط المكلف عسكريا إلى مرحلة الشراكات الاقتصادية وإدارة النفوذ عبر الحلفاء، مع الحفاظ على المصالح الأساسية المرتبطة بالطاقة وأمن إسرائيل والممرات البحرية ومنع تمدد القوى المنافسة. ويركز التقرير على بناء السلام وتوسيع اتفاقات التطبيع وتعزيز الاستثمارات بدلا من الحروب الطويلة وسياسات تغيير الأنظمة.
إن قراءة هذا التقرير تمنح صانعي القرار والباحثين إطارا تحليليا واضحا لفهم التحولات في السياسة الأميركية المقبلة، وكيف سينعكس ذلك على توازنات القوى في الشرق الأوسط والمنطقة والعالم.
إجمالا، هناك جديد في السياسة الأمريكية لما بقى من زمن للرئيس ترامب كسيد للبيت الأبيض، يحمل فرصا للبعض وخصما للبعض الآخر. والمهم أن يدرك كل طرف الأعباء المقبلة ويستعد لمواقف جديدة.
فيما ياتي تنشر"المرصد"الترجمة الكاملة لهذا التقرير :
إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية
نوفمبر 2025
أبناء وطني الأعزاء،
خلال الأشهر التسعة الماضية، نجحنا في انتشال دولتنا – والعالم – من حافة الكارثة والانهيار. بعد أربع سنوات من الضعف والتطرف والإخفاقات المميتة، تحركت إدارتي بأعلى درجات الاستعجال وبسرعة تاريخية لاستعادة قوة أمريكا في الداخل والخارج، ولإعادة السلام والاستقرار إلى عالمنا.
لم تحقق أي إدارة في التاريخ انقلابا بهذا القدر من العمق وفي مثل هذه المدة القصيرة.
منذ يومي الأول في المنصب، أعَدْنا فرض السيادة على حدود الولايات المتحدة، ونشرنا القوات المسلحة الأمريكية لوقف غزو بلادنا. أخرجنا أيديولوجيا الجندر المتطرفة وعبثية "الاستيقاظ" من قواتنا المسلحة، وبدأنا تعزيز جيشنا عبر استثمارات تبلغ تريليون دولار. وأعدنا بناء تحالفاتنا، وأقنعنا حلفاءنا بزيادة مساهماتهم في دفاعنا المشترك – بما في ذلك التزام تاريخي من دول الناتو برفع الإنفاق الدفاعي من 2 بالمئة إلى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. أطلقنا العنان لإنتاج الطاقة الأمريكية لاستعادة استقلالنا، وفرضنا رسوما جمركية تاريخية لإعادة الصناعات الحيوية إلى الوطن.
في "عملية المطرقة منتصف الليل" (Operation Midnight Hammer)، دمرنا القدرة الإيرانية على تخصيب اليورانيوم. كما أعلنت تصنيف كارتلات المخدرات والعصابات الأجنبية الوحشية التي تنشط في منطقتنا كـ"منظمات إرهابية أجنبية". وعلى مدى ثمانية أشهر فقط، نجحنا في تسوية ثمانية نزاعات ملتهبة – بين كمبوديا وتايلند، وكوسوفو وصربيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وباكستان والهند، وإسرائيل وإيران، ومصر وإثيوبيا، وأرمينيا وأذربيجان، وأنهينا الحرب في غزة مع عودة جميع الرهائن الأحياء إلى عائلاتهم.
أمريكا قوية وتحظى بالاحترام مجددا – ونتيجة لذلك، نحن نصنع السلام في أنحاء العالم كافة.
في كل ما نقوم به، نضع "أمريكا أولا".
ما يلي هو إستراتيجية للأمن القومي تصف وتبني على الخطوات الاستثنائية التي حققناها. هذا الوثيقة خريطة طريق لضمان بقاء أمريكا أعظم وأنجح دولة في التاريخ البشري، وموطن الحرية على وجه الأرض. في السنوات المقبلة، سنواصل تطوير كل أبعاد قوتنا الوطنية – وسنجعل أمريكا أكثر أمنا وغنى وحرية وعظمة وقوة من أي وقت مضى.
الرئيس دونالد ج. ترامب
البيت الأبيض
نوفمبر 2025
المحتويات:
I. المقدمة – ما هي الإستراتيجية الأمريكية؟
1. كيف انحرف مفهوم "الإستراتيجية" الأمريكية
2. تصحيح الرئيس ترامب الضروري والمرحب به
II. ماذا ينبغي أن تريد الولايات المتحدة؟
1. ماذا نريد على المستوى العام؟
2. ماذا نريد في العالم ومن العالم؟
III. الوسائل المتاحة لأمريكا لتحقيق ما نريد
IV. الإستراتيجية
1. المبادئ
2. الأولويات
3. مناطق العالم:
أ. نصف الكرة الغربي
ب. آسيا
ج. أوروبا
د. الشرق الأوسط
هـ. أفريقيا
I. المقدمة – ما هي الإستراتيجية الأمريكية؟
1. كيف انحرف مفهوم "الإستراتيجية" الأمريكية؟
حتى تظل أمريكا أقوى وأغنى وأكثر الدول نفوذا ونجاحا في العالم لعقود قادمة، تحتاج بلادنا إلى إستراتيجية متماسكة ومركزة لكيفية تفاعلنا مع العالم. ولكي ننجح في ذلك، يجب على جميع الأمريكيين أن يعرفوا، بدقة، ما الذي نحاول فعله ولماذا.
"الإستراتيجية" هي خطة عملية وواقعية تشرح الصلة الجوهرية بين الغايات والوسائل: فهي تنطلق من تقييم دقيق لما نريده، وما هي الأدوات المتاحة – أو التي يمكن، واقعيا، خلقها – لتحقيق النتائج المنشودة.
على الإستراتيجية أن تقيم وترتب وتعطي الأولويات. ليس بوسع كل دولة أو إقليم أو قضية – مهما كانت عادلة – أن تكون محورا لإستراتيجية الولايات المتحدة. إن الغاية من السياسة الخارجية هي حماية المصالح الوطنية الجوهرية؛ وهذا هو التركيز الوحيد لهذه الإستراتيجية.
لقد قصرت الإستراتيجيات الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة؛ إذ تحولت إلى قوائم أمنيات لحالات مرغوبة أو نتائج نهائية متخيلة؛ ولم تعرف بوضوح ما الذي نريده، بل اكتفت بشعارات فضفاضة؛ وغالبا ما أخفقت في تحديد ما ينبغي أن نريده فعلا.
بعد نهاية الحرب الباردة، أقنع نخب السياسة الخارجية الأمريكية أنفسهم بأن الهيمنة الأمريكية الدائمة على العالم بأسره تصب في مصلحة بلادنا. لكن شؤون الدول الأخرى لا تعنينا إلا إذا شكلت أنشطتها تهديدا مباشرا لمصالحنا.
لقد أساءت نخبنا تقدير استعداد الشعب الأمريكي لتحمل أعباء عالمية دائمة لا يرى لها ارتباطا بمصلحته الوطنية. كما بالغوا في تقدير قدرة الولايات المتحدة على تمويل دولة ضخمة قائمة على الرفاه والتنظيم والإدارة البيروقراطية، إلى جانب جهاز هائل من القوات العسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية والمعونات الخارجية في آن واحد. ووضعوا رهانات خاطئة ومدمرة على العولمة وما يسمى "التجارة الحرة"، أدت إلى تفريغ الطبقة الوسطى والقاعدة الصناعية التي تعتمد عليها المكانة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.
سمحوا للحلفاء والشركاء بنقل أعباء دفاعهم إلى كاهل الشعب الأمريكي، بل وفي بعض الأحيان جرونا إلى نزاعات تمس مصالحهم الجوهرية بينما لا تتصل إلا هامشيا أو لا تتصل إطلاقا بمصالحنا. وربطوا السياسة الأمريكية بشبكة من المؤسسات الدولية، تدفع بعضها أيديولوجيات معادية صراحة لأمريكا، وتستند أخرى إلى "عابرة قومية" تسعى صراحة إلى إذابة سيادة الدول الوطنية.
وباختصار، لم يكتف هؤلاء بالسعي وراء هدف غير مرغوب وغير ممكن تحقيقه في الأساس، بل قَوضوا في طريقهم الوسائل الضرورية لتحقيقه: أي الطابع الوطني الذي قامت عليه قوة الولايات المتحدة وثراؤها وخلقها.
2. تصحيح الرئيس ترامب الضروري والمرحب به
لم يكن أي من ذلك حتميا. لقد أثبتت إدارة الرئيس ترامب الأولى أنه، مع القيادة الصحيحة واتخاذ القرارات الصائبة، كان يمكن – ويجب – تجنب كل ما سبق، وتحقيق الكثير إلى جانبه. فقد نجح الرئيس وفريقه في تعبئة مكامن القوة الهائلة في أمريكا لتصحيح المسار وبدء عصر ذهبي جديد لبلادنا. والاستمرار في دفع الولايات المتحدة على هذا الطريق هو الغاية المحورية من إدارة الرئيس ترامب الثانية، ومن هذه الوثيقة.
والأسئلة المطروحة اليوم هي:
1. ماذا ينبغي أن تريد الولايات المتحدة؟
2. ما هي الوسائل المتاحة لنا لتحقيق ذلك؟
3. كيف نربط بين الغايات والوسائل في إستراتيجية وطنية للأمن القومي قابلة للتطبيق؟
II. ماذا ينبغي أن تريد الولايات المتحدة؟
1. ماذا نريد على المستوى العام؟
**أولا وقبل كل شيء، نريد استمرار بقاء وسلامة الولايات المتحدة كجمهورية مستقلة ذات سيادة، تؤمن حكومتها الحقوق الطبيعية التي وهبها الله لمواطنيها وتعطي الأولوية لرفاههم ومصالحهم.
**نريد حماية هذا البلد، وشعبه، وأراضيه، واقتصاده، ونمط حياته من الهجوم العسكري ومن النفوذ الأجنبي المعادي، سواء تمثل في التجسس، أو الممارسات التجارية الافتراسية، أو تهريب المخدرات والبشر، أو الدعاية الهدامة وعمليات التأثير، أو التخريب الثقافي، أو أي تهديد آخر لأمتنا.
**نريد السيطرة الكاملة على حدودنا، وعلى نظام الهجرة، وعلى شبكات النقل التي يدخل من خلالها الأشخاص إلى بلادنا – بصورة قانونية أو غير قانونية. نريد عالما لا تكون فيه الهجرة "منظمة" فحسب، بل عالما تتعاون فيه الدول ذات السيادة لوقف تدفقات سكانية مزعزعة للاستقرار، بدلا من تسهيلها، وأن تحظى فيه كل دولة بالسيطرة الكاملة على من تسمح له بالدخول ومن ترفضه.
