*د. سعد عزت السعدي

يمثّل الإرهاب أحد أبرز التحديات التي واجهها العراق خلال العقود الأخيرة، خصوصا بعد عام 2003 وما تبعه من ظهور تنظيمات مسلّحة عابرة للحدود مثل “داعش”. وقد دفع ذلك الدولة العراقية إلى تعزيز تعاونها الدولي عبر الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، بهدف توحيد الجهود الأمنية والقانونية وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، إضافة إلى تطوير الإطار التشريعي الداخلي لمواجهة هذه الظاهرة.

شهد المجتمع الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي تطورا ملحوظا في صياغة اتفاقيات تهدف إلى مواجهة أنماط متعددة من الإرهاب، مثل خطف الطائرات، تمويل الإرهاب، التفجيرات الإرهابية، احتجاز الرهائن، والجرائم ذات الطابع العابر للحدود.

 وتُعد أهم الوثائق الدولية في هذا المجال:

1 - الاتفاقيات القطاعية الخاصة بمكافحة الإرهاب (13 اتفاقية دولية صادرة عن الأمم المتحدة).

2 - العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) الذي يؤكد حماية الحق في الحياة.

3 - اتفاقية قمع تمويل الإرهاب (1999).

4 - خطة الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب (2006).

5 - قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 1373 (2001)، الذي ألزم الدول بوضع تشريعات لمكافحة الإرهاب وتجريم التمويل.

انضمام العراق إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، اثبت رغبة واضحة في الانخراط ضمن المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب، ومنها:

-اتفاقية مكافحة احتجاز الرهائن (1979)، اتفاقية مكافحة التفجيرات الإرهابية (1997)، اتفاقية حظر تمويل الإرهاب (1999)، اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات (1971)، هذه المشاركة تعكس رغبة العراق في تأطير جهوده ضمن النظام الدولي الموحد.

اما التزامات العراق بموجب قرارات مجلس الأمن، خصوصا القرار 1373 لسنة 2001 الذي يفرض على الدول:

 تجريم تمويل الإرهاب، مراقبة التحويلات المالية المشبوهة، تبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول الأخرى، التعاون القضائي وتسليم المطلوبين.وقد طبّق العراق ذلك من خلال تشريع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة 2015، من خلال التعاون مع لجنة مكافحة الإرهاب (CTC).حيث يقدّم العراق تقارير دورية إلى لجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، ويوضح فيها الإجراءات الأمنية والقانونية المتخذة، والخطوات الإصلاحية في القطاع المالي والأمني.

وايضا لم تقتصر جهود العراق على الإطار الأممي، بل امتدت إلى التعاون الإقليمي:الاتفاقيات العربية، لذا انضم إلى: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998، منظومة التعاون الأمني عبر مجلس وزراء الداخلية العرب. بينما ساهم في التحالفات الدولية عن طريق المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش (منذ 2014) والتعاون الأمني والاستخباري مع الدول المجاورة مثل الأردن، تركيا، إيران، والسعودية.

وكذلك استفاد من برامج التدريب والدعم الفني المقدمة من الولايات المتحدة، بريطانيا، الناتو، والاتحاد الأوروبي لبناء قدرات قواته الأمنية.

وكان لانضمامه في الاتفاقيات الدولية في تطوير الإطار التشريعي لمكافحة الإرهاب، من خلال:

1 - قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة (2005).

يعد الركيزة الأساسية للتجريم والعقاب، حيث: يجرّم كل الأفعال التي تهدف لبث الرعب والإخلال بالأمن، يفرض عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على أغلب الجرائم الإرهابية.

2 - قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة (2015).

جاء استجابة للالتزامات الدولية، ونص على: تجريم التمويل المباشر وغير المباشر، إنشاء مكتب للإبلاغ عن الجرائم المالية (AML Office)، الرقابة على المصارف ومؤسسات التحويل المالي.

ولأجل تعزيز التعاون القضائي الدولي، وافق العراق على: تبادل المطلوبين في قضايا الإرهاب، الاعتراف المتبادل بالأحكام في بعض الاتفاقيات الثنائية، وتجدر الاشارة إلى ان التحديات التي تواجهه في مجال مكافحة الارهاب تتجسد في عدة صعوبات منها:

•التحديات الأمنية الداخلية بسبب بقايا التنظيمات المسلحة.

•ضعف القدرات التقنية في تتبع تمويل الإرهاب رغم التحسن الملحوظ.

•غياب قاعدة بيانات وطنية موحدة تربط جميع الأجهزة الأمنية.

•الحاجة إلى تطوير قوانين مكافحة الإرهاب بما يتناسب مع المعايير الدولية، خاصة في مجالات:

1 - حقوق المحتجزين.

2 - ضمانات المحاكمة العادلة.

3 - موازنة الأمن مع حقوق الإنسان

لقد كان لانضمام العراق إلى الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب دور كبير في تعزيز قدراته التشريعية والأمنية، كما شكّل إطارا تعاونيا ساعد الدولة على استعادة جزء كبير من استقرارها بعد مواجهة أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم.

 ومع ذلك، يبقى تطوير التشريعات، وتحسين قدرات الأجهزة الأمنية وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي، عوامل ضرورية لضمان استمرار نجاحه في مكافحة الإرهاب على المدى الطويل.