×


  رؤى حول العراق

  من شيونغان إلى بغداد... آفاقٌ جديدةٌ للتعاون في بناء المدن الذكية



*قوان كه جيانغ

 

 

 خلال زيارتي الأخيرة إلى بغداد، لفت انتباهي الانسياب الملحوظ في حركة المرور حول ساحة النسور، التي كانت تُعرف لسنوات بازدحامها الشديد.

 وتبيّن لاحقا أن مشروع تقاطع بغداد - النسور، الذي يضم طريقين سريعين مرتفعين وخمسة أنفاق، قد اكتمل ودخل الخدمة في سبتمبر الماضي، ليصبح واحدا من عشرات مشاريع البنية التحتية الكبرى، التي تعمل عليها الحكومة العراقية لتخفيف الزحام الحضري وتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة في التنقل.

وعلى مدى عقود، كانت قد تراجعت جودة الخدمات العامة في العراق بفعل عوامل عديدة، في حين واصل عدد السكان النمو بوتيرة متسارعة مصحوبا بتوسع اقتصادي ملحوظ. وفي السنوات الأخيرة، ضاعفت الحكومة جهودها لسد الفجوات في القطاعات الحيوية، مثل إمدادات مياه الشرب، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات الطرق، إضافة إلى تشجيع بناء مدن جديدة وتطوير مشاريع الإسكان لتلبية احتياجات السكان المتنوعة.يمتلك العراق أحد أقدم الحضارات في التاريخ الإنساني. ومع جهود الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يتطلع العراقيون إلى حياة تليق بطموحاتهم.

وهذا التطلع يجمع كل فئات المجتمع، ويتقاطع مع رغبة الشركات الصينية في تعزيز التعاون العملي مع العراق. ومن بين مختلف مطالب السكان، تحظى متطلبات تحسين الحياة الحضرية بأهمية خاصة.في الصين، كما في العراق، يعيش ما بين 60 بالمئة و70 بالمئة من السكان في المدن. وقد تُقدّم منطقة شيونغان الجديدة، التي يجري تطويرها على بُعد نحو 100 كيلومتر من بكين، نموذجا ملهما يمكن أن تستفيد منه التجربة الحضرية في العراق.

ففي شيونغان، تختفي خطوط الكهرباء وأعمدة التمديدات من المشهد، لتُفسح المجال لشوارع نظيفة، وأشجار مصطفة بعناية، ومساحات خضراء ممتدة. وعند النظر إلى السماء، تنعكس على الأفق واجهات مبانٍ أنيقة ومنسقة. كما تحتضن المدينة شبكة حديثة من أنفاق المرافق تحت الأرض، تضم شبكات المياه والكهرباء والغاز والاتصالات والصرف الصحي وأنظمة مكافحة الحرائق، بعيدا عن المشهد العام.

وتعتمد شيونغان على وسائل نقل ذكية، حيث لا حاجة لاستخدام السيارة الخاصة، فالحافلات وسيارات الأجرة ذاتية القيادة متاحة على نطاق واسع. وما إن يصعد الركاب حتى تُخاطبهم المركبة بعبارة ترحيب آلية، وتتوقف تلقائيا عند الإشارات أو لإفساح الطريق للمشاة. حتى خدمات التوصيل باتت ذاتية التشغيل، إذ تُقلع طائرات مسيّرة محمّلة بالطّرود وتخطر المستلم عند وصولها.لقد ارتبط مفهوم المدينة الحديثة طويلا بالمداخن العالية وأفران الصهر وناطحات السحاب. لكن مع الانتقال من عصر المعلومات إلى عصر الذكاء، يبرز سؤال ملح: كيف يجب أن تبدو المدينة في زمن التحول الذكي؟ منذ تأسيسها، تقدّم شيونغان مقاربة «استثنائية» للتخطيط والبناء، وتُطرح كإجابة مبتكرة لهذا السؤال.

وفي العراق، تتواصل خطوات بناء المدن الجديدة بوتيرة مبهرة، مثل مشروع مدينة الجواهري السكنية في بغداد، ومشروع مدينة الغزلاني في الموصل، ومشروع البنية التحتية العملاق في سامراء بمحافظة صلاح الدين. ومع تعميق التعاون ضمن مبادرة الحزام والطريق، وتوسيع تبادل الخبرات والمعرفة بين الصين والعراق، يمكن للطرفين العمل معا لبناء مدن أكثر نظافة وتنظيما، وتمكين حياة حضرية أكثر راحة ورفاهية لشعبيهما.

*رئيس مكتب الشرق الأوسط لصحيفة الشعب اليومية


11/12/2025