**نريد بنية تحتية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية، وقادرة على التصدي للتهديدات الخارجية وإحباطها، وعلى منع أو الحد من أي أحداث قد تضر بالشعب الأمريكي أو تعطل الاقتصاد الأمريكي. يجب ألا تكون أي قوة أو خطر قادرا على وضع أمريكا "رهينة".
**نريد تجنيد وتدريب وتجهيز ونشر أقوى جيش في العالم، وأكثره فتكا وتطورا تقنيا، لحماية مصالحنا وردع الحروب، وإذا لزم الأمر، خوضها والفوز بها بسرعة وحسم مع أقل قدر ممكن من الخسائر في صفوف قواتنا. ونريد أيضا جيشا يكون فيه كل فرد من أفراده فخورا ببلده وواثقا من مهمته.
**نريد أن نمتلك الردع النووي الأكثر مصداقية وتطورا في العالم، إلى جانب أنظمة صاروخية دفاعية من الجيل القادم – بما يشمل "قبة ذهبية" لحماية الوطن الأمريكي – للدفاع عن الشعب الأمريكي، والأصول الأمريكية في الخارج، وحلفائنا.
**نريد أقوى اقتصاد في العالم؛ أكثرها ديناميكية وابتكارا وتقدما. فالاقتصاد الأمريكي هو الركن الركين لنمط الحياة الأمريكي، الذي يعد بالازدهار الواسع والقائم على قاعدة عريضة، ويتيح الحراك الاجتماعي، ويكافئ العمل الجاد. كما أن اقتصادنا هو أيضا أساس مكانتنا العالمية والركيزة الضرورية لقواتنا المسلحة.
**نريد قاعدة صناعية هي الأقوى والأوسع في العالم. إن القوة الوطنية الأمريكية تعتمد على قطاع صناعي قوي قادر على تلبية متطلبات الإنتاج في السلم والحرب. ويتطلب ذلك قدرة على الإنتاج الدفاعي المباشر وقدرات إنتاج مرتبطة بالدفاع. إن تنمية القوة الصناعية الأمريكية يجب أن تصبح أولوية قصوى للسياسة الاقتصادية الوطنية.
**نريد قطاعا للطاقة هو الأضخم إنتاجا والأكثر ابتكارا في العالم – قادرا ليس فقط على تغذية النمو الاقتصادي الأمريكي، بل أن يكون قطاع الطاقة نفسه أحد أهم قطاعات التصدير الأمريكية.
**نريد أن تبقى الولايات المتحدة الدولة الأكثر تقدما علميا وتكنولوجيا وابتكارا، وأن نبني على هذه المزايا. ونريد حماية ملكيتنا الفكرية من السرقة الأجنبية. فروح الريادة الأمريكية أحد الأعمدة الرئيسة لهيمنتنا الاقتصادية المستمرة وتفوقنا العسكري؛ ويجب الحفاظ عليها.
**نريد الحفاظ على "القوة الناعمة" غير المتكافئة للولايات المتحدة، التي نمارس من خلالها تأثيرا إيجابيا في العالم يخدم مصالحنا. وسنفعل ذلك ونحن غير معتذرين عن ماضينا وحاضرنا، مع احترامنا في الوقت نفسه لاختلاف أديان وثقافات وأنظمة حكم الدول الأخرى. إن "القوة الناعمة" التي تخدم المصلحة الوطنية الحقيقية لأمريكا لا تكون فاعلة إلا إذا آمنا بالعظمة المتأصلة لبلدنا وطيبته.
**وأخيرا، نريد استعادة وإحياء الصحة الروحية والثقافية لأمريكا؛ فمن دون ذلك لا يمكن تحقيق الأمن على المدى الطويل. نريد أمريكا تعتز بأمجادها الماضية وبأبطالها، وتنظر بثقة إلى عصر ذهبي جديد.
** نريد شعبا فخورا وسعيدا ومتفائلا، واثقا بأنه سيترك هذا البلد للأجيال القادمة في حال أفضل مما وجده. نريد مواطنين عاملين منتجين – لا يبقى أحد منهم على الهامش – يستشعرون في عملهم مساهمة ضرورية في ازدهار أمتنا ورفاه الأفراد والعائلات. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون أعداد متزايدة من الأسر التقليدية القوية التي تربي أطفالا أصحاء.
. ماذا نريد في العالم ومن العالم؟
يتطلب تحقيق هذه الأهداف تعبئة كل موارد قوتنا الوطنية. ومع ذلك، يركز هذا الإستراتيج على السياسة الخارجية. فما هي المصالح الجوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية؟ ماذا نريد في العالم ومن العالم؟.
* نريد أن يبقى نصف الكرة الغربي مستقرا بما يكفي وحسن الإدارة بالقدر الذي يمنع ويثني عن الهجرة الجماعية إلى الولايات المتحدة؛ ونريد نصف كرة تعمل حكوماته معنا ضد إرهاب المخدرات والكارتلات والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود؛ ونريد نصف كرة يخلو من التوغل الأجنبي المعادي أو تملك الأصول الحيوية من قبل قوى خصمة، ويدعم سلاسل الإمداد الحيوية؛ كما نريد ضمان استمرار وصولنا إلى المواقع الإستراتيجية المهمة. وبكلمات أخرى، سنرسخ ونطبق "مبدأ ترامب" المكمل لمبدأ مونرو؛.
* نريد وقف الضرر المتراكم الذي تلحقه جهات أجنبية بالاقتصاد الأمريكي وعكس اتجاهه، مع الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ "حرة ومفتوحة"، وضمان حرية الملاحة في كل الممرات البحرية الحيوية، والحفاظ على سلاسل إمداد آمنة وموثوقة والوصول إلى المواد الحيوية؛.* نريد دعم حلفائنا في الحفاظ على حرية وأمن أوروبا، مع المساهمة في استعادة ثقة أوروبا الحضارية وهويتها الغربية؛
* نريد منع أي قوة خصم من السيطرة على الشرق الأوسط وموارد النفط والغاز فيه، والمضائق التي تمر عبرها هذه الموارد، مع تجنب "الحروب الأبدية" التي استنزفتنا لعقود في تلك المنطقة بكلفة باهظة؛
* ونريد ضمان أن تكون التقنيات والمعايير الأمريكية – خصوصا في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية والحوسبة الكمية – هي التي تقود العالم إلى الأمام.
هذه هي المصالح الوطنية الجوهرية والحيوية للولايات المتحدة. قد تكون لنا مصالح أخرى، لكن هذه هي المصالح التي يجب أن نركز عليها قبل غيرها، وإهمالها أو التغاضي عنها يكون على مسؤوليتنا وخطرنا.
III. الوسائل المتاحة لأمريكا لتحقيق ما نريد
ما تزال أمريكا تحتل أكثر المواقع العالمية تميزا، بما تمتلكه من أصول وموارد ومزايا تتصدر بها العالم، من بينها:
* نظام سياسي لا يزال قادرا على التصحيح وتعديل المسار؛
* أكبر اقتصاد في العالم، والأكثر ابتكارا، يخلق ثروة يمكن استثمارها في مصالحنا الإستراتيجية، ويوفر لنا نفوذا على الدول التي تريد الوصول إلى أسواقنا؛
* النظام المالي الأول في العالم وأسواق رأس المال الأعمق، بما في ذلك مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية؛
* القطاع التكنولوجي الأكثر تقدما وربحية وابتكارا في العالم، وهو ما يدعم اقتصادنا، ويمنح جيشنا تفوقا نوعيا، ويعزز نفوذنا العالمي؛
* الجيش الأقوى والأكثر قدرة في العالم؛
* شبكة واسعة من التحالفات، مع حلفاء معاهدين وشركاء في أكثر مناطق العالم أهمية إستراتيجية؛
* جغرافيا فريدة تزخر بموارد طبيعية وفيرة، بلا قوى منافسة مهيمنة في نصف كرتنا الأرضي، وبحدود غير معرضة لغزو عسكري، وتحيط بنا محيطات شاسعة تفصلنا عن القوى الكبرى الأخرى؛
* "قوة ناعمة" غير مسبوقة وتأثير ثقافي واسع؛
* شجاعة الشعب الأمريكي، وإرادته، ووطنية مواطنيه.
إلى جانب ذلك، ومن خلال الأجندة الداخلية القوية للرئيس ترامب، فإن الولايات المتحدة:
* تعيد ترسيخ ثقافة الكفاءة، وتستأصل ما يسمى بسياسات "التنوع والإنصاف والشمول" وغيرها من الممارسات التمييزية وغير التنافسية التي تضعف مؤسساتنا وتعيق تقدمنا؛
* تطلق العنان لقدراتنا الهائلة في إنتاج الطاقة كأولوية إستراتيجية لتغذية النمو والابتكار، ودعم الطبقة الوسطى وإعادة بنائها؛
* تعيد تصنيع اقتصادنا من جديد، دعما إضافيا للطبقة الوسطى، وللسيطرة على سلاسل الإمداد والإنتاج؛
* تعيد الحرية الاقتصادية إلى المواطنين عبر تخفيضات تاريخية في الضرائب وجهود واسعة لإزالة القيود التنظيمية، بما يجعل الولايات المتحدة الوجهة الأولى لمزاولة الأعمال والاستثمار؛
* تستثمر في التقنيات الناشئة والعلوم الأساسية لضمان استمرار ازدهارنا وتفوقنا التنافسي وهيمنتنا العسكرية لأجيال قادمة.
هدف هذه الإستراتيجية هو ربط كل هذه الأصول المتصدرة عالميا – وغيرها – في منظومة متكاملة لتعزيز القوة والمكانة الأمريكية وجعل بلادنا أعظم مما كانت عليه في أي وقت مضى.
IV. الإستراتيجية
1. المبادئ
السياسة الخارجية للرئيس ترامب عملية وبراغماتية من دون أن تكون "ذرائعية" عقيمة، واقعية من دون أن تتحول إلى "واقعية" باردة، مبدئية من دون أن تنزلق إلى "مثالية"، قوية من دون أن تكون "عدوانية"، ومتأنية من دون أن تكون "حمائمية". إنها ليست مؤسسة على أيديولوجيا حزبية تقليدية، بل يحركها قبل كل شيء ما ينفع أمريكا – أو بكلمتين: "أمريكا أولا".
لقد رسخ الرئيس ترامب إرثه كـ"رئيس السلام". فإلى جانب النجاح اللافت الذي تحقق في ولايته الأولى عبر "اتفاقات أبراهام" التاريخية، استخدم الرئيس ترامب مهاراته في عقد الصفقات لتحقيق سلام غير مسبوق في ثمانية نزاعات حول العالم خلال ثمانية أشهر فقط من ولايته الثانية. فقد قاد مفاوضات سلام بين كمبوديا وتايلند، وكوسوفو وصربيا، والكونغو الديمقراطية ورواندا، وباكستان والهند، وإسرائيل وإيران، ومصر وإثيوبيا، وأرمينيا وأذربيجان، وأنهى الحرب في غزة مع عودة كل الرهائن الأحياء إلى عائلاتهم.
إن منع الصراعات الإقليمية من التدهور إلى حروب عالمية تجر قارات برمتها إلى الخراب يستحق أن يكون في صلب اهتمام القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو أولوية لهذه الإدارة. فالعالم المشتعل، حيث تمتد الحروب إلى شواطئنا، يضر بالمصالح الأمريكية. يستخدم الرئيس ترامب دبلوماسية غير تقليدية، وقوة أمريكا العسكرية، ونفوذها الاقتصادي لإطفاء بؤر التوتر بين الدول النووية ووقف الحروب العنيفة الناتجة عن أحقاد متجذرة منذ قرون، بدقة وجراحة محسوبة.
لقد أثبت الرئيس ترامب أن السياسة الخارجية والدفاعية والاستخباراتية الأمريكية يجب أن تستند إلى المبادئ الأساسية التالية:
تعريف مركز للمصلحة الوطنية:
منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل، دأبت إدارات متعاقبة على إصدار إستراتيجيات للأمن القومي توسع تعريف "المصلحة الوطنية" الأمريكية بحيث لا يبقى موضوع أو ملف خارج نطاقها. لكن التركيز على كل شيء يعني عدم التركيز على شيء. ستكرس هذه الإستراتيجية للمصالح الجوهرية للأمن القومي الأمريكي.
*السلام عبر القوة:
القوة هي أفضل وسائل الردع. الجهات والدول التي تردَع بشكل كاف عن تهديد المصالح الأمريكية لن تقدم على ذلك. كما أن القوة تمكننا من تحقيق السلام، لأن الأطراف التي تحترم قوتنا تلجأ إلينا وتكون أكثر استعدادا للقبول بجهودنا لحل النزاعات والحفاظ على السلام. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على أقوى اقتصاد، وأن تطور أكثر التقنيات تقدما، وأن تعزز الصحة الثقافية لمجتمعنا، وأن تحتفظ بأقوى جيش في العالم.
* ميل مبدئي لعدم التدخل:
نص مؤسسو أمريكا في إعلان الاستقلال على تفضيل واضح لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبينوا الأساس لذلك: فكما أن جميع البشر يمتلكون حقوقا طبيعية متساوية وهبها الله، كذلك تستحق جميع الأمم، وفق "قوانين الطبيعة وإله الطبيعة"، "مقاما منفصلا ومتساويا" بعضها تجاه بعض. وبالنسبة لدولة تتعدد مصالحها وتتنوع بقدر ما هي مصالحنا، فإن الالتزام الصارم بعدم التدخل أمر غير ممكن. لكن هذا الميل المبدئي يجب أن يضع سقفا عاليا جدا لما يعد تدخلا مبررا.
* واقعية مرنة:
ستتعامل السياسة الأمريكية بواقعية مع ما هو ممكن وما هو مرغوب في علاقاتنا مع الدول الأخرى. نبتغي علاقات جيدة وعلاقات تجارية سلمية مع دول العالم من دون فرض تغييرات ديمقراطية أو اجتماعية عليها تتعارض مع تقاليدها وتواريخها. نعترف بأنه لا تناقض ولا نفاق في العمل وفق تقييم واقعي من هذا النوع، أو في إقامة علاقات جيدة مع دول تختلف أنظمتها ومجتمعاتها عن مجتمعنا، حتى ونحن نشجع الأصدقاء المتشابهين معنا على التمسك بالقيم المشتركة، وبما يخدم مصالحنا ونحن نفعل ذلك.
* أولوية الأمم:
إن الوحدة السياسية الأساسية في العالم كانت وستظل الدولة القومية. ومن الطبيعي والحق أن تضع كل دولة مصالحها في المقام الأول وتحمي سيادتها. ويعمل العالم بشكل أفضل عندما تعطي الدول الأولوية لمصالحها. ستضع الولايات المتحدة مصالحها أولا، وستشجع الدول الأخرى، في علاقاتنا معها، على فعل الشيء نفسه. نحن نقف إلى جانب الحقوق السيادية للدول، وضد محاولات المؤسسات العابرة للحدود الأكثر تغولا للنيل من هذه السيادة، وندعم إصلاح تلك المؤسسات كي تساعد بدلا من أن تعيق سيادة الدول، وبما يخدم المصالح الأمريكية.
* السيادة والاحترام:
ستحمي الولايات المتحدة سيادتها بلا اعتذار. ويشمل ذلك منع التآكل المستمر للسيادة عبر المنظمات الدولية والعابرة للحدود، ومحاولات القوى أو الكيانات الأجنبية فرض الرقابة على خطابنا أو انتهاك حرية تعبير مواطنينا، وأنشطة الضغط والتأثير الرامية إلى توجيه سياساتنا أو جرنا إلى صراعات خارجية، والتلاعب الانتهازي بنظامنا للهجرة لبناء كتل تصويتية موالية لمصالح أجنبية داخل بلادنا. ستحدد الولايات المتحدة مسارها الخاص في العالم، وتقرر مصيرها، بعيدا عن التدخل الخارجي.
* توازن القوى:
لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لأي دولة بأن تصبح مهيمنة إلى الحد الذي يمكنها من تهديد مصالحنا. سنعمل مع حلفائنا وشركائنا للحفاظ على توازنات قوى عالمية وإقليمية تمنع بروز خصوم مهيمنين. وبما أن الولايات المتحدة ترفض فكرة الهيمنة العالمية لنفسها باعتبارها هدفا مستحيلا ومضرا، فإن عليها أن تمنع الهيمنة العالمية – وفي بعض الحالات الإقليمية – من قبل الآخرين. وهذا لا يعني إهدار الدماء والثروات لمحاولة الحد من نفوذ كل قوة كبرى أو متوسطة في العالم؛ فالتأثير الأكبر للدول الأكبر والأغنى والأقوى حقيقة أزلية في العلاقات الدولية. وهذه الحقيقة تتطلب أحيانا العمل مع شركاء لإحباط طموحات تهدد مصالحنا المشتركة.
* الانحياز للعامل الأمريكي:
ستكون السياسة الأمريكية منحازة للعامل الأمريكي – للعاملين، لا لـ"النمو" المجرد – وستعطي الأولوية للعمال الأمريكيين. يجب أن نعيد بناء اقتصاد تكون فيه الثروة واسعة الانتشار، لا مركزة في القمة أو محصورة في قطاعات بعينها أو مناطق محددة.
* العدالة والإنصاف:
من التحالفات العسكرية إلى العلاقات التجارية وما بعدها، ستصر الولايات المتحدة على أن تعامَل بإنصاف من قبل الدول الأخرى. لن نقبل بعد اليوم، ولا يمكننا أن نتحمل، الاستفادة المجانية على حسابنا، ولا الاختلالات التجارية الهائلة، ولا الممارسات الاقتصادية الافتراسية، ولا غيرها من الأعباء التي فرضت على كرم أمتنا التاريخي وأضرت بمصالحنا.
وكما نريد لحلفائنا أن يكونوا أقوياء وأثرياء وقادرين، عليهم أن يروا بدورهم أن مصلحتهم تكمن في أن تبقى الولايات المتحدة قوية وغنية وقادرة. وعلى وجه الخصوص، نتوقع من حلفائنا أن ينفقوا نسبة أعلى بكثير من ناتجهم المحلي الإجمالي على دفاعهم، تعويضا عن الاختلالات الهائلة المتراكمة خلال عقود من إنفاق الولايات المتحدة مبالغ أكبر بكثير مما ينفقونه.
الكفاءة والاستحقاق:
يعتمد الازدهار والأمن الأمريكيان على تعزيز الكفاءة وتكريس مبدأ الجدارة والاستحقاق. فالكفاءة والاستحقاق من أكبر مزايانا الحضارية: حيث يوظف أفضل الأمريكيين ويرقون ويكرمون، تزدهر الابتكار والرخاء. وإذا ما دمرت الكفاءة أو جرى تقويضها بشكل ممنهج، ستتعطل الأنظمة المعقدة التي نعتبرها من المسلمات – من البنى التحتية إلى الأمن القومي إلى التعليم والبحث العلمي. وإذا خنقت الجدارة، ستتبخر مزايانا التاريخية في العلوم والتكنولوجيا والصناعة والدفاع والابتكار. إن نجاح الأيديولوجيات الراديكالية التي تسعى إلى استبدال الكفاءة والاستحقاق بـ"الانتماء إلى مجموعات مفضلة" سيجعل أمريكا بلدا لا يمكن التعرف عليه، وغير قادر على حماية نفسه. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا السماح باستخدام مفهوم "الاستحقاق" ذريعة لفتح سوق العمل الأمريكية أمام العالم بحجة البحث عن "المواهب العالمية" على حساب العمال الأمريكيين. في كل مبدأ وكل فعل، يجب أن تكون أمريكا والأمريكيون في المقام الأول.
2. الأولويات
* نهاية عصر الهجرة الجماعية:
إن من تستقبلهم دولة ما – من حيث العدد ومن حيث المصدر – سيحددون حتما مستقبل تلك الدولة. وأي دولة ترى نفسها ذات سيادة لها الحق والواجب في تقرير مستقبلها. عبر التاريخ، كانت الدول ذات السيادة تمنع الهجرة غير المنضبطة، ولا تمنح الجنسية إلا نادرا للأجانب، وغالبا بعد استيفاء معايير صارمة. وقد أثبتت تجربة الغرب خلال العقود الأخيرة صحة هذه الحكمة الدائمة. ففي دول عديدة حول العالم، أنهكت الهجرة الجماعية الموارد المحلية، وزادت من معدلات العنف والجريمة، وأضعفت التماسك الاجتماعي، وشوهت أسواق العمل، وقوضت الأمن القومي. يجب أن ينتهي عصر الهجرة الجماعية. فأمن الحدود هو عنصر الأمن القومي الأول. علينا حماية بلدنا من الغزو – ليس فقط من الهجرة غير المنضبطة، بل من التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والمخدرات والتجسس والاتجار بالبشر. إن الحدود التي تدار وفق إرادة الشعب الأمريكي كما تنفذها حكومته شرط أساسي لبقاء الولايات المتحدة جمهورية ذات سيادة.
* حماية الحقوق والحريات الجوهرية:
إن هدف الحكومة الأمريكية هو تأمين الحقوق الطبيعية التي وهبها الله للمواطنين الأمريكيين. ولهذا الغرض منحت مؤسسات الحكومة الاتحادية صلاحيات مخيفة. يجب ألا تساء أيا كانت الظروف، سواء تحت ذريعة "إزالة التطرف" أو "حماية ديمقراطيتنا" أو أي ذريعة أخرى. وعندما تساء هذه الصلاحيات، يجب محاسبة المسيئين. على وجه الخصوص، لا يجوز المساس بحقوق حرية التعبير، وحرية الدين والضمير، والحق في اختيار حكومتنا المشتركة وتوجيهها. وفي ما يتعلق بالدول التي تتبنى هذه المبادئ – أو تدعي تبنيها – ستدافع الولايات المتحدة بقوة عن تطبيق هذه المبادئ نصا وروحا. وسنقف ضد القيود المفروضة من قبل النخب، والمعادية للديمقراطية، على الحريات الجوهرية في أوروبا والعالم الأنغلوساكسوني وبقية العالم الديمقراطي، لا سيما بين حلفائنا.
* تقاسم الأعباء وتحويلها:
انتهى زمن أن تحمل الولايات المتحدة "النظام العالمي" بأسره على كتفيها كـ"أطلس". فنحن نعد بين حلفائنا وشركائنا عشرات الدول الغنية والمتقدمة التي ينبغي أن تتحمل المسؤولية الأولى عن أمن مناطقها، وأن تسهم أكثر بكثير في دفاعنا الجماعي. لقد أرسى الرئيس ترامب معيارا عالميا جديدا من خلال "تعهد لاهاي"، الذي يلزم دول الناتو بإنفاق 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو ما وافق عليه حلفاؤنا في الناتو وعليهم الآن الوفاء به. ومن خلال الاستمرار في مطالبة الحلفاء بتحمل المسؤولية الأولى عن أمن مناطقهم، ستنظم الولايات المتحدة شبكة لتقاسم الأعباء، تكون حكومتنا فيها المنسق والداعم. يضمن هذا النهج تقاسم الأعباء وشرعية أوسع لهذه الجهود. وسيكون نموذجنا نظما وشراكات مستهدفة تستخدم الأدوات الاقتصادية لمواءمة الحوافز، وتقاسم الأعباء مع الحلفاء المتشابهين، والإصرار على إصلاحات ترسخ الاستقرار على المدى الطويل. هذه الرؤية الإستراتيجية الواضحة ستمكن الولايات المتحدة من التصدي بفعالية للتأثيرات المعادية والتخريبية، مع تجنب التمدد المفرط والتركيز المبعثر الذي قوض الجهود السابقة. ستبقى الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة – بما يشمل معاملة تفضيلية في الشؤون التجارية، وتبادل التقنيات، والمشتريات الدفاعية – للدول التي تتحمل طواعية مسؤوليات أكبر عن الأمن في جوارها، ومواءمة ضوابط صادراتها مع ضوابطنا.
* إعادة الاصطفاف عبر السلام:
إن السعي إلى اتفاقات سلام بتوجيه من الرئيس، حتى في المناطق والدول البعيدة عن مصالحنا الجوهرية المباشرة، أداة فعالة لتعزيز الاستقرار وتقوية النفوذ العالمي لأمريكا، وإعادة اصطفاف الدول والأقاليم وفقا لمصالحنا، وفتح أسواق جديدة. وتكاد الموارد المطلوبة لهذا التوجه تختزل في الدبلوماسية الرئاسية، والتي لا تستطيع أمتنا العظيمة تبنيها إلا بوجود قيادة كفؤة. أما العوائد – إنهاء صراعات طويلة الأمد، إنقاذ أرواح، كسب أصدقاء جدد – فيمكن أن تفوق بكثير التكاليف المحدودة من وقت واهتمام.
* الأمن الاقتصادي:
وأخيرا، بما أن الأمن الاقتصادي أساس الأمن القومي، فسنعمل على تعزيز الاقتصاد الأمريكي أكثر فأكثر، مع التركيز على:
* التجارة المتوازنة:
ستعطي الولايات المتحدة أولوية لإعادة التوازن إلى علاقاتنا التجارية، وتقليص العجوزات، ومناهضة الحواجز أمام صادراتنا، وإنهاء الإغراق والممارسات غير التنافسية التي تضر بالصناعات والعمال الأمريكيين. نحن نسعى إلى اتفاقات تجارة عادلة ومتبادلة مع الدول التي تريد التجارة معنا على أساس المنفعة والاحترام المتبادلين. لكن أولوياتنا يجب أن تبقى – وستبقى – العمال الأمريكيين، والصناعات الأمريكية، والأمن القومي الأمريكي.
* تأمين الوصول إلى سلاسل الإمداد والمواد الحيوية:
كما جادل ألكسندر هاملتون في السنوات الأولى لجمهوريتنا، يجب ألا تعتمد الولايات المتحدة أبدا على قوة خارجية من أجل المكونات الأساسية – من المواد الخام إلى الأجزاء إلى المنتجات النهائية – الضرورية لأمن الأمة أو اقتصادها. علينا أن نعيد تأمين وصولنا المستقل والموثوق إلى السلع التي نحتاجها للدفاع عن أنفسنا والحفاظ على نمط حياتنا. وسيتطلب ذلك توسيع وصول أمريكا إلى المعادن والمواد الحيوية، والتصدي للممارسات الاقتصادية الافتراسية. إضافة إلى ذلك، ستراقب أجهزة الاستخبارات سلاسل الإمداد الرئيسية والتطورات التكنولوجية حول العالم لضمان فهمنا للمخاطر ونقاط الضعف التي تهدد الأمن والازدهار الأمريكيين والتقليل منها.
* إعادة التصنيع:
المستقبل لمن يملك القدرة على الإنتاج. ستعيد الولايات المتحدة تصنيع اقتصادها، وإعادة توطين الإنتاج الصناعي، وتشجيع واستقطاب الاستثمار في اقتصادنا وقوتنا العاملة، مع التركيز على القطاعات الصناعية والتكنولوجية الحرجة والناشئة التي ستحدد المستقبل. سنفعل ذلك من خلال الاستخدام الإستراتيجي للرسوم الجمركية والتقنيات الجديدة التي تفضل الإنتاج الصناعي واسع النطاق في كل أرجاء وطننا، وترفع مستويات المعيشة للعمال الأمريكيين، وتضمن ألا تعتمد بلادنا مرة أخرى على أي خصم، حاضرا أو مستقبلا، في المنتجات أو المكونات الحيوية.
* إحياء قاعدة صناعاتنا الدفاعية:
لا يمكن لجيش قوي وقادر أن يوجد من دون قاعدة صناعية دفاعية قوية وقادرة. لقد كشفت الصراعات الأخيرة عن فجوة هائلة بين تكلفة الطائرات المسيرة والصواريخ منخفضة الكلفة، وبين أنظمة الدفاع الباهظة المطلوبة للتصدي لها. هذا يوضح حاجة بلادنا إلى التكيف والتغيير. تحتاج أمريكا إلى تعبئة وطنية لابتكار دفاعات قوية منخفضة الكلفة، ولإنتاج أحدث الأنظمة والذخائر على نطاق واسع، وإعادة توطين سلاسل الإمداد الصناعية الدفاعية. وعلى وجه الخصوص، يجب أن نزود مقاتلينا بكل طيف القدرات – من الأسلحة منخفضة الكلفة القادرة على هزيمة معظم الخصوم، إلى أكثر الأنظمة تقدما الضرورية لمواجهة عدو متطور. ولتحقيق رؤية الرئيس ترامب في "السلام عبر القوة"، يجب أن نفعل ذلك بسرعة. كما سنشجع إعادة إحياء القواعد الصناعية لدى جميع حلفائنا وشركائنا لتعزيز الدفاع الجماعي.
* هيمنة الطاقة:
إن استعادة الهيمنة الأمريكية في مجالات النفط والغاز والفحم والطاقة النووية، وإعادة توطين مكونات الطاقة الأساسية، أولوية إستراتيجية عليا. سيؤدي توفر الطاقة الرخيصة والوفيرة إلى خلق وظائف جيدة الأجر في الولايات المتحدة، وتقليل التكاليف على المستهلكين والشركات الأمريكية، ودعم إعادة التصنيع، والمساهمة في الحفاظ على تفوقنا في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي. كما أن توسيع صادراتنا الصافية من الطاقة سيعمق علاقاتنا مع الحلفاء، ويحد من نفوذ الخصوم، ويحمي قدرتنا على الدفاع عن شواطئنا، ويمكننا – حيثما دعت الحاجة – من إسقاط القوة. نرفض أيديولوجيات "التغير المناخي" و"صافي الانبعاثات الصفرية" التي ألحقَت أضرارا جسيمة بأوروبا، وتهدد الولايات المتحدة، وتدعم خصومنا.
* الحفاظ على هيمنة القطاع المالي الأمريكي وتعزيزها:
تتمتع الولايات المتحدة بأسواق مالية ورأسمالية هي الأكثر تقدما وفعالية في العالم، وهي إحدى ركائز النفوذ الأمريكي، وتمنح صانعي السياسات أدوات قوية لخدمة أولويات الأمن القومي. لكن هذه المكانة ليست مضمونة. إن الحفاظ على هذه الهيمنة وتعزيزها يتطلب الاستفادة من ديناميكية نظامنا الاقتصادي الحر وقيادتنا في المالية الرقمية والابتكار، لضمان استمرار أسواقنا في كونها الأكثر ديناميكية وسيولة وأمنا في العالم.
3. مناطق العالم
أصبح من المعتاد في وثائق كهذه ذكر كل جزء من العالم وكل قضية، على افتراض أن أي إغفال يعني "ثغرة" أو "إهمالا". والنتيجة هي وثائق منتفخة ومبعثرة التركيز – عكس ما يجب أن تكون عليه الإستراتيجية.
إن التركيز وإعطاء الأولويات يعنيان الاختيار – أي الاعتراف بأن ليس كل شيء يحظى بالأهمية نفسها للجميع. وهذا لا يعني القول بأن شعوبا أو مناطق أو دولا "غير مهمة" في ذاتها. فالولايات المتحدة، بمقاييس شتى، أكثر أمة سخاء في التاريخ – لكننا لا نستطيع أن نعامل كل منطقة وكل مشكلة في العالم بالقدر نفسه من الانتباه.
إن غاية سياسة الأمن القومي هي حماية المصالح الوطنية الجوهرية – وبعض الأولويات تتجاوز الهياكل الإقليمية. فمثلا، قد تجبرنا نشاطات إرهابية في منطقة هامشية عموما على توجيه اهتمام عاجل لها. لكن الانتقال من هذا النوع من الضرورة إلى انشغال مستدام بـ"الأطراف" خطأ إستراتيجي.
أ. نصف الكرة الغربي: "مبدأ ترامب" المكمل لمبدأ مونرو
بعد سنوات من الإهمال، ستعيد الولايات المتحدة ترسيخ وتطبيق مبدأ مونرو لاستعادة المكانة الأمريكية المتقدمة في نصف الكرة الغربي، وحماية وطننا وضمان وصولنا إلى المواقع الجغرافية الحيوية في المنطقة. سنمنع المنافسين من خارج نصف الكرة الغربي من نشر قوات أو قدرات تهديدية، أو تملك أو السيطرة على الأصول الإستراتيجية في منطقتنا. يمثل "مبدأ ترامب" المكمل لمبدأ مونرو إعادة منطقية وفعالة لترتيب الأولويات والقوة الأمريكية بما ينسجم مع مصالحنا الأمنية.
يمكن تلخيص أهدافنا في نصف الكرة الغربي بشعارين: "الاستقطاب والتوسع". سنستقطب الأصدقاء الراسخين في المنطقة للمساعدة في ضبط الهجرة، ووقف تدفقات المخدرات، وتعزيز الاستقرار والأمن في البر والبحر. وسنتوسع عبر تنمية وتعزيز شركاء جدد، مع تدعيم مكانة أمتنا باعتبارها الشريك الاقتصادي والأمني المفضل في نصف الكرة الغربي.
الاستقطاب
ينبغي أن تركز السياسة الأمريكية على استقطاب "أبطال إقليميين" قادرين على المساهمة في خلق استقرار مقبول في المنطقة، حتى خارج حدودهم. ستساعد هذه الدول في وقف الهجرة غير القانونية والمزعزعة للاستقرار، والقضاء على الكارتلات، وتقريب سلاسل التصنيع، وتطوير اقتصادات القطاع الخاص المحلية، وغير ذلك. سنكافئ ونشجع الحكومات والأحزاب والحركات في المنطقة التي تتوافق، بصورة عامة، مع مبادئنا وإستراتيجيتنا. لكننا لن نتجاهل الحكومات ذات الرؤى المختلفة ما دمنا نتقاطع معها في مصالح جوهرية وتبدي استعدادا للعمل معنا.
على الولايات المتحدة إعادة النظر في وجودها العسكري في نصف الكرة الغربي. ويعني ذلك أربعة أمور واضحة:
* إعادة ضبط انتشارنا العسكري عالميا لمعالجة التهديدات العاجلة في نصف كرتنا، وخاصة المهام المشار إليها في هذه الإستراتيجية، والابتعاد عن مسارح تراجع فيها ارتباط أمنها بالمصالح الأمريكية خلال العقود أو السنوات الأخيرة؛
* زيادة حضــور خفر السواحل والبحرية الأمريكية بصورة أكثر ملاءمة لضبط الممرات البحرية، والتصدي للهجرة غير الشرعية وغيرها من صور الحركة غير المرغوبة، وتقليص الاتجار بالبشر والمخدرات، والسيطرة على مسارات العبور الحيوية في أوقات الأزمات؛
* نشر قوات مستهدفة لتأمين الحدود وهزيمة الكارتلات، بما في ذلك – عند الضرورة – استخدام القوة المميتة بديلا عن استراتيجية "إنفاذ القانون فقط" الفاشلة خلال العقود الماضية؛
* إنشاء أو توسيع وصولنا إلى مواقع إستراتيجية مهمة.
ستعطي الولايات المتحدة الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية، من أجل تقوية اقتصادنا وصناعاتنا، واستخدام الرسوم الجمركية واتفاقات التجارة المتبادلة كأدوات فعالة. الهدف هو تمكين دول الشركاء من بناء اقتصاداتها المحلية، بينما يتحول نصف الكرة الغربي، كلما ازداد قوة وتطورا، إلى سوق أكثر جاذبية للتجارة والاستثمار الأمريكيين.
إن تعزيز سلاسل الإمداد الحيوية في نصف الكرة الغربي سيقلل الاعتماديات ويزيد من مرونة الاقتصاد الأمريكي. كما أن الروابط المتنامية بين أمريكا وشركائها ستحقق مكاسب للطرفين، مع تقليص فرص المنافسين من خارج نصف الكرة الغربي لتعزيز نفوذهم في المنطقة. وفي الوقت الذي نولي فيه الدبلوماسية الاقتصادية الأولوية، سنسعى أيضا إلى تقوية شراكاتنا الأمنية – من مبيعات الأسلحة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المشتركة.
التوسع:
بينما نعزز شراكاتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات قوية اليوم، يجب أن نعمل على توسيع شبكتنا في المنطقة. نريد للدول الأخرى أن تنظر إلينا كشريكها الأول، وسنسعى (عبر وسائل مختلفة) إلى ثنيها عن التعاون مع آخرين على حسابنا.
يضم نصف الكرة الغربي موارد إستراتيجية عديدة ينبغي أن تطورها أمريكا بالشراكة مع الحلفاء في المنطقة، بما يرفع مستوى الازدهار لدى جيراننا ولدى الولايات المتحدة. سيطلق مجلس الأمن القومي فورا عملية بين-وكالات قوية لتكليف المؤسسات المعنية، مدعومة بالذراع التحليلي لمجتمع الاستخبارات، بتحديد النقاط والموارد الإستراتيجية في نصف الكرة الغربي، بغرض حمايتها وتطويرها بالاشتراك مع شركائنا الإقليميين.
لقد أحرز المنافسون من خارج نصف الكرة الغربي تقدما كبيرا في منطقتنا، سواء لإلحاق الضرر بنا اقتصاديا في الحاضر، أو بطرق قد تضر بمصالحنا إستراتيجيا في المستقبل. إن السماح بهذه الاختراقات من دون رد جدي خطأ إستراتيجي آخر كبير ارتكبناه في العقود الأخيرة.
يجب أن تكون الولايات المتحدة القوة المتقدمة في نصف الكرة الغربي بوصف ذلك شرطا لأمننا وازدهارنا – وهو الشرط الذي يمكننا من التحرك بثقة حيثما ومتى احتجنا في المنطقة. ويجب ربط شروط تحالفاتنا، وشروط أي نوع من المساعدات التي نقدمها، بالتراجع عن النفوذ المعادي القادم من الخارج – سواء تعلق الأمر بالسيطرة على منشآت عسكرية أو موانئ أو بنى تحتية رئيسية، أو شراء أصول إستراتيجية بمفهومها الواسع.
سيكون من الصعب عكس بعض مظاهر النفوذ الخارجي، نظرا للتماهي الأيديولوجي بين حكومات لاتينية معينة وقوى أجنبية بعينها. ومع ذلك، لا ترتبط حكومات أخرى مبدئيا بأطراف أجنبية، لكنها تميل للتعامل معها لأسباب أخرى، مثل انخفاض الكلفة وقلة القيود التنظيمية. لقد حققت الولايات المتحدة نجاحا في الحد من النفوذ الخارجي في نصف الكرة الغربي من خلال إظهار "الكلف الخفية" – بالتفصيل – الكامنة في تلك المساعدات "الرخيصة"، سواء في مجال التجسس أو الأمن السيبراني أو فخاخ الديون وغيرها. يجب أن نعجل في هذه الجهود، بما في ذلك من خلال الاستفادة من نفوذنا المالي والتكنولوجي لحث الدول على رفض مثل هذه المساعدات.
في نصف الكرة الغربي – كما في العالم بأسره – على الولايات المتحدة أن توضح أن السلع والخدمات والتقنيات الأمريكية أفضل صفقة على المدى الطويل، لأنها أعلى جودة ولا تأتي محملة بأنواع "القيود" التي تصاحب مساعدات دول أخرى. ومع ذلك، سنصلح نظامنا نحن أيضا لتسريع الموافقات والتراخيص – مرة أخرى، حتى نكون "الشريك المفضل". ويجب أن يكون الخيار المطروح أمام كل دولة هو ما إذا كانت تريد العيش في عالم تقوده أمريكا وتقوم فيه الدول على سياداتها واقتصاداتها الحرة، أم في عالم مواز خاضع لتأثير دول من الطرف الآخر من العالم.
يجب على كل مسؤول أمريكي يعمل في هذه المنطقة أو بشأنها أن يكون مطلعا على الصورة الكاملة للنفوذ الخارجي الضار، وأن يمارس في الوقت نفسه الضغط ويقدم الحوافز للشركاء لحماية نصف كرتنا.
يتطلب النجاح في حماية نصف الكرة الغربي أيضا تعاونا أوثق بين الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص الأمريكي. يجب على كل سفاراتنا أن تكون على دراية بفرص الأعمال الكبرى في الدول التي تعمل فيها، لا سيما العقود الحكومية الرئيسية. وينبغي لكل مسؤول أمريكي يتعامل مع هذه الدول أن يدرك أن جزءا من عمله هو مساعدة الشركات الأمريكية على المنافسة والفوز.
ستحدد الحكومة الأمريكية فرص الاستحواذ والاستثمار الإستراتيجية للشركات الأمريكية في المنطقة، وتقدم هذه الفرص إلى كل برامج التمويل الحكومية الأمريكية ذات الصلة، بما فيها – لا على سبيل الحصر – تلك التابعة لوزارات الخارجية والدفاع والطاقة، وإدارة الأعمال الصغيرة، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية، وبنك التصدير والاستيراد، ومؤسسة تحدي الألفية. كما يجب أن نتعاون مع الحكومات والشركات الإقليمية لبناء بنى تحتية للطاقة قابلة للتوسع وقادرة على الصمود، والاستثمار في المعادن الحيوية، وتعزيز شبكات الاتصالات السيبرانية الحالية والمستقبلية، التي تستفيد إلى أقصى حد من قدرات التشفير والأمن التي توفرها الولايات المتحدة. ويمكن استخدام الكيانات الحكومية الأمريكية المذكورة للمساهمة في تمويل جزء من كلفة شراء السلع الأمريكية في الخارج.
كما يجب على الولايات المتحدة مقاومة وإبطال إجراءات مثل الضرائب الاستهدافية، والتنظيمات غير المنصفة، ومصادرة الممتلكات، التي تضر بالشركات الأمريكية. ينبغي أن تنص شروط الاتفاقات التي نبرمها – وخاصة مع الدول الأكثر اعتمادا علينا والتي نملك عليها أكبر نفوذ – على عقود حصرية لصالح شركاتنا. وفي الوقت نفسه، علينا بذل كل جهد ممكن لإقصاء الشركات الأجنبية التي تبني بنى تحتية في المنطقة.
ب. آسيا: الفوز بالمستقبل الاقتصادي ومنع المواجهة العسكرية
القيادة من موقع قوة
لقد قلب الرئيس ترامب، بمفرده تقريبا، أكثر من ثلاثة عقود من الافتراضات الأمريكية الخاطئة بشأن الصين: وهي أن فتح أسواقنا أمام الصين، وتشجيع الشركات الأمريكية على الاستثمار في الصين، ونقل صناعاتنا التحويلية إلى الصين، سيسهم في إدماجها في "النظام الدولي القائم على القواعد". هذا لم يحدث. فقد أصبحت الصين ثرية وقوية، واستخدمت ثروتها وقوتها لصالحها هي. أما نخب الولايات المتحدة – عبر أربع إدارات متعاقبة من الحزبين – فكانت إما متواطئة عن طيب خاطر مع إستراتيجية الصين، أو في حالة إنكار.
تولد منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالفعل قرابة نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي (بحساب تعادل القوة الشرائية)، وثلث الناتج العالمي (اسما). ومن شبه المؤكد أن هذا النصيب سيزداد خلال القرن الحادي والعشرين. يعني هذا أن المنطقة هي، وستبقى، أحد الميادين الاقتصادية والجيوسياسية الرئيسة خلال القرن المقبل. ولكي نحقق الازدهار في الداخل، علينا أن ننجح في المنافسة هناك – وهو ما نفعل. فقد وقع الرئيس ترامب اتفاقات رئيسية خلال جولته في أكتوبر 2025 عمقت روابطنا القوية في التجارة والثقافة والتكنولوجيا والدفاع، وجددت التزامنا بمنطقة "حرة ومفتوحة" في المحيطين الهندي والهادئ.
ما تزال أمريكا تمتلك أصولا هائلة – الاقتصاد الأقوى، والجيش الأشد، والابتكار الذي لا يبارى، و"قوة ناعمة" لا مثيل لها، وسجل تاريخي في إفادة الحلفاء والشركاء – تتيح لنا المنافسة بنجاح. يبني الرئيس ترامب تحالفات ويقوي شراكات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ستكون أساسا للأمن والازدهار لعقود طويلة.
الاقتصاد: الرهان النهائي
منذ انفتاح الاقتصاد الصيني على العالم في عام 1979، كانت العلاقات التجارية بين بلدينا – وما تزال – غير متوازنة جوهريا. ما بدأ كعلاقة بين اقتصاد متقدم ثري وأحد أفقر دول العالم، تحول إلى علاقة بين ندين شبه متكافئين، بينما استمر الموقف الأمريكي، حتى الآونة الأخيرة، أسير افتراضات الماضي.
كيف تكيفت الصين مع تغيير السياسات الجمركية الأمريكية الذي بدأ عام 2017؟ جزئيا عبر تعزيز قبضتها على سلاسل الإمداد، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل (أي تلك التي لا يتجاوز نصيب الفرد فيها 13,800 دولار سنويا) – وهي أحد أهم ميادين المنافسة الاقتصادية في العقود القادمة. فقد تضاعفت صادرات الصين إلى الدول منخفضة الدخل بين عامي 2020 و2024. وتستورد الولايات المتحدة السلع الصينية بصورة غير مباشرة من خلال الوسطاء والمصانع التي بنتها الصين في عدد من الدول، من بينها المكسيك. واليوم تبلغ صادرات الصين إلى الدول منخفضة الدخل ما يقرب من أربعة أضعاف صادراتها إلى الولايات المتحدة. وعندما تولى الرئيس ترامب منصبه لأول مرة عام 2017، كانت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة تمثل 4 بالمئة من ناتجها المحلي، لكنها انخفضت منذ ذلك الحين إلى ما يزيد قليلا على 2 بالمئة. ومع ذلك، تواصل الصين تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة عبر دول وسيطة.
نحن ماضون إلى إعادة توازن العلاقات الاقتصادية بين أمريكا والصين، مع إعطاء الأولوية للمعاملة بالمثل والإنصاف، بهدف استعادة الاستقلال الاقتصادي لأمريكا. يجب أن تكون تجارتنا مع الصين متوازنة ومركزة على المجالات غير الحساسة. وإذا حافظت أمريكا على مسار نمو قوي – ونجحت في ذلك مع الحفاظ على علاقة اقتصادية متبادلة المنفعة مع بكين – فسيكون اقتصاد بلادنا مرشحا للانتقال من 30 تريليون دولار اليوم (عام 2025) إلى 40 تريليون دولار في ثلاثينيات هذا القرن، وهو ما يضعنا في موقع يحفظ لنا مكانة الاقتصاد الأول. الهدف النهائي هو إرساء أسس حيوية اقتصادية طويلة الأمد.
ويجب أن يترافق ذلك بتركيز قوي ومستمر على الردع لمنع الحرب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويمكن أن يتحول هذا النهج المركب إلى حلقة "فضيلة" متكاملة؛ إذ يتيح الردع القوي مساحة أكبر للضبط الاقتصادي، بينما يوفر الانضباط الاقتصادي مزيدا من الموارد للحفاظ على الردع على المدى الطويل.
لتحقيق ذلك، هناك أمور أساسية:
أولا، يجب على الولايات المتحدة حماية اقتصادها وشعبها من الأضرار، أيا كان مصدرها. ويعني ذلك إنهاء ما يلي، ضمن أمور أخرى:
* الإعانات الحكومية الافتراسية والسياسات الصناعية الموجهة من الدولة؛
* الممارسات التجارية غير العادلة؛
* تدمير الوظائف والتصنيع؛
* سرقة الملكية الفكرية على نطاق واسع والتجسس الصناعي؛
* التهديدات التي تستهدف سلاسل الإمداد وتخاطر بحرمان الولايات المتحدة من الوصول إلى الموارد الحيوية، بما في ذلك المعادن والعناصر النادرة؛
* صادرات المواد الأولية للفنتانيل التي تؤجج أزمة الإدمان على الأفيونيات في أمريكا؛
* الدعاية وعمليات التأثير وأشكال التخريب الثقافي الأخرى.
ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع الحلفاء والشركاء المعاهدين – الذين يضيفون إلى اقتصادنا البالغ 30 تريليون دولار نحو 35 تريليونا أخرى، بما يشكل معا أكثر من نصف اقتصاد العالم – لمواجهة الممارسات الاقتصادية الافتراسية واستخدام قوتنا الاقتصادية المشتركة للحفاظ على موقعنا المتقدم في الاقتصاد العالمي، وضمان ألا تصبح اقتصادات الحلفاء تابعة لقوة منافسة واحدة. علينا أن نواصل تحسين علاقاتنا التجارية وغيرها مع الهند، وتشجيع نيودلهي على القيام بدور أكبر في أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك عبر استمرار التعاون الرباعي مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة ("الرباعية" – The Quad). وسنعمل كذلك على مواءمة تحركات الحلفاء والشركاء مع مصلحتنا المشتركة في منع أي منافس منفرد من فرض هيمنته.
وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة الاستثمار في البحث العلمي للحفاظ على تقدمنا في التقنيات العسكرية والمتعددة الاستخدامات ذات الطابع الحرج، مع التركيز على المجالات التي يمتلك فيها الأمريكيون أفضلية واضحة: مثل القدرات تحت سطح البحر، والفضاء، والقدرات النووية، وغيرها من المجالات التي ستحدد مستقبل القوة العسكرية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والأنظمة الذاتية، إضافة إلى مصادر الطاقة الضرورية لتشغيل هذه المجالات.
كما أن علاقات الحكومة الأمريكية الحيوية مع القطاع الخاص تساعد في مراقبة التهديدات المستمرة لشبكاتنا، بما فيها البنى التحتية الحيوية. وهذا بدوره يعزز قدرة الحكومة على اكتشاف الهجمات، وتحديد مصدرها، والرد عليها في الزمن الحقيقي (أي الدفاع السيبراني والعمليات الهجومية في الفضاء السيبراني)، مع حماية تنافسية الاقتصاد الأمريكي وزيادة مرونة قطاع التكنولوجيا الأمريكي. وسيتطلب تعزيز هذه القدرات أيضا تخفيف القيود التنظيمية بشكل كبير لتحسين قدرتنا التنافسية، وتحفيز الابتكار، وتوسيع الوصول إلى مواردنا الطبيعية. وسيكون هدفنا إعادة توازن عسكري يميل لصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
إلى جانب الحفاظ على التفوق الاقتصادي، وتشكيل تحالف اقتصادي متماسك، يجب على الولايات المتحدة تنفيذ دبلوماسية اقتصادية نشطة يقودها القطاع الخاص في البلدان التي من المرجح أن تشهد الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود القادمة.
إن دبلوماسية "أمريكا أولا" تسعى إلى إعادة التوازن للعلاقات التجارية العالمية. لقد أوضحنا لحلفائنا أن العجز المزمن في الحساب الجاري الأمريكي غير قابل للاستمرار. يجب أن نشجع أوروبا واليابان وكوريا وأستراليا وكندا والمكسيك وغيرها من الدول الرائدة على تبني سياسات تجارية تساعد في إعادة توجيه الاقتصاد الصيني نحو الاستهلاك المنزلي، لأن جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط لا يمكنها أن تستوعب بمفردها فائض الطاقة الإنتاجية الصيني. كما يمكن للدول المصدرة في أوروبا وآسيا التطلع إلى الدول متوسطة الدخل كسوق محدود ولكن متنام لصادراتها.
تتفوق شركات الدولة والشركات المدعومة من الدولة في الصين في بناء البنى التحتية المادية والرقمية، كما أعادت الصين توظيف ما يقرب من 1.3 تريليون دولار من فوائضها التجارية في شكل قروض لشركائها التجاريين. ولم تطور الولايات المتحدة وحلفاؤها – بعد – خطة مشتركة للعالم النامي (المسمى اليوم "الجنوب العالمي")، ناهيك عن تنفيذها، رغم امتلاكهم موارد هائلة. فالاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها يمتلكون أصولا أجنبية صافية تبلغ 7 تريليونات دولار. كما تمتلك المؤسسات المالية الدولية، بما فيها المصارف التنموية متعددة الأطراف، أصولا إجمالية قدرها 1.5 تريليون دولار. وبرغم أن "تضخم المهام" قد قوض فعالية بعض هذه المؤسسات، فإن هذه الإدارة ملتزمة باستخدام موقعها القيادي لإصلاحها بما يخدم المصالح الأمريكية.
ما يميز أمريكا عن بقية العالم – انفتاحنا، وشفافيتنا، وقابليتنا للثقة، والتزامنا الحرية والابتكار، واقتصاد السوق الحر – سيظل يجعل منا الشريك المفضل عالميا. ما زالت الولايات المتحدة تتصدر تقنيات العالم التي يحتاجها الجميع. ويجب أن نعرض على الشركاء حزمة حوافز – مثل التعاون في التقنيات المتقدمة، وصفقات التسليح، والوصول إلى أسواق رأس المال لدينا – تدفعهم لترجيح كفة أمريكا.
أظهرت زيارات الرئيس ترامب الرسمية إلى دول الخليج في مايو 2025 قوة وجاذبية التكنولوجيا الأمريكية؛ حيث حصل الرئيس على دعم دول الخليج للتقنيات الأمريكية المتفوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، مع تعميق شراكاتنا. ينبغي على أمريكا أن تستقطب حلفاءها الأوروبيين والآسيويين، بما في ذلك الهند، لتوطيد وتعزيز مواقعنا المشتركة في نصف الكرة الغربي، وفي مجال المعادن الحيوية في أفريقيا. يجب أن نشكل تحالفات تستخدم مزايانا النسبية في التمويل والتكنولوجيا لبناء أسواق تصدير مع الدول المتعاونة. وما يجب أن يتوقعه شركاؤنا الاقتصاديون لم يعد مكاسب من الخلل البنيوي والطاقات الفائضة على حساب الولايات المتحدة، بل نموا عبر تعاون مدار مرتبط بالاصطفاف الإستراتيجي والاستثمار الأمريكي طويل الأجل.
وبفضل أسواق رأس المال الأعمق والأكثر كفاءة في العالم، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة الدول منخفضة الدخل على تطوير أسواق رأس مالها وربط عملاتها بالدولار بشكل أوثق، بما يضمن استمرار الدولار كعملة الاحتياط العالمية.
تظل أكبر مزايانا نظام الحكم الذي نتمتع به واقتصادنا الحر الديناميكي. لكن لا يمكننا افتراض أن هذه المزايا ستنتصر تلقائيا. ومن هنا تأتي أهمية إستراتيجية للأمن القومي.
الردع العسكري
على المدى الطويل، يعَد الحفاظ على التفوق الاقتصادي والتكنولوجي الأمريكي الطريقة الأضمن لردع ومنع نشوب صراع عسكري واسع النطاق.
ويظل توازن القوى التقليدي أحد العناصر الحاسمة في المنافسة الإستراتيجية. وهناك تركيز مشروع على تايوان، جزئيا بسبب هيمنتها على إنتاج أشباه الموصلات، ولكن أساسا لأنها توفر منفذا مباشرا إلى "سلسلة الجزر الثانية" وتقسم شمال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا إلى مسرحين متميزين. ومع مرور ثلث التجارة العالمية سنويا عبر بحر الصين الجنوبي، فإن أي نزاع هناك له تبعات هائلة على الاقتصاد الأمريكي. وبالتالي، فإن ردع الصراع حول تايوان – ويفضل أن يكون عبر الحفاظ على التفوق العسكري – أولوية. وسنحافظ أيضا على سياستنا المعلنة طويلة الأمد بشأن تايوان، والتي تعني أن الولايات المتحدة لا تدعم أي تغيير أحادي للوضع القائم في مضيق تايوان.
سنبني جيشا قادرا على منع أي عدوان في أي مكان داخل "سلسلة الجزر الأولى". لكن الجيش الأمريكي لا يستطيع – ولا ينبغي – أن يتحمل هذا العبء وحده.
على حلفائنا أن يقوموا بدور أكبر وينفقوا – والأهم أن يفعلوا – الكثير من أجل الدفاع الجماعي. يجب أن تتركز الجهود الدبلوماسية الأمريكية على حث حلفائنا وشركائنا في "سلسلة الجزر الأولى" على منح القوات الأمريكية وصولا أكبر إلى موانئهم ومنشآتهم الأخرى، وزيادة الإنفاق على دفاعهم، والأهم الاستثمار في قدرات ردع العدوان. وسيفضي ذلك إلى ربط قضايا الأمن البحري على طول السلسلة الأولى من الجزر، مع تعزيز قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على منع أي محاولة للاستيلاء على تايوان أو فرض ميزان قوى يضعف موقفنا إلى حد يجعل الدفاع عنها مستحيلا.
وثمة تحد أمني مرتبط يتمثل في احتمال سيطرة أي منافس على بحر الصين الجنوبي. من شأن ذلك أن يمنح قوة معادية محتملة القدرة على فرض نظام "رسوم مرور" على واحد من أهم ممرات التجارة العالمية، أو – الأسوأ – إغلاقه وإعادة فتحه وفق هواها. سيكون أي من هذين السيناريوهين ضارا بالاقتصاد الأمريكي ومصالحنا الأوسع. ويجب تطوير إجراءات قوية، مع توفير الردع اللازم للحفاظ على حرية الملاحة في هذه الممرات من دون "رسوم"، ومنع إخضاعها لإرادة دولة واحدة. وسيتطلب ذلك المزيد من الاستثمار في القدرات العسكرية – وخاصة البحرية – بالإضافة إلى تعاون وثيق مع كل دولة ستتضرر، من الهند إلى اليابان وما بعدها، إذا لم يعالج هذا التحدي.
وبالنظر إلى إصرار الرئيس ترامب على زيادة تقاسم الأعباء من جانب اليابان وكوريا الجنوبية، علينا أن نحث هاتين الدولتين على زيادة الإنفاق الدفاعي، مع التركيز على القدرات – بما في ذلك القدرات الجديدة – الضرورية لردع الخصوم وتأمين "سلسلة الجزر الأولى". كما سنعزز وجودنا العسكري في غرب المحيط الهادئ ونجعله أكثر تحصينا، فيما نحافظ في تعاملنا مع تايوان وأستراليا على خطاب حازم بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي.
إن منع الصراع يتطلب وضعا يقظا ومتأهبا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقاعدة صناعات دفاعية مجددة، واستثمارات عسكرية أكبر من جانبنا ومن جانب حلفائنا وشركائنا، ونجاحا في المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية على المدى الطويل.
ج. تعزيز عظمة أوروبا
اعتاد المسؤولون الأمريكيون النظر إلى مشكلات أوروبا من زاوية ضعف الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي. هناك قدر من الحقيقة في ذلك، لكن مشكلات أوروبا الحقيقية أعمق بكثير.
فقد تراجع نصيب أوروبا القارية من الناتج العالمي من 25 بالمئة عام 1990 إلى 14 بالمئة اليوم، ويرجع ذلك جزئيا إلى التنظيمات الوطنية والعابرة للحدود التي تخنق الابتكار والعمل الجاد.
لكن هذا التراجع الاقتصادي يظل أقل خطورة من احتمال "محْو حضاري" حقيقي. فالمشكلات الكبرى التي تواجه أوروبا تشمل: إجراءات الاتحاد الأوروبي وغيرها من الهيئات العابرة للحدود التي تقوض الحرية السياسية والسيادة الوطنية، وسياسات الهجرة التي تعيد تشكيل القارة وتخلق اضطرابات، والرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية، والانخفاض الحاد في معدلات الإنجاب، وفقدان الهويات الوطنية والثقة الذاتية.
إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فستصبح القارة غير قابلة للتعرف عليها خلال عشرين عاما أو أقل. ومن ثم، ليس واضحا ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستحافظ على اقتصادات وجيوش قوية بما يكفي لتظل حلفاء موثوقين. وكثير من هذه الدول يضاعف اليوم رهانه على المسار الحالي. نريد لأوروبا أن تبقى "أوروبية"، وأن تستعيد ثقتها الحضارية، وأن تتخلى عن تركيزها الفاشل على الخنق التنظيمي.
يظهر هذا الافتقار إلى الثقة بوضوح أكبر في علاقة أوروبا بروسيا. فالحلفاء الأوروبيون يمتلكون تفوقا عسكريا كبيرا على روسيا في كل المجالات تقريبا، باستثناء الترسانة النووية. ونتيجة لحرب روسيا في أوكرانيا، أصبحت العلاقات الأوروبية مع روسيا منقطعة إلى حد بعيد، ويرى كثير من الأوروبيين روسيا تهديدا وجوديا. وستتطلب إدارة هذه العلاقة الكثير من الجهد الدبلوماسي الأمريكي لإعادة بناء الاستقرار الإستراتيجي عبر الأوراسيا، وتخفيف مخاطر نشوب صراع بين روسيا والدول الأوروبية.
إن مصلحة الولايات المتحدة الجوهرية تكمن في التفاوض على وقف سريع للأعمال القتالية في أوكرانيا، بهدف استقرار اقتصاد أوروبا، ومنع التصعيد غير المقصود أو توسع الحرب، واستعادة الاستقرار الإستراتيجي مع روسيا، وتيسير إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب بما يضمن بقاءها دولة قابلة للحياة.
لقد أسفرت حرب أوكرانيا عن نتيجة معاكسة تتمثل في زيادة اعتماد أوروبا – خاصة ألمانيا – على مصادر خارجية. فاليوم تبني شركات الكيميائيات الألمانية بعضا من أكبر مصانع المعالجة في العالم في الصين، مستخدمة غازا روسيا لا يمكنها الحصول عليه في وطنها. وتجد إدارة ترامب نفسها في خلاف مع مسؤولين أوروبيين لهم توقعات غير واقعية بشأن الحرب، ويستندون إلى حكومات أقلية غير مستقرة تنتهك كثيرا مبادئ الديمقراطية لقمع المعارضة. يريد معظم الأوروبيين السلام، لكن هذا الطموح لا يتحول إلى سياسة، إلى حد كبير بسبب تقويض هذه الحكومات للعمليات الديمقراطية. وهذا مهم إستراتيجيا للولايات المتحدة لأن أوروبا لا تستطيع الإصلاح إذا ظلت محبوسة في أزمات سياسية داخلية.
ومع ذلك، تبقى أوروبا ذات أهمية إستراتيجية وثقافية للولايات المتحدة. فالتجارة عبر الأطلسي تظل أحد أعمدة الاقتصاد العالمي وازدهار أمريكا. وما تزال قطاعات أوروبا في التصنيع والتكنولوجيا والطاقة من بين الأقوى في العالم. وهي كذلك موطن لأبحاث علمية متقدمة ومؤسسات ثقافية رائدة. ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بـ"التخلي عن أوروبا"؛ بل إن ذلك سيكون عملا انتحاريا إذا أخذنا أهداف هذه الإستراتيجية في الاعتبار.
يجب أن تواصل الدبلوماسية الأمريكية الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية، وحرية التعبير، والاحتفاء غير الخجول بشخصيات أوروبا الوطنية وتاريخها. وتشجع الولايات المتحدة حلفاءها السياسيين في أوروبا على تعزيز هذا الإحياء الروحي، وثمة ما يدعو للتفاؤل مع تنامي تأثير الأحزاب الوطنية "السيادية" في أنحاء القارة.
يجب أن يكون هدفنا مساعدة أوروبا على تصحيح مسارها الحالي. فنحن بحاجة إلى أوروبا قوية كي ننجح في المنافسة، ولكي تعمل معنا لمنع أي خصم من الهيمنة على القارة.
ترتبط الولايات المتحدة عاطفيا بالقارة الأوروبية – وبطبيعة الحال، ببريطانيا وإيرلندا. كما أن الطابع الخاص لهذه الدول مهم إستراتيجيا لأننا نعتمد على حلفاء مبدعين وقادرين وواثقين وديمقراطيين لإرساء الاستقرار والأمن. نريد العمل مع دول متحالفة تريد استعادة عظمتها السابقة.
وعلى المدى الطويل، من المرجح جدا أنه خلال بضعة عقود على الأكثر، ستصبح بعض دول الناتو ذات غالبية غير أوروبية. ومن ثم يبرز سؤال مفتوح: هل ستنظر هذه الدول إلى موقعها في العالم أو تحالفها مع الولايات المتحدة بالطريقة نفسها التي نظر بها الموقعون الأصليون على ميثاق الناتو؟
يجب أن تركز سياستنا العامة تجاه أوروبا على:
* إعادة إرساء الاستقرار داخل أوروبا والاستقرار الإستراتيجي مع روسيا؛
* تمكين أوروبا من الوقوف على قدميها والتصرف كجماعة من الدول ذات السيادة المتحالفة، تتحمل المسؤولية الأولى عن دفاعها، من دون أن تهيمن عليها قوة خصم؛
* تنمية المقاومة لمسار أوروبا الحالي داخل الدول الأوروبية نفسها؛
* فتح الأسواق الأوروبية أمام السلع والخدمات الأمريكية وضمان معاملة عادلة للعمال والشركات الأمريكية؛
* دعم الدول القوية في وسط وشرق وجنوب أوروبا من خلال الروابط التجارية، ومبيعات السلاح، والتعاون السياسي، والتبادل الثقافي والتعليمي؛
* إنهاء الانطباع – ومنع الواقع – القائل إن الناتو تحالف دائم التوسع بلا حدود؛
* وتشجيع أوروبا على اتخاذ إجراءات ضد فائض الطاقة الإنتاجية "المرتبط بالسياسات التجارية الصارمة"، وسرقة التقنيات، والتجسس السيبراني، وغيرها من الممارسات الاقتصادية المعادية.
د. الشرق الأوسط: تحويل الأعباء وبناء السلام
لما لا يقل عن نصف قرن، احتلت منطقة الشرق الأوسط أولوية السياسة الخارجية الأمريكية، فوق كل الأقاليم الأخرى. والأسباب واضحة: فقد كانت المنطقة لعقود المورد الأهم للطاقة عالميا، ومسرحا رئيسا للتنافس بين القوى العظمى، وبؤرة صراعات تهدد بالامتداد إلى بقية العالم بل وحتى إلى شواطئنا.
أما اليوم، فقد تراجع اثنان على الأقل من هذه العوامل. فقد تنوعت إمدادات الطاقة بشكل كبير، وعادت الولايات المتحدة إلى موقع المصدر الصافي للطاقة. كما حلت منافسة "القوى الكبرى" محل صراع المعسكرين، بينما تحتفظ الولايات المتحدة بالموقع الأكثر تميزا، معززا بإعادة تنشيط الرئيس ترامب لتحالفاتنا في الخليج ومع شركاء عرب آخرين ومع إسرائيل.
تظل الصراعات التحدي الأكثر إزعاجا في الشرق الأوسط، لكن حجم هذا التحدي اليوم أقل مما توحي به العناوين. فإيران – القوة المزعزعة الرئيسة للاستقرار في المنطقة – أضعفتها بشدة الإجراءات الإسرائيلية منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، وعملية "المطرقة منتصف الليل" التي نفذها الرئيس ترامب في يونيو 2025، والتي ألحقت ضررا كبيرا ببرنامجها النووي. وما زال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني معقدا، لكن بفضل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذي تفاوض عليه الرئيس ترامب، تحقق تقدم نحو سلام أكثر استدامة. أما الداعمون الرئيسيون لحماس فقد أضعفوا أو تراجعوا. وتبقى سوريا مصدرا محتملا للتحديات، لكنها قد تستقر وتستعيد مكانتها الطبيعية كفاعل إيجابي ومتكامل في المنطقة بدعم أمريكي وعربي وإسرائيلي وتركي.
ومع إلغاء أو تخفيف السياسات المقيدة للطاقة وارتفاع إنتاج الطاقة الأمريكي، ستتراجع الدوافع التاريخية التي جعلت الشرق الأوسط محور السياسة الأمريكية. وستتحول المنطقة بصورة متزايدة إلى مصدر ووجهة للاستثمارات الدولية، في مجالات تتجاوز النفط والغاز – من الطاقة النووية إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية. كما يمكننا العمل مع شركائنا في الشرق الأوسط لتعزيز مصالح اقتصادية أخرى، مثل تأمين سلاسل الإمداد وتوسيع فرص بناء أسواق مفتوحة وصديقة في مناطق أخرى من العالم، كأفريقيا.
يثبت شركاؤنا في الشرق الأوسط التزاما متزايدا بمحاربة التطرف، وهو اتجاه يجب على السياسة الأمريكية تشجيعه. لكن ذلك سيتطلب التخلي عن التجربة الخاطئة التي تمثلت في الضغط على دول المنطقة – وخاصة الملكيات الخليجية – للتخلي عن تقاليدها وأشكال حكمها التاريخية. يجب أن نشجع الإصلاح ونحتفي به عندما ينبع من الداخل، لا أن نحاول فرضه من الخارج. مفتاح نجاح علاقاتنا مع الشرق الأوسط هو قبول المنطقة وقادتها ودولها كما هي، مع العمل معا في ملفات المصلحة المشتركة.
ستحتفظ أمريكا دائما بمصالح جوهرية في ضمان ألا تقع موارد الطاقة في الخليج في يد عدو صريح، وأن يبقى مضيق هرمز مفتوحا، وأن تظل الملاحة في البحر الأحمر مؤمنة، وألا تكون المنطقة حاضنة أو مصدرا للإرهاب الموجه ضد المصالح الأمريكية أو الأراضي الأمريكية، وأن تظل إسرائيل آمنة. يجب أن نواجه هذه التهديدات فكريا وعسكريا من دون الانخراط في حروب "بناء أمة" عقيمة تستمر لعقود. كما أن لنا مصلحة واضحة في توسيع "اتفاقات أبراهام" لتشمل مزيدا من دول المنطقة ودولا أخرى في العالم الإسلامي.
لكن الأيام التي كان فيها الشرق الأوسط يهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية – في التخطيط بعيد المدى وفي التنفيذ اليومي – قد انتهت، ولحسن الحظ. ليس لأن الشرق الأوسط لم يَعد مهما، بل لأنه لم يعد البؤرة الدائمة للتوتر ومصدر الكوارث الوشيكة كما كان. إنه يتحول بدلا من ذلك إلى فضاء للشراكة والصداقة والاستثمار – وهو تحول يجب الترحيب به وتعزيزه. في الحقيقة، إن قدرة الرئيس ترامب على توحيد العالم العربي في شرم الشيخ سعيا للسلام والتطبيع ستسمح للولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية كما لم يحدث من قبل.
هـ. أفريقيا
طوال فترة طويلة، ركزت السياسة الأمريكية في أفريقيا على تقديم الليبرالية الغربية ثم نشرها لاحقا في القارة. وعلى الولايات المتحدة اليوم أن تسعى بدلا من ذلك إلى الشراكة مع دول مختارة للحد من الصراعات، وتعزيز علاقات تجارية متبادلة المنفعة، والانتقال من نموذج المعونة إلى نموذج الاستثمار والنمو القادر على تسخير الموارد الطبيعية الوفيرة والطاقات الاقتصادية الكامنة في أفريقيا.
قد تشمل فرص الانخراط التفاوض على تسوية نزاعات قائمة (مثل الكونغو الديمقراطية – رواندا، والسودان)، ومنع اندلاع نزاعات جديدة (مثل إثيوبيا – إريتريا – الصومال)، إضافة إلى مراجعة مقاربتنا للمعونات والاستثمار (مثل قانون نمو الفرص في أفريقيا – AGOA). ويجب أن نبقى متيقظين لأي عودة لنشاط الجماعات الإرهابية الإسلامية في أجزاء من أفريقيا، مع تجنب أي التزامات أمريكية طويلة الأمد أو وجود مكثف على الأرض.
ينبغي للولايات المتحدة أن تنتقل من علاقة تقوم على المساعدة مع أفريقيا إلى علاقة قائمة على التجارة والاستثمار، مع تفضيل الشراكة مع دول قادرة وموثوقة ملتزمة بفتح أسواقها أمام السلع والخدمات الأمريكية. ومن مجالات الاستثمار الفورية ذات العائد المحتمل في أفريقيا قطاع الطاقة وتطوير المعادن الحيوية.
إن تطوير تقنيات أمريكية في مجالات الطاقة النووية وغاز البترول المسال والغاز الطبيعي المسال يمكن أن يحقق أرباحا للشركات الأمريكية، ويساعدنا في المنافسة على المعادن الحيوية وغيرها من الموارد.
تحميل نص التقرير باللغتين العربية والانكليزية بصيغة PDF: